جوي عجلوني شخصية مثيرة للجدل تكسر جميع المقاييس

حوار: ميريام نجم

تصوير: فيكرام غوود

دخلنا على جوي عجلوني في مكاتب شركتها يوم أربعاء مشمس، فاستقبلتنا بضحكة عريضة وعفوية تحاكي السروال القصير وأحذية الرياضة التي كانت ترتديها والتي لا تمد للرسميّة بصلة. هذه هي جوي، طبيعية إلى أقصى الحدود ولا تعير أي أهمية للمظاهر وهو بلا شكّ أحد أسرار نجاحها... جلسنا نحاورها عن حياتها، عملها، أذواقها ونظرتها إلى المرأة العربية عامّةً ووضعها في مجال العمل.

إقرئي أيضاً: ثمن الدراسة في الخليج:أمـهات يشاركــن همومهنّ ، المصمم Roland Mouret المرأة في الشرق الأوسط عصرية جداً ، تمثالا براد بيت وأنجلينا جولي… يبتعدان عن بعضهما البعض!

تخبرنا جوي عن حفل تخرج دعيت مؤخراً للتحدث خلاله في الأردن، من قبل الملكة رانيا العبدالله، وعن الT-Shirt البرتقالي الذي يحمل شعار شركتها Fetchr الذي ارتدته في ذلك اليوم... لا شكّ في أن قلّة اكتراثها أثارت استياء واستغراب الكثيرين (والكثيرات)، إلا أن الملكة رانيا رأت أسلوبها منعشاً ومريحاً.

ولكن لا تدعوا مظهر العفوية والT-Shirt البرتقالي يغشكم، فخلف حسّ الفكاهة تقبع سيدة أعمال شرسة سلاحها الرئيسي الإرادة والعزم. فهي لا تعرف معنى الإستسلام وهذا الذي سمح لها أن تنجح كرائدة أعمال في الولايات المتحدة أولاً، وبالأخص في وادي السيليكون في ولاية كاليفورنيا، حيث أسست عام 2011 منصة إلكترونية للعلامات التجارية الفاخرة Bonfaire، قبل أن تبيعها لعملاق الموضة Moda Operandi عام 2013. أما شركتها الحالية Fetchr، وهي شركة شحن وتوصيل تعمل من خلال تطبيق هاتفي يتم تشغيله من خلال نظام الGPS، فجمعت من أجلها رؤوس أموال وصل مجموعها إلى 11 مليون دولار أميركي.

امرأة لا تكترث للمظاهر

وبالحديث عن فعالية أخرى تحدثت خلالها في دبي مؤخراً، مرتدية الT-Shirt البرتقالي الشهير، تشير جوي إلى أن السبب لعدم اكتراثها للمظاهر هو أنها مرتاحة مع نفسها تماماً. وتكمل قائلةً: "تمضي المرأة كل حياتها تبحث عن هويتها، إما كأم أو زوجة أو سيدة أعمال. ولا تكتشف هويتها الفعلية إلا بعد الوصول إلى حالة ارتياح كاملة ومصالحة مع نفسها وشكلها، من دون الشعور بضرورة الإعتذار عن الموضوع".

ولا شكّ في أنها واجهت مشكلة إثر تصادم عقليتها الحرّة مع المجتمع العربي والخليجي المحافظ. فعلى الرغم من كونها فلسطينية الأصل، نشأت جوي في الولايات المتحدة، في بيئة منفتحة تختلف عن الشرق الأوسط. وقد دفعها العمل في منطقة الخليج إلى محاولة تعديل طريقة التعبير عن شخصيتها بعض الشيء لملاقاة عقلية المجتمع، وذلك نتيجةً لظهورها كشخصية مثيرة للجدل في الإعلام العربي. لا تخجل جوي من الإعتراف بأنها تعبر عن أفكارها بشكل مباشر ومن دون أي تغليف، بعكس معظم الناس في العالم العربي الذين يقلقون كثيراً على صورتهم، فيغلفون جميع أفكارهم. ففي مؤتمر Step 2016، حين سؤلت عما يزعجها في أصحاب رؤوس الأموال، أجابت بكل صراحة أنها مشغولة في إدارة شركتها والتوظيف ومحاربة المنافسين وتوسيع أعمالها وليس لديها الوقت لمراعاة مشاعر المستثمرين. فأثارت إجابتها ضجةً كبيرة وفي اليوم التالي طُبع الحديث في ستّ مجلات، وبرأي جوي تلك هي إحدى وسائل التسويق التي تجذب الصحافة.

ثقافة الKardashians تعاكس مبدأ تمكين المرأة

وتعبّر جوي عن امتعاضها حيال ثقافة الجيل الجديد، قائلةً: "ما يحزنني في أيامنا هذه هو ثقافة الKardashians السائدة لدى المراهقات والشابات. متى عدنا إلى الوراء؟ لقد رجعنا 20 عامٍ إلى حيث كانت النساء مهووسات بعمليات التجميل وبتكبير تضاريسهنّ. إن شابات اليوم غارقات في عالم من النرجسية والselfies والlikes على مواقع التواصل الإجتماعي. هل هذا كل ما نكترث له؟ الجمال ولفت انتباه الآخرين بتضاريسنا؟ هذا برأيي يعاكس مبدأ تمكين المرأة تماماً".

وعن مكانة المرأة في ريادة الأعمال، تعبر جوي عن مدى فخرها في شركتها Fetchr وهي الشركة الناشئة الوحيدة في الإمارات التي يتم تمويلها من وادي السيليكون في الولايات المتحدة. وكما تشير إلى أن مشكلة رائدات الأعمال  ليست خاصة بالعالم العربي، بل تظهر أيضاً في الولايات المتحدة حيث الشركات الجاذبة لرؤوس الأموال التي تديرها السيدات لا تتعدى ال2.7%. وبرأيها على هذا المعدل أن يبلغ 30 و40%، وهي تأمل أن يصبح نجاح شركتها مثالاً عن قدرة المرأة على إدراة شركات ناشئة تستحق الحصول على رؤوس أموال.

لا تنسي أهدافك الشخصية!

وحول دور التربية في تغيير العقليات المتعلقة بتفعيل دور المرأة العربية، تقول جوي إن الشرق الأوسط ما زال يدور حول فكرة أن الزواج والإنجاب هو الهدف الرئيسي في حياة المرأة. "أنا مثلاً لست متزوجة، تقول جوي، وحين أقول ذلك للناس يستغربون جداً وتشير ردة فعلهم إلى أنني كامرأة فشلت في مهمتي الأساسية في الحياة، وهذا أمر مضحك جداً. بصراحة، إنني لا أفهم لما على هوية المرأة أن ترتكز على هوية الذي تتزوجه. لما الرجل هو الهدف؟ لما لا تكون المرأة هي الهدف الأسمى؟ إن دور المرأة في الشرق الأوسط تقليدي جداً، فحين تبلغ الفتاة ال21 تبدأ الأسئلة حول موضوع الزواج. والمؤسف أن العديد من الفتيات لا يحصلن على شهادات جامعية لاستثمارها بالشكل الصحيح، بل لتفعيل قدرتهنّ على الحصول على زوج من مستوىً مرموق! وعلاوةً على ذلك، إن المرأة التي تستثمر نفسها في موضوع الزواج تنسى أن في أيامنا هذه الطلاق شائع. ونجد أن هناك العديد من السيدات المطلقات اللواتي يفقدن هويتهنّ بعد الطلاق. فالمرأة المطلقة كانت زوجة شخص ما وأم أولاده، هذه كانت هويتها. ولكن من أنت خارج إطار الزواج والأمومة؟ هذا هو السؤال والتغيير الذي يطرأ اليوم. لا مشكلة في الزواج، ولكن على المرأة ألا تنسى هويتها كامرأة أولاً، وأهدافها الشخصية التي تسعدها".

المثابرة هي الميزة الرئيسية لدى كل رائدة أعمال

لم تكمل جوي المشوار كإدارية في عالم الشركات، فهي رائدة أعمال بالفطرة وتعتبر أن مسيرة ريادة الأعمال لا تصلح للجميع وتتطلب شخصية معينة يمكنها، من بين أمور أخرى، تقبل الرفض والنبذ وتقبل النقد اللاذع من دون الإستسلام والشعور بالإحباط. برأيها إن الميزة الرئيسية لدى كل رائدة أعمال هي المثابرة قبل أي شيء آخر. "لست خريجة إحدى الجامعات الكبرى المرموقة على غرار Harvard أو Stanford، بل درست في جامعة George Washington، تقول جوي. لم أكن يوماً الأذكى في الصفّ، ولكن الإرادة والمثابرة أوصلاني إلى حيث أنا اليوم”.

وعن حلمها ومشاريعها المستقبلية، تعترف جوي بأنها تحلم أن تقوم بطرح عام أولي في البورصة وأن تبني شركة تساوي المليارات وتؤلف كتاباً في يوم من الأيام عن مسيرتها المهنية ونجاحها كشخص حاول الكثيرين إثباط عزيمته وبصفتها امرأة في الشرق الأوسط. إن هدفها هو أن تظهر للمرأة العربية أن النجاح لا يتطلب الإمتياز، بل المثابرة والإرادة.

التمرّد ضد التقاليد

سألناها عن أمها والتربية التي تلقتها، فضحكت وقالت: "أمي لاجئة فلسطينية، سيدة شرقية محافظة أمضت كل حياتها تقلق عما يقوله الناس، وكنت أثير جنونها! لكنها أورثتني الروح القتالية وغريزة البقاء التي يتمتع بها اللاجئين الفلسطينيين. وكلما كانت محافظة أكثر بتعاملها معي، كلما كنت أتمرّد أكثر. وأعتقد أن لها فضل في وصولي إلى حيث أنا اليوم من جراء تمرّدي على التقاليد. وأصرت عليّ كثيراً لأتزوج طبعاً، لكن في نهاية المطاف فهمت أن عقليتي لن تتغير وأنني سأسعى لتحقيق أحلامي الخاصة وليس أحلامها. أما والدي فلطالما دعمني ودفعني لأحقق ما أريد من دون أي تردد. وفي الحقيقة إستمديت قوتي منه، فلم يكن رجلاً تقليدياً أبداً، بل منفتحاً جداً، فدعمني ومنحني القوة لكي لا أخاف من الفشل".    

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث