The Genius of Awareness: Manufacturing happiness

بالنسبة إليّ، نحن ندخل حالياً نهاية الجزء الثاني من العام. إنّه عيد الفطر. انتهى شهر رمضان بكلّ روحانياته. ويبدو كانّ الأشهر التي سبقته مضت منذ زمن بعيد إذ كانت صاخبة ومشوّقة وطبيعيّة ودنيويّة وعاديّة. وتتقدّم وتيرة الحياة المزدحمة والسريعة التي نعيشها، والجميع منشغلون ويركضون، وكلّ شخص لديه خططه وأهدافه. حتى لو لم يكن لديك وظيفة أو عمل، فإنّ سرعة حياتنا العصرية بكلّ ما فيها من حماسة، تزداد عن حدّها في بعض الأحيان. نحن جميعنا منهكون، لكن لا بأس! الآن علينا أن نحتفل!

وفي أغلب الأحيان، نحن ننسى أن تقاليدنا الثقافية والدينيّة تخدم فعلاً حاجة إنسانية حقيقية. قد تبدو هذه الحاجة مختلفة بحسب الناس والأزمنة التاريخيّة إلّا أنّ جوهرها موجود في أساس إنسانيتنا، إنّها الحاجة إلى أن نكون سعداء. والاحتفالات هي أدوات تجبر المرء على أن يكون سعيداً، حتى لو لم يكن ذلك شعوره. إنّها السعادة بالقوة.

الفرح في سباق مع الإصرار والترصّد

أذكر قبل بضعة أشهر أنني كنت أمرّ بفترة عصيبة وحزينة جداً، والقليل جداً من الناس يعرفون ذلك، لكنّ الوضع كان صعباً فعلاً، فواجهتُ صعوبة للتحلّي بالإرادة للقيام بالأمور اليوميّة البسيطة مثل تناول الطعام، فلم أستطع الخروج من حالة الحزن بالرغم من أنّني كنت في عطلة! لم أشعر بالرغبة في فعل أي شيء أو رؤية أي شخص، إلى أن اضطررتُ إلى الخروج لحضور اجتماع عمل حول مشروع ممتع أعمل عليه؛ وكان عليّ أن أظهر الجانب المرح والعصريّ والرائع من شخصيّتي للسيدة التي أقابلها. كان هذا الاجتماع مهمّاً فأخذت الأمر على محمل الجدّ، وقرّرت ارتداء قميص حريريّ بطبعة الفهد من Saint Laurent، وفتحت الأزرار لإظهار البلوزة البيضاء تحتها، ونسّقتهما مع سروال جينز أزرق فاتح بخصر عالٍ وبأسلوب الثمانينات وسترة جينز قصيرة، وكانت إطلالة مثاليّة لهذا الاجتماع. أحببت مظهري وشعرتُ أنني حققت هدف إظهار شخصيتي من الانطباع الأول، ورفع هذا الشعور الصغير بالإنجاز معنويّاتي قليلاً. وبما أنّ الطقس كان جميلاً ومشمساً يومذاك في لندن مع القليل من الرياح، قررّتُ أن أمشي إلى الاجتماع. وفي طريقي، اتصلت بي صديقة لي وأخبرتني بأنّها في لندن فتحمّست لرؤيتها؛ وبما أنّ كلانا يحبّ الموضة، أرسلتُ لها صورة لي مرتدياً القميص بطبعة الفهد، فضحكت وقرّرت أن ترتدي تنورة من بطبعة جلد الفهد وتلاقيني فتكون ملابسنا متطابقة. قرّرنا أن نلتقي في مكان عصريّ للاستمتاع بملابسنا، ومن حيث لا أدري، تحوّل ذلك اليوم الحزين إلى واحد أكثر الأيام الممتعة التي عشتها في السنوات الأخيرة. كان الأمر غير متوقع أبداً، لكنّه بدأ عندما اضررت وبسبب هدف مهنيّ أن أتصرّف وأبدو سعيداً، وبدون علمي، بدأتُ أشعر بالفرح، وزال الحزن. الأمر الجيد هو أنّني أدرك الآن أنّ الأمور الصغيرة تمنحني الفرح، وقد تكون سطحية أو سخيفة أو ظاهريّة، لكن مهما كانت، يجب أن ندرك أنّها أدوات، ونحاول الحصول على القليل من الوعي للاستمتاع بحياتنا، والقليل من الفرح يحدث فرقاً كبيراً.

والعيد هو طريقة ثقافتنا لإرغامنا على الفرح، ثم السعادة. وهذا رأيي...

إدراك مدى جمال العيد وأهميّته لنفسنا

لنحلّل معاً عيد الفطر ونرى ما يمكننا أن نجده. لنبدأ أولاً وقبل كل شيء، من كلمة "عيد" والتي تعني التكرار، وهذا يعطي أملاً مستمراً في أنّه سيعود من جديد، إذ هناك نوع من شعور بالأمان في معرفة أنّنا سنكون دائماً على الموعد مع الأوقات السعيدة مرّتين في السنة على الأقل. يكون موقع إقامة العيد عادةً في منزل العائلة، والمناسبة هي الاحتفال بنهاية شهر رمضان المبارك، مهما كانت الطريقة التي مرّ بها. فيبشرنا العيد بأنّنا فزنا، وأنّنا نجحنا جميعنا، وبالالتزام الدينيّ والثقافيّ يتوجّب علينا الاحتفال ودفع زكاة الفطر، على أمل أن يكون صيامنا مقبولاً عند الله، وبالتبرّع وإعطاء الصدقة حتى يتمكّن الفقراء أيضاً من الاستمتاع بالعيد، ومن خلال لمشاركة في صلاة العيد وارتداء ملابس جديدة ووضع العطر وجعل الأطفال سعداء ورؤية العائلة والأحبّاء والاستمتاع بالعيد وتناول أفضل الطعام. في هذا اليوم، الصيام ممنوع، فيجب الترحيب بالجميع والابتسام وزيارة الأقارب والاتصال بالأشخاص الذين لا يقيمون في مدينتك وبأفراد العائلة والأصدقاء والزملاء.

وإنّه لأمر مدهش كيف أنّ كل هذه السعادة هي في الواقع إلزامية كجزء من العيد، فنحن ملزمون بالسعادة وبنشر الفرح والتألّق، ومجبرون على إلقاء التحية على أشخاص قد يكون لدينا خلافات معهم، وإصلاح العلاقات وبدء علاقات جديدة والشعور بدفء المجتمع والتعاطف مع من هم في مكان بعيد لا يحتفلون فيه بالعيد. كلّ هذه الأعمال هي أعمال صالحة.

فالموسيقى والرقص والضحك والمعانقة والقبلات وكل هذه الطاقة الإيجابية سترفع حتماً معنوياتكم وتفرحكم... بالقوة. فكونوا مدركين واستمتعوا بكلّ ذلك.

ومن المهمّ أيضاً أن نكون على دراية بهذه الأهداف والقيَم، خلال تلك الفترة وفي حياتنا بشكل عام. إنه لأمر مدهش كيف أنّ إدراكنا بالأمور الصغيرة، يجعلها كبيرة ويؤثّر على حياتنا بشكل إيجابيّ. عندما ندرك ذلك، نفهم مدى جمال العيد وأهميّته لنفسنا. فنحن نعيش في عالم صعب، فيه مشاكل وحزن وخسائر ومآسي وتحديات وصراعات، ونقضي معظم وقتنا طوال السنة ونحن نحاول التغلّب عليها والتعايش معها. فيشكّل العيد حرفياً عطلة للجسد والذهن ليكونا سعيدين، حتى ولو لبضعة أيام فقط لكي نتمكّن من المتابعة بقوّة أكبر.

فرض الفرح في حياتنا

ليس هدفي أبداً تقديم النصائح أو وعظ القرّاء حول كيفيّة العيش، بل هدفي هو الإلهام. والطريقة الوحيدة لفعل ذلك هي من خلال مشاركتكم تجاربي المتواضعة والتحديات اليومية التي أعيشها.

كان هناك جوانب كثيرة أردت التطرّق إليها في مقالي هذا عن عيد الفطر، كالجانب التاريخيّ والجانب الحديث والأنشطة وزينة العيد والموسيقى والأزياء والحفلات وحتى البرامج التلفزيونية. فهناك الكثير من المواضيع التي يمكن أن أكتب عنها لكنّ الوقت ضيّق، ثمّ أدركت أنّه مهما كان الجانب الذي أختاره، يجب أن أتطرّق إلى الهدف من العيد، وهو فرض الفرح في حياتنا، سواء أعجبنا ذلك أو لا، سواء أردنا ذلك أو لا، وسواء كان الوقت مناسباً أو لا.

فالوقت دائماً مناسب للعيد!

لقد جعلني هذا الوعي متحمساً، فأدركت النعمة التي أتمتّع بها كوني مدركاً لأنّني أقوم بشيء أستمتع به، مهما كثرت انشغالاتي، فإنّها لنعمة أن نكون على دراية بنِعَمنا.

ومن العايدين ومن العايدين ......انشاء الله

ومن الفايزين ومن الفايزين .......انشاء لله.

إقرئي أيضاً: رمضان في العصر الحديث

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث