دور الحواس الخمس في الصحة النفسية

حصة علوم للبالغين

من أهمّ وأول الدروس التي درسناها في مادة العلوم في صغرنا درس الحواس الخمس. فنحن نعلم أنّ الحواس—البصر، السمع، التذوق، الشم، واللمس— لها دور أساسي في إدراكنا وتواصلنا مع العالم الخارجي، والذي أصبح يتسارع يوماً بعد يوم وتملؤه المشتّتات والصخب. ولكن هل ندرك الدور المحوري الذي تلعبه حواسنا الخمس كجسور متينة تربطنا بصحتنا النفسية وتؤثر بشكل مباشر على الهرمونات التي تفرز في أجسامنا؟

الإعداد: Maha Taibah

مها خالد طيبة، مستشارة في الاستراتيجيّة والقيادة وجودة الحياة ومؤسسة شركة "رُمَّان"

فلنبدأ بحاسة البصر، وهي حاستنا الأساسية، تتيح لنا رؤية العالم بألوانه الجميلة وتفاصيله الدقيقة، وهي المنفذ الرئيس للضوء. فالتعرّض للضوء الطبيعي ولو لدقائق يؤثر تأثيراً كبيراً على مزاجنا، حيث يزيد من مستويات السيروتونين في الدم، وهو الناقل العصبي المرتبط بالشعور بالسعادة. وعلى النقيض تماماً، يمكن أن يؤدي التعرّض المطول للضوء الصناعي (الضوء الأزرق)، المنبعث من الشاشات الرقمية، إلى اضطراب دورة النوم البيولوجية، وتثبيط إنتاج الميلاتونين، الهرمون الذي ينظم النوم، ممّا يؤدي إلى الأرق والقلق ومشكلات نفسية لاحقة، فينصح بتجنّبه على الأقلّ ساعة قبل النوم.

وحاسة السمع تربطنا بالعالم عبر الأصوات، مما يتيح لنا التواصل، والاستمتاع بالموسيقى، والبقاء على وعي بمحيطنا. حيث أظهرت الأبحاث أنّنا إذا استمعنا لما يروق لنا من أصوات سواءً كانت من الطبيعة كصوت الموج أو العصافير أو سماع القرآن الكريم، على سبيل المثال، تخفض من نبضات القلب وبالتالي تقلل من التوتر والقلق وتزيد من شعور الطمأنينة والسكون. بالمقابل، التعرّض المستمر لمستويات عالية من الضوضاء بشكل مستمرّ يرفع مستويات الكورتيزول، هرمون التوتر الرئيس في الجسم، ممّا يساهم في مشكلات صحية متنوّعة مثل القلق والاكتئاب، وأمراض القلب، وزيادة الوزن، وغيرها.

وأمّا عن الحاستين المترابطتين، حاستا التذوق والشم فارتباطهما وثيق وتضفيان على حياتنا لمسة من المتعة، فالتلذذ بالطعام يأتي من تناغم وترابط هاتين الحاستين. وتبعاً لأبحاث الدماغ الأخيرة والتي تشير إلى أنّ حاسة الشم من أقوى الحواس التي تثير المشاعر وتستطيع اسرجاع ذكريات قويّة بحكم أنّ منطقة الشم في الدماغ تقع بجانب المنطقة المسؤولة عن معالجة المشاعر يمكن أن تثير الروائح مشاعر قوية وذكريات واضحة، لذا أنصحك إذا كنت تمرّ بفترة صعبة في حياتك أن تتجنّب عطرك المحبّب.

إقرئي أيضاً: 6 قواعد أساسيّة لعلاقة سليمة مع الآخرين

أخيراً يبقى أكبر عضو في أجسامنا، الجلد، والذي يلعب دوراً حيوياً في صحتنا النفسية من خلال حاسة اللمس. فمستقبلات اللمس في الجلد تستشعر الضغط ودرجة الحرارة والألم، وترسل إشارات إلى الدماغ عبر الجهاز العصبي لمعالجتها. وإنّ معظم الاتصال الجسدي الإيجابي مثل العناق -لمدة عشرون ثانية على الأقلّ- يفرز الأوكسيتوسن، المعروف ب"هرمون الحب"، الذي يعزّز مشاعر الثقة والترابط. ويمكن لهذا الهرمون أن يقلل من التوتر، ويخفض ضغط الدم، ويحسّن المزاج.

وبذلك فإنّ حواسنا الخمس تقدّم مجموعة غنيّة من التجارب التي تشكّل تصوّرنا عن الحياة وترتكز عليها مشاعرنا وتتشكل من خلالها كثيراً من جوانب صحتنا النفسية. فسواءً كنت تستمتع بوجبة لذيذة، أو تستمع إلى أغنيتك المفضّلة، أو تستمتع بدفء الشمس، تذكّر أنك في نفس الوقت تعتني بصحتك النفسية. فهذا درس مختصر في الحواس الخمس للبالغين، والذي قد يأتي متأخراً للبعض، ولكن نحن نؤمن بالتعلّم المستمر، أليس كذلك؟

إقرئي أيضاً: اهمية هرمونات السعادة الأربعة في حياتنا وأثرها على جودة الحياة

العلامات: الصحة النفسية

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث