المحيط هو حليفنا الاكبر لمكافحة التغير المناخي

نتأمّل تحرّكاته وسكونه ونسبح بين أمواجه ونغوص في أعماقه ونبحر في ثناياه ونحلم بما وراءه، ونحمّله همومنا وأسرارنا وأمانينا ونتغذّى من خيراته... إنّه المحيط! نجده في لوحاتنا وأشعارنا وأسفارنا، إنّما أيضاً على موائدنا. فيه من العجائب والغرائب ما لا يخطر على البال، فلا يكفّ عن إبهارنا عند كلّ دراسة أو اكتشاف جديد! كما يعتمد عليه أكثر من 3 مليارات شخص لتأمين معيشتهم! ولكن هل نقدّر أهميّته بالنسبة إلينا كأفراد ومجتمعات؟ هل نفهم مدى تأثيره على مستقبل حياتنا؟ وهل نَعي أنّه أساس لوجودنا؟

بعيداً عن تأثير الإحتباس الحراري على البحار سواء لجهة ارتفاع نسبة المحيطات إثر ذوبان الجليد أو فقدان التنوّع البيولوجي البحري أو تكوين بيئة بحريّة أكثر حمضيّة أو حتّى الجفاف وعدم الولوج إلى مياه الشّفة أو التداعيات الأخرى التي يسبّبها، ما سنبحث فيه في هذا التقرير هو مساهمة المحيطات في التخفيف من وطأة التغيّر المناخي ودورنا الشخصي في المساهمة بذلك!  

اقرئي أيضاً: 100 مليون دولار من .Tiffany & Co للحفاظ على البيئة!

تشكّل المياه 71% من مساحة الكرة الأرضيّة ويؤمّن المحيط أكثر من نصف أوكسجين الكوكب، كما يلعب دورًا أساسيّاً في امتصاص ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجويّ وحوالي 90 % من الحرارة الناتجة عن ارتفاع هذه الانبعاثات. أوليس ثاني أكسيد الكربون من أهمّ الإنبعاثات التي أدّت إلى التغيّر المناخي؟ ألم يتّحد العالم بأكمله في اتّفاق باريس خلال مؤتمر الأطراف 21 للعمل على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالميّة؟ ففيما تتعاون الدوّل للتحرّك نحو اقتصاد منخفض الكربون، ها إنّ المحيط يشكّل عنصراً طبيعيّاً يساعدنا على تحقيق ذلك! حيث تختزن المحيطات ثاني أكسيد الكربون على شكل الكربون الأزرق عن طريق الأنظمة البيئيّة في المحيط. فعلى سبيل المثال، تخزّن أشجار المانغروف ما يعادل حوالي 10 أضعاف منه بالمقارنة مع الغابات على سطح الأرض. فتمتصّ المحيطات بذلك الحرارة الزائدة مخفّفة من تأثير الإحتباس الحراري وتغيّر المناخ على الأرض. 

اقرئي أيضاً: TamTam: لا يجب أن نفقد الإيمان أو الأمل أبداً لأنّه في "المشقّة راحة"

ارتباط‭ ‬المحيط‭ ‬بتنظيم‭ ‬المناخ

وفي هذا الإطار، شدّدت مؤتمرات عدّة في خلال السنة الماضية على كيفيّة مساهمة المحيطات في تحقيق رفاه الإنسان سواء عبر تحقيق الأمن الغذائي أو التكيّف مع تغيّرات المناخ. وتحديداً عزّز مؤتمر الأطراف COP27 أسس ترابط المحيط مع العمل للحدّ من التغيير المناخي وتعزيز الحوار على هذا الموضوع. وذلك على وجه الخصوص من خلال جناح المحيط الذي شكّل ملتقى للإعتراف بأهميّة المحيط في تحدّي تغيّرالمناخ ومعرفة الحلول القائمة على المحيطات لأزمة المناخ. وكان أحدث تقدّم سجّل في هذا السياق نصّ معاهدة تاريخيّة لحماية أعالي البحار بعد مناقشات ومفاوضات دامت أكثر من 15 عاماً. حيث توصّلت الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة في مارس الماضي إلى نصّ هذه المعاهدة التي تقضي بوضع 30٪ من المياه الدوليّة في العالم في مناطق محميّة بحلول عام 2030 ! إنّما يبقى على المزيد من الدول الإنضمام تحت لوائها لتأمين حماية المحيطات من النشاطات المضرّة التي فتكت بها منذ الثورة الصناعيّة. 

ولكن... إذا كان المحيط يساعدنا في التخفيف من التغيّر المناخي إلّا أنّ قدرته لها حدود. فالكثير من ثاني أكسيد الكربون يخلّ بتوازن النظم البيئيّة الساحليّة فيؤدّي إلى تضرّرها وبالتالي إلى اختلال الجهة التي من المفروض أن تنجدنا. وهنا تكمن أهميّة المحافظة على سلامة هذه الأنظمة لمصلحتنا ولمصلحة أطفالنا والأجيال القادمة. ومن أبرز التحديّات التي يتوقّع من البلدان مواجهتها للمحافظة على هذا التوازن هي حماية النظم الإيكولوجيّة البحريّة والساحليّة وعلى وجه الخصوص حماية الشعاب المرجانية التي تعدّ من أكثر النظم البيئية البحريّة أهميّة، ومكافحة الصيد غير المشروع وجعل سبل الصيد أكثر استدامة بالإضافة إلى تشجيع النقل البحري الخالي من الكربون وتعزيز الطاقة المتجدّدة.

التطلّع‭ ‬لاستضافة‭ ‬مؤتمر‭ ‬الأطراف‭ ‬COP28

وفيما بات الوعي بالدور الذي يلعبه المحيط في هذه المعادلة مهمّاً جدّاً، نتطلّع إلى مؤتمر الأطراف COP28 الذي سينعقد في دبي أواخر نوفمبر المقبل ويمتدّ على مدى 13 يوماً. وقد حدّدت الإمارات بالفعل أهدافاً للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر والازدهار كمثال للاستدامة، تماماً كما أكّدت سموّ الشيخة شما بنت سلطان بن خليفة آل نهيان، الرئيسة والمديرة التنفيذيّة للمسرّعات المستقلة لدولة الإمارات العربيّة المتّحدة للتغيّر المناخي. حيث نترقّب جميعنا استضافة منطقتنا لهذا المؤتمر وخططه واستراتيجيّاته المتعلّقة بالحلول الطبيعيّة المبتكرة والمستدامة بما يختصّ بتغيّر المناخ كما برؤيته المتعلّقة بالمساهمة التي يمكن أن تقدّمها المحيطات سواء لجهة مخازن الكربون الطبيعيّة في أعماق البحار أو ضمان التنوّع البيولوجي والحفاظ على النظم البيئيّة الطبيعيّة.

وقد شهدت منطقتنا والإمارات على وجه التحديد تغييرات هائلة وبوتيرة سريعة جدّاً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة من ضمنها تحقيق صافي انبعاثات صفريّة بحلول العام 2050. وتعمل الدولة أيضاً على تعزيز النظم البيئيّة والأعشاب البحريّة والمستنقعات المالحة وتهتمّ بمساهمة المحيطات في التخفيف من تغيّر المناخ والتكيّف معه، لذا فسلوكها خير مثال على السلوك المطلوب من دول العالم في هذا الإطار.

 

بدءاً من العمل على تطوير مصادر طاقة نظيفة قائمة على المحيطات إلى تسريع إزالة الكربون من قطاع النقل البحري وصولاً إلى تحويل طاقة المحيط الحراريّة، خطوات كثيرة مرتقبة فيما تتكاتف جهود الدول لمكافحة التغيّر المناخي والوصول إلى اقتصادات منخفضة الكربون، إلّا أنّه يوجد خطوات فرديّة أيضاً يمكن القيام بها للمساهمة بذلك!

خطوات‭ ‬فرديّة‭ ‬بسيطة‭ ‬مؤثّرة‭ ‬

التغيّر المناخي تهديد مشترك يواجه البشريّة جمعاء. وتحمّل المسؤولية ليس حكراً على المجتمع الدولي أو الدول أو الشركات والقطاع الخاص، إنّما علينا نحن أيضاً كأفراد وذلك لخير الإنسانيّة والأجيال القادمة! هذا وقد باتت الاستدامة اليوم جزءاً من عمليّة صنع القرار في الأعمال في جميع القطاعات. 

كما يجب ألّا ننسى أنّ كلّ شيء مترابط وكلّ خطوة أو قرار نقوم به له وقع بيئي على المدى البعيد. أمور يمكن أن نراها سخيفة إلّا أنّها مؤثّرة! إنّما قبل كلّ شيء علينا الإقتناع بأهميّة موارد المحيط ونظمه البيئيّة سواء الشعب المرجانيّة وغيرها، فتصبح خطواتنا مؤاتية للمحافظة عليها! ونذكر على سبيل المثال موافقة جمعيّة الأمم المتّحدة للبيئة مؤخّراً على بدء المفاوضات بشأن معاهدة عالميّة ملزمة لإنهاء التلوّث البلاستيكي، فنتذكّر هنا دورنا الشخصي سواء على صعيد أفراد أو مؤسّسات للتخفيض من استهلاك البلاستيك وإعادة استعمال أو إعادة تدوير ما لدينا! كما العمل على التخفيف قدر المستطاع من انبعاثات غازات الإحتباس الحراري الناجمة عن النشاطات الشخصيّة والتعامل مع العلامات الصديقة للبيئة وحثّ المسؤولين على اتّخاذ قرارات صديقة للبيئة. وقد تكون قاعدة 3Rs الشهيرة Reduce, Reuse, Recycle من أبسط المعادلات التي يمكن اعتمادها، إلّا أنّه من المهمّ التذكير دائماً بها. فالتقليل من استخدام المياه أو الكهرباء أو الوقود أو الموارد الأخرى وإعادة استعمال الموارد عينها كالملابس مثلاً أو صنع ابتكارات مختلفة وبثّ حياة جديدة في ما قد يعتبر نفايات صلبة من خلال إعادة التدوير، هي خطوات بسيطة لها أثر كبير على البيئة عموماً والمحيط أيضاً... فعلينا مساعدة المحيط كي يساعدنا! خصوصاً أنّ السلوك البيئي الفردي يمكن أن يكون مُعدياً ويحوّل بالتالي مجتمع بأكمله إلى صديق للبيئة. علّنا نستطيع تحسين الأمور قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتّحدة القادم حول المحيط في عام 2025!

اقرئي أيضاً: كيف احتفل العالم بساعة الارض؟

 

 

 

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث