كيف تعيد علاقتنا مع الأرض التوازن إلى حياتنا؟

هل تساءلت يوماً ماذا يعني أن نكون بخير سواء على الصعيد الجسدي أو النفسي وما دور علاقتنا بالأرض بالحفاظ على صحّتنا النفسيّة ومسيرة شفائنا الداخليّة؟ كثير من الأحيان نبحث عن السلام والطمأنينة والراحة والقبول، ويغيب عنّا أنّ ثمّة ترابطاً بين معرفتنا ووعينا بذاتنا وعلاقتنا مع الآخرين ومع الأرض وأنّ إعادة تواصلنا معها يساعدنا في إعادة التوازن إلى حياتنا والشعور بالأمان والإنتماء... فنحن من الأرض، خلقنا من الأرض وإلى الأرض سنعود! منذ ولادتنا تجمعنا علاقة قويّة بالأرض، فنغرف منها غذاء الجسد والنفس. ولكنّنا قد نفقد هذه الصلة بينما نخوض غمار الحياة. وفيما نحتفي في خلال هذا الشهرالفضيل بيوم الأرض، نبحث في هذا التحقيق في علاقتنا بالأرض وتأثيرها على صحّتنا النفسيّة مع مدرّبات وخبيرات ومعالجات من مجالات مختلفة. فتابعينا في هذه السطور حيث نناقش معهنّ مسيرة الوعي بالذات وكيفيّة تقبّل جراحاتنا والعمل على الشفاء منها والتعلّم من أخطائنا لننمو ونصبح نسخة أفضل من أنفسنا فيما نقوم ببناء علاقة وطيدة ومستدامة مع الأرض! ولنتعرّف سويّاً في هذه السطور على النصائح التي ستشاركنَنا إيّاها!

Rozana AlBanawi: في عالمنا الحديث، يجب أن نكون مبدعين في طريقة الوصول إلى الطبيعة رغم أسلوب الحياة السريع 

هي خبيرة في العلاقات الإنسانيّة ترى العالم بنظرة فضوليّة ومنفتحة بفضل تبنّيها عقليّة التدريب الذي تقوم به. تؤمن رزانا البنوي بدور المجتمع في تحسين رفاه الفرد لأنّنا نحتاج بعضنا البعض أكثر ممّا نظنّ! وبالنسبة إليها، عندما نكون فضوليّين ومستعدّين للتكيّف ومتعطّشين للعلم، تُفتَح لنا الأبواب للإبداع في المجتمع والاعتماد المتبادل على بعضنا البعض، وهذا هو جوهر الإنسانيّة. وهي تظنّ أنّ هذا أمر جيّد للجميع فعندما نكون في أفضل حالاتنا، يمكننا أن ندعم بعضنا أكثر ونقدّم أفضل ما لدينا ونخدم أكثر في هذا العالم. رافقينا لنكتشف معاً المزيد عن رؤية المدرّبة السعوديّة الرائدة بما يخصّ الصحّة والعلاج والشفاء الداخلي! 

نحن النساء ديناميكيّات ونعتمد على حدسنا وقلوبنا
تواجه النساء أحياناً المعتقدات المقيِّدة والشعور بالذنب وغيرها من المشاعر السلبيّة التي تمنعهنّ من إطلاق العنان لإمكاناتهنّ الكاملة. وتشرح لنا المدرّبة السعوديّة أنّ هناك الكثير من العوامل التي تؤثّر على وعينا الذاتي: "نحن نكتشف ذاتنا من خلال علاقاتنا مع الآخرين. كما أنّ التأمّل الذاتي ضروريّ أيضاً لأنّنا بعد تجارب حياتيّة مهمّة، نتغيّر أو نتأثّر بالأحداث من حولنا. إذا أعطينا هذه الأفكار والمشاعر مساحة وبعض الوقت، يمكننا التعلّم منها وتعزيز فهمنا لذاتنا. كما أنّ خوض تجارب جديدة يشكّل دائماً أداة للتعرّف على الذات". وتضيف قائلة: "ونحن النساء ديناميكيّات ونعتمد على حدسنا وقلوبنا. نخلق حياة جديدة في أجسادنا. وهذا يحتاج إلى عناية ورعاية. وكامرأة، كلّ تجربة أعيشها تتكامل مع هويّتي. والتكامل يشمل التجارب الإيجابيّة وغير المريحة أو الصعبة أيضاً. يجب ألّا تختلق النساء قصصاً حول أنفسهنّ استناداً إلى جراحهنّ. والاحتفاظ بقصّة واحدة عن نفسي يقيّدني ويغلق الأبواب في وجهي. ونحن نعيق طريقنا عادةً لأنّنا نختلق قصصاً لما هو صواب وما هو خطأ. لكنّ تبنّي عقليّة النمو ومنظورها سيساعدنا أكثر ممّا نتصوّر!"

تظهر شخصيّات جديدة عندما نلعب أدواراً جديدة في الحياة
كيف تعرّف المدرّبة النموّ الشخصي في سياق تقدّمنا وتطوّرنا؟ تجيبنا قائلة: "أحبّ الاستناد إلى التشبيه بشجرة أو بنظام بيئي في الطبيعة. فنحن لا ننظر إلى تغيّر الفصول أو التحوّلات على أنّها "علاج" مرض أو خطب ما. وإنّ منظور النمو والتغيير كجزء من الحياة والتطوّر مع الأحداث مفيد لأنّه يبتعد عن افتراض "إصلاح الأمور"." وتوضح أكثر: "يجب علينا جميعنا أن نتكيّف ونتغيّر. كما تظهر شخصيّات جديدة عندما نلعب أدواراً جديدة في الحياة، فنحن لسنا كائنات راكدة. وفي النمو الشخصيّ نحن نواجه كلّ شيء: نقاط قوّتنا ونقاط ضعفنا وعواطفنا وعملنا الاندماجيّ. والنظر إلى الأمور بهذه الطريقة يساعدنا أيضاً على تسهيل المزيد من التعلّم والنموّ لأنّه متوقّع وطبيعيّ، ويلقي الضوء على إنسانيّتنا المشتركة، فكلّ واحد منّا سيستمرّ في التعلّم والتغيير إلى الأبد." ولماذا التواصل مع الأرض مهمّ لنا، كيف نقوم به وكيف يساعدنا ذلك في تحقيق رفاهنا وشفائنا؟ تجيبنا خبيرة العلاقات الرائدة قائلة: "نحن من الطبيعة، نخلق من الطبيعة، وإلى الطبيعة نعود. لذا فإنّ إحاطة أنفسنا بعناصر من الأرض يجعلنا نشعر بالألفة والأمان. وعندما نشعر بالأمان، نشعر بالانفتاح من أجل التوسّع وتجربة أمور جديدة، إذ نصبح أكثر تقبّلاً للحياة". وتضيف قائلة: "في عالمنا الحديث هذا، يجب أن نكون مبدعين في الوصول إلى الطبيعة رغم أسلوب الحياة السريع. والوصول إلى الطبيعة أمرٌ أساسيّ للحفاظ على الرفاه والصحة النفسيّة ويتغيّر بحسب الظروف".
وفي نهاية حديثنا، نسأل المدرّبة مشاركتنا أفضل الطرق لتحسين صحّتنا العقليّة عند مواجهة مواقف خارجة عن سيطرتنا؟ وتقول: "يجب أن نكون مدركين لما نواجهه في أي لحظة، وعلى جميع المستويات: الجسد والعقل والعواطف. فإذا لاحظنا تحوّلاً في ما نشعر به، يجب أن نسأل أنفسنا ما الذي تغيّر؟ متى بدأنا نشعر بهذا؟ وعندما نلاحظ ما نرصده بداخلنا نستطيع النظر إليه من دون إصدار الأحكام. يجب تقبّل الواقع وعدم المبالغة في التعريف عن المشاعر لأنّها لا تحدّدنا. إنّ التعاطف مع الذات في كلّ ما سبق يشعل قابليّة أكثر لإظهار العلاقة مع صراعاتنا. وقد يتطلّب تعلّم كلّ هذه الوسائل الوقت والممارسة. وتقدّم ورشة العمل التي أقوم بتيسيرها، Dare to Lead لـ Brené Brown، أربع مجموعات من المهارات حول التجرّؤ على القيادة التي تركّز على إنسانيتنا فيما نكون مسؤولين عن عالمنا." وتختم: "كما أنّ وجود مجتمع موثوق إلى جانبي يساعدني كثيراً، إذ أستطيع إيجاد آذان صاغية تتفهمّني بصدق... ففي معظم الأوقات، نريد أن نشعر بأنّ الآخر يرانا ويفهمنا ويسمعنا".

Shamma Naser Al Nuwais: تساعدنا إعادة التواصل مع الطبيعة في إعادة اكتشاف نفسنا التي فقدناها في العالم الماديّ 

تعمل شما النويس في مجال الصحة والجمال منذ15 عاماً. فقد أسّست منتجع Anahata، وهو المركز العلاجيّ الشامل الأوّل في أبو ظبي عام 2007. ويركّز المنتجع على نهج روحيّ وشامل للحياة لمساعدة الآخرين على تحقيق التوازن. شما هي أيضاً ممارِسة معتمَدة في البرمجة اللغوية العصبية ومعالجة Reiki Usui، والريكي هو علاج بالطاقة يقلّل من التوتر والقلق. حيث تساعد شما الآخرين من خلال ما تقوم به في التغلّب على تحديّات الحياة الجسديّة والعاطفيّة والعقليّة حتى يتمكّنوا من الشفاء من الماضي وعيش حياتهم بكامل طاقتها.

تنظر شما إلى الصحّة والرفاه من منظور شموليّ يتمثّل في توازن الجسم والعقل والروح. وتؤكّد مدرّبة البرمجة اللغويّة العصبية قائلة: "باختصار، تتعلّق الصحّة والرفاه بالشخص ككلّ وليس فقط بالحالة الجسديّة، إذ لا بدّ من النظر إلى محيطه بالإضافة إلى صحّة الشخص العاطفيّة والروحيّة. ومن المهمّ أن نكتشف أساس المشكلة بدلاً من أعراضها فقط".

إعادة برمجة عقولنا لتعديل معتقدات معيّنة
الوعي الذاتي هو الأساس لعيش حياة صحيّة. فكيف يمكن لممارسة أساليب الرفاه أن تساعد النساء في فهم أنفسهنّ وجراحهنّ؟ تجيبنا معالجة الريكي قائلة: "نحن نرِث معتقدات آبائنا وثقافتنا وديننا ومعلّمينا ومجتمعنا وما إلى ذلك. هذه المعتقدات ترسم حياتنا وتجعلنا ما نحن عليه. لا شكّ في أنّ بعض المعتقدات مفيدة جداً، إلّا أنّ البعض الآخر لا يفيدنا ولكنّه متأصّل في العقل الباطنيّ ويمكن أن يكون له تأثير ضارّ على علاقاتنا ونموّنا وصحّتنا العقليّة، فتفرض علينا بالتالي طريقة عيش حياتنا. عندما يتمسّك اللاوعي بمعتقدات لا تناسبنا، قد يخلق أفكاراً سلبيّة فنصبح عالقين من حيث الطاقة. ومن أجل إلغاء أي قيود أو احتقان في نظام الطاقة، يمكن أن تساعد ممارسة الريكي عن طريق تعيين أيونات داخليّة تخدمها، ممّا يسمح للطاقة بالتدفّق عبر مسار الطاقة في أجسامنا لفتح أي انسداد." ثمّ تضيف: "بالإضافة إلى ذلك، بما أنّنا كنّا مبرمجين منذ الطفولة مع معتقدات معيّنة، فمن خلال الاستشارات في البرمجة اللغوية العصبية، يمكن أن نعيد برمجة عقولنا لتعديل معتقدات معيّنة. وفي البرمجة هذه، نستخدم الطرق الفرعيّة التي تسمح لنا بالعودة بالزمن وإعادة تقييم ما حدث، ومواءمته مع ظروفنا الحالية عن طريق استبدال المعتقدات القديمة بأخرى جديدة. الأفكار السلبية اعتياديّة، لكن مع الوعي والوقت طبعاً سيتمّ استبدالها بأفكار إيجابيّة. لكن لا شكّ في أنّ ذلك يتطلّب الكثير من التدريب والصبر والمثابرة".

السرّ هو تحديد أساس المشكلة
"عندما نحدّد عمليّة العلاج، يجب أن ننظر إلى ما هو أبعد من الجسد الماديّ"، تؤكّد شما. وتكمل حديثها شارحةً: "في الواقع، يجب أن ننظر إلى البيئة بطريقة أعمق، ونقيّم الرفاه العاطفيّ والاجتماعيّ والعقليّ والجسديّ والروحيّ لكلّ فرد. ونتيجة لذلك، يمكننا أن نحضّر برنامجاً فردياً مصمّماً خصيصاً لاحتياجات كلّ شخص لتحقيق أقصى النتائج وأفضلها. فسرّ التمتّع بالرفاه والشفاء هو تحديد أساس المشكلة". لماذا من المهمّ أيضاً أن نتواصل مع الأرض من خلال عمليّة العلاج هذه؟ تجيبنا شما مستعينةً بالآية القرآنيّة التالية: "قال الله تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَٰكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ"
وتشرح: "ببساطة نحن لا نستطيع فصل أنفسنا عن الأرض"، مضيفةً: "الطعام الذي نأكله، والماء الذي نشربه، والهواء الذي نتنفّسه، كلّ ذلك يدلّ أنّنا نحن الأرض نفسها. حتى لو نسينا من وقت إلى آخر، فإنّ إعادة الاتّصال بالأرض يمكن أن يساعدنا في إعادة اكتشاف أنفسنا التي فقدناها في العالم الماديّ. فستجدّد العودة إلى الأرض حيويّتنا وتطهّرنا من الملوّثات التي أحدثناها في حياتنا".
وفي الختام، تشرح لنا أنّ التأمّل هو أداة أساسيّة جداً لأنّه يساعد على استرخاء العقل بعيداً عن ضجيج الحياة الذي يحيط بنا دائماً. وتقول: "عندما يكون عقلك هادئاً، قد تكتسبين الوضوح، ممّا يسمح لك بإصدار أحكام صحيحة واتّخاذ قرارات سليمة." 

Shaikhah Hamad: من أجل التواصل مع الأرض، يجب العودة إلى الحالة الأصليّة: الصفاء والحضور الذهنيّ 

شيخة حمد هي طبيبة في البرنامج السعوديّ للطبّ الوقائي ومدرّسة يوغا. وُلدت في جدّة وترعرعت في حائل في المملكة العربية السعودية، وطوّرت اهتمامها وحبّها للتمارين باستخدام وزن الجسم أو ما يُعرف بالـBody Weight منذ المدرسة الثانوية، ثمّ كان الالتحاق بكلّية الطبّ أفضل شيء بالنسبة لها لأنّه زاد من شغفها بالرياضة ونمط الحياة الصحيّ. أرادت شيخة دائماً الحصول على شهادة في الرياضة وكانت اليوغا التي تعرّفت عليها بالصدفة أثناء الحجر الصحي هي الحلم الذي أصبح حقيقة. وبحلول نهاية الحجر، قرّرت الحصول على شهادة في اليوغا وهنا بدأت رحلتها كمعلّمة يوغا معتمدة!

تعرّف شيخة الصحّة بأنّها أفضل مظهر وحالة جسديّة وعقليّة. فتتمثّل بالنوم الجيّد والتمتّع بلغة جسديّة وذهنيّة لطيفة وبنظرة جميلة لأجسامنا وبأفكار إيجابيّة طوال اليوم. وتوضح الطبيبة أكثر بالقول: "لا يتعلّق التمتّع بصحّة جيّدة بممارسة الرياضة كلّ يوم أو منع نفسي من تناول الأطعمة غير الصحيّة فقط؛ فيجب أن أكون متواجدة طوال اليوم ومبتهجة ومنسجمة مع جسدي وأن أكون نشيطة وأستمتع بأي أنشطة بدنيّة. كلّ ذلك يذكّرني بالكنز الذي ائتمنني الله عليه، ألا وهو جسدي. وهذا ما يدفعني إلى تناول الطعام الصحيّ والحفاظ على التوازن. فأنا أحبّ جسدي".

إصغي أكثر إلى صوتك الباطنيّ وأسكتي كلّ الأصوات الأخرى
كيف يمكن لليوغا أن تساعد النساء في الوعي الذاتي؟ تشرح لنا معلّمة اليوغا قائلة: "يجب أن تصغي النساء أكثر إلى أصواتهنّ الباطنيّة وأن يسكتنَ كلّ الأصوات الأخرى. يجب أن يؤمنّ بأنّهنّ يستطعنَ خوض أي تجربة والخروج منها مع إنجازات وبسعادة، بغضّ النظر عن مدى صعوبة الوضع أو كم هو مخيف أو مستحيل. وأحبّ أن أكرّر العبارات والتشجيع يومياً، مثل "أنتِ قويّة وناجحة وكافية."
وتشجّع الطبيبة كلّ النساء على تخصيص بعض الوقت لممارسة الهوايات واستثمار الوقت في الأنشطة البدنية. وتقول: " تتربّع اليوغا على رأس تلك الأنشطة بسبب طبيعتها الروحيّة. إنها تدفعنا إلى تقدير أنفسنا واحترام حدود أجسادنا وتخفّف من محادثات الجسد والعقل وتعزّزها باللطف والحبّ والاحترام. كما تفتح اليوغا أعيننا وعقولنا على جمال اختلافاتنا. وهي تساهم في تقوية أجسامنا أيضاً، وهذا بدوره يزيد من تقديرنا لذاتنا ويقلّل من اعتمادنا على الآخرين.

الإقرار يخلق الوعي
تشرح لنا الطبيبة السعوديّة أنّ الشفاء لا يمكن أن يحدث إلّا عندما نعترف بالجرح ... فتقول: "نحن نتقبّله مع كلّ الأفكار السلبيّة حول حياتنا والمكان الذي نتواجد فيه. ولماذا الإقرار والتقبّل شرطان مسبقان للشفاء؟ لأنّه عندئذٍ فقط، سيفهم نظامنا العصبيّ ما يحدث له. فالإقرار يخلق الوعي؛ وهذا يعلّمنا فهم وإدارة ردود أفعالنا تجاه الألم، ويسمح لنا أن نتعامل معه بأقلّ قدر من الأذى الجسديّ والعاطفيّ تجاه أنفسنا. وتذكّرنا هذه اللحظات بأنّ ما من شيء دائم، حتّى الألم."
ولماذا من المهمّ لنا أن نتواصل مع الأرض في خلال هذه العمليّة؟ تؤمن مدرّبة اليوغا بقول Henry David Thoreau أنّ "هناك مغناطيسيّة خفيّة في الطبيعة، إذا استسلمنا لها دون وعي، ستوجّهنا إلى الحقّ". وتوضح لنا قائلة: "نقضي الكثير من الوقت في الداخل: جالسين على الأريكة أو نشاهد التلفزيون أو نستخدم الهواتف أو وراء مكتب في العمل. هذا يثقل كاهل عقولنا، فنحن نقوم بأنشطتنا اليوميّة من دون أي حضور فعليّ. ومن أجل التواصل مع الأرض، لا بدّ من العودة إلى الحالة الأصليّة: الصفاء والوضوح والحضور الذهنيّ. يعاني جميعنا لإيجاد هذا الهدوء، بمن فيهم أنا، ولكنّ إعادة الاتّصال بالأرض من خلال التأمّل في الهواء الطلق وتحت السماء أو المشي حفاة الأقدام على الرمل أو البستنة أو القيام ببعض وضعيات اليوغا أو حتى فتح نافذة والتنفس بانتباه يمكن أن يعزّز هذا الرابط".
في الختام ، طلبنا من الطبيبة أن تشاركنا بعض الممارسات التي يمكننا القيام بها والتي من شأنها أن تساعدنا في تحسين صحّتنا العقليّة عندما نواجه مواقف خارجة عن سيطرتنا. وتؤكّد لنا الآتي: "عندما تواجهين أحداثاً خارجة عن سيطرتك، ذكّري نفسك بالتنفّس. سيساعدك هذا على التحكّم بردود أفعالك. كلّ ما عليك فعله هو التنفّس عن طريق الأنف، وحبس أنفاسك لمدة ثانيتين ثم الزفير ببطء، وتكرار ذلك لاحقاً. سيبدأ قلبك في الخفق بشكل أبطأ وسيبدأ غضبك وتوتّرك في التلاشي. طريقة أخرى أحبّها شخصياً هي تدوين كلّ شيء؛ فأفضي بمكنونات قلبي على الورق، وأقوم لاحقاً بحرقها أو تمزيقها، وهذا سيؤدّي إلى إفراغ "كوبي". فتخيّلي "الكوب" الفارغ يساعدني على رؤية مساحة مليئة بالمغامرات الجديدة والتجارب السعيدة. وأخيراً، نذكّر أنفسنا بأنّنا فعلنا كلّ ما يمكننا فعله للاستمرار".

Aiisha Ramadan: ليتمتّع الشخص بصحّة جيدة، يجب أن يتجذّر والتواصل مع الطبيعة الأمّ يساعدنا على ذلك 

بدأت عايشة رمضان حياتها المهنية كمصمّمة أزياء، لكنّها انتقلت إلى عالم تطوير الذات والعلاج من أجل تحقيق مهمّتها الحقيقيّة في الحياة. واليوم، هي مدرّبة وعي ومعالجة معتمَدة متخصّصة بالألعاب السيكولوجيّة واكتشاف الشغف وتقدّم أساليب علاجيّة متعدّدة من خلال جلسات فرديّة بالإضافة إلى جلسات علاج ودورات جماعيّة. 

تشارك كل واحدة منّا نورها بطريقة مختلفة
تواجه النساء في أغلب الأحيان المعتقدات المقيِّدة ومشاعر الذنب وغيرها من المشاعر السلبية التي تمنعهنّ من إطلاق العنان لإمكاناتهنّ الكاملة. سألنا المعالجة المعتمدة عن أفضل طريقة لتفهم النساء أنفسهنّ وجراحهنّ؟ فتجيبنا: "يشعر كلٌّ من الرجال والنساء بالذنب. لكن طوال سنوات، كانت النساء تحت سيطرة الطاقة الذكورية الموجودة لدى الرجال. والمشكلة هي أنّنا لا نحبّ أنفسنا بالفعل، وبالتالي لا نقبل أنفسنا كما نحن. لذا من أجل أن تتوقّف المرأة عن الشعور بالذنب، يجب أن تتقبّل أنّها بشر وأنّها تختبر وتكتشف نفسها، ويجب أن تعترف بالمعايير العالية التي تواجهها. إنّما ولسوء الحظّ، تتبنّى النساء في معظم الأحيان معايير الكمال المثاليّة التي لا يمكن لأحد أن يصل إليها. بالإضافة إلى ذلك، عندما تحدّد المرأة قيَمها، لن يكون هناك المزيد من الشعور بالذنب. حيث تخدم كلّ واحدة منّا غرضاً مختلفاً وتسير في طريق مختلف. كما تشارك كلّ واحدة منّا نورها بطريقة مختلفة. الطاقة الأنثويّة لها دور كبير في تنوير العالم. ونحن نملك قوّة هائلة لمجرّد أنّنا نساء. وعلى المرأة أن تعي أنّها قوّة الحياة على هذه الأرض لكن يجب أن تفهم هذه الطاقة."

أنا أسمعك وأراك وأتقبّلك
بالنسبة إلى عايشة، لا توجد عمليّة واحدة موحّدة للشفاء، لكن يجب أن نبدأ بالاعتراف بالألم الذي نحاول إخفاءه أو الذي ننكر وجوده في الأساس. وتشرح لنا قائلة: "بمجرّد أن نتصالح مع ذاتنا ونبدأ بالنظر إلى ظلالنا وآلامنا، هكذا تبدأ عمليّة الشفاء. تشكّل كتابة اليوميّات أداة رائعة لعمليّة الشفاء، وكذلك التحدّث إلى الأصدقاء أو المعالج حول هذا الألم، فتقولين للألم "أنا أسمعك وأراك وأتقبّلك". وتختلف طريقة الشفاء بحسب كلّ شخص وكلّ حالة. ويعتمد الأمر أيضاً على نظام معتقدات الشخص". لماذا من المهمّ أن نتواصل مع الأرض في هذه العمليّة؟ "الطبيعة الأمّ لها قوّة شفاء هائلة ونحن نراها بأدوية الأعشاب والبلوّرات وأمور أخرى. فتبعث الأرض طاقة سلسلة جداً، وعندما نتواصل مع الطبيعة الأمّ، نتجذّر مثل الشجرة وينتابنا شعور بالانتماء والأمان. هذا هو أساس أي عقليّة صحيّة. لكي يتمتّع الشخص بصحّة جيدة، يجب أن يتجذّر، وهذه شاكرا الجذر: فأشعر بالأمان لو مهما حدث معي، والتواصل مع الطبيعة الأمّ يجعلنا نتجذّر. وسيأتي الباقي تلقائياً". وتختم عايشة: "مشاكلنا الأساسيّة هي أنّنا لسنا ممتنّين ولا نرى نعمة الله علينا، ونشعر دائماً أنّ هناك ما ينقص في حياتنا. يجب أن نسأل أنفسنا "ما هو الدرس الذي أتعلّمه من هذا الموقف؟". هناك حتماً أمور خارجة عن السيطرة لكنّ قوانين الكون تخبرنا أنّ الكون هو طاحنتنا، فما الذي كنت أزرعه؟ وأفكّر فيه؟ وأفعله؟ وكيف أحكم على عالمي أو أصنّفه؟ كما هناك أيضاً، مفكّرة الامتنان الموجودة على حسابي الخاص على إنستغرام، ويجب رفع ذبذباتنا من خلال ممارسة التمارين حتى نجذب المزيد من الأحداث الجميلة. وللحفاظ على تلك الذبذبات العالية، يجب أن نقوم بالتأمّل والصلاة لتقييم ما يجري والتفكير فيه. فأريد أن أكون مسيطرة على أفكاري وليس على العالم". وتختم: "كلّ ما يمكنني فعله هو التحكّم في طريقة رؤيتي للعالم. إذا غيّرنا منظورنا وطريقة رؤيتنا، فسنرى الأمور مثل السحر".

Yasmine Shuhaiber: لا شيء أسهل من التواصل مع الأرض من خلال "التجذّر" 

تدرّب ياسمين زبائنها عبر استخدام مخطّط Bazi وهو فنّ ميتافيزيقي صينيّ قديم كان يستخدمه الأباطرة في الصين ويعني أركان القدر الأربعة، استناداً إلى عيد ميلاد الشخص الكامل وساعة ميلاده. هي تستخدمه كأداة لتمكين زبائنها من خلال مساعدتهم على فهم أنفسهم بشكل أفضل وطريقة عملهم وما يدفعهم وكيف ينظرون إلى دورهم في الحياة والحبّ والزواج والمهنة والعمل الذي يناسبهم والمجالات التي يجب أن يعملوا على تقويتها لتحقيق أي هدف لديهم لأنفسهم حتى يتمكّنوا من الخروج من وضع القيادة الآليّة لحياتهم.

فهم السرّ الحقيقي وراء قانون الجاذبيّة
إنّ مفهوم التمتّع بصحة جيّدة بالنسبة إلى ياسمين هو الآتي: "القدرة على تنظيم عواطفنا ذاتياً، وإدراك أنّنا نتمتّع بالخيار في ما يتعلّق بما يحدث لنا بغضّ النظر عمّا يحدث من حولنا، وبغض النظر عن الصدمة التي قد نعانيها". ولهذا السبب هي تؤمن بأنّ الجانب الروحيّ مهمّ على مستويات كثيرة لكنّ أحد أكثر الجوانب الروحيّة التي يتمّ الاستخفاف به هو الطريقة التي تساعدنا للتمتّع بصحّة جيّدة. وكلّما مارسنا هذا الوعي، كلّما تمكّنا من التمتّع بصحّة جيّدة والتحرّر من أي عقدة قد فرضها علينا العالم. وتؤكّد لنا أنّ إحدى الطرق لتحقيق ذلك هي نوع من التأمّل الذي يُسمّى "المواءمة بين القلب والدماغ". وتوضح قائلة: "إنّ السرّ وراء إظهار ما نتمنّاه هو أن نفهم فعلاً السرّ الحقيقي وراء قانون الجاذبيّة، وهذا هو الشعور…. الشعور بالغنى أو بالحبّ أو بالصحّة".
التأمّل الذي تعلّمه ياسمين هو وسيلة لمواءمة القلب والدماغ فيكونا متناسقين، وللسماح لنا بالاعتياد على أن نسأل ما نريده بدلاً من الشكوى ممّا ينقصنا. تقدّم تقنيّة مواءمة الدماغ والقلب الكثير من الفوائد التي تضمّ السماح لجسمنا بمعالجة نفسه وتحسين علاقاتنا مع عائلاتنا وأصدقائنا وأحبائنا والسماح لنا بالاستفادة من حدسنا. وهناك دراسة جديدة تظهر أنّ التأمّل يزيد معدّل الذكاء بنسبة 23٪. وأخيراً، من بين الخصائص المفضّلة لديّ هي أنّ التأمّل هو أفضل وسيلة لمكافحة الشيخوخة."

الإعراب عن الامتنان
وعن علاقة مسيرتنا العلاجيّة بالأرض، تقول شبير: "الأرض هي أمّنا التي تعطي من دون مقابل، لكنّني أؤمن أنّنا عندما نعرب عن امتناننا، وعندما ننظر باندهاش ورهبة إلى الجمال من حولنا، إلى السماء وبتلات الأزهار وحتّى إلى أجسادنا التي تضمّ 15 إلى 100 تريليون خلية، ونعرب عن امتناننا لكلّ ذلك، لن يكون تردّد ذبذباتنا أعلى فحسب، بل سنتمكّن أيضاً من المساهمة في رفع وتيرة تردّدات العالم بأسره. وكلّما ازدادت ذبذباتنا، كلّما زاد السلام الداخلي والسعادة والصحّة التي سنختبرها". وتضيف: "لا شيء أسهل من التواصل مع الأرض، وهناك تقنية "التجذّر" العلاجية أي ببساطة المشي حفاة الأقدام على العشب أو الرمل أو انتعال نعل جلديّ أو الجلوس أو الاستلقاء على الأرض، فهكذا نسمح لطاقة الأرض (الإلكترونات) أن تعالجنا وتهدّئنا على مستويات كثيرة. وقد صرّح الكثير من الناس عن انخفاض نسبة القلق والأوجاع الالتهابية المزمنة لديهم. حتّى أنّ بعض الأمّهات أفدنَ أنّ أطفالهنّ الذين يعانون المغص شعروا بتحسّن بعد أن وضعنهنّ على الأرض أكثر".
وللاختتام بفكرة إيجابيّة حول موضوع الشفاء، تخبرنا ياسمين: "الشفاء هو تغيير نمط الحياة. إنّه التغيير والتخلّي عن أنفسنا ومعتقداتنا وعاداتنا المقيِّدة التي تمنعنا من عيش حياة كاملة، لاختيار نمط يسمح لنا بالحصول على كلّ ما نريده. وقد يستغرق الأمر العمر بأكمله، لكن فيما نتحسّن، نصبح أكثر لطفاً وتعاطفاً تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين ." 

Haya Al Doserri: كلّ فرد منّا يمكن أن يصبح سفيراً للأرض ومحبّاً لها 

هيا الدوسري اخصائيّة بيئيّة ومدرّبة تغذية نباتيّة شغوفة. عملت في القطاع الخاص والعام في الإمارات والبحرين كأخصائيّة ومهندسة بيئيّة. وهي تعمل على نشر الوعي البيئي بين فئات المجتمع وتتناول أيضاً أهميّة التغذية النباتية للصحة ولحماية البيئة. في العام 2020 بدأت البودكاست الأخضر وهو البودكاست العربي الأوّل والوحيد الذي يناقش قضايا بيئيّة معاصرة مثل الأزياء المستدامة والتعليم البيئي وغيرها. كما تقدّم دورات الحياة المستدامة والاستشارات البيئية والغذائية للأفراد والشركات من خلال مؤسّستها المتخصّصة.
توطيد العلاقة مع الأرض
"يقول المثل العربي: البعيد عن العين..بعيد عن القلب. وهذا المثل ينطبق تماماً على علاقتنا بالأرض"، تؤكّد الأخصائيّة البيئيّة متسائلة: "كيف لنا أن نحميها ونحبّها ونحن بعيدون عنها ولا نرى منها سوى الغبار والهواء الملوّث الأصفر والبحار الغارقة بالبلاستيك؟" وتشرح أنّ اتّصالنا بالطبيعة يخدمنا نحن أولّاً وأخيراً حيث أنّ تفاعل الإنسان مع البيئة الخارجيّة يخفّف التوتر لديه ويطلق هرمونات السعادة والارتياح. وتضيف: "كيف لا وهذا هو المكان الطبيعي للإنسان؟" 
كيف يمكن لما نتناوله من طعام أن يساعدنا في الحفاظ على صحّة الأرض؟ تؤكّد مدرّبة الغذاء: "تعني التغذية المستدامة أوّلاً أن يكون الأثر البيئي للتغذية أقلّ ما يمكن وأقرب ما يمكن للطبيعة. وهذا يعني أنّ الغذاء المحلي أفضل من ذلك المستورد لأنّه لا يتطلب الشحن وحرق الوقود الأحفوري. والغذاء العضوي أفضل من العادي لأنّه لا يتطلّب رشّ المبيدات السامّة. والغذاء الطبيعي كالخضار أفصل من المعلّب كالمشروبات الغازية لأنّه لا يحتاج أنواعاً كثيرة من التغليف البلاستيكي المعقّد. والغذاء الموسمي أفضل من غير الموسمي لأنّه لا يحتاج الكثير من الأسمدة الكيميائيّة لتحفيز نموّه. والغذاء النباتي أفضل من الحيواني لأنّه أقل استهلاكاً للمياه في الزراعة. والحيوانات التي تعيش في مزارع عضوية بسيطة أفضل من تلك التي تعيش في مصانع مكدّسة وقذرة لأن الأولى لا يتم حقنها بالمضادّات الحيوية والهرمونات التي تلوّث المياه". وتضيف: "باختصار كلّما كانت تغذيتنا أقرب لتغذية الأجداد كان ذلك أفضل. فالتغذية المستدامة مفيدة للبيئة والإنسان". 
تأثير علاقتنا بالطبيعة بصحّتنا النفسيّة   
وماذا عن تأثير علاقتنا بالأرض بصحّتنا النفسيّة؟ تجيب الدوسري: "فطرة الإنسان الطبيعيّة هي الحركة والمشي خصوصاً تحت أشعة الشمس. حياتنا المدنيّة أبعدتنا كثيراً عن البيئة الطبيعيّة التي تتناسب مع تكويننا البيولوجي." وتضيف: "تحريك الجسد وتعريضه للشمس ينظّم هرموناته وجميع عمليّات الأيض بشكل طبيعي وفعّال ممّا ينعكس على كيمياء الدماغ ومزاج الإنسان ونفسيّته بشكل ايجابي. كما أنّ استهلاك الغذاء الطبيعي المليء بالألياف من شأنه أن يغذّي البكتيريا النافعة في الأمعاء." وتنصح: "باختصار أخرجي للمشي يومياً لمدّة نصف أو ربع ساعة واستهلكي كميّة أكبر من الخضار والفواكه والبقوليّات وقلّلي الأغذية المصنعّة كالسكر والمقليّات وغيرها ومارسي الرياضة في النادي ٣ مرّات في الأسبوع وشاهدي بنفسك النتائج الإيجابيّة على صحّتك النفسية والجسدية".وفي الختام تشاركنا هذه الرسالة بمناسبة يوم الأرض: "رسالتي هي أن نتذكّر أنّنا لم نرث هذه الأرض من أجدادنا بل نستعيرها من أطفالنا. لذلك تترتّب علينا مسؤوليّة كبيرة وهي الحفاظ على البيئة وحمايتها من التدمير والتلوّث. ولا أعني بذلك التركيز على المصانع فقط بل أعني أنّ كلّ شخص مؤثّر من خلال سلوكيّاته اليومية لأنّ كلّ سلوك نقوم به هو اختيار قد يكون في صالح البيئة أو ضدّها ولصالح خلق عالم أفضل لنا ولجميع الكائنات ولأجيال المستقبل من بعدنا. والأهمّ من كلّ ذلك هو التثقّف والقراءة والاطّلاع على مواضيع البيئة ليصبح كلّ فرد منّا سفيراً للأرض ومحبّاً لها". 


 

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث