شابّات يعلّمنَ في السرّ ويتحدّينَ طالبان

في أفغانستان، تمنع السلطة الفتيات من الذهاب إلى المدرسة بعد سنّ الثانية عشرة. لكن وبالرغم من الخطر، انضمّت الكثير من الشابّات، وهنّ طالبات سابقات في صفوف الثانويّة، إلى أحد الهياكل التعليميّة السريّة الـ10 آلاف الموجودة في البلاد. وسواء في المنازل أو في أقبية المدارس، فهنّ ينشرنَ معرفتهنّ بينما يعرّضنَ حياتهنّ للخطر.

تعطي سمينا* دروساً لا تتعدّى الساعتين من الوقت داخل منزلها في السرّ لكي لا تلفت الانتباه إليها.

الإعداد: Solène Chalvon-Fioriti

التصوير: Véronique de Viguerie

تتقدّم سبعة عشر فتاة بخطى صغيرة على الطريق المفروش بالأحجار، ليتفرّعنَ لاحقاً في أنحاء حقل البطاطا حيث تهبّ رياح قويّة. عند رؤيتهنّ، يوقف الفلّاحون القلائل عملهم، ثم ينظرون بعيداً... يعرف الجميع بعضهم البعض في هذه القرية التي تضمّ بضع مئات من السكّان في مكان ما في وسط البلاد*، لذا فإنّ مسيرة الفتيات اليوميّة والصامتة ليست فعلاً بسرٍّ. الوجهة: المسجد الشاسع الواقع خلف السدّ في الأسفل، بين ستارة من أشجار التوت الصفراء وجرف صخري أحمر. هنا، وبموافقة ضمنية من الملا، تعلّم سليمة* البالغة من العمر 18 عاماً صفّاً في السرّ. فبعد عودة حركة طالبان إلى السلطة، نشروا مرسوماً يمنع الشابات الأفغانيّات من مواصلة تعليمهنّ بعد ما يعادل الصف السادس، الأمر الذي يحرّم حوالى مليون شابّة من الدراسة الثانويّة والجامعيّة.

في هذه المدرسة الخاصّة، بعض الفتيات فوق سنّ الثانية عشرة المحظور عليهنّ التعلّم من قبل طالبان، تختبئن بين الطالبات الأصغر سنّاً. ونرى هنا راليا* وهي طالبة قديمة قرّرت المخاطرة لتعليم الفتيات الأكبر سنّاً في غرفة مظلمة في القبو.

وتقول سليمة: "سمح لنا الملا بالدراسة هنا لأنّ بيت الله ملك للجميع. كان عليّ فقط أن أعد بأنّه في حال التدقيق، سنرتدي ملابس واسعة بما يكفي لإخفاء دفاترنا، وأنّنا سنفتح القرآن الكريم ونقرأ، حتى يظنّ عناصر طالبان أنّها مدرسة قرآنيّة. وفي عام واحد من التعليم، أتوا بالفعل مرّتين، قاموا بجولة، ثم غادروا. وقالت إنّهم بدوا "مشكّكين في الأمر". ووفقاً لليونيسيف، يوجد ما يقارب عشرة آلاف مؤسسة من هذا النوع في البلاد، ترتادها بشكل أساسي الفتيات، صغاراً وكباراً. وتأمل الوكالة في تجهيز ضعف هذا العدد بحلول نهاية العام 2023 ولا سيما بالمعدّات المدرسيّة، من أجل الوصول في نهاية المطاف إلى ما يقارب ست مئة ألف طفلة. لا تقدر أصول هذه التنظيمات بثمن. وغالباً ما يتمّ تنظيمها داخل البيوت، تحت مسؤولية والد الأسرة، فهي تشكلّ بيئة مقبولة ثقافياً للعائلات المحافظة جداً، لا سيّما في المناطق الريفية.

تجلس سمينا*، تلميذة سابقة في الصفّ الثاني عشر، مثل طالباتها على سجاد حريري كبير، وتستأنف درس الرياضيّات الذي لم تنهه في اليوم السابق. لقد عملت على طريقة التدريس الخاصة بها شيئاً فشيئاً وبمنطق، فتقول: "أحاول إتمام مستوى واحد شهرياً، حتى لا تشعر الفتيات بالملل، بين فتيات الصفوف الثانوية اللواتي يراجعنَ تلك الدروس وفتيات المدارس الإعدادية اللواتي يكتشفنها للمرّة الأولى. عندما أتعثّر في شيء ما، كما في الجغرافيا على سبيل المثال، أطلب من الشابّات اللواتي اعتدنَ الحصول على نقاط أعلى في هذه المادّة أن يعلّمنَ الصفّ بدلاً منّي." وبين المرايا المرصّعة والكتابة على الجدران، الأجواء مفعمة بالحيويّة. ولا تدوم الحصّة أكثر من ساعتين لعدم إثارة الشبهات. وعلى العكس، يبدو كلّ شيء طبيعياً تقريباً في هذه المدرسة الخاصة الواقعة في حيّ راقٍ في كابول. وخلال الاستراحة، تخترق الضحكات العالية الجدار السميك الذي تعلوه الأسلاك الشائكة فتملأ الشارع وتتداخل مع صراخ بائعي المثلّجات.

كلّ يوم تأتي حوالى ثلاثين امرأة وفتاة لحضور حصّة مدّتها ساعتان في هذه المدرسة السريّة الموجودة في كهف.

مفارقة مريرة

منذ انتهاء الحرب الأهليّة، كان الطلب على التعليم مرتفعاً جداً في المجتمعات الريفيّة. وفي بعض المقاطعات التي مزّقتها الصراعات بشكل خاص، مثل غزنة في جنوب غرب كابول، ترتاد الكثير من الفتيات المدارس الابتدائية للمرّة الأولى. ووفقاً للبنك الدولي، ترسل نصف الأسر الريفيّة اليوم فتياتها الصغيرات إلى المدرسة، مقارنةً بالثلث العام الماضي. في كابول، لم يكن أمام المدرسة الخاصة التي زارتها ماري كلير أي خيار آخر. فمقابل الفتيات اللواتي استطعنَ البقاء في الصفوف الابتدائية، تمّ طرد ما يقارب سبعين فتاة في المدارس الإعدادية والثانوية. واضطرّت الإدارة أيضاً إلى الرضوخ لأوامر أخرى. لكنّ سمير لم يخضع. في المدرسة التي يدير، تختبئ حوالى عشرين طالبة من طالباته السابقات في الطابق السفلي. حيث ينحنينَ فوق دفاترهنّ ويتهامسنَ وسط غرفة مظلّلة ورطبة ذات المدخل المختبئ تحت كومة من الصناديق. وحدها ابتسامة راليا* المشرقة تخطف الأضواء. هي طالبة ثانوية سابقة أخرى تحوّلت إلى مدرّسة. وبهدف عدم لفت انتباه الطلّاب فوقهنّ، تجلس الفتيات غارقات في الظلام. وتهمس لنا قائلة: "يعرفنَ ما يجب فعله إذا وصل عناصر من طالبان إلينا."

سليمة*، 18 عاماً، تدير مدرسة سريّة مخبّأة في مسجد بموافقة الملا المسؤول عنه. وكلّ يوم، تأتي سبع عشرة فتاة للدراسة لمدّة ساعة.

وتترجم لنا مراهقة أخرى: "إذا وصلوا ورنّ الجرس مرة واحدة، نختبئ تحت الطاولات ولا نصدر أي صوت. إذا رنّ مرتين، فذلك يعني أنّهم مرّوا من المدخل الثاني ولدينا الوقت للركض والاختباء في المكتبة."

يمكن لطالبات الثانوية السابقات الأفغانيّات اللواتي يستغللنَ معرفتهنّ بطريقة جيّدة أن يصلنَ إلى ما هو أبعد من التعليم في السرّ. ففي حيّ أزقّته ضيّقة وصفراء على مشارف كابول، يجرف رجل ذو قوام مهيب الأرض في إحدى المقابر وينظّفها مقابل مبلغ لا يتعدّى 1500 أفغاني شهرياً، أي ما يعادل حوالى 17 يورو. ويطلق عليه أبناء الحيّ لقب يليق بقصّة أفغانية: "متعهّد دفن الموتى العملاق". لكن منذ 15 أغسطس 2021، يصطحب الرجل خلفه شخص بشكل أنثويّ يرتدي ملابس سوداء. إنّها ابنته ثريا*، البالغة من العمر 17 عاماً، والتي تحمل دفتراً صغيراً بأوراق مربّعة بدقّة. هي تسجّل أسماء الموتى وتاريخ وفاتهم ومكان دفنهم والمسجد الذي أحالهم إلى المقبرة. وتقول: "أجد هذا النشاط مفيداً للحيّ". في عشيرتها، يعمل الجميع كأوصياء مقابر أباً عن جدّ. ولا تذكر ثريا أنّ أحداً منهم كان يجيد القراءة أو الكتابة. وصولاً إلى جيلها الذي استطاع أن يكسر ما تسمّيه الشابة "اللعنة". لذا عندما تمكّنت ثريا في سنّ التاسعة من فكّ رموز الحروف على مقاعد مدرسة الحي، شكّل ذلك ثورة صغيرة في المنزل.

ثريا*، 17 عاماً، مع والدها الذي يهتمّ بالمقبرة. وبما أنّها الوحيدة التي تجيد الكتابة والقراءة في عائلتها، فهي تسجّل أسماء الموتى ومكان دفنهم في دفترها...

في ملجأ منزلهم المتواضع المبني من التربة، أمام أطفاله الخمسة المجموعين، يعرض الأب أكواماً من الواجبات المنزلية مع تعليقات مدحيّة. الفيزياء والكيمياء والجغرافيا واللغة الإنجليزية... الصفحات مرتّبة إلى لدرجة أنّها تبدو مثل "الأعمال الفنية الصغيرة"، كما تصفها الأم من دون أي ابتسامة. هي التي بدورها، قبل عشرين عاماً، تعلّمت القراءة في مدرسة سريّة. وتخبر بأنّ معلّمة ثريا حاسمة. وتقول إنها "ستصبح طبيبة في يوم من الأيام" و"ستخرجهم جميعاً من براثن الفقر". إنّما في غضون ذلك، الطعام هو نفسه للجميع: الخبز المنقوع في الشاي الأخضر والأرز الأبيض كلّ ليلتين.

لم يعد بإمكان شقيقا ثريا، العاملان المياومان السابقان، أن يجدا أصحاب عمل. وارتفعت كلفة المعيشة بشكل هائل ويرفض المالك خفض الإيجار. أحد الحلول هو زواج ثريا من أجل الحصول على مهر كبير وخفض عدد الأشخاص الذي يجب إطعامهم... ولدى تحدّث الأب عن هذا الخيار، يتلقّى نظرات صاعقة.

وبهدف مساعدة عائلتها، تودّ ثريا فتح مدرسة سريّة أيضاً. شرحت لها إحدى قريباتها كيف يتمّ الأمر، ويمكنها أن تتوقّع ما يصل إلى 500 أفغاني، أي ما يزيد قليلاً عن 5 يورو، شهرياً لكلّ طالبة. أمّا بالنسبة إلى طريقة التعليم، فتستطيع ثريا أن تستوحي من الدروس التي تُعطى على إذاعة Radio Begum، إذاعة النساء التي تبثّ برنامج المدرسة الإعدادية والثانوية ستّ ساعات يومياً منذ عام. لكن في الوقت الحالي، والدها متردّد، فيجد الفكرة "غير مناسبة" أبداً.

مع حلول الظلام، تحتشد مجموعة من النساء أمام المخبز المجاور، على أمل الحصول على قطعة خبز. من بينهنّ الكثير من الفتيات الصغيرات الأمّيات. مثل حوالى 60٪ من الشابّات الأفغانيّات اليوم. ومن دون فسحة الأمل التي تعطيها المدارس السريّة، كم سيكون العدد غداً؟

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث