نسج منزل (2020). خيمة في بيئة صحراوية، الأردن. مصنوعة من شعر الماعز المنسوج، يستند هذا العمل إلى المعرفة البدوية التقليدية، ويُظهر قدرة هيكلية عالية على التكيّف في البيئات القاحلة. التصميم والعمل الفني:
© Abeer Seikaly, 2020
الإعداد: Joe Challita
لطالما كانت الصحراء مصدراً للغموض، والصمود، والإلهام - حيث تساهم مناظرها الطبيعية الشاسعة والمتغيّرة في تشكيل حياة وتقاليد أولئك الذين يعيشون فيها. بالنسبة إلى الفنّانتَين منال الضويان وعبير صيقلي، ليست الصحراء مجرّد خلفية؛ فهي أرشيف حيّ، وراوية قصص، ومعلّمة. وقد استلهمت الضويان من طبيعة العلا الخلّابة، فترجمت جوهر الصحراء إلى أزياء آسرة للعرض الفنّي الأدائي "ذكرى"، مازجةً التراث بالتعبير المعاصر. أمّا صيقلي، من ناحيتها، فقد لجأت إلى تقنيات النسيج القديمة التي اعتمدها البدو، وأعادت استخدامها لابتكار ملاجئ حديثة ومريحة للمجتمعات النازحة. وعلى الرغم من اختلاف وسائلهما ومهمتهما، إلّا أنّ كلا الفنّانتين تدمجان حكمة الصحراء في أعمالهما، لتثبتا أنّ التقاليد والابتكار لا يتعارضان، بل هما وجهان لقصّة واحدة.
Patterned double membrane for Weaving a Home,photo by Tanya Marar, 2020 © Abeer Seikaly, 2019
Abeer Seikaly
يعيد عملك تصوّر فنّ النسيج القديم لتلبية الاحتياجات الحديثة - من الملاجئ المخصّصة لاستقبال حالات الطوارئ إلى التمكين الثقافي. بصفتك امرأة تقود هذه الحركة، ماذا يعني لك الدمج بين الماضي والمستقبل، الحرف والتكنولوجيا، والثقافة والإنسانية؟
يربط النسيج - سواء في الأقمشة أو المنشآت أو الحكايات - بين الماضي والحاضر، وينقل المعرفة من خلال الممارسة. يتفاعل عملي مع هذا التجاذب، حيث تستجيب المعرفة المتوارثة من الأجداد لاحتياجات العصر، وتتطوّر الأدوات، لكن يبقى جوهر العمل اليدوي ثابتاً. يذكّرنا أصل كلمة "هندسة" أو Architecture من اللاتينية، والذي يعني النسيج أو التصنيع ، بأن البناء هو فعل تداخل بين المادة والذاكرة والمعنى. فتتحرّك التقاليد وتتكيّف، وتحتفظ بمكانتها في الحياة اليومية. وصناعة الخيام البدوية، التي كانت في السابق عملاً ضرورياً، تمتد الآن إلى أدوار جديدة – كوسيلة للتمكين الاقتصادي، والمرونة الثقافية، والتواصل الاجتماعي. إنها طريقة لفهم العلاقات، والعمل مع المواد بطريقة تنقل وتحافظ على ما كان دائماً مهماً. فيصرّ النسيج على الاستمرارية، ويضمن أنّ ما يتم تناقله لا يبقى ثابتاً في الزمن بل يتطوّر ويستمرّ.
ما هي تقنيات النسيج البدوي التي استخدمتها في عملك، وكيف تؤثّر على تصميم المنسوجات المعاصرة؟
النسيج البدوي هو عملية تحدّدها التقنية، والمواد، والبيئة. أعمل باستخدام طريقة النسيج المسطّح التقليدية المستخدمة في "بيت الشعر"، حيث يتم خياطة شرائط ضيّقة من القماش المنسوج يدوياً لإنشاء تركيبات أكبر. هذا المبدأ في البناء المعياري هو ما يعلّمني كيفية تعاملي مع المنسوجات والمساحة، مما يسمح بالمرونة والتوسّع. وما يجذبني إلى النسيج البدوي هو تقنيته البسيطة وطريقة عمله - كنظام يستجيب للحاجة والقيود المادية. ويمتدّ هذا النهج إلى تصميم المنسوجات المعاصرة، حيث تكون الأقمشة جزءاً من بنية أكبر تتشكّل من خلال الربط والحركة. ومثلما يتم تجميع الخيمة البدوية من خلال شرائط متشابكة، فإن المنسوجات في الأزياء والتصميم تتشكّل من خلال طريقة ربطها، وتنسيقها، وتنظيمها بما يتماشى مع الجسم والمساحة.
يعتمد النسيج البدوي التقليدي على مواد طبيعية مثل شعر الماعز والصوف. ما الذي تعلّمته عن أهمية
هذه المواد؟
يعتمد النسيج البدوي على المواد الطبيعية التي تتفاعل مع البيئة. فالصوف، المستخدم في الديكورات الداخلية مثل السجاد والوسائد، يوفّر الدفء والعزل. ويتميّز شعر الماعز بخصائص تمدّد مذهلة - فهو يتمدّد في الرطوبة وينكمش عند الجفاف، ممّا يجعله مثالياً لبناء "بيت الشعر"، فهو يتكيّف مع التغيّرات الموسمية. تحمل هذه المواد الطابعين الوظيفي والتاريخي معاً. وقد كشف اختبار قوة تمدّد نسيج شعر الماعز عن متانته – فهو منسوج على أيدي النساء البدويات، ويحمل بين خيوطه معرفة تناقلتها الأجيال. لذا، فإنّ التعامل مع هذه المواد يعمّق ارتباطنا بالأرض والمجتمعات التي احتضنتها طوال قرون. وتجسّد هذه الممارسة إحساساً بالرعاية البيئية، ممّا يعكس دورنا في الاعتناء بالأرض وضمان الاستخدام المستدام لمواردها.
Manal Al Dowayan
Thikra_ Night of Remembering by Manal AlDowayan and Akram Khan. Courtesy of the Royal Commission for AlUla
يستكشف عملك المرأة في المجتمع السعودي، ولا سيما من خلال مواضيع الذاكرة, والتقاليد, والتحوّل. كيف ترين دور فنّك في المساهمة في هذا التحوّل الثقافي المستمرّ؟
تأثّر مساري الإبداعي كثيراً بتجاربي الشخصية، ويشمل ذلك بالطبع التحوّلات الاجتماعية التي تحدث في المملكة العربية السعودية. أنا أستوحي كثيراً من كيفية تشكيل هذه التغييرات لهويتي، وكذلك من المرونة التي ورثتها النساء قبلي، وطريقة تعاملهنّ مع تجاربهنّ الخاصة. ولا شكّ في أنّ هذا التحوّل المستمرّ يترافق مع تحديات جديدة، لا سيما في تعريف مساحات المرأة وصوتها في الحياة العامة. ومن خلال عملي، أهدف إلى استكشاف كيف تختبر النساء في جميع أنحاء البلاد هذه التغييرات، بالإضافة إلى مساهمتهنّ في هذا التحوّل الثقافي.
تمتد ممارستك الفنية عبر وسائط متعددة – من التصوير الفوتوغرافي إلى النحت والأعمال الفنّية التركيبية, والفنّ التفاعلي. ما مدى أهمية ذلك بالنسبة إليك؟
يمنحني دمج العناصر التفاعلية في أعمالي الفرصة لإيصال الأصوات والقصص الشخصية في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية، لأنّها تعكس هويتنا الجماعية وقوة تجاربنا المشتركة. ويساهم الحفاظ عليها ومشاركتها في التحوّل الثقافي المستمرّ الذي يحدث من حولنا.
كيف ترين الموضة كأداة للتعبير عن الذات ووسيلة لإبراز القيود المجتمعية؟
يمكن أن تكون الموضة، مثل أي شيء قوي يعزز التعبير عن الذات والفردية، بمثابة تحدٍ بالنسبة إلى البعض. لكنّها لطالما كانت جزءاً من ثقافتنا. وفي سلسلة "أنا"، ركّزت على النساء اللواتي يعملنَ في مجتمع كانت نسبة النساء فيه، في ذلك الوقت (عام 2006) لا تتعدّى 3% من القوى العاملة. وقد أبرزت عناصر الموضة التي دمجتها في العمل خلفيتهنّ الثقافية وتراثهنّ. هؤلاء النساء، اللواتي كنّ يرتدينَ تلك الإكسسوارات التقليدية الجميلة، هنّ أنفسهنّ اللواتي كنّ يكسرنَ الحدود ويعملنَ.
في ظل التغيير الثقافي السريع الذي تشهده المملكة العربية السعودية، كيف تنظرين إلى هذا التحوّل؟
كل شيء يزدهر في المملكة العربية السعودية، وأحبّ أن أرى المبدعين الشباب يستكشفون الموضة، ويقدّمون التصاميم والخامات غير المتوقّعة، ولكن في بعض الأحيان أيضاً يعيدون استخدام عناصر تقليدية جداً. وفي حين أن الإبداع لا يعرف حدوداً، نحن نعتزّ أيضاً بأزياءنا الموروثة، ونفتخر بها ونجد القوة فيها؛ ونحتفي ببناتنا كما بأمّهاتنا.
Costume Design by Manal Al Dowayan as part of Thikra, courtesy of the artist and the Royal Commission for Al Ula
اقرئي ايضًا: Jean Schlumberger الرجل الذي حوّل علامة .Tiffany & Co إلى دار مجوهرات ساحرة