قولٌ وفعلٌ لمستقبل أكثر إشراقًا واستدامة في الإمارات!
الاستدامة جزءٌ أصيلٌ من تاريخ الإمارات، وأصبحت في السنوات الأخيرة محورًا للعمل الجماعي بين مختلف القطاعات، من خلال العمل على مبادراتٍ وطنية تُترجم الرؤية الطموحة للدولة. فكل خطوةٍ صغيرة نتخذها اليوم تترك أثرًا كبيرًا على مستقبل أرضنا، التي يجب أن نتركها بحالةٍ أفضل للأجيال القادمة، تمامًا كما ورثناها عن أجدادنا. وقد أثبتت الإمارات ريادتها في مجال الاستدامة عبر تقديم نموذج ملهم يُشجّع العالم على اتخاذ خطوات مماثلة. وخلال احتفالنا بعيد الاتحاد الـ53 لدولة الإمارات العربية المتحدة، نسلّط الضوء على الجهود البارزة التي بذلها فريق "عام الاستدامة" منذ عام 2023. حيث يهدف الفريق إلى تشجيع الجميع على تبنّي سلوكيّات مستدامة في حياتهم اليومية، ممّا يعزز روح المسؤولية الجماعية تجاه أرضنا. وفي هذا السياق، يسعدنا أن نستعرض برامج ومبادرات "عام الاستدامة" مع عيسى السبوسي، مدير مبادرة "عام الاستدامة" وروضة الفلاسي، نائبة مدير المبادرة.
Images courtesy: Year of Sustainability
"تتمحور الاستدامة حول أخذ ما نحتاجه فقط من أرضنا وترك ما يكفي من الموارد للأجيال القادمة لتعيش وتزدهر أيضًا. إنّ الاستدامة قيمة متجذرة بعمق في تراث دولة الإمارات العربية المتحدة"، يشرح عيسى السبوسي. ويضيف: "نحن ندرك أنّ الاستدامة تمثل التزاماً دائماً يستدعي تعاون الأفراد والمؤسسات والمجتمع بأسره. ولكي تكون فعّالة، يجب أن تتحوّل إلى نهج حياة يومي. لهذا، نعمل على تقديم خطوات ميسرة وقابلة للتطبيق، يستطيع كلّ شخص اعتمادها بما يتناسب مع قدراته، لتحقيق تأثير إيجابي يعمّ الجميع."
من جهتها، تُوضح روضة الفلاسي: "لقد مثّل "عام الاستدامة" جهداً شاملاً وجماعيًا لتعزيز أجندة الاستدامة في دولة الإمارات خلال العامين الماضيين. جمعت المبادرة كلّ من يعتبر دولة الإمارات وطناً له، بما في ذلك الأفراد والهيئات، نحو العمل الجماعي من خلال شراكات مع الأطراف المعنية من القطاعات المختلفة. كما تضمّنت المبادرات فعاليات على مستوى الدولة مثل مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، وبيت الاستدامة، واحتفالات عيد الاتحاد الثاني والخمسين". تماشياً مع الأجندة الهادفة إلى إشراك الجمهور في العمل المستدام، أطلقت مبادرة "عام الاستدامة"، تحت شعار "قول وفعل" هذا العام، سلسلة من الفعاليات والأنشطة الميدانية التي تعنى بأربعة مجالات رئيسة، تؤكّدها روضة الفلاسي كالتالي: "النقل الأخضر، توفير الطاقة والمياه، الاستهلاك المسؤول، والزراعة بوعي. تركّز هذه الفعاليات على إشراك الهيئات بالإضافة إلى الأفراد في جميع أنحاء الدولة، لتعزيز تأثير العمل الجماعي على البيئة وحياتنا اليومية". وتشمل هذه الفعاليات المجتمعية "حكايا الدرور" و" من مزارعنا إلى حصيرنا" و"أبطال القرم" ومجالس "قول وفعل".
حكايا الدرور: مزجت فعالية "حكايا الدرور" بين نظام الدرور القديم والاستكشافات الفلكية الحديثة، حيث اجتمع المشاركون للتصوير الفلكي وحضور محادثات ملهمة مع خبراء الفلك. وربطت الفعالية بين التقاليد المستدامة الراسخة في ثقافة دولة الامارات العربية المتحدة وممارسات الاستدامة الحديثة، مما قدّم تجربة فريدة للحاضرين. شهدت "حكايا الدرور" تعاونًا مميزًا مع ومرصد السديم في أبوظبي، وأكاديمية الشارقة لعلوم الفضاء والفلك والتكنولوجيا، وجمعية الإمارات للفلك. وتضيف روضة الفلاسي: "انّ استلهام أسلوب حياة أجدادنا الذين عاشوا بتناغم مع الطبيعة، وفهم رسائلها، يعد درسًا رائعًا وأساسيًا لحماية بيئتنا والمحافظة عليها."
من مزارعنا إلى حصيرنا: تركّز هذه الفعالية على تعزيز مفاهيم الزراعة المستدامة كأحد أهداف "عام الاستدامة"، وتقدّم تجربة غامرة وعملية تدور حول الاستدامة من خلال استكشاف الزراعة المحلية والحرف التقليدية. شملت الأنشطة جولة في مزرعة عضوية وورش عمل تفاعليّة صُمّمت لتعزيز التواصل الأعمق مع الطبيعة وتشجيع الممارسات المستدامة.
أبطال القرم: تماشيًا مع جهود الإمارات في الحفاظ على التنوّع البيولوجي، أطلقت مبادرة "عام الاستدامة" سلسلة فعاليات "أبطال القرم". حيث ركّزت هذه الفعاليات على زراعة أشجار القرم وتنظيف غابات القرم في مختلف أنحاء الدولة.
تُعد أشجار القرم عنصرًا حيويًا في الحدّ من انبعاثات الكربون وحماية السواحل من التآكل والكوارث الطبيعية مثل الفيضانات. وتوحّد فعالية "أبطال القرم" المجتمع نحو هدف مشترك يتمثّل في حماية البيئة وتعزيز الاستدامة من خلال خطوات بسيطة، ولكنّها مؤثّرة.
مجالس "قول وفعل": أبرزت هذه السلسلة من المجالس مدى ارتباط الاستدامة بقيم الإمارات الأصيلة. ركّزت الفعالية على شجرة الغاف الوطنية، رمز الصمود والاستدامة، حيث تضمّنت الفعالية سردًا للشعر العربي ورواية القصص. وهدفت هذه الفعالية إلى إلهام الجمهور وتثقيفه حول التراث الإماراتي في مجال الاستدامة من خلال سرد القصص الغامر، ممّا عزّز الروابط بين الماضي والحاضر في رحلة نحو مستقبل مستدام.
غرس قيم الاستدامة في الأطفال أيضاً!
كيف يلّخص الفريق جهوده وثمار مساهمته منذ إعلان عام 2023 "عام الاستدامة"؟ يقول عيسى السبوسي: "من خلال تعاوننا وأنشطتنا المختلفة، لم نشهد فقط زخماً من الاهتمام العام تجاه الاستدامة، بل لاحظنا تحولاً كبيراً نحو السلوك المستدام. والأمر المهمّ بالنسبة إلينا هو أن نفكّر بشكل جماعي في كيفية مواصلة هذا الزخم لجعل الاستدامة التزاماً مستمرًا، في كلّ جانب من جوانب الحياة. ونأمل أن نترك خلفنا إرثاً من الاستدامة يستمرّ في تعزيز القيم للأجيال القادمة من خلال مشاريع عدّة. ويتابع: "من أهمّ ثمار مشروعنا الذي أطلقناه في العام 2023 واستمرّ حتى العام 2024 هو برنامج زمالة "مختبر المواد"، وهو نموذج تعاوني للإنتاج المستدام يهدف إلى إشراك المبدعين المقيمين في الإمارات في ابتكار المواد وإعادة التفكير في الإنتاج والتصميم بدءًا من مرحلة التصميم وحتى مرحلة التصنيع. يوفّر هذا البرنامج إرشادات وموارد مهمّة للمبدعين، ويشجّعهم على استكشاف آفاق جديدة، وإعادة تعريف مفهوم التصميم المستدام. بهذه الطريقة، يتمّ إعداد جيل جديد من قادة التصميم المستدام.
كما يشير إلى لعبة Estidama Craft وهو عالم تفاعلي فريد مصمم لتشجيع الأطفال على تعلّم الاستدامة من خلال تجربة ألعاب غامرة. يوضح السبوسي: "هذا البرنامج متاح للتحميل على Minecraft Education وMinecraft Marketplace، وقد تمّ تنزيله أكثر من 1.5 مليون مرة حتى الآن! اللعبة مستوحاة من المناطق الطبيعية الخلابة والتنوع البيولوجي في الإمارات، وتوجّه اللاعبين نحو تبنّي سلوكيات مستدامة. إنّها أداة تعليمية قوية يمكن استخدامها في المدارس والمنازل." كما يتحدّث السبوسي عن منصة "مجتمع أبطال الاستدامة"، التي تدعو عشاق الاستدامة من كافة الأعمار إلى مشاركة قصصهم على مستوى الدولة والانضمام إلى فعاليات ومبادرات "عام الاستدامة". يشجّع البرنامج المشاركين على الانخراط بطرق هادفة لتعزيز العمل المستدام، وتسليط الضوء على جهودهم، ممّا يجعلهم جزءاً من حركة مستدامة جماعية تمتدّ عبر الإمارات طوال العام.
تعزيز الاستدامة على المستوى الشخصي
يشاركنا عيسى السبوسي، مدير المبادرة، بثلاث نصائح لتعزيز الاستدامة على المستوى الشخصي: "ما يميّز الاستدامة هو أنّها تتكيف مع احتياجات وظروف كلّ شخص. فلا توجد نسخة واحدة تنطبق على الجميع، ولهذا السبب تمثّل الاستدامة تغييرًا في نمط الحياة. إذا التزم كلّ منا بتعديل عاداته اليومية، فإننا نساهم ببطء ولكن بثبات في الجهود الأكبر لمعالجة التحديات المناخية." ويضيف السبوسي: "لقد شجّعت مبادرات "عام الاستدامة" الجمهور على إعادة التفكير في الاستدامة بطرق بسيطة وقابلة للتحقيق. ركزنا على التوعية لبدائل مستدامة للعادات اليومية التي يمكن للجميع الالتزام بها، مثل الحفاظ على المياه والكهرباء، استخدام وسائل النقل الخضراء، زراعة النباتات وحماية البيئة الطبيعية، بالإضافة إلى إعادة تدوير النفايات." كما يشير السبوسي إلى أحد أهمّ الجهود المبذولة لتعزيز العمل الفردي المستدام: "أطلقنا العديد من الأدلة الإرشادية للاستدامة بالتعاون مع خبراء مقيمين في الإمارات ضمن شبكة خبراء "عام الاستدامة". توفر هذه الأدلة بدائل عملية لاتباع أسلوب حياة مستدام، وتقدّم دوافع مالية وصحية واجتماعية وبيئية تُشجع الأفراد على تبني الخيارات المستدامة." وقد تمّ تطوير النصائح الواردة في هذه الأدلة مع مراعاة بيئة دولة الإمارات، ممّا يجعلها مفيدة بشكل خاص في تعزيز العادات المستدامة. ويمكن للجمهور تحميل هذه الأدلة مجانًا عبر الموقع الإلكتروني للمبادرة.
يختتم عيسى السبوسي برسالة خاصة بمناسبة عيد الاتحاد بالقول: "على مدار العامين الماضيين، سلّطت مبادرة "عام الاستدامة" الضوء على قصص أجدادنا لتعزيز الاستدامة كالتزام مدى الحياة. كما ساهمت في نشر الوعي حول ممارسات الاستدامة بين الأجيال، مما يعكس جزءًا مهمًا من تراث دولة الإمارات العربية المتحدة." ويضيف: "لقد عاش أجدادنا بانسجام مع الطبيعة، بدافع الضرورة، وشعروا بمسؤولية الحفاظ على مواردهم وحماية الأرض لترد الجميل بحمايتهم. هذا الإرث يذكرنا بأهمية الالتزام بالحفاظ على الموارد وصونها واستهلاكها بوعي. نأمل أن نغرس هذه القيم ذاتها في الأجيال القادمة، لنعيش بانسجام مع الطبيعة تمامًا كما فعل أجدادنا."
إقرئي أيضاً: إلى أرضي في يومك الوطني