Emtithal Mahmoud : " الأرض وطننا وهي تناشدنا من أجل العودة إليها ومساعدتها على شفاء جراح الزمن"

عرفناها كشاعرة استثنائيّة وكسفيرة النوايا الحسنة للمفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، حيث ثابرت امتثال محمود المعروفة بـ "إيمي" على دعم نشاطاتها منذ العام 2016 واستخدمت مواهبها لزيادة الوعي بقضية اللاجئين! إنّما الشاعرة السودانيّة الأميركيّة هي أيضاً ناشطة بيئيّة! وقد شاركت مؤخّراً في المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقيّة الأمم المتّحدة الإطاريّة بشأن تغيّر المناخ (COP27)، في شرم الشيخ الذي استضاف أكثر من 100 رئيس دولة وحكومة وعرَض العمل المناخي في جميع أنحاء العالم. فلنتعرّف في ما يلي عن قرب إلى هذا الجانب من شخصيّة إيمي كما إلى فحوى مداخلتها وآرائها حول مواضيع أخرى ذات الصلة، فالحديث معها دائماً شيّق وغنيّ وملهم جدّاً!

التصوير: UNHCR / Claire Lewis

هلّا تخبرينا أكثر عن بداياتك في النشاط البيئيّ وكيف يترافق مع ارتباطاتك الأخرى؟

كنت في العاشرة من عمري عندما علمت بالإبادة الجماعيّة في دارفور عام 2003 – وفي تلك السنة أيضاً علمتُ بشأن التصحّر الذي يشكّل أحد العوامل الرئيسة المساهمة في زيادة الصراعات في المنطقة. وكلّ الذين عملوا على التوعية حول التغيّر المناخي منذ فترات طويلة سيقولون إنّه كان ولا يزال يتجلّى بطرق كثيرة. في سنّ الثانية عشرة، أنشأت أوّل مشروع لي في معرض العلوم وقد عرض خرائط للتراجع الخطيّ للتغيّرات في درجات الحرارة في فيلادلفيا منذ مئات السنين. في الصفين الثامن والتاسع، شاركتُ مع أصدقائي في جلسات المجلس البلديّ. وكانت صديقتي Katie بارعة في الكلام، فتجمّعنا ورفعنا الصوت، وبكينا على انفراد لأنّنا حتّى في تلك الفترة كنّا نشهد بالفعل التأثيرات في مدينتنا. ثمّ في المدرسة الثانوية، استمرّيت بسلسلة إنجازاتي في معرض العلوم، انطلاقاً من فكرة أنّه إذا ارتكزنا على العلم لن يتمكّن أحد من مجادلتنا بالحقائق. وعلى المستوى الإقليمي في ولاية بنسلفانيا كما على المستوى الوطنيّ من خلال مسابقة ACT-SO التي تنظّمها الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين NAACP، استخدمت العلم مرة أخرى للتوعية حول آثار التغيّر المناخيّ وهذه المرّة على أجسامنا. في سنّ الـ15 عاماً، درست تأثيرات الزرنيخ في الماء على تطوّر البويضات في المختبر، أي كيف يؤثّر التلوّث في الماء التي نستهلكها، وبخاصة في المناطق المنخفضة الدخل، على صحة المرأة وقدرتها على الإنجاب. كان أساتذتي في أكاديمية بنسلفانيا للعلوم الإنجابية رائعين فعلاً، وكانت الأبحاث في جامعة بنسلفانيا كطالبة في المدرسة الثانوية رائعة أيضاً، وعندما جئتُ في المرتبة الأولى، أعطاني ذلك الأمل من جديد ولكن لم يكن ذلك كافياً أيضاً. فلم يكن العلم وحده كافياً لإحداث التغيير. وفيما تابعت الدفاع عن دارفور مع مشاريع الطباخ الشمسيّ وغيرها، أدركتُ أنّ الكلام وحده ليس كافياً أيضاً. لقد اتّخذ التغيّر المناخي أشكالاً متعدّدة وكان هناك الكثير من الأصوات التي رُفعت من أجل هذه القضيّة، ولكن في النهاية الجهود الجماعيّة متعدّدة التخصّصات والعالمية فقط هي التي ستحدث فرقاً.

النساء والأطفال عادةً هم الحلقة الأضعف في أوقات الأزمات على جميع المستويات بما فيها حالات الطوارئ البيئيّة. كيف يمكن أن يكون العالم أكثر إنصافاً لهم؟ وما هو دور قادة العالم في ذلك؟

لا يكون الأشخاص الضعفاء عادةً مستضعفين بطريقة واحدة فقط. وينسى الناس هذا، كما ينسون أنّه من أجل تحقيق التغييرات، نحتاج إلى خلق الأمان والصحة والسلام في حياتنا وعالمنا، فالتغييرات التي نحتاجها لا يمكن أن تأتي من زاوية واحدة فقط. وإذا أردنا معالجة كلّ الفظائع التي تواجهها النساء والأطفال بشكل خاص، علينا أن نتأكّد من أنّ أصواتهم مشاركة على طاولة الحوار. فمن قد يعرف ما يحتاجه المجتمع لتحمّل التحديات القادمة ولإعادة البناء والانتصار أفضل من النساء اللواتي يدعمنَ مجتمعاتنا يوماً بعد يوم؟ ومن أفضل من الأشخاص الذين يعيشون الوضع كلّ يوم؟ يحتاج قادة العالم إلى البدء ليس فقط في إشراك النساء والشباب والمجتمعات الضعيفة في جميع أنحاء العالم بل أيضاً التعاون معهم. لا يمكن أن نستمرّ في التقليل من شأن الحكمة الموجودة في العمل الذي يقوم به الأشخاص كلّ يوم عند الخطوط الأماميّة – فهنا يمكن إيجاد الإجابات والحلول التي نحتاجها لمساعدة عالمنا وتنفيذها معاً.

تشكّل التنمية المستدامة التي تأخذ البشر بعين الإعتبار ضمن نظامهم البيئي أولويّة بالنسبة إليك ولا سيّما بما يتعلّق بالسكان المعرّضين للخطر. فما رأيك في تحوّل بعض المجتمعات إلى مهاجرين بيئيّين؟

لا يسعني التأكيد بما فيه الكفاية كيف اتّخذ التغيّر المناخيّ أشكالاً مختلفة وأضرّ بالكثير من الأشخاص لفترة طويلة. ولا يسعني التأكيد بما فيه الكفاية أيضاً على أنّ هذا العمل ليس بجديد، وكذلك التهديد ليس بجديد، والآثار أيضاً ليست بجديدة. الألم الذي نراه والآثار التي تعانيها شعوبنا موجودة منذ فترة طويلة ونحن بحاجة إلى الراحة. أمّا بالنسبة إلى الأشخاص الذين يهاجرون بسبب التغيّر المناخيّ والكوارث المتعلّقة به كلّ يوم، فمن الضروريّ أن يتمّ تضمينهم في الحماية والقوانين الموجودة لحماية الآخرين. ولا يمكننا الاستمرار في دعم عالم يستبعد الناس من الناحية العمليّة كما في الحوار والبروتوكول. ويجب أن يتمّ الاعتراف باللاجئين والمهاجرين والنازحين ودعمهم وإشراكهم في كلّ خطوة من خطوات العمل نحو إنهاء التغيّر المناخي.

تدافعين دائماً عن قضيّة اللاجئين والمجتمعات المحرومة في شِعرك. كيف تلخّصين مداخلتك في COP27؟

بصفتي سفيرة للنوايا الحسنة للمفوضيّة، كان لي الشرف أن أستمرّ في دعم قضية اللاجئين في جميع أنحاء العالم خلال COP27. لقد مثّلت أصوات الشباب بشكل خاصّ، إذ أنّ خسارتنا هي الأكبر فيما يغرق العالم أكثر فأكثر في آثار التغيّر المناخي. ولقد عنى لي الكثير اللقاء مع أصحاب المصلحة والعمل في اللجان والتفاعل مع اللاجئين وقادة العالم وزملائي من ممثّلي الشباب لأنّني بدأت أرى المواقع التي يمكن أن تتواجد فيها فسحة أمل بالإضافة إلى إمكانيّة التعاون والتغيير. أمامنا طريق طويل لنجتازه، لكنّني بدأت أخيراً أرى صورة تشمل أكثر من مجرّد قادة العالم. وكان أدائي قصيدة "دي بلدنا" بمثابة طريقة إضافيّة للتأكيد على إلحاح ما كنّا نقوم به في COP27. كما أنّ مقابلة أسعد، الفتى السوداني الذي يبلغ من العمر 13 عاماً من مسقط رأسي في السودان، وسماع قصّة نزوحه من الفيضانات كانت أهمّ لحظة بالنسبة إليّ، فهو يكافح من أجل ما نقاتل جميعنا من أجله، وهو المستقبل.

كتاباتك دائماً نابعة من القلب وتتعلّق بمواضيع تهتمّين بها بشدّة، هلّا تخبرينا عن جذور قصيدة "دي بلدنا"؟ وماذا تعني لك؟

"دي بلدنا" تعني أنّ هذا وطننا وأرضنا. عندما كتبت هذه القصيدة، لم أكن أعني وطني شخصيّاً فقط، بل عنيت جميع أوطاننا ووطننا الأوحد، أيّ الأرض. الأرض وطننا وهي تصرخ إلينا وتناشدنا للعودة إليها، ليس فقط في المرحلة الأخيرة من حياتنا، بل العودة إليها سريعاً ومساعدتها على شفاء جراح الزمن. "دي بلدنا" هي رسالة من الأرض الأمّ إلينا جميعنا وفي الوقت نفسه رسالة منّي إلى وطني، وإلى جميع اللاجئين المذهلين الذين تشرّفتُ بلقائهم والتحدث معهم ورؤية أعمالهم قبل أن أكتب القصيدة. كانت رسالة إلى عائلتي أيضاً، وإلى الأشخاص الذين فقدتهم وما زلت أفقدهم خلال هذا النضال الذي يعود ويتكرّر مراراً وتكراراً.

يتمتّع الشِعر بالقدرة على مداواة القلوب والعواطف… وقد كتبت أنّ الطبّ هو ما يختاره قلبك وما سيختاره دائماً. هل تفكّرين في التخصّص في الطبّ بعد دراسة علم الأحياء؟

أوّل مهنة أردتُ امتهانها كانت عالمة حفريات، فقد أحببت الديناصورات كثيراً! بعد عامين (أي في سنّ الـ9 سنوات) اكتشفتُ الطبّ من جديد! مثل الكثير من الأشخاص الذين يحبّون الطبّ، بدأ اهمامي بهذا المجال مبكراً. ولطالما كان بمثابة حلم لي وأنا أعمل على تحقيقه منذ ذلك اليوم الأول عندما كنت في التاسعة من عمري وحصلت على سمّاعة والدي وجمجمة إنسان خاصّة بي. ولا أستطيع جدياً أن أفكّر في أي شيء قد يعزّز إيماني وشغفي بالطبّ أكثر من العمل الذي أقوم به منذ الجامعة. كلّما دافعت عن حياة الناس، كلّما رغبتُ في الاستمرار في تكريس حياتي للحفاظ على الحياة في هذا العالم بكل طريقة ممكنة، والطبّ بنظري هو أحد أعمق الأشكال المتكرّرة لهذا الهدف.

تقولين "الحبّ هو الدرع الذي حملناه عبر حدود وطننا المحطّم" ، هلّا تخبرينا عن نظرتك للحبّ والطريقة المثلى لعيشه من خلال مساعدة الآخرين؟

تستجيب قلوبنا للحياة بطريقة من بين ثلاثة طرق، فإمّا أن تغلق وتهدأ وتبعد الأمور، وإمّا تردّ وتهاجم وتحاول أن تؤذي بقدر ما جُرحت، وإمّا أن تنمو وتنمو وتنمو. أظنّ أنّ قلبي قد تحطّم مرّات كثيرة بسبب ما رأيته في الحياة، لكنّه انفتح أيضاً. لقد تطلّب الأمر بعض الوقت لكن هذا ما أشعر به الآن. وأنا لا أعني الحبّ كما نراه في الأفلام فقط، فالحبّ في ثقافتنا كبير جداً ويتضمّن حبّ الحياة والأسرة والله والحرية والوطن، وحبّ بعضنا البعض. وبما أنّني أؤمن كثيراً بقوّة الحبّ في شفاء قلبك وبالتالي قلوب من حولك، ما زلت أعتقد أن هذا هو السبب الرئيس لضرورة مساعدة بعضنا البعض، لأنّنا خُلقنا لنحبّ بعضنا البعض ونحبّ إخواننا وأخواتنا وأبناؤنا وبناتنا وعالمنا.

 

ماذا تريدين أن يحلّ بقصائدك مع مرور الوقت؟

آمل حقاً أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه قصائدي أناشيد من الماضي. مع كلّ المحن التي عشناها وانتصرنا عليها. آمل حقاً أن يأتي اليوم الذي تبكي فيه الأجيال القادمة على ماضينا عندما تسمع قصائدي فقط، وليس على الحاضر الذي تعيشه. بمعنى آخر، أريد أن تصبح قصائدي سجلاً للتاريخ وليس قائمة مستمرّة بالفظائع التي يعانيها الحاضر. ولكي يحدث ذلك فعلاً، أعتقد أنّ عالمنا يجب أن يتغيّر للأفضل. ومع كلّ ما رأيته من حب وانتصار وفرح واستمرار، ومع عملنا يداً بيد، أعتقد أنّ ذلك سيتحقّق.

بعد أن حقّقت تقدّماً لبلدك، ما هو الهدف التالي الذي ترغبين في استثمار نفسك لتحقيقه في السودان؟

لقد قطعت السودان شوطاً كبيراً ولا يزال أمامها الطريق طويلاً. أودّ فعلاً أن أرى السودان ترتقي إلى مستوى إمكاناتها - إمكانات جميع العقول والقلوب الجميلة التي أعرف أنّ شعبي يمتلكها. أريد أن أرى بلادنا السودان تتمتّع أخيراً بالسمعة نفسها كالشعب السودانيّ الطيب والمحبّ والذكيّ والعاطفيّ والكريم والمتنوّع والمسالم والناجح بكلّ ما للكلمة من معنى. وأريد أن أراها تصبح موطناً لنا جميعنا مجدّداً، مهما كان المكان الذي ولدنا فيه، حيث يمكننا أن نرى أطفالنا يكبرون ونفتح أبوابنا ونمدّ أيدينا لمن هم في أمسّ الحاجة في العالم. عندما يعرف الناس أنّني سودانيّة يقولون دائماً "أطيب ناس"، وأظنّ فعلاً أنّ هذا صحيح وأودّ أن يرى العالم بأسره ذلك أخيراً. بالنسبة إليّ شخصيّاً، يتضمّن مشروعي الحاليّ العمل على توسيع شركة Speetar للرعاية الصحيّة عن بُعد، التي أحتلّ فيها منصب مديرة النمو الرئيسة في السودان للبدء في خدمة السكّان الأضعف. وكلّ ما فعلته وأريد الاستمرار في فعله هو محاولة لمداواة شعبي، وهذا لا يعني فقط الشعب السوداني، فإنّ تعريفي لشعبي يكبر يوماً بعد يوم. وهذا بالنسبة إليّ هو الأهمّ.

إقرئي أيضاً: Emtithal Mahmoud: السعادة بالنسبة إليّ تمرّد

 

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث