العلاقة بين العقل والجسد للعافية الشاملة

العقل والجسد: علاقة متبادلة للعافية الشاملة

من أجمل ما قرأت في مجال تطوير الذات والعناية بالصحة النفسية كتاب الدكتورة نيكول لابيرا "كيف تقوم بالعمل" (How to do the Work) الذي وأنصحكم بقراءته أيضاً. وقد لفت نظري بحثها في العلاقة الوثيقة بين العقل والجسد، فهذه العلاقة مؤشّر قوي على التشابك والتناغم بين صحتنا النفسية والجسدية والتي بدورها ضروريّة لتحقيق عافيتنا شاملة.

الإعداد: Maha Taibah

مها خالد طيبة، مستشارة في الاستراتيجيّة والقيادة وجودة الحياة ومؤسسة شركة "رُمَّان"

معظمنا يدرك أنّ اتصال العقل بالجسد وثيق جداً، فأفكارنا ومشاعرنا وحالتنا النفسية تؤثّر على صحتنا الجسدية. هذا المفهوم، المتجذّر في الفلسفات القديمة والمدعوم بالعلم الحديث اليوم، يشير إلى أنّ العمليات العقليّة يمكن أن تؤدّي إلى تغييرات جسدية ملحوظة. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدّي التوتّر المزمن إلى أعراض جسديّة مثل الصداع ومشاكل الجهاز الهضمي وحتى مشاكل القلب والأوعية الدمويّة. وتقنيات مثل التأمّل والعلاج السلوكي المعرفي تتجاوب مع هذا الاتصال وتستفيد منه من خلال استخدام تقنيات عقلية مستندة على الأبحاث العلمية لتعزيز الشفاء الجسدي والصحة العامة.

في المقابل، والذي قد لا يكون واضح للكثير، أنّ اتصال الجسد بالعقل أيضاً له تأثير بنفس القوة، فالنشاط البدني والتنفّس الصحيح والنوم الكافي وحتى دموع البكاء جميعها لها بالغ الأثر الإيجابي على حالتنا النفسية والعاطفية. وهذا المنظور يبرز الطبيعة التبادلية للعلاقة، مشيراً إلى أنّ ما نفعله بأجسادنا - من خلال الحركة والنظام الغذائي والممارسات الجسدية الأخرى - يمكن أن يؤثر بعمق على صحّتنا النفسية. على سبيل المثال، أظهرت الدراسات أنّ التمارين الرياضية المنتظمة تقلّل من أعراض القلق والاكتئاب، وتحسّن المزاج، وتعزّز الوظائف العقلية.

إقرئي أيضاً: 6 قواعد أساسيّة لعلاقة سليمة مع الآخرين

يؤكّد عمل الدكتورة لابيرا على أهميّة التعرّف على كلا الاتصالين والاستفادة منهما لتحقيق العافية الحقيقية. فالتفاعل الذي يبدأ بالعقل فيؤثر بالجسد مختلف عن التفاعل الذي يبدأ بالجسد فيؤثّر على العقل، ولكنّ التواصل بينهما يخلق حلقة تغذية راجعة مستمرّة، فالتحسينات في مجال واحد تعزّز بشكل طبيعي الآخر، وهذا الوعي الشمولي هو أساسي للصحة والعافية المستدامة.

الحركة مثلاً، هي محفّز قويّ في اتصال الجسد بالعقل. النشاط البدني يحفز إفراز الإندورفين، وهو هرمون مهم لتعديل المزاج في الدماغ. التمارين الرياضية المنتظمة تقلل من مستويات هرمونات التوتر في الجسم، مثل الأدرينالين والكورتيزول، مما يعزز الشعور بالهدوء والاسترخاء. علاوة على ذلك، تزيد الحركة من تدفّق الدم إلى الدماغ، ممّا يعزّز الوظائف العقلية والوضوح الذهني.

قد تكون حرارة الصيف الآن تمنعنا من المشي في الخارج ولكنّ المشاركة في الأنشطة الداخلية مثل الرقص مفيدة للغاية. فالرقص وسيلة ممتعة وإبداعيّة تحفّز الابتكار لأنها تنشّط الجزء الأيمن من الدماغ، وتعزّز اللياقة البدنية والسلامة العقلية بشكل كبير. أظهرت الدراسات أنّ الرقص يحسّن التوازن الجسدي وصحة القلب والأوعية الدموية، كما يحسّن المزاج ويقلّل من مستويات التوتّر. بالإضافة إلى ذلك، الرقص نشاط يمكن الاستمتاع به بمفردنا أو مع المقربين لنا، فهو سبب جميل للاجتماع مع من نحبّ.

الاعتراف بكلا الاتصالين بين العقل بالجسد والجسد بالعقل ورعايتهما أمر ضروري للصحة الشاملة. فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل ممارساتنا اليومية تأخذ بعين الاعتبار العلاقة المتبادلة بين عقولنا وأجسادنا؟ هل نحن فعلاً نحقق التوازن المطلوب؟ وما الذي نستطيع تغييره في يومنا حتّى نساعد على تعزيز أواصر التفاعل بين عقولنا وأجسادنا والعكس؟!

إقرئي أيضاً: اهمية هرمونات السعادة الأربعة في حياتنا وأثرها على جودة الحياة

 

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث