Image: Courtesy of Fred Mungo
الإعداد: Joe Challita
هي قصة حب خالدة، نشأت من قلب رمال شبه الجزيرة العربية في وادي القرى، ويتردّد صداها كشهادة في قصائد الحب العذري التي كان يلقيها شعراء القبائل المحليّين خلال العصر الأموي (في القرنين السابع والثامن الميلاديين). اتّصفت الأبيات بوضوح الشوق الشديد والعشق وحب لا يُحرّم حتى الموت. ومن أجمل ما كُتب، قصة جميل وبثينة التي بدأت في وادي القرى في شبه الجزيرة العربية وتجاوزت حدود الزمن فتركت بصمتها الدائمة على المشهد الأدبي العربي للحبّ، مُلهمةً نوع جديد من فنون الشعر الذي بات يُعرف بـ "الغزل العذري".
يهواكِ ما عشتُ الفؤادُ فإن أمتْ يتبعْ صداي صداك بين الأقبرِ
جميل بثينة
سُمّي الغزل العذري المعروف أيضاً بالغزل البدوي نسبةً إلى قبيلة عذرة البدوية التي كانت تسكن منطقة وادي القرى في شبه الجزيرة العربية. وصل هذا النوع الآسر من قصائد العشق العربي إلى ذروته خلال العصر الأموي، مع ظهور شعراء اشتهروا بقصصهم وقصائدهم مثل مجنون ليلى وجميل بثينة. فيبنع هذا التقليد الشعري المتجذّر في النسيج الثقافي الغني لشبه الجزيرة العربية، من الحس الإنساني بالحب والشوق. وقد أغنى تأثير قبيلة عذرة وخلفيتها الثقافية هذا النوع من الشعر بمزيج فريد من الأصالة والشغف، مما جعله شكلاً من أشكال التعبير الفريدة في تلك الحقبة.
وشكّل شعراء البدو في تلك الفترة نموذجاً للبراعة الفنيّة في الغزل العذري. حيث أنّ أشعارهم قد نسجت قصص الحب الدائم والممنوع، وحكايات العفة والشغف الذي لم يلبث أن امتزج بتعقيدات المشاعر والتعبيرات الإنسانية. وبينما استكشف الشعراء تقاصيل الحب في السياق الاجتماعي والثقافي للعصر الأموي، لامست كلماتهم الجماهير، ممّا خلق إرثًا دائمًا للغزل العذري على مرّ العصور.
كان جميل بن عبد الله بن مَعْمَر العُذْري، المعروف أيضاً باسم جميل بثينة، شاعراً كلاسيكياً ومن عشّاق العرب المشهورين. انتمى إلى قبيلة بني عذرة التي عاشت في وادي القرى واشتهرت بتقاليدها الشعرية المتمثلة في الحبّ العفيف. وعُرف فيما بعد باسم جميل بثينة نسبةً إلى حبّ حياته بثينة بنت حيان ابن ثعلبة، وهي فتاة جميلة من بني عذرة أيضاً وتلتقي وإياه بالنسب وتسكن مثله في وادي القرى.
تدور أحداث قصة الحبّ هذه في صحراء العلا في منطقة وادي القرى، حيث التقى العاشقان للمرة الأولى. كان جميل يرعى جِماله وقد أحضرها لشرب الماء من مكان قريب تعيش فيه عائلة بثينة. التقيا وهما في ريعان الشباب، ولكن بدأت علاقتهما بالعراك وسوء التفاهم، قبل أن تنقلب الخصومة بينهما إلى عشق وهيام.
وَأَوَّلُ ما قادَ المَوَدَّةَ بَينَنا
وَقُلنا لَها قَولاً فَجاءَت بِمِثلِهِ
بِوادي بَغيضٍ يا بُثَينَ سِبابُ
لِكُلِّ كَلامٍ يا بُثَينَ جَوابُ
Courtesy of Myriam Boulos
وبعد لقاءات الحبيبين السرية، تقدّم جميل بطلب يد بثينة من عائلتها، إلّا أنّه قوبل بالرفض. فاعتبروا أشعار جميل التي تعبّر عن عشقه لبثينة مخلة بالشرف وتفضح مشاعر المرأة أمام الرجل، وخافوا من اكتشاف الناس لعلاقتهما قبل الزواج. فحذّرت بثينة جميل وكان
ردّه كالآتي:
وفي محاولة لمنع زواجها من جميل، رتّبت العائلة زواج بثينة من رجل
آخر. وبالرغم من سلسلة اللقاءات السرية المستمرّة بين العاشقين على مرّ السنين، إلّا أن القدر تدخّل وفرّق بينهما.
وفي أحد الأيّام عندما كان جميل مسافراً، أخبره أحد أفراد عائلة بثينة بوفاتها. ونتيجة لذلك، انسحب جميل إلى العزلة، وظلّ مخلصاً ووفياً لمحبوبته حتى أنفاسه الأخيرة. ويُقال إنّ حب جميل وبثينة كان نقياً لدرجة أن جميل بقي عازباً ولم تتجاوز العلاقة بينهما وضع يد بثينة على قلب جميل. وهكذا فإنّ قصة حبّ جميل وبثينة المأساوية هذه هي مثال للرومانسية البدوية حيث وقفت القيود والعقبات المجتمعية في وجه اتحادهما، فتركت إرثاً من الحب والإخلاص.
ولو أنَّ ألفاً دون بثينَةَ كلُّهم
لحاولتُها إمَّا نهاراً مجاهراً
غَيارى وكلٌّ حاربٌ مزمعٌ قَتْلِي
وإمَّا سُرى ليلٍ ولو قُطِّعتْ رِجْلِي
وَإِنّي لَأَرضى مِن بُثَينَةَ بِالَّذي
بِلا وَبِأَلّا أَستَطيعَ وَبِالمُنى
وَبِالنَظرَةِ العَجلى وَبِالحَولِ تَنقَضي
لَوَ اَبصَرَهُ الواشي لَقَرَّت بَلابِلُه
وَبِالوَعدِ حَتّى يَسأَمَ الوَعدَ آمِلُه
أَواخِرُهُ لا نَلتَقي وَأَوائِلُه
اقرئي ايضًا :
لؤلؤ الخليج العربي : In the Pursuit of Nature’s Most Precious
