نادية بستكي

Dr. Nadia Al Bastaki: نتمتّع نحن النساء بقوّة هائلة وقدرتنا على إحداث تغيير إيجابيّ لا تقدّر بثمن

تتمتّع الدكتورة نادية بستكي بما يقارب 20 عاماً من الخبرة كطبيبة ممارسة. وهي لم تكن فقط المواطنة الإماراتيّة الأولى التي تتخصّص في طبّ الطيران في King’s College في لندن، إنّما أيضاً أوّل سيّدة على الإطلاق تشغل منصب رئيس الموارد البشريّة والتطوير التنظيمي وإدارة الأصول في شركة الاتّحاد للطيران حيث هي مسؤولة عن استراتيجيّة ضمان رفاهيّة الموظّفين في الشركة. رافقينا في ما يلي للغوص في تجربتها المتميّزة ولاكتشاف طريقة تعاملها مع التحيّز والقوالب النمطيّة الجندريّة وما تقترحه لمنع تأثير ذلك على مسيرة المرأة!

اقرئي أيضاً: Nayla Al Khaja: "أنت تستحقّين العناء! عملك سيتحدّث عنك حتماً وسيكون المناصر الأوّل لك"

بالنظر إلى مسيرتك المتميّزة، ما هي برأيك العوامل الشخصيّة والخارجيّة التي ساعدتك للوصول إلى ما أنت عليه اليوم؟

ممّا لا شكّ فيه أنّ عائلتي شكّلت عاملاً مؤثّراً جدّاً بالنسبة إليّ، ولا سيّما والدتي. لطالما كانت من أكبر الداعمين لي، فكانت تشجّعني منذ طفولتي على السعي وراء أحلامي وأهدافي التي لم تكن دائماً تقليديّة. وكان لزوجي أيضاً دور مهمّ في نجاحي، فعلاقتنا مبنيّة على الشراكة المتساوية، وقد سمح لي ذلك بمتابعة مسيرتي المهنيّة بشغف حتّى بعد أن كبّرنا عائلتنا. وأخيراً، كان وجود المرشدين والمدرّبين المناسبين بجانبي طوال حياتي أمراً أساسيّاً. فالقدرة على الاستفادة من الكمّ الهائل من المعرفة والخبرة والحكمة مكّنتني من الحصول على الإرشاد والاستفادة من "الدروس" التي تعلّمتها من أولئك الذين سبقوني لاستخدام إرشاداتهم من أجل تحديد الطريقة التي أتعامل بها مع القرارات الحاسمة والمواقف الدقيقة في حياتي. وقد ساهمت كل هذه العومل كثيراً في ما أصبحت عليه اليوم - على المستويين الشخصيّ والمهنيّ.

بصفتك رائدة في مجالك، وكونك أوّل إماراتيّة تتخصّص في طبّ الطيران، ما هي التّحديات التي واجهتها وماذا تقولين للمرأة لتشجيعها على المغامرة في هذا المجال أو أيّ مجال آخر تختاره ولم تخُضه بعد؟

نصيحتي لأيّ امرأة تغامر في شيء جديد، سواء كانت وظيفة جديدة أو مهنة أو مجالاً جديداً أو أيّ شيء على الإطلاق، هي: ثقّفي بنفسك، وابحثي عن مرشدين ومشرفين كلّ ما كان ذلك ممكناً، من أجل مساعدتك في تحقيق أهدافك. فالحصول على شبكة الدعم المناسبة أمر مهمّ جداً ويمكن أن يساعد في تحقيق كلّ الأهداف، حتّى تلك التي تبدو مستحيلة. وبالنسبة إليّ شخصيّاً، فإنّ دخول مجال لطالما هيمن عليه الرجال عبر التاريخ، قد ترافق طبعاً مع التّحديات، وكوني امرأة إماراتيّة في مجال متخصّص مثل طبّ الطيران قد ضاعف المصاعب التي تتمثّل في التنميط وبكوني لا أنتمي إلى "الشباب". وبالنظر إلى الوراء وإلى مسيرتي المهنيّة وصولاً إلى اليوم، فإنّ كوني امرأة عربيّة تعمل في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ولا سيّما قبل 15-20 عاماً، اختلف الوضع كثيراً عمّا هو عليه اليوم. لكن بالنسبة إليّ، كنت أركّز دائماً على الصورة الكبرى وعلى سؤال "كيف يمكنك إحداث فارق؟" وهذا ما دفعني للاستمرار حتّى عندما بدت العقبات كبيرة جداً أو يصعب التغلّب عليها أحياناً.

ما هي برأيك القضيّة المتعلّقة بالمرأة التي تحتاج إلى المزيد من التوعية اليوم بعد جائحة كورونا؟

أظنّ أنّ الوباء قد سلّط الضوء أكثر على الحاجة إلى تحدّي الأدوار التقليديّة القائمة على الجندر في الأسرة. فمع التوجّه أكثر نحو العمل من المنزل أثناء الوباء وإغلاق المدارس، أصبح العبء أثقل على النساء كمقدّمات للرعاية. وتقدّم الإناث بالفعل أغلبية الرعاية غير مدفوعة الأجر (مثل رعاية الأطفال أو الوالدين) والعمل المنزلي، وقد ازداد ذلك خلال الجائحة. نحن نعلم أنّه في سعيهنّ للنجاح في مسيرتهنّ المهنيّة، تعاني النساء فعلاً من حيث الحصول على القدرة والوقت والموارد نفسها التي يتمتّع بها نظراؤهنّ من الرجال. وقد زاد الوباء من هذه المعاناة فقد أصبحت النساء مقيّدات أكثر من حيث قدرتهنّ على متابعة العمل. لذلك، أنا أعتقد أنّ هذه القضيّة أصبحت أكثر أهمية منذ الوباء، ولكلٍّ منّا دور يؤدّيه، سواء في العمل أو في منازلنا، في مسألة تحدّي الأدوار التقليديّة القائمة على الجندر في الأسرة.

مع ما يقارب 20 عاماً من الخبرة كطبيبة ممارسة وفي أدوار تنفيذيّة، كيف تقيّمين تطّور اندماج المرأة ورفاهيّتها في مكان العمل؟

لديّ مشاعر مختلطة بهذا الشأن. فمن جهة، أظنّ أنّنا حقّقنا تقدّماً ملموساً ولا سيّما في منطقتنا، من حيث إنشاء مكان عمل أكثر شمولاً للنساء. فنلاحظ أكثر فأكثر المرأة في مناصب قياديّة عالية وبخاصّة في المجالات التي كانت نسبتهنّ فيها ضئيلة كما في مجال التمويل والتكنولوجيا والطيران، وهذا أمر مشوّق جداً. ويظهر ذلك المزيد من المؤسّسات التي تمنح المرأة الدعم والتطوّر والفرص التي تحتاجها للتقدّم والتطوّر في مسيرتها المهنيّة، وأظنّ أنّ أساس ذلك هو الاعتراف بالقيمة الإضافيّة التي تقدّمها المرأة في مكان العمل. لكنّني لم أرَ التقدّم نفسه من حيث رفاهيّة المرأة في مكان العمل. وهذه مسألة مهمّة لأنّ الدلائل تشير إلى تراجع الرفاهية بين النساء العاملات بسرعة أكبر من تراجعها بين الرجال العاملين، وذلك بغضّ النظر عمّا إذا كان لدى المرأة أولاد أو لا. وإلى حين أن تبدأ المؤسّسات بالتركيز على رفاهية المرأة تماماً مثل التركيز الذي منحته لإنشاء مكان عمل جندريّ شامل، سنستمرّ في رؤية المزيد من النساء اللواتي يتركنَ وظائفهنّ أو يعانين التأخير غير الضروريّ في مسيرتهنّ المهنيّة. وهذا الموضوع بالنسبة إليّ غاية في الأهميّة ويجب أن نبذل جهداً أكبر لحلّه.

هل تظنّين أنّ بعضنا يتأثّر أكثر عندما نواجه الصور النمطيّة الجندريّة؟ ما هي برأيك التأثيرات النفسيّة والسلوكيّة التي تخلّفها تلك الصور والتحيّزات في حياة الناس؟

فيما نتكلّم غالباً عن النساء كمجموعة، لا يمكن أن ننسى أنّ كلّ واحدة منّا فرد مستقلّ، وتختلف طريقة استجابتها للصور النمطيّة الجندريّة باختلاف نشأتها وثقافتها وتعليمها وتجاربها. ممّا يعني أنّ الحلول التي نطرحها لمواجهة الصور هذه لن تكون مناسبة للجميع، لكن لا بدّ من البدء من مكان ما أيضاً. وقد تحدّثت مؤخّراً عن الصورة النمطيّة الخطيرة للمرأة "القادرة على الحصول على كلّ ما تريده". أيّ أن تحصل على مسيرة مهنيّة رفيعة المستوى وتربّي عائلتها وتسافر للعمل من دون أيّ مشكة وتحافظ دائماً على نظافة بيتها وترتيبه وتوفّق بين كلّ المطالب على الصعيدين الشخصيّ والمهنيّ، بمعنى أن تكون امرأة خارقة ولا تُقهَر. وهذا خطير جدّاً بسبب تأثيره على نظرة المرأة لنفسها، فقد يقلّل من ثقتها بنفسها ويجعلها تشعر بأنّها تفشل، بينما في الواقع، هذه الصورة النمطيّة أمر يستحيل تحقيقه. وإذا صدّقناها نحن النساء، بما أنّ هذا ما يظهرونه لنا مراراً وتكراراً، فمن البديهيّ أن نتساءل عن المشكلة التي نعانيها شخصيّاً وعن سبب عدم قدرتنا على تحقيق كلّ تلك الأمور، بدلاً من التساؤل حول النظام بحدّ ذاته. وقد يكون التأثير النفسيّ / السلوكيّ لذلك طويل الأمد حتّى أنّنا قد ننقله لبناتنا، وهكذا ندور في حلقة مفرغة.

هل عانيتِ يوماً القوالب النمطيّة والتحيّز الجندريّ؟ هلّا تخبرينا عن موقف واجهت فيه بوضوح أو علناً التنميط الجندريّ؟ وكيف نجحت في التغلّب عليه؟

لقد واجهت بالفعل صور نمطيّة خلال مسيرتي المهنيّة، سواء كانت مقصودة أو لا، إنّما هناك صورة أتذكّرها دائماً. عندما بدأت العمل في طبّ الطيران، سألني المريض الأوّل الذي جاء لزيارتي عن مكان الطبيب، وعندما أخبرته أنّني أنا الطبيبة، رفض وأصرّ على أنّني حتماً ممرّضة. فكان لديه هذه الصورة في ذهنه أنّ الطبيب يجب أن يكون متقدّماً في السنّ وشائباً ورجلاً، وطبعاً ليس امرأة إماراتيّة؛ وقد تغيّرت الأحوال بالفعل. أمّا سرّ التغلّب على هذه التّحديات فهو عدم اعتبارها شخصيّة. فالتحيّز والارتباك وعدم الراحة كلّها تأتي من الشخص الآخر. طالما أنّني واثقة من نفسي وممّا أفعله، فمن الأسهل التغاضي عن تعليقات الآخرين ونظراتهم لأنّني أدرك أنّ ما قد يفكّرون به لمجرد أنّني امرأة ليس صحيحاً.

بناءً على خبرتك كرئيسة الموارد البشريّة، ما هي نصيحتك لتصحيح أيّ تمييز قد يحدث في مكان العمل؟ وما هي السياسات التي يمكن اعتمادها بهدف تجنّب الصور النمطيّة والتحيّزات الجندريّة؟

أفتخر جداً بكوني في موقع يسمح لي أن أحدث فارقاً مباشراً في إنشاء مكان عمل أكثر شمولاً وفي تطبيق السياسات التي تمنح نتائج أفضل للنساء. ومن الأمور التي تتبادر إلى ذهني أذكر التالي:

• كخطوة لكسر القوالب النمطيّة الجندريّة، ركّزنا على الاحتفال بالتنوّع، ففي شركة الاتّحاد للطيران، اخترنا مثلاً بشكل واضح الاحتفال بالنساء في قسم الهندسة والرجال ضمن طاقم الطائرة حتّى لا نعزّز تلك الصور النمطيّة التقليديّة التي نراها دائماً في وسائل الإعلام.

• ندعو إلى أن يكون التدريب على التنوّع والشمول متاحاً للجميع. فلا يتعلّق الأمر بالبرامج التي تركّز على مساعدة المرأة لتكون أكثر ثقةً أو حزماً فحسب، بل أيضاً بتدريب جميع الموظّفين على كيفية التعرّف على تحيّزاتهم الخاصّة والتغلّب عليها.

• البحث عن حلول مختلفة وخارجة عن المألوف، مثل كيفيّة استخدام نماذج التوظيف المرنة لدعم عودة النساء إلى العمل بعد الولادة أو السماح للرجال بالحصول على المزيد من الوقت لتعزيز دورهم كآباء في رعاية عائلاتهم.

الكلام أداة مهمّة جداً يمكن أن تؤثّر على سلوك المرء. ما هي التغييرات التي يجب اعتمادها في طريقة كلامنا لتجنّب الصور النمطية والتحيّزات الجندريّة؟

الكلام عن موضوع الجندر معقّد وقد يكون من الصعب معرفة الطريقة الصحيحة للبدء بتغيير الكلام حول الصور النمطيّة والتحيّز الجندريّ. وإذا نظرت إلى الموضوع انطلاقاً من دوري كرئيسة للموارد البشرية، فإنّ اللغة هي شيء نستطيع تغييره، لا سيّما في مكان العمل.

ومن بين الأمور التي ننظر فيها في شركة الاتّحاد للطيران هي عمليّة التوظيف المحايدة جندرياً. تشير الدراسات إلى أنّ استخدام عبارات مثل "موجّه نحو المهام" أو "حازم" في التوصيف الوظيفيّ يمكن أن يبعد المرأة. بينما استخدام صفات مثل "متعاون" أو "موجّه نحو العلاقات" يجذب النساء أكثر من الرجال. وقد يكون هذا التبديل اللغويّ حاسماً لجذب النساء لأدوار تُنسب تقليديّاً إلى الرجال.

وقد تكون اللّغة مهمّة أيضاً لتحديد خصائص القيادة أو السلوكيّات التي يظهرها الرجال والنساء في مكان العمل. فعندما نسمح بأن توصَف الأنثى بالمتسلّطة ونظيرها الذكر بالحاسم، نشارك في تعزيز الصور النمطيّة السلبيّة. لذا فإنّ اعتماد لغة محايدة هو من العناصر الأساسيّة للمساعدة في تحويل الكلام ليعكس طابعاً إيجابيّاً أكثر.

ما هي الرسالة التي تودّين مشاركتها مع قارئات ماري كلير العربيّة بمناسبة اليوم العالميّ للمرأة؟

نتمتّع نحن النساء بقوّة هائلة، وقدرتنا على إحداث تغيير إيجابيّ وملموس سواء لأنفسنا أو لمكان عملنا أو مجتمعنا أو الأشخاص من حولنا، لا تقدَّر بثمن. أمّا الثروة الأكبر التي نتمتّع بها فهي بعضنا البعض، وإذا واصلنا في دعم بعضنا البعض مع الحفاظ على صدقنا مع أنفسنا، فسيكون المستقبل حتماً مشرقاً أمامنا.

اقرئي أيضاً: Muna Al Gurg: سدّ الفجوة الجندريّة بين القوى العاملة ليس واجباً أخلاقيّاً بل يؤثّر على النمو الاقتصادي

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث