Nayla Al Khaja: "أنت تستحقّين العناء! عملك سيتحدّث عنك حتماً وسيكون المناصر الأوّل لك"

هي المخرجة ومنتجة الأفلام الإماراتيّة الأولى! خلال طفولتها، اعتادت نايلة الخاجة الرائدة في صناعة الأفلام السفر كثيراً مع والدَيها وهكذا عاشت الكثير من المواقف ضمن ثقافات متعدّدة. وقد جعلها هذا الأمر منفتحة ومتسامحة ومرنة ومتفهّمة لاحتياجات جمهورها، وهذه من أهمّ ميزات مخرج الأفلام. وفيما تسلّحت بالعمل الجاد والتفاني باتت تنتقل من نجاح إلى آخر. في ما يلي، نغوص معاً في تجربتها المتميّزة لنكتشف كيف تعاملت مع التحيّز والقوالب النمطية الجندريّة وما تقترحه لتعديل هذا الوضع في صناعة السينما!

اقرئي أيضاً: Muna Al Gurg: سدّ الفجوة الجندريّة بين القوى العاملة ليس واجباً أخلاقيّاً بل يؤثّر على النمو الاقتصادي

ما هي التحديّات التي واجهتها خلال مسيرتك، وماذا تقولين للمرأة لتشجيعها على خوض غمار هذا المجال أو أي مجال آخر تختاره ولم تخُضه بعد؟

لا شكّ في أنّ دخولي صناعة الأفلام ترافق مع بعض التّحديات، لا سيّما أنّ الإمارات كانت في مراحلها الأولى ولم يكن هناك بنية تحتيّة قويّة في هذا المجال. فعندما كنت أحاول تصوير الأفلام مثلاً، اضطررت إلى إحضار بعض أفراد الطاقم من الخارج، ممّا جعل العمليّة باهظة الثمن وبعيدة المنال. كما كان عليّ أن آتي بالمعدّات أيضاً من الخارج. ممّا صعّب الأمور من جديد. أمّا التّحدي الآخر فكان أنّ صناعة الأفلام لم تكن رائجة فعلاً آنذاك، لذا لم يكن هناك طلب كبير عليها. فكان عليّ أن أجد مواضيع من شأنها أن تجذب الوزارات والجهات الحكوميّة أو حتّى القطاع الخاصّ من أجل الحصول على المشاركة الماليّة منها، حتّى أتمكّن من إنتاج هذه الأفلام. لذا اضطررت إلى إيجاد طريقة للمناورة حول المواضيع التي كانت مهمّة في ذلك الوقت، واستخدام الفيلم كوسيط. وبما أنّني امرأة، كانت التّحديات كثيرة. وكوني المرأة الأولى في مجالي، لم يكن هناك أي نموذج أظهره لوالديّ. فكانا قلقَين حيال هذا المجال الذي يُعرف بجانب غامض وبسمعة مختلفة في جميع أنحاء العالم. ولكن بما أنّ عملي وراء الكواليس، أظنّ أنّ هذا جعلهما مرتاحين أكثر للموضوع. كما أنني وجدتُ صعوبة كبيرة في كسر الحاجز للوصول إلى المراكز العالية كأنثى لأنني أشعر أنّ مستوى الثقة لدى العملاء أو الناس بشكل عام، لم يكن قويّاً كما مع نظرائي المخرجين الرجال. لذلك كان عليّ أن أعمل ثلاث مرّات أكثر لإثبات أنّني أستطيع أن أؤدّي عملاً جيّداً تماماً مثلهم، وأحياناً أفضل حتّى. لذلك، عملت على إنشاء ملفّي واسمي في البداية، الأمر الذي كان صعباً ومؤلماً جداً، لكنّه لم يكن مستحيلاً. لذا فأنا أقول لكلّ امرأة، لا تستسلمي أبداً، بل ابحثي عن طريقة لتثبتي للناس أنّك تستحقّين العناء، وأنّ عملك سيتحدّث كثيراً عنك وستكونين المناصرة الأولى لنفسك.

كيف ترين تطوّر اندماج المرأة في صناعة الأفلام؟

في العام 2019، أخرجتُ فيلماً بعنوان The Shadow وكنت حاملاً حينها بتوأمي. ولم يمنعني ذلك من العمل على هذا المشروع. وكانت مجرّد صدفة أن نظرت حولي ورأيتُ أنّ عدد النساء كبير جداً في طاقم العمل. والكثير منهنّ كنّ في مناصب رئيسة، كالمنتجات والمنتجات التنفيذيّات، وغيرها من المراكز حتّى المصوّرات أيضاً. وعندما احتسبنا الأعداد، وجدنا أنّ النساء يشكّلنَ 40٪ من فريق العمل. كان ذلك في العام 2019. وقد عملتُ على مشروع مماثل عام 2003 مع امرأتين فقط، ما يعادل 5% من مجموع أفراد الطاقم. لذا فإنّ الانتقال من 5٪ إلى 40٪ يظهر التطوّر الهائل الذي شهدته صناعة الأفلام من حيث نسبة النساء العاملات فيها، وسيزداد هذا التوجّه أكثر فأكثر. إنّما ما زال الوضع بعيداً جداً بالنسبة إلى المشهد العالميّ، فالعدد لا زال ضئيلاً. إذ تبلع نسبة النساء في مجال الإنتاج 11٪، لذا فهي منخفضة جداً ومزعجة أيضاً. وآمل فعلاً أن يصل هذا الرقم يوماً ما إلى 30 أو 40٪ على الأقلّ، وأن يكون هناك المزيد من النساء في هذا المجال. فهنّ يجدنَ رواية القصص. وأعتقد أنه يجب علينا أن نستفيد من ذلك أكثر.

هل شكّكتِ يوماً بقدرتك على القيادة في مجال عملك بسبب التحيّزات والصور النمطيّة الجندريّة؟

ما كنت لأشكّك أبداً بمهاراتي لأنّني احتجتُ إلى وقت طويل للوصول إلى ما أنا عليه اليوم، مع الكثير من الجهد والتفاني. وغالباً ما كنت أتعلّم أموراً أعرفها مسبقاً لتعزيز معلوماتي فحسب. وبما أنّ النساء في صناعة الأفلام يعملنَ بجهد أكبر لإثبات أنفسهنّ، تصل مهاراتهنّ في الواقع إلى مستويات هائلة، وكلّما كان هناك مشروع عمل، أثبتنَ نجاحهنّ فيه عن جدارة. لكنّني حتماً رأيتُ أشخاصاً آخرين يشكّكون بمهاراتي لأنّني امرأة، وهذا أمر مروّع. فكنت أسير في أحد الأيّام في موقع تصوير فيلم هنا في دبي، وكان أحد أفراد الطاقم يتحدّث مع صديقه بلغة أجنبيّة وصادف أنّني أتقنها أيضاً لكنّهما لم يدركا ذلك. فقال: "هل تظنّ أنّها صنعت القصّة المصوّرة بنفسها؟ فذهلتُ تماماً ثمّ استدرتُ وقلتُ "نعم، لقد صنعتُ القصّة المصوّرة بنفسي"، فدُهشا. ممّا يظهر أنّ ثمّة تصرف متعالٍ لدى البعض، وأعتقد أنّه يمكن أن يتغيّر. ويكمن السبب وراء هذا النوع من التعليقات في عدم وجود الكثير من مخرجات الأفلام ، لكن حالما تزداد أعدادنا، ستكون هذه هي القاعدة.

هلّا تخبرينا عن موقف واجهت فيه بوضوح أو علناً التنميط الجندريّ؟ وكيف نجحت في التغلّب عليه؟

واجهت بالفعل موقفاً مزعجاً ومهيناً جداً. فبينما كنت أعمل على ابتكار فكرة إعلان ترويجيّ لأحد المصارف، كنت جزءاً من فريق يتألّف من ستّة أشخاص. وكوني المخرجة الوحيدة في الفريق ظننتُ أنّني سأهتمّ بإخراج الإعلان في نهاية المطاف، وذهبنا لتقديم الفكرة وقد أحبّوها فعلاً. وكان أحد زملائي مخرجاً أيضاً. ثمّ اكتشفوا أنّ الفكرة فكرتي وسأخرج الإعلان. وتفاجأ ممثّل المصرف الموجود معنا قائلاً إنّه ظنّ أنّ زميلي سيتولّى الإخراج وسألني إن كنت متأكّدة أنّني قادرة على فعل ذلك! فلمجرّد أنّه كان رجلاً، لم يتساءلوا عن قدراته. وبما أنّني امرأة، شكّكوا طبعاً في قدراتي، وكان ذلك مسيئاً جدّاً لي. لكنّني تجاوزتُ الأمر وتولّيتُ إخراج الإعلان بالفعل، وكان الجميع راضياً جداً. ولم أسمع مثل هذه التعليقات المهينة بعد ذلك، إذ مرّت فترة طويلة بعد تلك الحادثة، وآمل أن يتغيّر هذا الموقف. لا بدّ من أن تتمسّك النساء بآرائهنّ ويتغلّبنَ على مواقف مماثلة برأس مرفوع.

كيف يمكن أن تساعد صناعة السينما في تعديل الصور النمطيّة الجندريّة؟ هلّا تخبرينا عن مشروع شخصيّ تحضّرينه أو ترغبين في العمل عليه ومن شأنه أن يساهم في ذلك؟

أنا أدعم المرأة في صناعة الأفلام كثيراً وليس فقط بالقول، فكان لديّ مشروع مع وزارة التربية والتعليم، حيث شكّلت النساء 90 ٪ منه، وقد شجعتهنّ على تخطّي الحدود وكان لي حديث خاصّ مع كلٍ منهنّ. امتدّت الدورة على شهرين، وانتهينا بتصوير فيلم وثائقيّ وقد قمنَ فعلاً بعمل رائع. وأحضّر أيضاً لاستقبال دفعة أخرى من النساء. لذلك ومن خلال تعليمهنّ، يمكنني أن أشاركهنّ القليل من خبراتي التعليميّة الخاصة، وبعض الأخطاء التي يجب تجنّبها وما إلى ذلك. فأردت أن أنقل لهنّ الدروس وأصحبهنّ معي للعمل على الأرض لأصوّر مع هؤلاء النساء الرائعات. وهناك أيضاً المبادرات التي تتّخذها حكومات السويد وأستراليا وتورنتو لمنح تمويل للأفلام مقسّمة بالتساوي 50٪ للرجال و50٪ للنساء. لذا أظنّ أنّ إحدى طرق تصحيح النسبة هي من خلال تقديم تمويل حكوميّ، وسنحصل بالتالي على ما يكفي من مشاريع يطرحها وينفّذها كلّ من الرجال والنساء. لذا أظنّ أنّه من المنصف أن نحدّد عدداً للأفلام التي سيتمّ تمويلها للنساء مقابل أخرى للرجال. فنحصل بالتالي على الكمية المناسبة التي يخرجها كلّ من الطرفَين. فنحقّق المزيد من التوازن، وأتمنّى فعلاً أن تحذو دول أخرى حذوها.

الكلام أداة مهمّة جداً يمكن أن تؤثّر على سلوك المرء. ما هي التغييرات التي يجب اعتمادها في طريقة كلامنا لتجنّب الصور النمطيّة والتحيّزات الجندريّة؟

أظنّ أنّه يجب تطبيق برامج تعليميّة منذ سنّ مبكرة جداً. إنه استثمار طويل الأمد طبعاً لأنّنا نتحدّث عن رأس المال البشريّ. لذلك سواء في صناعة الأفلام أو أيّ مجال آخر فيه تفاوت بين الرجال والنساء، يجب حلّ الوضع فوراً. يجب أن نبدأ في سنّ مبكرة بالتدريس والحديث والنقاش حول هذا الموضوع. ويجب تشجيع كلّ من الشباب والشابّات على فهم مجال معيّن بغض النظر عن الجندر. لذلك أظنّ أن البدء من المدرسة سيكون أمراً مفيداً، ثمّ لا شكّ في أنّ إشراك الأهل أيضاً في غاية الأهميّة. فإذا تمّ دمجهم في البرنامج مع الشابّات والشباب، سيساعدهم على اتّخاذ قرار يتماشى مع احتياجات ابنتهم أو ابنهم. لذا، من المهم جداً أن يكون لدينا أمثلة ناجحة من الأفلام التي أخرجتها نساء، حتى يتمكّن المجتمع من التقدّم في هذا المجال. وبالتالي، حتى لو استغرق الأمر عقداً آخر من الزمن، سنقترب من نسبة الـ 50٪، حيث يتمكّن الرجال والنساء بالتساوي من رواية القصص، وهذا أمر رائع فعلاً. فلا يبدو الأمر منطقيّاً أن يكون سرد القصص مقصوراً على طرف واحد فقط ولا يتمّ توزيعه بالتساوي بين الرجال والنساء. لذا أعتقد أنّه من خلال التعليم والتركيز على العائلة ومع مساعدة الحكومة يمكن أن نستفيد من هذه المبادرات التي ذكرتها والتي تموّل الأفلام بالتساوي بين الطرفين.

ما هي الرسالة التي تودّين مشاركتها مع قارئات ماري كلير العربيّة بمناسبة اليوم العالميّ للمرأة؟

أودّ أن أقول لقارئات ماري كلير العربيّة ألّا يتوقّفنَ عن الحلم وألّا يستسلمنَ أبداً. فعندما كنت أحاول جمع التمويل لمشروعي الخاص، واجهنا ما يقارب 41 رفضاً، وبعدها بدأت في الحصول على الموافقات. لقد تأثّرتُ كثيراً وعانيتُ طوال سنتين. لكن مجدداً، يجب ألّا نستسلم أبداً. وإذا استمرّيت في تلقّي الرفض، عليك فقط أن تغيّري أساليبك بين الحين والآخر ثمّ أن تحاولي إيجاد المشكلة. وفي يوم من الأيّام سيقول أحدهم "نعم"، وهذا ما حدث معي تحديداً، ويمكن أن يحدث معك أيضاً. لذا، لا تتخلّي يوماً عن طموحاتك وأحلامك. فما من مهلة محدّدة لأيّ عمل. إذ يمكن أن يبدو جدولك الزمني للنجاح مختلفاً تماماً عن جدول شخص آخر. لذا إن كنت في الأربعينات أو الخمسينات من العمر، وتشعرين أنّ الوقت قد فات لتحقّقي أحلامك فأنت مخطئة. لأنّ الكثير من الناس حقّقوا أحلامهم وهم في العقد السادس والسابع من العمر، وحتّى في العقد الثامن أيضاً، ومن الملهم جداً رؤية هذه الأمثلة في الحياة. لذا لا تتخلّي يوماً عن الأحلام ولا تتوقّفي عن المثابرة والمحاولة. فأسوأ من الفشل هو عدم المحاولة على الإطلاق.

اقرئي أيضاً: Dr. Hend Alqaderi: الوقت هو أثمن مصدر نملكه، لذلك يجب علينا أن نستثمره في تطوير أنفسنا وتحقيق الإنجازات

العلامات: Nayla Al Khaja

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث