في المقالات السابقة تحدّثنا عن إطار PERMAH لجودة الحياة وتطرّقنا للمشاعر الإيجابية ولبناء علاقات سليمة مع الآخرين. لكن ماذا عن الاندماج Engagement والوصول لحالة الانسجام في العمل أو الأنشطة التي نقوم بها خلال اليوم؟
الإعداد: Maha Taibah
مها خالد طيبة، مستشارة في الاستراتيجيّة والقيادة وجودة الحياة ومؤسسة شركة "رُمَّان"
هناك حالة من الصخب التي تسيطر على حياتنا أحياناً، ولكن يقابلها حالة إيجابيّة وجوديّة يمكن أن نسمّيها حالة الانسجام State of flow. الانسجام هو تلك اللحظة الساحرة عندما يختفي مفهوم الزمن، ونستسلم فيها للحظة، ونصبح متوحّدين تماماً مع هدفنا. إنّها المساحة التي تتزامن فيها رقة الانكشاف والتجلي مع الرغبة الشديدة في الاستمرار، حيث يرقص الإبداع مع الانضباط، ومن خلال هذا التزامن تمتزج القدرة مع المهارة لتواجه القدر المناسب من التّحدي.
يزعم البروفيسور تشيكسنتميهالي وهو من عُرف بكتابه الشهير "Flow: The Psychology of Optimal Experience" بأنّ مفهوم السعادة يجب أن يُستبدل بالبحث عن الانسجام، حيث أسهمت تجارب الانسجام بشكل كبير في الشعور بالرضى طويل الأمد عن الحياة.
كيف يمكننا أن نصل لهذة الحالة الأصيلة والتي تعبّر عن ما بداخلنا من طاقة وقدرة وهدوء داخلي... هناك ستّ علامات تشير إلى أنّك حقًا في تلك الحالة الرائعة من الانسجام...
إقرئي أيضاً: 6 قواعد أساسيّة لعلاقة سليمة مع الآخرين
- يتلاشى الزمن: عندما تكون في حالة الانسجام، يتلاشى مفهوم الزمن. الساعات تبدو كالدقائق، ولا تشعر بالقلق تجاه الماضي ولا المستقبل، أنت منغمس في الآن، كما لو أنّ العالم الخارجي غير موجود، وكلّ ما يبقى هو جوهر اللحظة الحالية.
- لا جهد مع المجهود: الانسجام مثل ماء النهر المنهمر الذي يحملك بكلّ خفة إلى هدفك. المهام التي قد تبدو صعبة في البداية تصبح طبيعية و سلسة. تشعر بأنّ التحدي ليس صعباً لدرجة الإحباط ولا سهلاً لدرجة الملل، بل هو متناسب ومتّزن تماماً مع مهاراتك وقدراتك.
- التركيز والانغماس الشديد: في حالة الانسجام، يصبح تركيزك مُركزًا جدًا. تتّضح الصورة وتختفي المُشتتات والمُشككات، وكأنّك آداة موسيقية تلعب دورها بكلّ اتقان، مندمجة تماماً مع السيمفونية ومدركة وبكلّ ثقة، نغمة اللحظة التي ستطرب الجمهور.
- الدافع الداخلي: الانسجام يدفعه الدافع الداخلي بدلاً من المكافآت الخارجيّة. أنت لا تفعله من أجل المال أو الشهرة؛ ولا تحتاج أن يقنعك به أحد، بل تفعله لأنّه يتّسق مع قيمك ويجلب لك سعادة كبيرة، وهذا الدافع الداخلي مهمّته تغذية شغفك ورحلتك في الحياة.
إقرئي أيضاً: 6 خطوات تساهم في ازدهار العافية
- لا تخشى الانكشاف: الانكشاف هو الحالة التي تكون فيها منكشفاً بمشاعرك، وكيف تعبّر عنها، وبأخطائك ونتائجها ودروسها، تكون منكشفاً على العالم بنفسك الحقيقيّة بدون الأقنعة الاجتماعيّة وبدون خوف من الخزي أو الفشل. في حالة الانسجام يصبح الانكشاف حليفك لأنّك تدرك أنّ السعادة التي تأتي من خوض تجربة بانسجام تام، أجمل وأهمّ بكثير من أي مخاطر وهميّة ممكن أن تقف بطريقها وهذا الشعور في صميم العمليّة الإبداعية الأصيلة.
- الشعور بالتكامل: الانسجام يجلب شعورًا بالتشبع من الداخل. وكأنّك تعثر على قطعة من الPuzzle المفقودة تكمّل بها صورة حياتك. في هذه الحالة تشعر بالاتّصال بشيء أكبر من ذاتك، و يصاحب هذا الاتصال شعور عميق بالرضا.
إقرئي أيضاً: اهمية هرمونات السعادة الأربعة في حياتنا وأثرها على جودة الحياة
