الثورة... امرأة

ها هي المرأة العربيّة قد خطّت في خلال السنة الفائتة خطوات جديدة نحو النموّ والاستقلاليّة منتفضةً على المفاهيم المجتمعيّة والتقليديّة التي لطالما كبّلتها. إلاّ أنّ طموحات هذه المرأة اللّامتناهيّة وإرادتها بالمشاركة في بناء مجتمعها ووطنها تجعلها تنتصر شيئاً فشيئاً على كلّ العوائق التي تعترض مسيرة نموّها وتمكينها. وما لبثت تُعبّر عن نفسها بشتّى الطرق وأهمّها الفنّ.

يُعَدّ الفنّ من الأسلحة الأكثر قوّةً لإيصال رسالة إلى جمهور معيّن. فبينما هو وسيلة فرديّة للتعبير، إلّا أنّه يُصبح مصدر وحي وإلهام للكثيرين. وعلى الرغم من التمييز الحاصل ضدّ الأعمال الفنيّة التي قدّمتها النساء عبر التاريخ، استطاعت فنّانات كثيرات حول العالم المساهمة في تمكين النساء عبر أعمالهنَّ الفنيّة. فيوظّفنَه للدفاع عن حقّهنَّ بالتعبير عن رأيهنَّ بشتّى الأمور الحياتيّة سواء الاجتماعيّة أو الثقافيّة أو الاقتصاديّة أو السياسيّة. وقد عمَدت الرسّامات العربيّات إلى التعبير عن مطالبهنَّ وعن وجهة نظرهنَّ الخاصّة بالأمور السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة من خلال أعمالهنَّ الفنيّة.

"هكذا هم نساؤنا"

ومؤخّراً، في ظلّ الأحداث الجارية في العالم العربيّ، أثبَتت المرأة العربيّة عزماً لا مثيل له في التعبير عن مطالبها المجتمعيّة والاقتصاديّة في خلال التحرّكات الحاصلة في بلادها. فنذكر مثلاً الشابّة العراقيّة فاطمة حسام البالغة من العمر 20 عاماً التي، بالرغم من صغر سنّها، قادت فريقاً من الرسّامين للتعبير عن مطالبهم من خلال رسم جداريّات. وقد قاموا أخيراً برسم جداريّة تمثّل نسخة عراقيّة لللّوحة التي انتشرت أثناء الحرب العالميّة الثانيّة تحت عنوان "يمكننا أن نفعل ذلك!" لتعزيز معنويّات العاملات النساء وإلهامهنَّ حينذاك. وتحمل النسخة العراقيّة اسم "هكذا هم نساؤنا" للدلالة على عزم الفتيات المشاركات في التحرّكات وشجاعتهنَّ. وقد استخدمت حسام الفضاءَ العام للتعبير عن ثورة فنيّة للمرأة في ظلّ الثورة الاجتماعيّة الحاصلة.

"الفنّ يُحوّل الحريّة إلى امرأة"

أمّا في لبنان، فتصدّرت النساء الصفوف الأوليّة في التحرّكات الأخيرة وصدحت أصواتهنَّ للتعبير عن إرادتهنَّ بغدٍ أفضل لهنَّ ولأولادهنَّ. وقد أخذَ هذا التعبير أشكالاً مختلفة، فبالإضافة إلى وجود النساء في ساحات الاعتصامات، عبّرت بعض الرسامات عن آرائهنَّ عبر سلاحهنَّ الأقوى، ألا وهو فنّهنَّ.

وقد أجرينا حواراً مع الرسّامة اللبنانيّة مايا نصولي صاحبة مؤسّسة Maya’s Art House للاطّلاع على عملها الفنّي والوقوف عند تصوّرها لدور الفنّ في التوعية الاجتماعيّة. وتحت عنوان "النساء في الثورة" بحجم 120x120 سم، رسمت نصولي هذه اللوحة بألوان الأكريليك وأرادت بها توثيق لحظة حقيقيّة ووطنيّة تجسّد وحدة الشعب اللبنانيّ. ففيها جمعت أصواته وأفعاله وحرصت على وجود العلم اللبنانيّ بألوانه الزاهية. وتعكس هذه اللوحة مطالب الشعب اللبنانيّ ولا سيّما دور المرأة في الثورة. إذ إنّ وجود النساء على وجه الخصوص فيها لأمر مذهل. وفي هذه الثورة، تعتبر نصولي أنّ المرأة كسرت الحواجز وأظهرت شجاعتها وأضافت بوجودها الحبّ والدفء والرحمة. فساهمت حتماً في تحفيز روح الثورة وإيقاظها والارتقاء بها من خلال مثابرتها وصبرها ووجودها إلى جانب الرجال. وقد سألناها أيضاً عن تصوّر دورها كفنّانة منخرطة اجتماعيّاً. فأكّدت لنا أنّ الفنّانين لا يعكسون ثقافتهم فحسب من خلال أعمالهم الفنيّة، إنّما يمكنهم أيضاً نقد تلك الأفكار وعرض أفكار مختلفة وحتّى تقديم حلول. فيُعتبَر الفنّ وسيلة تعبير متحضرّة وإبداعيّة. ويساعد هذا الأمر على تحويل أيّ فكرة من شخص إلى آخر ومن الفنّان إلى الجماهير التي تتبنّى هذه الفكرة بدورها؛ وبالتالي يؤدّي إلى تحوّل الفكر والثورة. إذ يسهم برأيها الفنّانون النشطاء اجتماعيّاً في دفع المجتمع ودعمه وإثرائه من خلال الأعمال الفنيّة التي تصدم الناس أو تحرّكهم. وبالتالي، سألناها كيف يمكن للفنّ أن يصبح منصّة للدفاع عن حقوق الإنسان، وبصورة أكثر تحديداً عن حقوق المرأة وهويّاتها وأدوارها المتعدّدة؟ فأجابتنا أنّه بفضل قدرة الفنّ على الوصول إلى الجماهير الواسعة بصريّاً وتكوينه الفعّال، يمكنه أن يشكّل منصّة للدفاع عن حقوق الإنسان في أشكال كثيرة. إذ من شأن الفنّ أن يمجّد المرأة ويلقي الضوء على أهميّتها وأدوارها من خلال الأعمال الفنيّة وبعض الرسائل التي يمكن أن تحملها هذه الأعمال. فعلى مرّ التاريخ وحتّى يومنا هذا، جعل الفنّ من المرأة موضوعاً قويّاً ولطالما مجّد هويّتها ودورها وجعلها رمزاً للقيم والسلطة. كذلك، يُعتبر الفنّ مسؤولاً عن تحويل الحريّة إلى امرأة، فنذكر على سبيل المثال لوحة Delacroix للثورة الفرنسيّة La Liberté guidant le Peuple وتمثال الحريّة الشهير، رمز الولايات المتّحدة، الذي يُجسّد امرأة ترفع شعلة.

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر نصولي أنّ الفنّ يصوّر المرأة كرمز للحياة والولادة والاستمراريّة والشغف والجاذبيّة والثورة والحريّة والجمال والسلطة. وكانت كلّ هذه الموضوعات وما زالت مرتبطة بالنساء في اللوحات والتماثيل وغيرها من الأعمال الفنيّة بفضل الأدوار التي تضطلع المرأة بها كأمّ وأخت وابنة وحتّى كقوّة عاملة رائدة.

"الفنّ هو السلاح الأقوى"

كذلك، توقّفنا عند اللوحات التي رسمتها الفنّانة اللبنانيّة لوما رباح التي تعتبر أنّ الفنّ هو السلاح الأقوى. إذ أكّدت لنا أنّها تحُثّ الشعب من خلال إبراز أشجار وطنها وبحره ومنازله القديمة على الدفاع عن نفسه واستعادة ما ترمُز إليه هذه المعالم. فتعتبر أنّ الفنّ في جوهره رسالة من الفنّان إلى جمهوره. وتُؤكّد عند مقارنته مع وسائل التواصل الأخرى بأنّه يتمتّع بميزتين ساحقتين، تتمثّل الأولى بكونه يوصّل الرسالة بصورة تلمس عواطفنا بشكل مباشر متجاوزاً حدود المنطق، وميزته الثانية بالنسبة إليها أنّه يبقى جزءًا من تاريخنا حتّى بعد انقضاء فترة طويلة على انتهاء الثورة. وتعتبر أنّ هذه القدرة أقوى من كلّ مكبّرات الصوت التي نحملها في مظاهراتنا في الشوارع. وأكّدت أنّ النساء يستخدمنَ اليوم جميع الأدوات المتاحة لهنَّ، بما في ذلك الفنّ للمطالبة بحقّ أساسيّ واحد، ألا وهو القوانين غيرالتمييزيّة ضد المرأة.

عندما تجتمع النساء بالفنّ، الثورة ستولد حتماً... سواء كانت ثورة معرفيّة أو فنيّة أو اجتماعيّة، فهي تسعى نحو الأفضل. فمن أجدر من النساء بالتعبير عنها؟!

اقرئي أيضاً: ثورة النساء بخمس محطّات

العلامات: المرأة ثورة

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث