الانكشاف جسر الوصول للأصالة
مها خالد طيبة، مستشارة في الاستراتيجيّة والقيادة وجودة الحياة ومؤسسة شركة "رُمَّان"
الانكشاف (Vulnerability)، هو الفعل الشجاع الذي يسمح لنا بأن نُظهر أنفسنا ونُسمع أصواتنا للآخرين بكلّ صدق وصراحة، دون أي ضمانات للنتيجة وردة الفعل. ويشمل ذلك تقبّل إظهار عيوبنا والاعتراف بها وبأننا -في كثير من الأحيان-غير قادرين على التحكّم في كلّ مجالات حياتنا، بما في ذلك مخاوفنا العميقة، وصراعاتنا العاطفية وأحلامنا للمستقبل، فإنّ مشاركة ذلك بإرادة مع الآخرين يسمح للعلاقات الحقيقية بالتعمّق والازدهار. الانكشاف هو استعدادنا للظهور بأصالة ودون تنقيح، حتى في لحظات الانزعاج أو الخوف أو الحب، ويتضمّن أيضاً الاعتراف بالمشاعر والتجارب المختلفة والتعبير عنها (بالقول والفعل) دون الاختباء وراء الأقنعة التي كثيراً ما نلبسها في المجتمع لنحمي أنفسنا من آراء الآخرين وردات فعلهم التي قد تسبب لنا الألم أو الشعور بالحرج أو حتى الخزي.
إقرئي أيضاً: 6 خطوات تساهم في ازدهار العافية
الانكشاف يخلق بيئة من الثقة والانفتاح، فعندما نشارك الآخرين مخاوفنا وآمالنا ومشاعرنا الحقيقية، يشجّعهم ذلك على الانكشاف أمامنا أيضاً ممّا يساهم في بناء الثقة التدريجي والحقيقي بين الطرفين. الانكشاف ليس ضعفًا بل قوّة تثري العلاقات، إنّه عمل شجاع يعزز التطور الشخصي والمرونة في تقبل الاختلاف مع الآخرين وينمّي التعاطف ويشجع على الحوار الشفاف والمخلص والخالي من التظاهر أو الأجندات الخفية.
كثيراً ما تمرّ علينا حوارات مع أشخاص بدأت علاقتنا بهم بطريقة سطحية نسألهم عن أخبار يومهم ويسألونا، وفي لحظة معيّنة قرّر أحدنا أن ينكشف أمام الآخر ويخبره بشيء أعمق، بشعوره بالقلق بخصوص موضوع شخصي مثلاً، أو إخباره بأمر يثقله في عمله أو مشاركته أحداث محورية تعرّض لها في السابق ولا تزال تؤثر فيه. وفي جلسة حوار واحدة، تتحوّل العلاقة من علاقة سطحية عادية إلى علاقة أصدق وأهمّ بين اثنين تجمعهما رغبتهما في خلق مساحة آمنة متبادلة تتطوّر بها علاقتهما... ذلك هو الانكشاف الذي يبني جسوراً متينة لعلاقة أعمق وأجمل مع الآخرين.
من المحزن أن يمرّ بنا الزمن ونحن نرتدي أقنعة كثيرة وبخاصة مع الأشخاص الأقرب لنا، فكلّما سقط قناع سقط معه حِملُه المرهق الذي كان يُثقل العلاقة وكأنّه حاجز يمنعنا من الدخول إلى عالم الطرف الآخر، ذلك العالم الحقيقي والمُلوَّن والمختلف والجدير بالاهتمام والتقبّل.
الدعوة للانكشاف مع الآخرين دعوة مفتوحة للجميع ولكن لا يعني ذلك أن نضع ثقتنا في أيدي من لا يستحق، وإنمّا هي في البداية دعوة خاصة لتعميق العلاقة مع من يهمّهم أمرنا ويهمّوننا، وكلما مارسنا الانكشاف معهم كلما اقتربنا لنفسنا الحقيقية التي تستحق أن تظهر تدريجياً وباتزان أمام الجميع حتى يصبح الإنكشاف مهارة نوظفها بإتقان لنبني علاقات سليمة مع الآخرين.
إقرئي أيضاً: 6 قواعد أساسيّة لعلاقة سليمة مع الآخرين
من هم الأشخاص الذين ننكشف أمامهم اليوم براحة؟ هل الفجوة بين ذواتنا الحقيقية وما نظهره للآخرين كبيرة؟ هل نعيش حياتَين أو ثلاثة بحسب الأشخاص الموجودين معنا في تلك اللحظة؟ من نحن في الحقيقة؟ وهل نسعى للتواجد مع الآخرين بأصالة دون "الفلتَرَة"؟ كلّها أسئلة مهمة والانكشاف هو جسر الوصول للإجابة... الانكشاف جسر الوصول للأصالة التي نسعى لها...
إقرئي أيضاً: اهمية هرمونات السعادة الأربعة في حياتنا وأثرها على جودة الحياة
