التراث الفلسطيني المنسوج بالخيوط

الإعداد: Cynthia Succar
لطالما سعى مصمّمو الموضة إلى سرد قصصهم المستوحاة من مصادر إلهامهم ومحاولة ترجمتها في دلائل تنعكس في مجموعاتهم. في ما يلي أجرينا حواراً مع خمس مصمّمات أزياء فلسطينيّات يعكسنَ التاريخ الفلسطينيّ وتراثه في تصاميمهنّ وتطريزاتهنّ ومجموعاتهنّ، إلى جانب استخدامهنّ لرموز تترجم هويّتهنّ الوطنيّة في علاماتهنّ التجاريّة.
 
nöl collective


من الواضح أنّ التراث الفلسطينيّ ينعكس في مجموعاتك والتطريز في تصاميمك، ما هو مصدر الإلهام وراء ذلك؟
ثمّة صورة رأيتها عبر الإنترنت لرجل على الشاطئ في غزة خلال حقبة السبعينات وقد ألهمت بالفعل رؤية علامة Nöl Collective واتّجاهها. فظهر وهو يحمل لفافات خيوط حمراء وكان محاطاً بهالة من العشرات منها على الرمال وكان مشهداً مذهلاً. في البداية لم أفهم تماماً ما كان يفعله، لكن من خلال المعلومات في التعليقات، علمت أنّه كان يغسل الخيوط في مياه البحر لأنّ ملح البحر يثبت الصبغة عليها. فأذهلني ذلك وبدأت أتساءل عن سبب زوال هذه الممارسة. وبهدف التعرّف أكثر على الحرف اليدويّة الأقلّ شهرة من التراث الفلسطينيّ، واستخدام ذلك لتثقيف العالم حول فلسطين، بدأنا العمل في Nöl Collective. وقادني ذلك إلى التعامل مع النسّاجين في غزة والخليل، والمطرّزين في قرية رام الله والناقورة، والخيّاطين في بيت لحم وبيت ساحور ومخيم عسكر للّاجئين، فتشكّلت شبكة إبداعيّة قويّة من جميع أنحاء فلسطين.
 

يحتاج العالم إلى المزيد من الأشخاص أمثالك الذين يقدّمون أعمالاً تحكي قصص التراث. كيف تفسّرين دمج الرموز والدلائل في مجال الموضة؟
تتمتّع فلسطين بتاريخ طويل في إيصال القصص عبر الرموز من خلال زخارف التطريز وألوانه. إذ كان الثوب الفلسطينيّ التقليديّ بمثابة سيرة ذاتيّة مطرّزة يدويّاً للمرأة ومنطقتها في فلسطين. فلدى رؤية ثوبها، يمكن معرفة المنطقة التي تأتي منها بحسب ألوان التطريز وزخارفه، بالإضافة إلى أسلوب الثوب نفسه. حتى أنّ النساء قد استخدمنَ أثوابهنّ لمشاركة المعلومات المهمّة في ما بينهنّ أثناء الحرب. وعندما مُنع رفع العلم الفلسطيني، قمنَ بتطريزه على أثوابهنّ. هذا هو النهج الذي نعتمده في Nöl Collective.

إذ أصبحت الملابس وسيلتنا لمشاركة القصص. فالقماش المستخدم في طقم Naila مثلاً هو قطن منسوج يدوياً من غزة يسمى بالقماش المجدلاوي. وفيما يعيش نسّاجو هذا القماش ويعملون في غزة اليوم، إلّا أنّهم في الأصل من بلدة المجدل التي دُمّرت بالكامل عام 1948. وشكّلت هذه المدينة مركزاً للقماش المجدلاوي ولعبت دوراً حاسماً في الأثواب الفلسطينيّة التقليديّة في جنوب فلسطين. وعندما دُمّرت البلدة وهُجّر سكّانها، أصبح عمل النسيج مهدّداً بالزوال. واليوم، يواصل عدد قليل من النسّاجين فقط هذا التقليد في غزة، ويحافظون على جزء مهمّ من تراثنا الجماعي. وتدرك زبوناتنا ذلك، فكلّ سيّدة اشترت هذا الطقم تعرف تاريخه وترتديه بكلّ فخر. وكلّ تصميم نصنعه من هذا القماش المجدلاوي هو قصّة صمود في وجه المحن واجتياز العقبات. 

Yasmeen Mjalli

 
  
Suzy Tamimi
 

 
من الواضح أنّ التراث الفلسطينيّ ينعكس في مجموعاتك والتطريز في تصاميمك، ما هو مصدر الإلهام وراء ذلك؟
كمبدعة وناشطة، لطالما شعرتُ برغبة كبيرة في إحداث تأثير إيجابيّ وقويّ من خلال عملي. في العام 2014، أتيحت لي الفرصة لمقابلة سيّدة من الأونروا في غزة، والتقيت بها في رام الله في منزل قريبي، واشتريت منها كلّ الأوشحة المطرّزة التي كانت لديها. في العام 2015، كنت محظوظة بمقابلة حنان منير، مؤلفة كتاب رائع عن التطريز الفلسطينيّ، كما أنّها من هواة الجمع وقيّمة فنيّة. وقد أذهلتني مجموعتها الجميلة وسألتني إذا كنت مهتمة بشراء بعض قصاصات من التطريز الفلسطينيّ القديم، وإذا كان بإمكاني تصميم فستان عصري باستخدامها، وقالت إنه إذا تمّت الموافقة عليه من قبل لجنة الأمم المتحدة في نيويورك، فسيُعرَض في معرض Palestinian Embroidery: Threads of Continuity, Identity and Empowerment المخصّص للتطريز الفلسطينيّ. وقد تمّت بالفعل الموافقة عليه فعُرض لمدّة شهر إلى جانب قطعتين من الأوشحة المطرّزة على يد نساء في غزّة. لقد كان الأمر يستحقّ العناء لتسليط الضوء على إبداعاتهنّ الجميلة، وكانت هذه لحظة فخر كبيرة بالنسبة إليّ وإلى عائلتي، وشكّلت نقطة انطلاق مسيرتي الإبداعيّة لإعادة تصميم التطريز الفلسطينيّ القديم. وهذا ما دفعني إلى ابتكار قطع تحاكي الناس فعلاً، مثل الملابس الرياضية وغيرها من القطع المعاصرة. فأنا أمنح تلك الأعمال الحرفيّة الفلسطينيّة الجميلة حياة جديدة. والقطع الممزّقة هي المفضّلة لديّ لأنّها دليل على قصّة حياة وعلى وجودنا، كما تشكّل أحد أجمل أشكال المقاومة.


يحتاج العالم إلى المزيد من الأشخاص أمثالك الذين يقدّمون أعمالاً تحكي قصص التراث. كيف تفسّرين دمج الرموز والدلائل في مجال الموضة؟
إنّ تصميم شعار علامتي التجاريّة مستوحى من رسم بدأت تطويره في العام 2017، لذا فهو عزيز على قلبي. إنّه يتألّف من ثلاثة عناصر رمزيّة: حمامتان، وهما رمز عالميّ للسلام، تحملان قفازات ملاكمة تمثل النضال من أجل الحرية، وأغصان أشجار الزيتون التي تشتهر بها الزراعة والتراث الفلسطيني، بالإضافة إلى زهرة الخشخا كتكريم للأرواح التي فُقدت في سبيل حرية الشعب الفلسطيني. 

 اقرئي ايضًا:الملكة رانيا تدعم أطفال غزة المصابين في السرطان
 
Dar Noora
 

Noora Khalifeh

 
من الواضح أنّ التراث الفلسطينيّ ينعكس في مجموعاتك والتطريز في تصاميمك، ما هو مصدر الإلهام وراء ذلك؟
هناك مصادر كثيرة تُلهمني، أوّلها القدس، مدينتي التي لطالما عانت الاحتلال والظلم. وأحبّ أبوابها وأحجارها وأقواسها ومعابدها الدينيّة والبائعين فيها، ومنهم والديّ، الذين ينتظرونك ويرّحبون بك ليشاركوا كلّ ما هو جميل وقديم من ثياب وحُلي وزخارف ولوحات ونقشات التطريز الفلسطيني. وكلّ وحدة تطريز أو زخرفة لها معاني وجذور تشعرين أنّها تناديك لتخبرك عن أناقة سيّدة ترسم بالإبرة جغرافيّة شعبها، فتطرّز زخارف من الزنبق والأقحوان. ويُقصد بالتطريز أن يكون رمزاً لقضية الإنسان والشجر والحجر، إذ يحاكي عشّاق الموضة بألوانه ويراعي هويّة الفرد وحبّه للتميّز، فنرى وفرة في اللباس والنقشات.


يحتاج العالم إلى المزيد من الأشخاص أمثالك الذين يقدّمون أعمالاً تحكي قصص التراث. كيف تفسّرين دمج الرموز والدلائل في مجال الموضة؟
بنظري، ليس التطريز الفلسطيني شعاراً ثابتاً للمجتمع فنحن ديناميكيّون. إنّما يجسّد تجارب مجتمعنا في لحظات عابرة. وترسل رموزنا المطرّزة الملوّنة الكثير من الرسائل لكلّ زمن. وهذا ما حصل في مجموعة "عصفور الشمس الفلسطيني"، إذ وبلمسة في غاية الاتقان والأناقة يعانق التطريز الخيط التقليدي لترسم من خلاله أيدي نساء فلسطين وتحيك عصفوراً يفرد جناحيه في سماء فلسطين ويتوق للحرية ويعبّر عن أمنيات النساء لواقع أفضل. 
 
REEMAMI

Reema Al Banna


من الواضح أنّ التراث الفلسطينيّ ينعكس في مجموعاتك والتطريز في تصاميمك، ما هو مصدر الإلهام وراء ذلك؟
بدأت القصّة عندما أدركت أنّ الثقافة الفلسطينية ليست ممثَّلة بالطريقة التي تستحقّها. فغالباً ما صُوّرت كشيء خاصّ بالأجيال الأكبر سناً، مثل أمي وجدّتها أو جدتي. لكنّني شعرت بارتباط عميق بتراثي الفلسطينيّ وبحسّ الوطنيّة تجاه مكان لم أعش فيه أبداً. لذلك، قرّرتُ أن أعمل على اعتناق هذه الثقافة. في البداية كنت أشعر بالحاجة لاستكشاف ما يجعلني فلسطينيّة. وقرّرت أن أكرّس عملي للابتكار وسرد القصص الفلسطينيّة.

لقد تعمّقت جداً في البحث، واكتشفت الدلائل وراء الرموز التي تمّ ابتكارها في مخيمات اللاجئين، مثل الأشجار الصغيرة، والمعاني العميقة التي تحملها. كما وجدتُ كتباً فلسطينيّة تتعمّق في التطريز التقليديّ، وأدركت أنّ النساء اللواتي صنعنَ هذه الأنماط الجميلة كنّ فعلاً مبدعات مثل أيّ فنّان في هذا القرن. فتميّزت أعمالهنّ بالتفاصيل الفريدة التي تحمل الكثير من المعاني الثقافيّة المستوحاة من حياتهنّ اليوميّة. ومن الأسباب الأساسيّة أيضاً وراء قراري ابتكار مجموعات مستوحاة من تراثي الفلسطينيّ، هي الصراعات المتكرّرة في فلسطين. وفي كلّ مرة كنت أتوق إلى إنشاء أعمال فنيّة تتضمّن عناصر ثقافيّة من تراثي. وخلال جائحة كورونا، بدأت العمل على مشروع كبير، حيث ابتكرتُ تشكيلة واسعة من الطبعات والأنماط المختلفة المستوحاة من التطريز ودمجت الألوان المائية والمنسوجات التي تعكس جذوري الثقافيّة بطريقة نابضة بالحياة. وأدركت أنّني لا أستطيع عرض كلّ تلك التشكيلة الهائلة من الطبعات في مجموعة واحدة فقرّرت إصدارها على أجزاء. وشكّلت مجموعة A Tin of Olive Oilالفصل الأوّل. أمّا الجزء الثاني من الطبعات، فأقدّمه ضمن مجموعة Vivid Vortex الأخيرة التي أطلقتها في باريس.
 

يحتاج العالم إلى المزيد من الأشخاص أمثالك الذين يقدّمون أعمالاً تحكي قصص التراث. كيف تفسّرين دمج الرموز والدلائل في مجال الموضة؟
تمّ استخدام الرموز في عالم الموضة منذ بداية صناعة الملابس وهي تخدم أغراضاً متعدّدة، سواء كانت تشير إلى قبيلة أو بلد أو ببساطة لتعزيز شعور الانتماء. وعندما بحثتُ في تراثي وثقافتي الفلسطينيّة، شعرت برغبة عميقة لإعادة إحياء هذه الرموز. وأردتُ تحويلها إلى شيء فريد ومميّز يحمل توقيع Reemami. لذا رُسمت هذه الرموز يدوياً وصُنعت بعناية لتكون مميّزة وتحمل قصّتها الخاصّة. وقد تلاعبنا بها وحوّلناها إلى ما هو أكثر من مجرّد تطريز تقليديّ. فقد ابتكرنا طبعات ضمن طبعات أخرى، ورموزاً ضمن رموز أخرى. وكلّ ذلك بهدف عكس رحلتي الخاصّة وأسلوب علامتي التجاريّة. أمّا على النطاق الأوسع، فغالباً ما تنشأ الرموز في مجال الموضة من مناطق محدّدة، مثل طبعات الهند الشهيرة التي أصبحت معروفة عالميّاً. وأنا أطمح إلى جعل الرموز الفلسطينيّة مشهورة ومحبوبة عالميّاً، ممّا يعزّز التقدير الدولي لثقافتنا، تماماً كما نحن نهتمّ برموز الثقافات المتنوّعة في جميع أنحاء العالم ونستلهم منها. وأظنّ أنّ الموضة تمتلك قوّة هائلة لربط الثقافات وخلق نسيج عالميّ من الرموز والقصص المشتركة، وأنا ملتزمة بجعل التراث الفلسطيني جزءاً من هذ النسيج النابض بالحياة. 
 
 


 
Natalie Tahhan

Natalie TAHHAN


من الواضح أنّ التراث الفلسطينيّ ينعكس في مجموعاتك والتطريز في تصاميمك، ما هو مصدر الإلهام وراء ذلك؟
لطالما تأثّرت أعمالي بالتطريز الفلسطيني التاريخي الذي شكّل لي مصدر إلهام كبير. فأعود دائماً إلى هذا الفنّ وأكتشف جوانب جديدة ورائعة عنه في كلّ مرة. إنّما لسوء الحظ، لم تعد هذه الممارسة موجودة على نطاق واسع في بيوتنا ولم تعد تنتقل من الأمّ إلى الأولاد، لذا أشعر أنّه يجب الحفاظ على جمالها وتقديمها بطريقة معاصرة. وأجد أنّه لا بدّ من ابتكار قطع معاصرة للاحتفال بالفنون القيّمة في تراثنا الثقافي وتسليط الضوء عليها. فإنّ الاستمرار في مشاركة تراثنا مع العالم من خلال أشكال فنيّة جديدة، يحافظ على قصّتنا ووجودنا.


يحتاج العالم إلى المزيد من الأشخاص أمثالك الذين يقدّمون أعمالاً تحكي قصص التراث. كيف تفسّرين دمج الرموز والدلائل في مجال الموضة؟
أظنّ أن دمج الرموز في الموضة هو وسيلة رائعة لإيصال هويّتنا إلى العالم والاحتفاء بها. ولطالما ألهمتني الموضة باعتبارها وسيلة فريدة للتعبير عن الذات. فتُعبّر إطلالاتنا التي نختارها يومياً عن شخصيّاتنا واهتماماتنا وحتّى مشاعرنا، وأجد ذلك مثيراً جداً للاهتمام. وبما أنّني آتي من خلفية ذات تاريخ ثقافيّ غنيّ، أعود دائماً إلى الفنّ التعبيريّ التاريخيّ لزخارف التطريز الفلسطينيّة في القرن التاسع عشر، فهي كانت لغة تواصل في حدّ ذاتها. وأجد أنّه من الممتع جداً مزج هذه العناصر وتنسيقها مع بعضها البعض وفهم المعنى الذي يكمن وراءها والتمكّن من رواية القصص من خلالها.  

 اقرئي ايضًاالملك تشاركز يصل للمشاركة في قمة كوب 28 ونشطاء المناخ ينادون بوقف إطلاق النار في غزة

العلامات: التراث

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث