Zainab Salbi: كلّ امرأة تُضيء شمعة لامرأة أخرى كي تستمرّ. فإياكِ أن تُطفئي شمعتك يوماً!

أصبح تمكين النساء اليوم من الأولويّات الرسميّة في الكثير من المجتمعات، وتلك خطوة ممتازة وضروريّة تعود بالإيجابيّة على النساء بشكل خاصّ وعلى استمراريّة المجتمع وتقدّمه بشكل عامّ. إلاّ أنّه بعيداً عن هذه الخطوات الرسميّة، ثمّة جهود شخصيّة لنساء عربيّات كرّسن حياتهنّ لمساعدة النساء الأخريات حول العالم. وفي هذا التقرير، سنسلّط الضوء على ثلاث نساء لا يتوانين عن تلبية نداء إنسانيّتهنّ، فيستثمرن جهودهنّ في تأمين حياة أفضل للنساء الأخريات. لزينب سلبي قصّة جعلتها تعد نفسها بتحسين ظروف النساء، وبالتالي بالمشاركة في صنع مستقبل أفضل للأجيال الناشئة.

كبرت زينب سلبي في "قفص مخفيّ" ترى من خلاله الظلم والقمع الذي تتعرّض له النساء من حولها. وحين كانت في الخامسة عشر من العمر، قالت لأمّها إنّها تريد مساعدة النساء. وبعد سنوات قليلة، جاء تعرّضها الخاصّ للقمع ليشعل شرارة التغيير في داخلها من جديد، إلاّ أنّها لم تبدأ بتحقيق ما طمحت إليه في سنين مراهقتها إلاّ في عمر الثالث والعشرين عند تأسيسها منظّمة Women for Women International الإنسانيّة. وهكذا بدأت زينب سلبي مسيرة صعبة مليئة بالتحدّيات لكن بالثمار أيضاً. هي ثمار خيّرة في حياة مئات آلاف النساء حول العالم اللواتي استطعن من خلال هذه المؤسّسة المضي قدماً بحياتهنّ وكسب مهارات جديدة، كما في حياة زينب الشخصيّة التي استطاعت التحرّر من ألمها والخروج عن صمتها من خلال شغفها هذا. تعرّفي معنا في ما يلي إلى زينب سلبي، المرأة العراقيّة الناشطة في مجال حقوق الإنسان والمؤلّفة والمعلقّة الإعلاميّة، وعلى جهودها في تمكين النساء ونظرتها إلى التمييز الجندريّ في العالم العربيّ.

اقرئي أيضاً: Mthayel Al Ali: كوني‭ ‬كما‭ ‬تتمنّين،‭ ‬وصيري‭ ‬مثالاً‭ ‬أعلى‬‬‬‬‬‬

كرّست حياتك للاستماع إلى أشخاص تمّ إسكاتهم ولإخبار قصصهم. إن تسنّت لك فرصة العودة في الزمن إلى الوراء، ما هو الأمر الذي تقولينه لنفسك والذي لم تكوني على علم به؟

لطالما كنت مندفعة بقوّة وأعمل بجهد كبير. ولم ألاحظ سوى منذ سنوات قليلة أنّه لا بأس في الاستمتاع بالأمور الجميلة. لذا فإن استطعت العودة إلى الوراء، أنصح نفسي بالاستمتاع في الحياة أكثر وإيجاد الوقت للراحة واللعب، والباقي سيأتي لاحقاً.

 

تصفين حياتك في صغرك بالـ"القفص المخفيّ". وبالرغم من ذلك، تخطّيت العقبات كلّها لبناء مسيرة غيّرت حياة النساء حول العالم. ما هو الأمر الذي منحك القوة ومكّنك لاتّخاذ هذا القرار الذي غيّر حياتك؟

فيما كنت أترعرع في العراق كانت أمّي تخبرني بأنّ النساء يتعرّضن للقمع وكانت تحثّني على قراءة كتب تعالج مسألة الحرّيّة. من ثمّ، اكتشفت بنفسي وبدأت ألاحظ كيف أنّ نساء بالفعل مظلومات وكيف هي بدورها أيضاً كانت تعاني ذلك الظلم. بعد ذلك وأنا في الـ15 من عمري قلت لها إنّني أريد مساعدة أولئك النساء، فكان جوابها نعم تستطيعين المساعدة وإحداث التغيير وهذا الأمر أشعرني بالقوّة في لحظتها.

وحين أتيت إلى الولايات المتّحدة في إطار زواج مدبّر واختبرت شخصيّاً القمع والاعتداء مع من كان من المفترض أن يكون زوجي، بدأت نقطة التحوّل في حياتي. عندما عشت بنفسي ذلك القمع، شعرت بغضب شديد وتخلّيت عن هذا الرجل بينما كنت وحيدة في هذا البلد وأسرتي لا تزال في العراق. وقد اتّخذني الأمر بضع سنوات لأسترجع حياتي الطبيعيّة مجدّداً وأعود إلى الدراسة وأتزوّج رجلاً آخر. أمّا ذلك الشعور بالغضب فبات حاجة إلى مساعدة النساء وهكذا بدأ شغفي. ومع الوقت، تعلّمت كيفيّة السيطرة على غضبي تجاه مسألة القمع وتجاه الرجال وكيفيّة معالجة الأمور بحبّ وعاطفة وتبدّلت حياتي بالكامل.

اقرئي أيضاً: المرأة التّتريّة بيْن الأصالة والحداثة

في سنّ الـ23، أسّست منظّمة Women for Women  International الإنسانيّة التي تهدف إلى مساعدة النساء اللواتي عانين جرّاء الحروب وتقدّم إليهنّ الدعم والأجهزة اللازمة وتزوّدهنّ بالمهارات لتغيير حياتهنّ والانتقال من الأزمة والفقر إلى الاستقرار والاكتفاء الذاتيّ مادّيّاً. ما الذي دفعك إلى تأسيس هذه المنظّمة؟

لدى تواجدي في الولايات المتّحدة، قرأت عن النساء المقموعات في البوسنة والهرسك وكرواتيا، الأمر الذي دفعني إلى التعبير عن إحباطي في حين أنّ الفرق بيني وبين أولئك النساء هو أنّني كنت أعيش في بلد كالولايات المتّحدة، فيه حرّيّة التصرّف والتعبير. لذا عبّرت عن نفسي وأطلقت منظّمة لا تبغى الربح علماً أنّني كنت حينها أعاني مشاكل مادّيّة لكنّني استثمرت كلّ ما لديّ في سبيل تلك المنظّمة. وقد انضمّت إليّ نساء كثيرات في حين أنّ صديقاتي العربيّات اعتبرن ما أقوم به جنوناً. وضعت شغفي بأكمله في أولئك النساء ذوات الثقافات المختلفة إلى أن توصّلت إلى الاعتراف بأنّ ذلك الشغف هو امتداد لألم شخصيّ وجزء من علاجي. فبدلاً من تحويل ذلك الألم إلى غضب، اعتبرته بمثابة علاج لي ولغيري.

 

بم تشعرين حين تذهبين في مهمّات إنسانيّة؟ وكيف نجح هذا الأمر في تغييرك؟

لدى تواجدي مع تلك النساء أشعر بأنّني على قيد الحياة. ففي إحدى المرّات، حين كنت في سنّ الـ35 وكانت المنظّمة تلاقي نجاحاً كبيراً، التقيت امرأة كونغوليّة أخبرتني كيف تمّ الاعتداء عليها وعلى بناتها الثلاث وكيف أنّها لم تخبر أحداً عن هذا الموضوع. وحين طلبت إذنها في إخبار قصّتها للعالم بهدف جمع التبرّعات لنساء أخريات من بلدها، سمحت لي بذلك حتّى لا تعاني نساء أخريات الأزمة نفسها. كانت تلك اللحظة الأكثر تواضعاً في حياتي لأنّني أدركت أنّ هذه المرأة الإفريقيّة غيرالمتعلّمة كانت أكثر شجاعة ووعياً حول العلاقة بين التحدّث وكسر الصمت وكانت تدرك أنّ قصتها ستساعد امرأة أخرى على مواجهة ما مرّت به بنفسها. أمّا أنا المرأة المتعلّمة، فكنت أخفي قصّتي الشخصيّة وراء تلك القصص كلّها فشعرت في وقتها بأنّني لا أستطيع أن أتابع عملي مع النساء وأن أطلب منهنّ الخروج عن صمتهنّ بينما ألازم الصمت بنفسي. لذا كسرت ذلك الصمت وبدأت بكتابة مذكّراتي فكان الأمر مخيفاً بما فيه من كسر للمحظورات الاجتماعيّة والعواقب العائلية المتأتيّة. لكنّ هذه الكتابة وهذا البوح حرّراني. أمّا الدرس الذي تعلّمته من هذه القصّة فهو أنّ الصمت لا يفيد وعلينا التغلّب عليه. وقد يكون الأمر مخيفاً لكن يستحقّ التجربة.

اقرئي أيضاً: عندما‭ ‬تدرك‭ ‬المرأة‭ ‬قيمتها‭ ‬لن‭ ‬يشكّل‭ ‬الجندر‭ ‬عائقاً أمامها

أنت مؤلّفة وناشطة في مجال حقوق الإنسان ومؤسّسة ورئيسة تنفيذيّة سابقة ومعلقّة إعلاميّة، وصنّفتك وسائل الإعلام واحدة من بين "النساء الـ25 اللواتي غيّرن العالم" فضلاً عن واحدة من أصل "100 شخصيّة من كبار المفكّرين العالميّين" وواحدة من بين "100 شخصية مبدعة في عالم الأعمال" في العام 2016. ما الذي يعزّز ثقة المرأة بنفسها برأيك؟

عندما نكون صامتات نصبح قسريّات في قمعنا. فالرجال يطلبون منّا الصمت وإلّا وصمونا بالعار لتبقى السيطرة في أيديهم. إن تجرّأت امرأة على كسر الصمت وإخبار الرجل بأنّها ليست خائفة قد يشكّل هذا الأمر خطراً عليها لكنّها ستحرّر نفسها من القمع الذي يمارسه عليها. استغرقني الأمر 35 عاماً للوصول إلى هذه المرحلة لكن لدي بعض المبادئ للتغلّب على صمتي. فلم أتكلّم ولم أشارك قصّتي إلاّ بعد أن عملت على نفسي من الداخل. تعبيري أتى جرّاء قوّة وليس ضعف. لقد أدركت حينئذ أنّني سأواجه العواقب وردود الفعل لا سيّما من أسرتي لذا حصّنت نفسي وأمّنت نفسي من الناحية المادّيّة. فإن أردت الخروج عن صمتك، لا تقومي بذلك من دون التحلّي بالقوّة والاستقلاليّة المادّيّة والأمن الذاتيّ ومن دون وجود أشخاص يدعمونك في حياتك.   

 

تدعم منظّمتك النساء المهمّشات اللواتي عانين جرّاء النزاعات والحروب. بما أنّك امرأة عراقيّة، ما رأيك في المساواة بين الجنسين في العالم العربيّ؟ وكيف بإمكاننا دفع بعض مجتماعتنا الذكريّة إلى تمكين النساء؟

ثمّة نساء عربيّات رائعات يملكن الشجاعة لإحياء روح العالم العربيّ والبعض منهنّ غير مشهورات وليس لديهنّ أيّ دعم، يناضلن من أجل قيم جديدة من اللاعنف والمسامحة. لكن ثمّة في المقابل أيضاً الكثير من العنف والقمع ضدّ النساء، والتغيير لا يتعّلق بهنّ فحسب لكن بالرجال أيضاً. كيف لرجل أن يخاف من صوت المرأة؟ لا يتعلّق الأمر بتمكين المرأة وحسب، بل بمعنى القوّة الحقيقية بالنسبة إلى الرجال والثقة الحقيقيّة في تقديرهم ذاتهم. يجب إعادة النظر في قضيّة الرجولة في العالم العربيّ. إنّ تحرير المرأة يعني أيضاً أن نكون مستقلّات مادّيّاً وأن نتمكّن من التعبير عن أنفسنا. فلا يمكنك المطالبة بحقوقك بدون الحصول على الاستقلال المادّيّ. يجب أن نغيّر النقاش ونأخذ الحوار من منظور آخر. فإن كان الرجال يؤمنون حقّاً بحقوق المرأة، لم لا يتخّلون عن سلطتهم ويمكّنون النساء. هم يتحدّثون لكنّهم لا يتحرّكون، وثمّة حاجة إلى تغييرات وأفعال ملموسة مثل زيادة نسبة "اتّخاذ القرارات" من قبل النساء في العمل.

اقرئي أيضاً: الرقّة‭ ‬والطيبة‭ ‬تتطلّبان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القوّة،‭ ‬فلنحبّ‭ ‬أنوثتنا‭ ‬إذاً‭ ‬ونضع‭ ‬من‭ ‬ذاتنا‭ ‬في‭ ‬ابتكار‭ ‬الفنّ‭.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

في شهر أكتوبر من العام 2015، أطلقت برنامج "نداء" الجديد من نوعه الذي يحاكي النساء العربيّات ويلهمهنّ. بعد مرور 4 أعوام، هل ترين أيّ تغييرات؟

إنّ الهدف من برنامج "نداء" هو الإضاءة على النساء العربيّات اللواتي يقدّمن روايات جديدة ويبدين إمكانات التغيير من داخل مجتمعنا وبناء علاقات بين النساء العربيّات من مختلف البلدان. اندفعت إلى البرنامج من كلّ قلبي بهدف عرض روايات جديدة وإظهار الأشياء التي تحدث بالفعل في مجتمعاتنا. وقد شعرت في وقتها بأنّ وسائل الإعلام والشباب والمدافعين عن حقوق المرأة فضلاً عن بعض الرجال قد أحبّوا الحلقات، غير أنّ المجتمع بشكل عام لم يكن على استعداد لهذا النوع من البرامج، الأمر الذي كسر قلبي لأنّني شعرت بالرفض أيضاً وبأنّه لم يتمّ سماعي. لكنّني علمت بأنّه يجب المثابرة، لذا لديّ برامجي اليوم في الولايات المتّحدة إنّما قلبي لا يزال في الشرق الأوسط.

في نوفمبر 2016، أطلقت The Zainab Salbi Project وهو عبارة عن سلسلة عالميّة أصليّة تجولين فيها العالم من دون خوف وتسلّطين الضوء على مسائل عالميّة من خلال قصص شخصيّة لأشخاص يناضلون وينجون ومن ثمّ يزدهرون في أوجّ الصراعات. ما هو الدرس الأكثر قيمة الذي تعلّمته من تلك القصص؟

أظنّ أنني تعلّمت أنّ الحبّ أهمّ من أيّ شيء فهو الذي يجعل الإنساء جميلاً وكريماً ولطيفاً. برأيي البشر يخافون بعضهم البعض. فإن رأينا الحبّ في بعضنا البعض، نعرف أنّنا جميعاً متساوون. يجب أن نبتكر طريقة تعاطف في تفهّم الآخر حتّى لو كان عدوّاً وذلك لفهم وجهة نظره. يجب أن نغفر حتّى لو لم يطلب منّا ذلك. من الصعب جدّاً القيام بذلك، لكنّها طريقة ضروريّة لتحرير أنفسنا.

اقرئي أيضاً: من هي أوّل معلّقة رياضيّة سعوديّة؟

قدّمت في برنامجك التلفزيونيّ منصّة للمرأة العربيّة التي قامت بمساهمات غير عاديّة للمجتمع. لكن في مشروعك، تخبرين قصصاً رائعة عن أشخاص أقلّ حظّاً. فكيف تشعرين بالقدرة على ربط هذين العالمين؟

من الرائع أن أتمكّن من التنقّل بين أعلى وأسفل مستويات القطاع الاجتماعيّ. ترعرت على خطّة معيّنة ليصل بي الأمر إلى العمل وعيش حياتي مع خطّة أخرى. أمّا المرّة الوحيدة التي أحسّ فيها بالإحباط والانزعاج فتكون حين أشعر بأنّ الناس لا يتعاطفون مع غيرهم ولا يمدّون يد العون لبعضهم. كلّ ما يريده الله منّا هو تحقيق إمكاناتنا الكاملة وإعطاء أفضل ما لدينا إلى هذا العالم. فحين نكون أحراراً نقدّم أفضل ما لدينا.

 

ما هي رسالتك للمرأة العربيّة بمناسبة يوم المرأة وبمَ تنصحينها لتحقيق أحلامها؟

توفّيت والدتي في سنّ الـ52 وماتت مع صمتها، لم تخبر قصّتها وخسرت صوتها في النهاية. فحين نموت مع صمتنا نخسر صوتنا الداخليّ. قد تكون الثقافات والمجتمعات صعبة لكن فلنتمرّد عليها لأنّنا وحدنا نستطيع الحصول على هذا الحقّ ولا يجب أن ننتظر أحداً لإعطائنا إيّاه. يجب أن نحصل على حقوقنا وإن تطلّب الأمر جهداً فرديّاً، فليكن. لن يكون الأمر سهلاً لكنّنا سنعتاد الأمر. نحن بحاجة إلى التفكير على المدى الطويل. كلّ امرأة تضيء شمعة لامرأة أخرى لتستمرّ. فإيّاك أن تطفئي شمعتك يوماً. إن أتيحت الفرصة للعالم العربيّ للاستمرار، فإنّ النساء هنّ اللواتي سيساهمن في ذلك لذا نحتاج إلى نساء بأصوات صارمة يصنعن بأنفسهنّ دربهنّ الخاص. فلا يجب أن نسمح للصغار بعيش اختبارتنا وقصصنا عينها، فعلى البالغين أن يتخلّوا عن عاداتهم ويتعلّموا عادات جديدة حتّى يكون لبناتنا طريق أفضل.

اقرئي أيضاً: إشراف نسائيّ على سوق العمل

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث