Salwa Chalhoub: "باتت النساء اليوم لاعبات بارزات على الساحة الفنّيّة"

التصوير: Rodrigue Najarian

لطالما انجذبَت إلى كلّ ما يتعلّق بالفنّ، ولا يقتصر ذلك على الفنّ الحديث والمعاصر، بل يشمل صناعة الأفلام والموسيقى وكذلك التصميم وفنّ العمارة والأوبرا ورقص الباليه. فتقدير سلوى شلهوب الفنّ ليس بحديث، إذ شكّل جزء منها حتّى من قبل مشاركتها في تأسيس معرض Opera Gallery في بيروت. فقبل ذلك، بدأت بجمع القطع الفنّيّة مع زوجها الذي قرّبها من الفنّ الحديث والمعاصر. فلنتعرّف معاً في هذا الحوار على نظرتها إلى تطوّر الفنون في المنطقة والدور الذي تضطلع به النساء في هذا المجال وتأثير كلّ ذلك في نموّ الفنّانين الإقليميّين وغيرها من المواضيع الشيّقة ذات الصلة.

 

باعتبارك مؤسّسة مشاركة في Opera Gallery في بيروت، كيف تنظرين إلى تطوّر الفنون في المنطقة؟

يشكّل الفنّ مرآة عاكسة لمجتمعنا بشكل واضح، سواء من الناحية السياسيّة أو الاجتماعيّة أو حتّى الجغرافيّة. ولا شكّ في أنّ مجال الفنّ يزدهر في المنطقة، ويظهر ذلك جليّاً على مختلف المستويات، نذكر منها افتتاح متحف اللوفر أبوظبي والارتفاع الملحوظ في عدد المعارض والمؤسّسات الفنّيّة وكذلك عرض التحف الفنّيّة في الأماكن العامّة. ونشهد أيضاً في أيّامنا هذه الكثير من الاستثمارات في مجال الفنّ، وأنا مذهولة بتحوّل الكثير من محبّي الفنون في المنطقة إلى جامعين حقيقيّين للتحف الفنّيّة.

اقرئي أيضاً: الأنامل المبدعة المقاومة عندما يجتمع فنّ الصمود بالتراث الوطنيّ

كيف يساهم Opera Gallery في تقريب الفنّ من اللبنانيّين والمواطنين العرب؟

فيما تركّز المعارض في لبنان على الفنّانين الشرق أوسطيّين، أحضر Opera Gallery إلى البلد منذ بضع سنوات فنّانين لم يحظوا بالشهرة إن كان محلّيّاً أو إقليميّاً. ويعرض Opera Gallery أعمالاً مميّزة تعود إلى عمالقة الفنّ الحديث أمثال Pablo Picasso وFernand Léger وWarhol Andy وكذلك فنّانين عصريّين أيقونيّين، على سبيل المثال لا الحصر Manolo Valdés وPierre Soulages. وطوّر المعرض أقساماً مختصّة كثيرة، تغطّي مجالات تشمل الفنّ الآسيويّ وفنّ الشوارع والتصوير والتصميم والفنّ الأمريكيّ اللاتينيّ. فأصبح ملتقى للفنّانين القائمين وأولئك الصاعدين.

 

هل تظنّين أنّ من يعمل في هذا المجال عليه أن يتمتّع بخلفيّة في مجال الفنّ أم أنّ الذوق يكفي للعمل فيه؟

يعتمد ذلك على نظرتك إليه، فالخلفيّة والذوق يكمّلان بعضهما البعض. الشغف هو العامل الأوّل والأهمّ، والعوامل الباقية تشكّل مميّزات إضافيّة. فالشغف يدفعنا إلى إيجاد طرق لتعلّم المزيد والتعمّق في معرفة موضوع معيّن. تجّار التحف الفنّيّة الأكثر نجاحاً في العالم ليسوا بخرّيجي مدارس، إذ قد يأتون من قطاعات المصارف أو الموضة أو حتّى الصحّة وغيرها. غير أنّه لا يمكنك العمل في مجال الفنّ من دون أدنى مستويات المعرفة الأكاديميّة التي يمكن الوصول إليها عبر مختلف الدروس أو التدريبات الإلكترونيّة التي توفّرها المؤسّسات الفنّيّة والمتاحف والمدارس والجامعات حول العالم.

 

يؤدّي نموّ سوق الفنون في المنطقة إلى جيل جديد من محبّي الفنون. فنشهد ازدياد المعارض الفنّيّة والمزادات بالتزامن مع ارتفاع عدد جامعي القطع الفنّيّة. هل تعتبرين أنّ الفنّ هو الوجه الجديد للرفاهيّة في المنطقة؟

على الرغم من أنّ الفنّ الذي يعتبره الكثيرون كماليّة أصبح متاحاً أكثر فأكثر للجميع ليس في المنطقة فحسب بل في العالم أجمع، نحتاج جميعنا إلى الجمال والإبداع في حياتنا. في الواقع، ارتفع عدد المعارض الفنّيّة والمزادات والمؤسّسات الفنّيّة بشكل ملحوظ في لبنان والمنطقة العربيّة في السنوات القليلة الماضية، وأدّى ذلك إلى نموّ هائل في عدد جامعي القطع الفنّيّة ومحبّي الفنون. وثمّة اتّجاه سائد حول الفنّ اليوم يؤثّر في محبّي الفنون الذين يجدون أنفسهم محاطين بالفنّ يوميّاً، لا سيّما في عالم أصبحت فيه مواقع التواصل الاجتماعيّ عاملاً بارزاً في حياتنا اليوميّة يؤثّر في خياراتنا وأذواقنا وطموحاتنا.

اقرئي أيضاً: Barbara Van Pay: النساء العربيّات هنّ القوى الدافعة نحو التغيير

هل تظنّين أنّ نموّ سوق الفنون في المنطقة يساهم في نموّ الفنّانين الإقليميّين الصاعدين، وبالتالي في جعلهم يفهمون ثقافتهم؟

من الواضح أنّ الفنّانين الإقليميّين بدأوا بالحصول على حصّة جيّدة من التمثيل على المستوى العالميّ عبر ازدياد الفعاليّات والإصدارات الفنّيّة وكذلك ارتفاع عدد النقّاد وأيضاً عبر الإعلام الإلكترونيّ عالميّاً. وشهد حديثاً الجناح اللبنانيّ في فعاليّة Venice الأخيرة التي تحصد كلّ سنتين نجاحاً ساحقاً. أمّا الفنّانون الشرق أوسطيّون فيحقّقون أيضاً نتائج رائعة في المزادات الدوليّة وتُعرض أعمالهم في أحد المتاحف الفنّيّة العصريّة والأيقونيّة حول العالم. ويسمح الفنّ للناس بتشكيل شخصيّتهم وتنميتها. إنّه نشاط يمكّن الذات ويساعدنا على تحليل حياتنا الثقافيّة أو فهمها.

هل هذا النموّ أيضاً وسيلة تساعد على إقامة حوار ثقافيّ بين المنطقة والبلدان الأجنبيّة؟

بالطبع، فهو في وسط نشاط Opera Gallery الذي يهدف إلى أن يكون عاملاً في الساحة المحلّيّة يؤدّي دوراً مؤثّراً في الساحة الدوليّة. ويُشجَّع كلّ معرض في المجموعة على استقطاب فنّانين محلّيّين ومشاركة الفروع الأخرى أعمالهم.

 

بأيّ دور تضطلع النساء في نموّ المشهد الفنّيّ في المنطقة؟

مع تغيّر المشاهد السياسيّة وازدياد مظاهرات النساء حول العالم، أصبحت النساء اليوم لاعبات بارزات في عالم الفنّ تماماً كغيره من المجالات. في الواقع، يزداد عدد جامعات القطع الفنّيّة والمشرفات على المعارض الفنّيّة وصاحبات المعارض وتاجرات القطع والفنّانات بشكل ملحوظ. ونحن محظوظون لأنّ المنطقة تحظى بفنّانات ملهمات يتميّزن بشهرة عالميّة ويُعتبرن شخصيّات بارزة في الفنّ المعاصر كـEthel Adnan وMona Khatoum وSetta Manoukian وغيرهنّ الكثيرات.

اقرئي أيضاً: عندما يصبح الفنّ أداة تمكين للمرأة العربيّة مع Lalla Essaydi

شهد التاريخ تمييزاً هائلاً بحقّ الفنّانات. أنت رائدة اليوم في سوق الفنّ، فماذا تقولين لأولئك الذين يستخفّون بإبداع النساء في الفنّ؟

لطالما شهدنا تمييزاً بحقّ النساء وهيمنة التمييز الجنسيّ في عالم الفنّ على مستويات مختلفة، لا سيّما في تمثيل المعارض والفارق في أسعار المزادات والتغطية الإعلاميّة والانضمام إلى العروض الدائمة للمجموعات وبرامج المعارض الخاصّة. لكنّ الوضع يتغيّر، ففي العام 2000، لم يكن في معرض Guggenheim في نيويورك أيّ عرض خاصّ تقدّمه امرأة. لكن في العام 2014، 14% من المعارض الخاصّة نظّمتها النساء.

 

هل تظنّين أنّ الفنّانات يتطرّقن إلى هويّاتهنّ وحقوقهنّ في أعمالهنّ؟ وهل من أذن صاغية لأصواتهنّ المجسّدة في أعمالهنّ الفنّيّة؟

تشكّل التحرّكات الفنّيّة مرآة لوضع قائم في زمان ومكان معيّنين. وعبر التاريخ، وُلدت هذه التحرّكات وتأثّرت بمختلف العوامل السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والجغرافيّة والديمغرافيّة. وبالنسبة إلى فنّانات كثيرات، شكّل الإبداع وسيلة قوّة للتأثير في محيطهنّ. فالفنّ أيضاً طريقة لعرض حياة الفنّانة وآرائها للعالم بأسره. ومن الفنّانات اللواتي حوّلن الألم واليأس وتجاربهنّ الشخصيّة الاستثنائيّة إلى متعة فنّيّة جميلة ونجاح ظاهر Lita Cabellut، إحدى الفنّانات الإسبانيّات الأكثر نجاحاً التي تمثّلت حصريّاً في معرض Opera Gallery عالميّاً والتي تُباع لوحاتها اليوم بملايين الدولارات، علماً أنّها أمضت سنواتها الأولى على الطرقات وجابت شوارع برشلونة مع مشرّدين آخرين ونامت في الهواء الطلق.

 

كيف يمكننا تحقيق تمثيل عادل وحقيقيّ للنساء في هذا المجال؟

واجهت النساء تمييزاً مدّة قرون، ومؤسّسات بارزة فشلت في دعم مسيرات الفنّانات. نحتاج إلى من يدعم الفنّانات من عمر باكر. ويشكّل الآن صندوق المرأة الحديثة، مجموعة تمويل من جامعي القطع، المظلّة الحاضنة للمبادرات، ومن ضمنها البرامج التعليميّة التي تستهدف شراء أعمال الفنّانات وكذلك معارض مخصّصة للفنّانات. والهدف منه إعادة تقييم النموذج الذكريّ التقليديّ، وهذا مثال رائع ليحذو العالم العربيّ حذوه.

اقرئي أيضاً: أكسري جدار الصمت

العلامات: Salwa Chalhoub

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث