6 خطوات تساعدنا على الحد من أثر التقنية على إدراكنا للزمن

رقصات مع الزمن

تُظهر الدراسات الحديثة في علم الأعصاب أن الدماغ لا يُدرك الوقت من خلال حاسة واحدة مستقلة، بل عبر شبكة معقدة من التفاعلات العصبية التي تُعالج المواقف بتفاوت شديد من الثواني إلى الأيام وإلى السنوات. ويجد الباحثون أن هذه الشبكة المعقدة من التفاعلات تتأثر بعوامل عدة مثل السياق الذي يحدث فيه الموقف، والحالة المزاجية، المثيرات الخارجية وغيرها من العوامل. ومع تطور التقنية وتوغلها في كل زاوية من زوايا حياتنا، بدأنا نرى تأثيرها المباشر وغير المباشر على كيفية تفاعل هذه الشبكات العصبية مع مفهومنا للزمن.

الإعداد: Maha Taibah

مها خالد طيبة، مستشارة في الاستراتيجيّة والقيادة وجودة الحياة ومؤسسة شركة "رُمَّان"

في رحلتنا اليومية عبر دهاليز الحياة المتشابكة، أصبحت التقنية رفيقاً يُسهل مهامنا ويزيدنا اطلاعاً تارة وقد يشوش حكمتنا تارةً أخرى. وفي عصر تجرأت فيه التوقعات فأصبحت تُطالبنا بتعدد المهام (Multi-tasking) التي ننجزها في نفس اللحظة، وتوهمنا أن التقنية ستعيننا على إنجازها، أصبحنا نحن في كثير من الأيام نشعر بحالة مزمنة من ضيق الوقت. إلا أن الأبحاث أثبتت أن الانتقال المستمر بين المهام، والذي يحفزه استخدام تقنياتنا المتعددة، يُجبر الدماغ على إعادة توجيه موارده وطاقته بشكل متكرر، مما يُفقده القدرة على تقدير الوقت بدقة، وهذا له أثر بالغ على تقديرنا الفعلي للوقت فمن الممكن ببساطة مع تصفح منصات التواصل الاجتماعي لساعات عديدة أن تصبح في تقديرنا لها وكأنها دقائق معدودة.

إقرئي أيضاً: اهمية هرمونات السعادة الأربعة في حياتنا وأثرها على جودة الحياة

وأوضحت دراسة من جامعة ستانفورد أن التعرض المستمر لإشارات رقمية سريعة ومتقطعة من الأجهزة الذكية يسرّع من "إيقاع الدماغ"، فيؤدي ذلك لإحساس مفرط بسرعة الزمن. ويبدأ دماغنا بمعالجة المعلومات بشكل أسرع وأكثر فعالية ولكن على حساب تقديره الدقيق للزمن. كما وجدت أبحاث أجريت في جامعة كاليفورنيا بيركلي أن إفراطنا في الاعتماد على التقنية قد يؤثر سلباً على الذاكرة طويلة المدى، فيتغير بذلك في كيفية استرجاع ذكرياتنا وإدراكنا الأطر الزمنية المرتبطة بها. هذا يعني أننا قد نجد صعوبة في تحديد متى حدثت الأحداث الماضية بدقة بسبب التشويش الذي يسببه الاعتماد على التقنية في كثير من مجالات حياتنا.

 ولا يقتصر تأثير التقنية على إدراكنا للوقت أثناء النهار بل إن الدراسات تشير إلى أن الضوء الأزرق المنبعث من شاشاتنا له تأثير خفي على دورة نومنا اليومية. فوفقاً للدراسات الحديثة من كلية الطب بجامعة هارفارد، يُمكن لهذا الضوء أن يُعطل إنتاج الميلاتونين، مما يُخل بالساعة البيولوجية للجسم ويُطيل من إدراكنا لليلة الواحدة فتمتد لأبعد من غروب الشمس وشروقها.

إقرئي أيضاً: 6 قواعد أساسيّة لعلاقة سليمة مع الآخرين

أما في عوالم الواقع الافتراضي (virtual reality) حيث الإثارة والاستغراق في الخيال يسيطران، يرقص فيها الزمن مع أحداث التجربة الافتراضية، ويتمدد وينكمش بحسب التجربه ذاتها. وتُشير الدراسات إلى أن هذه البيئات قد تسبب تمدداً زمنياً للمستخدمين، حيث تستهلك التجارب الغامرة(Immersive experience) انتباه الدماغ بالكامل وتجعل دقائق الواقع تبدو كساعات طويلة. وقد يكون ذلك نتاج الاندماج العالي والتحفيز الحسي في الواقع الافتراضي، التي تستحوذ على موارد الانتباه في الدماغ.

وللتوضيح، هذه ليست دعوة مني لترك التقنية ولا التخفيف الحاد من استخدامها لأنني سأكون أول من يخالف نصيحتي، فنحن الآن لا نستشعر إلا بداية قطرات يأتي من بعدها طوفان هائل من التقنية التي ستتدخل في كل شيء في حياتنا وسيكون لها تأثير بالغ على إدراكنا للوقت وعلى تقييم أهميته. ولكن هذه دعوة للتوازن وزيادة الوعي بأثر التقنية على وقتنا واحساسنا به وعلى دماغنا الذي بالتأكيد سيجد أفضل الطرق للتعامل مع التحديات التي "يعي" بوجودها... ولمواجهة هذه التحديات واستعادة إيقاع الحياة المريح، يمكننا تبني ستة استراتيجيات بسيطة تساعدنا للحد من أثر التقنية على إدراكنا للزمن. (1) ترك الهاتف الذكي على الصامت في غرفة مختلفة عن الغرفة التي تقوم فيها بعمل يحتاج إلى تركيز (2) أن تحدد مدة معينة وتضع منبه قبل البدء بالتصفح على منصات التواصل الاجتماعي (3) مراقبة خاصية تتبع مدة استخدام الشاشة (screen time) وإذا كان استخدامك خارج نطاق العمل يفوق ثلاث ساعات يومياً فاعلم أنك في خطر (4) تجنب الضوء الأزرق وترك النظر في الشاشات قبل النوم بساعة، (5) الاستمتاع في العالم الافتراضي بتوازن مع ترك فترات راحة مستمرة للدماغ يستعيد أدراكه بالواقع (6) القيام ببعض الأمور البسيطة المتكررة خلال اليوم مثل تناول الطعام بهدوء و"بطء" فذلك يساعد على التركيز والاستمتاع باللحظة بوعي أكبر ويعطي فرصة للدماغ لإعادة معايرة الزمن مجدداً...

وربما بذلك يمكننا استعادة بعض السيطرة على الزمن الذي يبدو أنه يفلت من بين أصابعنا، فتكون رقصاتنا معه رقصات متمرس يتقن كل حركة ويعي أثرها.  

إقرئي أيضاً: دور الدماغ في توفير استهلاك الطاقة في الجسم

 

 

 

 

 

 

 

 

العلامات: الصحة النفسية

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث