6 خطوات تساهم في ازدهار العافية

الإعداد: Maha Taibah

مها خالد طيبة مستشارة في الاستراتيجيّة والقيادة وجودة الحياة ومؤسسة شركة "رُمَّان"

تعَدّ جودة الحياة والرفاه من أهمّ الأمور التي نسعى لها جميعاً، ومفهوم جودة الحياة بمعناه الواسع يشمل الكثير من الأمور مثل مستوى التعليم والصحّة الجسديّة والنفسيّة والشعور بالأمن والقدرة على تحقيق الذات والإستمتاع بأوقات الفراغ وغيرها من الأمور التي تهمّنا. وقد يصعب علينا أحياناً تقييم مستوى الرفاه لدينا بمعايير واضحة وحيادية، ممّا يجعلنا نبالغ في التركيز على جانب واحد ينقصنا فيسبّب لنا التوتر وقد لا نعطي اهتمام لجوانب أخرى تحتاج من وقتنا وجهدنا أيضاً. الهدف من وجهة نظري هو أن نتعرّف على آلية وإطار نستطيع من خلاله تقييم حياتنا بشكل سريع في كلّ لحظة وبطريقة شاملة.

ومن هذا المنطلق بحثت عن طرق مختلفة لتحقيق ذلك، فاخترت أن أستعرض معكم إطار بيرما (PERMAH) وهو إطار معروف في علم النفس الإيجابيّ والذي طوّره البروفيسور Martin Seligman في جامعة Pennsylvania في الولايات المتّحدة. يُعتبر البروفسور مؤسّس علم النفس الإيجابيّ وهو يؤمن أنّ هدفنا في الحياة ليس مجرّد السلامة من الأمراض النفسية ولكن قدرتنا على أن نطوّر صحّتنا النفسية ونحسّنها ونوظّفها لخدمة جودة حياتنا وازدهارها. وبذلك أصبح الإزدهار والرفاه المستمرّ هو الغاية وليس فقط السلامة من المرض النفسيّ. يعَدّ إطار بيرما من أكثر الإطارات القائمة على الأبحاث والبراهين وأكثرها واقعيّة ويمكن تطبيق أنشطتها بسهولة.

ما المقصود بالمشاعر الإيجابيّة؟

يتكوّن إطار بيرما من ستّ عناصر تساهم في ازدهار الإنسان وعافيته. أولاً المشاعر الإيجابيّة، ثانياً الاندماج والانسياب في العمل، ثالثاً العلاقات، رابعاً المعنى، خامساً الإنجاز، سادساً الصحة. والمقصود بالمشاعر الإيجابيّة هنا متجسّد في بعض الأسئلة مثل، كم مرة يراودنا شعور إيجابي خلال اليوم؟ ما هي الأنشطة التي تزيد من هورمونات السعادة في جسدي؟ هل أنا واعية بهذا الشعور في جسدي؟ يُعتبر تعزيز المشاعر الإيجابية أمراً مهماً لتحسين جودة الحياة. فكلما زاد عدد المرات التي نشعر فيها بالسعادة والإيجابية، كلما تحسّنت حالتنا النفسيّة. ويمكن تعزيز المشاعر الإيجابية عن طريق ممارسة الأنشطة التي تساعد على زيادة هرمونات السعادة في الجسم، مثل ممارسة الرياضة والاستماع إلى الموسيقى المفضّلة لدينا والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية وغيرها.

كما يساعدنا التعرّف على مدى الاندماج والانسياب في العمل أو النشاط الذي نقوم به للإجابة على بعض الأسئلة مثل هل أنا أدرك نقاط قوّتي؟ هل المهام أو الأنشطة التي أقوم بها متناسقة مع قدراتي؟ هل تتّحدى قدراتي بالقدر الكافي الذي يجعلني أنساب في العمل من دون أن أدرك مرور الوقت أو أن المهام صعبة فتشعرني بالإحباط أو سهلة فتعطيني الأمل؟ يصعب علينا الوصول إلى جودة حياة نرضى عنها من دون أن نسخّر وقتاً كافياً لمعرفة نقاط قوتنا وما نتميّز به كأفراد في هذا العالم، فكلّ واحد منّا لديه"خلطة خاصة" من المميزات والمهارات والسمات التي تجعله يبدع في مكان دون الآخر، وأوّل مرحلة في أن نعمل ما نحبّ ونحبّ ما نعمل هو أن نتعرّف على هذه الخلطة الخاصة بنا. ونتعرّف على مدى جودة علاقاتنا من خلال التفكير في أسئلة مثل: هل لدي شخصين أو أكثر أكون معهما على طبيعتي الحقيقية من دون أقنعة مزيّفة؟ هل أشعر تجاههم بالثقة والاحترام والحبّ؟ هل أستطيع أن أعتمد عليهم وقت الأزمات وهل يفرحوا بصدق لنجاحاتي؟ من أهمّ ما يميّزنا كبشر هو قدرتنا على التواصل والتفاعل مع الآخرين وتبادل المشاعر والتعاطف. والعلاقات هي خط الدفاع الأول ضدّ الاكتئاب، فتخدمنا علاقاتنا عندما نكون بأمسّ الحاجة إلى من يواسينا أو يشجّعنا، أو يضحك أو يبكي معنا. فالشعور بالوحدة من أخطر المشاعر التي تصيب البشرية. واستثمارنا في العلاقات الحقيقيّة هو من أهمّ الاستثمارات التي تستحقّ الجهد والوقت. أمّا تعريفي لمفهوم المعنى فهو ببساطة أن أدرك ما هو دوري في الحياة. هل أعرف قيمي الأساسيّة؟

هل هي متّسقة مع قيم المجتمع القريب من حولي؟ هل تتماشى تصرفّاتي وعاداتي مع ما أتطلع إلى تقديمه لمجتمعي ولوطني؟ لا يعرف المرء نفسه ما لا يعرف ما هي القيم التي يؤمن بها ويعيش من خلالها، وتساعدني معرفة أهمّ خمس قيم تحرّكني في اتّخاذ القرارات المصيريّة ويفكّ شيفرة ردود أفعالي خلال اليوم. فإذا كان اليوم "سعيداً" فغالباً ما يكون هناك مواقف متسقة مع قيمي والعكس صحيح. أمّا اليوم الذي أعتبره يوماً "سيئاً" فقد حصلت خلال -على الأغلب- مواقف تتعارض مع قيمي.

يساعدنا التعرّف على قدرتنا بالشعور بالانجاز لنتساءل عمّا إذا يجب أن أنتظر لنهاية العام أو للانتهاء من مواقف الإنجاز الكبيرة حتى أحتفل بإنجازاتي. هل أحتفل بكلّ إنجاز مهما كان صغيراً خلال اليوم؟ هل أستصغر إنجازاتي ولا أعترف بها؟ إنّ الاحتفال بالإنجارات بمثابة الوقود الذي يحمّسنا لمواصلة الطريق. فإن لم نهدأ ونستشعر الوقائع الإجابيّة الناتجة عن مجهود قدّمناه مهما كان بسيطاً، تصبح الحياة السعيدة مشروطة بمواقف تحتاج إلى جهد كبير وقد تأتي في وقتها أو تتأخّر، وبذلك تمضي الأيام والسنين من دون الاستمتاع بلحظة الإنجاز مهما كان بسيطاً.

وختاماً أعتقد أنّ مفهوم الصحة من أكثر المفاهيم التي يتمّ الترويج للاهتمام بها، لكن نحن هنا نحاول أن نوسّع مداركنا في فهمنا للصحة. فنتساءل: كيف أتحرّك؟ كيف أتنفّس؟ كيف أتغذى؟ كيف أنام؟ ناهيك عن اهتمامنا بصحّتنا النفسية، كيف أشعر؟ كيف أفكّر؟ ما هي ردود فعلي وما هي البرمجيات التي تتحكّم في اختياراتي؟ أجسامنا هي معجزة الخالق التي وضعها أمانة بين أيدينا، وكلّ يوم يتقدّم العلم ونكتشف أشياء جديدة عن أجسادنا، لذلك من الضروري أن نواكب أحدث الأبحاث لنتمكّن من تقديم أفضل خدمات الصيانة لأجسادنا التي تسمح لنا بالقيام بكلّ ما نطمح إليه. فتساعدنا جودة الحياة من خلال إطار بيرما لنضع خططاً وأنشطة تحفزّنا على الاهتمام بكلّ العناصر، وأتطلّع إلى عرضٍ مفصّل عن كلّ عناصر بيرما في المقالات القادمة بهدف تقديم بعض الأمثلة العمليّة عنها.

إقرئي أيضاً: تحسين صحة الموظفين الصحية في مكان العمل مع Maha Taibah

 

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث