واقع تمثيلات المرأة والرجل في الإعلانات التلفزيونيّة في الخليج العربي

"هل تُصوّر صناعة الإعلانات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل واقعي الدور التقدّمي للمرأة في المنطقة أم أنّها تستمرّ في ترسيخ الصور النمطيّة التقليديّة؟ كيف ينظر المستهلكون في دول مجلس التعاون الخليجيّ إلى الصور النمطيّة الجندريّة في الإعلانات؟" من خلال هذين السؤالين، تواصلت مجموعة الأعمال الإعلانيّة ABG، وهي منظّمة غير ربحيّة تدعو إلى الإعلان والتواصل المسؤول ويمثّل أعضاؤها أكثر من 70٪ من الإنفاق الإعلانيّ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع جامعة زايد. تضمّن الطلب إجراء بحث حول حالة التنميط الجندريّ في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة وفي المنطقة. وفي هذا الإطارأجرى باحثو جامعة زايد من كلّية علوم الاتصال والإعلام دراستين. بينهما دراسة الدكتور Ali Khalil والدكتورة Ganga Dhanesh حول تصوير القوالب النمطيّة الجندريّة في الإعلانات التلفزيونيّة في دول مجلس التعاون الخليجي التي سنتناولها في هذا التحقيق. وفي حينها، كانت مجموعة الأعمال الإعلانيّة تجري محادثات مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة التي تقود مبادرة تغيير الصور النمطيّة في الإعلانات، لتأسيس فرع الإمارات العربيّة المتّحدة. وقد شكّلت نتائج دراسات جامعة زايد أساساً في الاتّجاه الاستراتيجيّ والأهداف الرئيسة لمبادرة Unstereotype Alliance في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة التي تجمع قادة من مجالات متعدّدة، سواء كانوا من الإعلانات أو من صانعي القرار أو المبدعين، بهدف وضع حدّ للصور النمطيّة المؤذية في مجال الإعلانات والمساعدة في بناء عالم خالٍ من الصور النمطيّة وتمكين الأفراد بكل تنوّعهم، والتي نفتخر نحن في ماري كلير العربية بأن نكون جزءاً منها.


وفي ما يلي، سنناقش هذه الدراسة ونتائجها كما سنقارن بين نتائج 2018 و2022 مع الدكتورة Ganga Dhanesh، البروفيسور المشارك والعميد المشارك في كلية علوم الاتصال والإعلام في جامعة زايد وعضو مبادرة Unstereotype Alliance التي تقودها هيئة الأمم المتّحدة للمرأة في الإمارات.


الصور النمطيّة المفيدة والضارّة

الصور النمطيّة الجندريّة هي معتقدات شخصيّة بأنّ صفات معيّنة تميّز الرجال والنساء بما في ذلك الخصائص الجسديّة. نبدأ حوارنا بسؤال الدكتورة Dhanesh عن العواقب السلبيّة لاستمرار الصور النمطيّة الضارّة في الإعلان. فتقول لنا: "قد تكون الصور النمطيّة مفيدة وضارّة. فهي مفيدة في معالجة المعلومات وتقليل المتطلّبات المعرفيّة على المتلقّي. لكنّها ضارّة عندما تحدّ مجموعة واسعة من الاختلافات بين الناس بفئات مبسّطة وتتحوّل هذه الفئات إلى حقائق متخيّلة. وإحدى الطرق التي يتمّ من خلالها نشر الصور النمطيّة الجندريّة وتعزيزها هي من خلال وسائل الإعلام، والمحتوى الإعلانيّ تحديداً. وقد أظهرت الأبحاث أنّ الصور النمطيّة الجندريّة الضارّة يمكن أن تؤدّي إلى عواقب سلبيّة، ولا سيّما بالنسبة إلى النساء. فقد تتسبّب الصور النمطيّة لمعايير الجمال مثلاً بانخفاض احترام الذات والثقة في النفس وعدم الرضا عن الجسد لدى النساء. كما أنّ القولبة النمطيّة للمرأة كمقدّمة الرعاية والرجل كالمعيل يمكن أن تحدّ من فرص النمو الشخصيّ والمهنيّ". وتتابع: "عندما تتعارض الصور النمطيّة، مثل التصوّر بأنّ المرأة حنونة ومجتمعيّة بينما القادة حازمون وكفؤون، يمكن أن تخلق مواقف سلبيّة تجاه القيادات النسائيّة في مكان العمل. ووجدت الأبحاث أيضاً أنّ الصور النمطيّة المتعلّقة بالرياضيّات قد تقلّل اهتمام الفتيات وأدائهنّ في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيّات، كما قد يقمع التنميط الجندريّ الضارّ تطلّعات النساء لريادة الأعمال".

هل اختلف الوضع بين العامين 2018 و2022؟

ما هي أهمّ الملاحظات والنتائج والاختلافات في تمثيل النساء والرجال في الإعلانات بين العامين 2018 و2022؟ تجيبنا الدكتورة Dhanesh قائلة: "بين عامي 2018 و2022، وجدنا تغييرات في فئتين بشكل خاصّ: الموقع والدور. في العام 2022، استمرّ تصوير النساء في المنزل أكثر مقارنةً بالأماكن المهنيّة. ومع ذلك، ظهر 35٪ من الرجال في المنزل (مقارنةً بـ8.7٪ في 2018)، وتمّ تصوير 15٪ منهم في أماكن مهنيّة (مقابل47.8 ٪ في 2018).

لا شكّ في أنّ سبب ذلك قد يكون نتيجة تأثير الوباء عندما كان عدد كبير من الناس يعملون من المنزل. إنّما الأمر الأكثر وضوحاً هو أنّ تصوير الرجال في الأدوار العائليّة قد تحسّن بشكل كبير حيث ظهر 40 ٪ من الرجال بأدوار عائليّة، سواء كالشخص الذي يهتمّ بالمنزل أو الوالد أو الزوج (مقابل 13٪ في 2018)، بينما بقي تمثيل المرأة في الأدوار العائليّة نفسه كما في السابق". وتشرح لنا أكثر: "لقد استنتجنا حدوث تغييرات في المنطقة منذ إجراء الدراسة الأوليّة في العام 2018. فأُدخِلت مثلاً إصلاحات في المملكة العربيّة السعوديّة لتشجيع النساء على العمل، بما في ذلك الحصول على الإئتمان وحظر التمييز على أساس الجندر في العمل. وفي العام 2020، أصدرت دولة الإمارات العربيّة المتحدة قانوناً يضمن المساواة في الأجور بين الرجال والنساء في القطاع الخاصّ. وكان هناك وقت ليصبح التوجيه الحكوميّ لرفع نسبة تمثيل المرأة في المجلس الوطنيّ الاتحاديّ إلى 50% في العام 2019 ساري المفعول. وبدعم من دراستنا للعام 2018، أصدرت مجموعة الأعمال الإعلانيّة إرشادات حول التنميط الجندريّ في الإعلان في الإمارات العربيّة المتّحدة. ونظراً إلى الانتشار الإقليميّ للأعضاء، كان يمكن أن يكون لذلك تداعيات أوسع على تصوير النوع الاجتماعيّ في الإعلانات. وبالرغم من أنّنا لا نستطيع إيجاد رابط مباشر بين كلّ ما سبق والتغييرات في التمثيل الجندريّ في الإعلانات، فمن المحتمل أن تكون هذه العوامل قد أثّرت على التغيّر الضئيل في الوضع".

تبنّي التغييرات المجتمعيّة التقدميّة

ما هي التحديات التي لا تزال تقيّد التمثيل المتوازن للرجال والنساء في الإعلانات في دول مجلس التعاون الخليجي؟ توضح لنا الباحثة قائلة: "إنّ الأفكار والمحادثات حول موضوع مثل التمثيل المتوازن للرجال والنساء في الإعلانات موجودة داخل دوامة من قوى الدفع والجذب في المجتمع. فيما يقع الفكر المحافظ الراسخ والتفكير الذكوري والعلامات التجارية التي تتجنّب المخاطرة التي تعكس هذا التفكير في محور الدوامة، فإنّ القوى التي تناضل في معارضة هذا المحور القويّ تشمل الإجراءات التي اتّخذتها بعض الحكومات في المنطقة التي تدعم تمكين المرأة؛ وتوقّعات الشباب العربيّ الذي يرغب في تحقيق قدر أكبر من التوازن بين الجنسين في المجتمع؛ وزيادة التعرّض للحركات الاجتماعيّة العالميّة التي تحتجّ على عدم المساواة بين الجنسين؛ ومجموعة من العلامات التجاريّة التي اتّخذت موقفاً بشأن المساواة بين الجنسين وأظهرت ريادتها في توسيع ذخيرة تمثيل الجنسين في الإعلان".

ثمّ تضيف قائلة: "وسط التداخل الدائم لهذه القوى المتعارضة، المتأثرّة بشكل أساسي بالثقافات الذكوريّة والمحافِظة السائدة في المنطقة، قد يُظهر المستهلكون من أصحاب المعتقدات التقليديّة حول أدوار الجنسين رفضاً لتبنّي التغييرات المجتمعيّة التقدميّة أو الصور المتغيّرة في الإعلانات. وبالتالي، فقد تستمرّ العلامات التجاريّة التي تتجنّب المخاطرة وتأخذ حذرها لعدم زعزعة الوضع الراهن والنظام المعمول به، في الالتزام بتصوير الأدوار التقليديّة للجنسين. ومن ناحية أخرى، في هذا العصر من الوعي الاجتماعيّ المتزايد حيث تتّخذ العلامات التجاريّة مواقف بشأن القضايا الاجتماعيّة والبيئيّة المهمّة، من خلال المسؤولية الاجتماعيّة للشركات أو دعوتها الاجتماعيّة أو المبادرات البيئيّة والاجتماعيّة والحوكمة، تتولّى بعض العلامات التجاريّة دوراً رائداً في توسيع نطاق التمثيل الجندري في الإعلان. ثم هناك الجهات الإعلانيّة في الوسط أي التي تسير بحذر بين تلك القوى المتضاربة بهدف تحقيق توازن بين مسؤوليّتها الاجتماعيّة لتعزيز تمكين المرأة وحاجتها للتجاوب مع المستهلكين الذين لا يزالون متمسّكين بالمعتقدات التقليديّة. ومن الضروريّ أن نواصل هذه المناقشات ونعزّزها، بهدف تشجيع المزيد من العلامات التجاريّة على الانتقال إلى القيادة.

العنف الرمزيّ تجاه المرأة

لطالما عمدت وسائل الإعلام والإعلان إلى تصنيف النساء "النشيطات" في المجتمع بمصطلح Passionaria الشهير الذي ظهر مع Dolores Ibarruri. وإذا استعرنا مفهوم عالِم الاجتماع Pierre Bourdieu، فيمكن اعتبار هذا التصنيف بمثابة "عنف رمزيّ" يُمارس ضدّ المرأة. ونسأل الدكتورة Dhanesh عن رأيها بهذا التصنيف وعمّا يجب القيام به للتقدّم في هذا الإطار. فتجيبنا قائلة: "يمكن بالفعل اعتبار تصنيف النساء المتمكّنات "النشيطات" في المجتمع بمصطلح Passionaria عنفاً رمزياً يُمارس ضدّ المرأة. يشير العنف الرمزيّ، وفقاً لعالِم الاجتماع Pierre Bourdieu، إلى الطرق التي تَفرض بها هياكل السلطة والأعراف الثقافية السائدة التفاوتات وتحافظ عليها من خلال الوسائل الرمزيّة. وغالباً ما ينعكس العنف الرمزيّ تجاه المرأة في تعابير مثل "كالفتاة" التي تؤثّر بمكر وخبث على وجهات النظر حول تبعيّة المرأة. ومن الضروريّ اليوم أن تتقدّم المزيد من العلامات التجاريّة وترفع الصوت في وجه هذه الأشكال من العنف الرمزيّ القائم على النوع الاجتماعيّ. وقد يكون ذلك من خلال دفع حدود التصوير التقليديّ للجنسين. فأظهرت البحوث التي أجريت طوال عقود منذ سبعينات القرن الماضي أنّه تم تصوير النساء في الأساس إمّا في المجال الخاصّ / المنزليّ على أنهنّ زوجات مطيعات أو أمّهات أو بنات، أو في الأدوار المظهريّة كرمز للجمال الجسديّ، وتمّ استبعادهنّ من الأدوار التمكينيّة والمجالات المهنيّة. وحتى عندما يتمّ تصويرهنّ كمهنيّات، تقتصر هذه الصور على مهن الرعاية مثل التمريض أو التدريس. وإلى جانب الأدوار المرتبطة بالرعاية، هناك حاجة إلى تصوير أكثر تنوّعاً وتوازناً للمرأة في جميع أشكال الاتصالات التجاريّة، بما فيها الأدوار في القيادة وفي مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيّات والسياسة. ويمكن للشركات والمنظّمات غير الحكوميّة والحكومات إطلاق حملات توعية تسلّط الضوء على الآثار الضارّة للقوالب النمطيّة والتحيّز الجندري اللاواعي. فيتطلّب تفكيك تلك الطبقات المتراكمة من العنف الرمزيّ المُمارَس على النساء جهوداً متضافرة من العلامات التجاريّة والجهات الإعلانيّة والوكالات وصانعي السياسات والناشطين".

كلام شامل ومحرِّر

ما نوع الخطاب الذي نحتاجه اليوم ليتمّ عرضه في الإعلانات للمساعدة في تحقيق المساواة بين الجنسين؟ تجيبنا الدكتورة Dhanesh بالقول: "نحن بحاجة إلى الكلام المحرِّر والذي يعزّز القصص المحفّزة التي تتحدّى الأدوار التقليديّة والقوالب النمطيّة والتحيّز الجندريّ اللّاواعي. ونحن بحاجة إلى إعلانات للاحتفال بقصص الرجال والنساء الذين يدفعون الحدود التقليديّة ويتبعون شغفهم عبر مجالات متنوّعة، والتي تلهم بالتالي الجماهير للتساؤل حول تحيّزاتهم الجندريّة والتصرّف استجابةً لذلك. وبالإضافة إلى الكلام المحفّز، تستطيع العلامات التجاريّة إطلاق مناقشات ثنائية الاتّجاه مع متابعيها والتي من شأنها أن تساعدها لمواكبة الأعراف الاجتماعية المتطوّرة من جهة ولتكون من بين قادة الفكر والعمل في مجال المساواة بين الجنسين من جهة أخرى. نحن بحاجة إلى الكلام الشامل الذي يحتفي بتمثيل جندريّ متنوّع وواقعيّ وشامل في الحملات الإعلانيّة عبر تصوير الفئات العمريّة والقدرات والأدوار والمواقع وما إلى ذلك. فيجب أن يقدّم الإعلان الشامل الخيارات للرجال والنساء، لتشجيعهم على فعل ما يريدونه أو على أن يكونوا ما يريدونه، من دون اتّباع معايير محدّدة مسبقاً ومفروضة من الخارج".

ما هي إذاً نصائح الباحثة للجهات الإعلانيّة ووسائل الإعلام بناءً على نتائج هذه الدراسة؟ تختتم الدكتورة Dhanesh: "بهدف تعزيز القصص المحفّزة وتسليط الضوء على مجموعة متنوّعة من الأدوار، يمكن للعلامات التجاريّة التعاون مع الخبراء والمنظّمات في مجال المساواة بين الجنسين بما فيهاGeena Davis Institute on Gender in Media ومبادرة Unstereotype Alliance التي تقودها هيئة الأمم المتحدة للمرأة. وقد تساعد هذه الشراكات أيضاً في توفير برامج التوعية الجندريّة للمبدعين ومشتري وسائل الإعلام وغيرهم من العاملين في المؤسّسات الإعلانيّة والإعلاميّة التي يمكن أن تعزّز فهمهم للتحيّزات اللاواعية والممارسات الإعلانيّة المسؤولة".

إقرئي أيضاً: يداً بيد مع الأمم المتّحدة في مسيرتنا الدائمة لتمكين المرأة

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث