الحواس الخمس: الاستفادة الكاملة منها وتطويرها ودورها في التجارب المستقبلية
- 16.07.2024
- إعداد: أرزة نخلة
الحواس الخمس: الاستفادة الكاملة منها وتطويرها ودورها في التجارب المستقبليّة!
غالباً ما ننظر إلى الدماغ على أنّه نظام مركزيّ يفسّر الإشارات التي يتلقّاها من الجسم ويفهمها. ومن بين تلك الإشارات، الحواس الخمس التي تربطنا بأنفسنا وبمحيطنا! في هذا التحقيق نناقش مع الدكتور Arif Khan كلّ ما يتعلّق بحواسنا وكيفية الاستفادة منها على أفضل وجه وكذلك دورها في تجاربنا المستقبلية! يتمتّع الدكتور Khan، مؤسّس ومدير مركز Neuropedia للعلوم العصبية للأطفال في دبي بخبرة واسعة في التعامل مع مختلف الحالات العصبية لدى الأطفال مثل الصرع والصداع واضطرابات النوم وحالات الأيض العصبي والحالات العصبية الوراثية والسلوكية والتوحّد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه وفرط النشاط، بالإضافة إلى خبرته في تحفيز العصب المبهم والنظام الغذائي الكيتوني للأطفال المصابين بالصرع المقاوم للأدوية. يشغل الدكتور Khan منصب استشاري طب أعصاب الأطفال في مستشفى King’s College London Hospital في دبي، وهو بروفيسور مشارك في جامعة محمد بن راشد في دبي. ويقدّم على قناته على يوتيوب التي تحمل اسمه بودكاست بعنوان Scrubs and Suits. يربط هذا البودكاست بين عالمَي الطب والإدارة من خلال استكشاف التقاطع الديناميكي بين ممارسة الرعاية الصحية وإدارتها مع ضيوف خبراء من الأطباء ومدراء في المجال. من غرفة العمليات إلى غرفة مجلس الإدارة، يتعمّق معهم في التحديات والابتكارات والرؤى التي تشكّل قطاع الرعاية الصحية اليوم. تابعينا في السطور التالية حيث نستكشف معه حقائق عديدة عن حواسنا وكيفيّة تطويرها.
إذا أردنا أن نحلّل العلاقة بين الدماغ وحواسنا الخمس بطريقة بسيطة، كيف يمكننا تعريفها؟ يشرح الدكتور Khan قائلاً: "العلاقة بين الدماغ وحواسنا الخمس (البصر والسمع والتذوّق والشمّ واللّمس) هي مثل نظام معقّد ومترابط يعالج المعلومات التي نتلقاها من بيئتنا ويفسّرها. تعمل الحواس الخمس كمستشعرات تجمع المعلومات الأولية من محيطنا. ثم تنتقل هذه المعلومات عبر مسارات عصبية إلى مناطق محدّدة في الدماغ لمعالجتها. وكلّ حاسة لديها منطقة مخصّصة في الدماغ تعالج الإشارات الواردة وتفسّرها. فتعالج القشرة البصرية في الفص القذالي للدماغ المعلومات الواردة من العيون، بينما تعالج القشرة السمعية في الفص الصدغي المعلومات الصوتية الواردة من الآذان. ويأخذ الدماغ هذه البيانات الحسية الخام ليترجمها إلى معطيات ذات معنى تسمح لنا بفهم بيئتنا والتفاعل معها. وتعمل هذه الحواس معاً في عملية تسمّى الإدراك متعدّد الوسائط، ممّا يمكّن الدماغ من خلق فهم شامل لمحيطنا من خلال الجمع بين معطيات حسيّة متعدّدة".
نتابع حديثنا مع الدكتور Khan ونسأله عن الطريقة التي يجمع بها الدماغ بين الإشارات التي يتلقّاها من حواسنا المختلفة والصور والسلوكيات المألوفة لديه من أجل اتّخاذ القرار بشأن كيفية التصرّف أو ردّ الفعل في مواقف معيّنة؟ فيشرح لنا: "تلعب قدرة الدماغ على معالجة المعلومات الصادرة عن حواسنا وتفسيرها دوراً حاسماً في تحديد أفعالنا وردود أفعالنا. وتتضمّن هذه العملية المعقّدة مراحل متعدّدة: أولاً، تنتقل المعلومات الحسيّة إلى الدماغ، حيث تخضع للمعالجة والتحليل. تعتمد الشبكات العصبيّة في الدماغ على الخبرات السابقة والسلوكيات المكتسبة لتحديد سياق هذه الإشارات الواردة ومعناها. وتشمل الآليات الرئيسة المشاركة في هذه العملية التكامل الحسّي والتعرّف على الأنماط والذاكرة والتعلّم. يجمع التكامل الحسّي بين المعلومات الواردة من الحواس المختلفة لخلق رؤية موحّدة لمحيطنا، ممّا يمكّن الدماغ من التعرّف على الأنماط المألوفة واتّخاذ قرارات سريعة. توجّه ذكريات التجارب السابقة تفسير الدماغ للمعلومات الحسية وتوجّه استجابته للمحفّزات. كما يقوم الدماغ بتحديث وصقل فهمه للعالم باستمرار بناءً على التجارب والمعلومات الجديدة. وأخيراً، تسمح العمليّات الإدراكية مثل الانتباه والتخطيط وحلّ المشاكل للدماغ بتقييم الإجراءات المحتملة وعواقبها، ممّا يسهّل اتّخاذ قرارات مدروسة استجابةً للمعطيات الحسيّة."
الاستفادة الكاملة من حواسنا!
نسمع أحياناً أنّ بعض الكائنات تتمتّع بميزة الحواس الأكثر تطوّراً من غيرها. ما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟ "تتطوّر لدى الكائنات قوى حسيّة متفاوتة استجابةً للضغوط التطوّرية والظروف البيئية. وتساهم العوامل البيئية واستراتيجيات البقاء والنجاح في التكاثر وطرق التكيّف الفريدة في القدرات الحسيّة المتخصّصة لدى الكائنات المختلفة. وتعكس هذه الحواس المتخصصة تفاعلاً معقّداً بين البيولوجيا والبيئة، حيث يطوّر كلّ كائن قدرات فريدة من نوعها ليزدهر في بيئته. فقد تعزّز مثلاً المساحات ذات الإضاءة المنخفضة حاستَي السمع أو الشمّ بشكل أكبر، في حين أنّ البيئات الغنيّة بصرياً تفضّل البصر للملاحة والتواصل. وفي نهاية المطاف، يشكّل التاريخ التطوّري والسياق البيئي للكائنات تطوّر حواسها". إذاً، ما الذي يمكننا فعله للاستفادة الكاملة من حواسنا وتطويرها؟ يقترح طبيب أعصاب الأطفال أنّ "ممارسة اليقظة الذهنية والانخراط في الأنشطة التي تعزّز الوعي والتواجد في اللحظة، مثل التأمّل أو اليوغا أو ببساطة التركيز على النفَس. يمكن أن يساعد ذلك في صقل الحواس وتحسين المعالجة الحسيّة بشكل عام".
ويتابع: "فيمكن المشاركة في الأنشطة التي تتحدى حواسك، مثل التعرّف على الروائح أو القوام أو الأصوات المختلفة. تدرّبي مثلاً على تحديد المكوّنات في الطبق أو التمييز بين النغمات الموسيقية المختلفة. يمكنك أيضاً اختبار تجارب جديدة بحيث تتعرّفين على بيئات وتجارب جديدة ممّا يساهم في تحسين حواسك. سافري وتذوّقي مأكولات جديدة واستكشفي الطبيعة وشاركي في أنشطة جديدة لتحفيز جهازك الحسي. كما يمكن أن تعزّز التمارين الرياضيّة والنشاط الجسديّ المعالجة الحسيّة من خلال تحسين المرونة العصبية ووظائف الدماغ بشكل عام. ومارسي الأنشطة التي تتطلّب استخدام حواس متعدّدة، مثل الرسم أثناء الاستماع إلى الموسيقى أو الطهي أثناء شمّ المكوّنات." وبالإضافة إلى ذلك، من المعروف أن بعض الأنشطة مثل البستنة أو الطهي تهدّئ الحواس لأنّها تشرك وسائط حسيّة متعدّدة بطريقة متناغمة، ممّا يخلق شعوراً بالهدوء والاسترخاء. ويشاركنا الدكتور Khan بعض الأمثلة: "تتضمّن البستنة مثلاً التحفيز اللمسي للحفر والغرس وتقليم النباتات. ويمكن أن يكون لروائح الزهور والأعشاب والتربة إلى جانب الجمال البصري للنباتات، تأثير مهدّئ على العقل. كما يساهم حفيف أوراق الشجر اللطيف أو أصوات العصافير في خلق بيئة سمعيّة هادئة. وكذلك الأمر في الطهي، فإنّ مزج النكهات والروائح يخلق تجربة ذوقية وشمّية غنيّة. كما أن رؤية تحوّل المكوّنات، من مرحلة التحضير وصولاً إلى التقديم، تشغل الحواس البصرية وتمنح المرء شعوراً بالإنجاز. ويعزّز التحفيز اللمسي للتقطيع والتقليب والتعامل مع المكوّنات التأثير المهدّئ. فتوازن هذه الأنشطة بين التحفيز الحسّي والاسترخاء، ممّا يعزز الشعور بالهدوء والرفاهية. ومن خلال المشاركة في مثل هذه التجارب، يمكن للأفراد خلق بيئة حسية أكثر توازناً، مما يساهم في نهاية المطاف في تحسين الصحة النفسيّة والعاطفيّة".
إقرئي أيضاً: دور الحواس الخمس في الصحة النفسية
الحواس الخمس على المستوى المستقبلي
نختتم حديثنا المشوّق مع الدكتور Khan بالتطرّق إلى دور الحواس على مستوى أوسع ونسأله عن "إنترنت الحواس". فيشرح لنا قائلاً: "إنّ فكرة "إنترنت الحواس" المثيرة للاهتمام قائمة على تخيّل الوقت الذي سنكون فيه قادرين على ربط جميع حواسنا رقمياً وتكوين وجهات نظر جديدة تماماً عن العالم. وهي تتوسّع على قاعدة "إنترنت الأشياء"، التي تربط بين الأجهزة والأدوات، من خلال تضمين حواسنا في شبكة واسعة النطاق لتبادل المعلومات. تخيّلي أنّنا قادرين على إرسال واستقبال المعلومات الحسيّة عبر الإنترنت، بما في ذلك التذوّق والشمّ واللمس. قد يكون لذلك آثار كبيرة على التعليم والترفيه والتواصل. فعندما تتسوّقين عبر الإنترنت مثلاً، يمكنك أن تشمّي رائحة مقهى على الجانب الآخر من الكوكب أو تشعري بملمس القماش. لكن تطرح هذه الفكرة أيضاً تساؤلات مهمّة حول الأمن والخصوصيّة ومخاوف الحماية.
وما الدور الذي تلعبه الحواس الخمس اليوم في جمع البيانات والتطبيقات الإلكترونية والتجارب المستقبلية؟ يجيبنا: "إنّ الطريقة التي نتفاعل بها مع التكنولوجيا ونحصل بها على البيانات تتغيّر مع زيادة دمج الحواس الخمس في تجاربنا الرقميّة. لدينا التكنولوجيا القابلة للارتداء ومستشعرات إنترنت الأشياء لجمع المعطيات التي يمكنها تسجيل البيانات الحسية وتحليلها، مثل درجة الحرارة ومعدّل دقّات القلب والظروف المحيطة. يمكن أن توفّر هذه الأدوات وأجهزة الاستشعار معلومات مهمة لأتمتة المنزل الذكي والمراقبة الصحية المخصّصة. سيتمكّن المستخدمون من استكشاف العوالم الافتراضيّة والتفاعل مع العناصر الرقمية كما لو كانت حقيقية بفضل استخدام حواسنا في تكنولوجيا الواقع الافتراضي والواقع المعزّز. بالإضافة إلى ذلك، من خلال محاكاة أحاسيس اللمس، تعمل تقنية اللمس في الأجهزة المحمولة على تحسين تفاعل المستخدم. وستبقى الحواس الخمس أساسية في تشكيل تجارب جديدة مع تطوّرنا. ويمكن أن نتخيّل تطوير التذوق الرقمي مثلاً."
إقرئي أيضاً: شام الذهبي تشارك رسالة عبر ماري كلير العربية