مغامرة في اعماق الذات... كيف اعيشها؟

أنا لا أحبّ المغامرات، فبمجرّد سماع هذه الكلمة أشعر بالتعب والإرهاق وأحسّ أنّني أرغب في الاستلقاء في السرير أو أخذ قيلولة. وليس السبب خوفي من المغامرة بحدّ ذاتها إنّما هو استدراك للجهد المتطلّب بذله للقيام بما يتبادر إلى الذهن من مفهومها. ولكن في الفترة ما بين آخر شهر رمضان والعيد، لا أذكر بالتحديد كيف انتابني شعور مفاجئ بأنّني في مغامرة مع نفسي... لا أتذكر السبب حقيقةً، ولكن أعجبتني فكرة أن الإنسان قد يعيش مغامرة حقيقيّة داخليّة بمفرده. لا يعلم بها أحد، أو لا يدرك من حوله بأنّه يعيشها.

منذ أكثر من عام وأنا أشعر أنّني أعيش مغامرة في حياتي. من ينظر إلى حياتي اليوميّة من الخارج، يرى أنّها عاديّة أو أحياناً أقلّ من عاديّة حتّى، فلا توجد فيها الأحداث المثيرة أو الحاسمة. وأحمد الله على أنّها خالية من كوارث أو أحزان أو خسارة أو فقدان لشخص أو شيء عزيز، وهذه نعمة أدركها تماماً ولله الحمد! ولكن في أغلب الأيّام أشعر أنّ حياتي تسير في رتابة وانشغال وعمل وواجبات كلّنا نمرّ بها. ومن دون مقارنة نفسي مع الآخرين، وفيما الوقت يمضي ويمرّ، أرى من ينتقل إلى وظيفة جديدة ومن يتزوّج أو يسافر إلى بلد مختلف أو يفتتح مشروعاً خاصّاً ويصبح ناجحاً... فتكثر تحوّلات الحياة وإنجازات الأشخاص من حولي، أمّا أنا، فمكانك راوح. إلاّ أنّه بالنظر إلى حياتي بين العام الماضي وهذا العام، أجد أنّ الفرق كبير جداً، إنّما هو فرق داخليّ، معنويّ، فكريّ أو عاطفيّ. يصعب تفسير ذلك بكلام آخر، لكنّني سأحاول التوضيح أكثر.

مغامرة مع الذات

في تحليل مغامرتي مع ذاتي، وهو أمر مرهق بحدّ ذاته لكن شيّق لأنّه كأي مغامرة يتطلّب الجهد، اكتشفتُ أنّني لسببٍ ما، وقد أكون مخطئاً أو محقّاً في ذلك، لستُ من الأشخاص الذين تأتيهم الأشياء، بل يجب أن أذهب إليها بنفسي. ولا شكّ في أنّ الله قد حباني بنعم كثيرة لا تعدّ ولا تحصى، و قد أكرمني بمزايا وعيوب أيضاً مميّزة لي شخصياً. إنّما اتّجه مسار حياتي إلى طريق مكتوب لي وحدي، وهذه هي حال الجميع، فلا يعطي الله كلّ شيء ولا يأخذ كلّ شيء. تقبّلت (بمضض، عليّ الاعتراف) فكرة أنّ هذه هي مغامرتي في الحياة، وأن أستخدم نعمي لخوض تجربتي والسعي وراء ما أريد الحصول عليه بدلاً من أن أنتظر قدومه إليّ.

لكن طبعاً إدراك الموضوع شيء... والعمل به شيء آخر! توجّب علي أن أخطّط لذلك... أو لا أخطّط لذلك؟ فكيف تخطّط للمجهول؟

لا أعلم، لكنّني أعرف أنّ هناك مفاهيم كثيرة تتعلّق بالمغامرات، أوّلها المجهول والمبادرة والخطر والتردّد والحماس والإرتباك والرغبة والرهبة والرهان والاندفاع والحيرة والحذر. وينتج عن ذلك أيضاً الشعور بالفرح أو الفشل أو الندم أو الإنجاز أو الإخفاق أو الإحباط والاستسلام والخطأ والتّعلم، والكثير من المعاني الإنسانيّة النفسيّة التي يمكن أن تكون أو لا تكون، كلّ ذلك بالنسبة إليّ دليل على وجود مغامرة ما.

توسيع مدارك مفهوم المغامرة

لا أحبّ تقديم النصائح ولكنّ هدفي من هذا المقال هو التشجيع على توسيع مدارك مفهوم المغامرة. فقد يكون أي شعور من المشاعر السابقة مغامرة لو أردناها كذلك، تماماً كما قد يكون عدم الشعور بشيء مغامرة من نوع آخر أيضاً. من الجميل التصالح مع الذات وإدراك أين نقف في هذه اللحظة من حياتنا، وقد نكون في مرحلة رتابة أو مرحلة تغيير وانتقال، أو مرحلة جديدة أو بداية أو نهاية. يرى بعض الناس أنّ الحياة رحلة فيما يراها البعض الآخر كمغامرة أو محطّة أو فرصة. لكن كيفما رأيناها، هي لا تتأثّر بوجهة نظرنا، فلماذا نهتمّ بوجة نظرها؟

فلنختر مغامراتنا بحسب ما نريد أو نشعر، وتقول الدكتورة سعاد الصباح في كلمات أغنيتها (كن صديقي) التي غنّتها المطربة ماجدة الرومي:

هواياتي صغيرة... و اهتماماتي صغيرة

بالنسبة إليّ هذه من أجمل المفاهيم التي أحاول أن أذكّر نفسي بها. فلنستمتع بالأشياء الصغيرة ونعشها. إذ أنّ الحصول على صديق جديد مغامرة، وقطع العلاقة مع شخص مغامرة، وإلقاء السلام على من لا نعرفه مغامرة، وارتداء ملابس مختلفة عن أسلوبك مغامرة، وتغيير تسريحة شعرك أو مكياجك مغامرة، والخروج بدون مكياج مغامرة، وقراءة كتاب صعب أو رواية لا تعجبك مغامرة، والاستسلام مغامرة أحياناً، وقبول التّحدي مغامرة أخرى. كما أنّ الإعتذار مغامرة صعبة والثبات على موقفك مغامرة أصعب. فلنجرّب ونرى، وإن تعلّمنا فهذا شيء جيد وإن لم يكن هناك درس أو هدف أو قيمة مهمّة، فهذا جيّد أيضاً. فلنفتح أرواحنا للترحيب بالمشاعر كلّها واختيار ما نريده للمضي قدماً. اجعلوا حياتكم مغامرة أو لا تجعلوها مغامرة، الأمر عائد لكم، ولنتذكّر أنّ الخيال مغامرة جميلة قلّما نعطيها حقّها.

في حقيقة الأمر... لقد كدت أعتذر عن كتابة هذا المقال لأنّني تأخّرت بالتحضير له كثيراً وهذه عادة يجب أن أتعلّم تغييرها، لكنّني قرّرت أن أغامر وأكتب ما أمرّ به من تردّد في الأفكار.

أمّا من يريد المغامرات بمفهومها التقليديّ، فليفعل ذلك ويرسل لنا الصور!

إقرئي أيضاً: The Genius of Awareness: Manufacturing happiness

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث