لا يمكننا أن نصنع الوقت، ولكن يمكننا أن نصنع الساعات التي تُعلمنا بالوقت... ولكن هل نستخدم الساعات فعلاً للإطلاع على الوقت؟ في حقبةٍ سابقة، كانت الساعات قطع نادرة تتزيّن بها فئات محدّدة من المجتمع قبل أن تصبح متاحة للجميع. أمّا اليوم، في عصرنا الإلكتروني، فقد بات هناك اتّجاهان. الأوّل يعتبر الساعات كإكسسوار فخم أو كقطعة مجوهرات، وفي هذه الحالة، قليل ما نعتمدها للاطّلاع على الوقت ويكون الهدف منها التعبير عن ذوقنا وإكمال إطلالاتنا. أمّا الاتّجاه الثاني، فيتعلّق بالساعات الذكية التي تقدّم لنا خدمات لا تُعَدّ ولا تحصى، فننسى في بعض الأحيان أنّها في الأساس وحدة لقياس الزمن... و بغض النظر عن تفضيلنا لاي اتجاه، إلاّ أنّ الثابت الوحيد يبقى أنّ عالم صناعة الساعات الفاخرة يتطلّب إتقان حرفيّ كبير ومهارات ودقة يدويّة عالية!
Dr. Rebecca Struthers من تصوير Amin Musa
يشتهر عالم صناعة الساعات بمصمّمين ومصمّمات عدّة يبهروننا بابتكاراتهم الفريدة ساعاتهم الأيقونيّة التي تعتمد أنماطاً ومواضيعاً مختلفة يستوحون منها. وإن كان المصمّمين الرجال يحظون بشهرةٍ أكبر في هذا العالم، إلاّ أنّ هناك نساء برزن فيه أيضاً! من الدكتورة Rebecca Struthers إلى Danièla Dufour التي شقّت طريقها ومشت على خطى والدها Philippe Dufour بنجاح مروراً بمديرة قسم آليات الساعات لدى علامة TAG Heuer Carole Kasapi Forestier التي كانت تستمتع بتفكيك الساعات في مشغل والدها منذ نعومة أظافرها وFiona Krüger مؤسِّسة العلامة التي تحمل اسمها وصولاً إلى Eva Leube التي تصنع ساعات متخصّصة. أسماء عدّة, على سبيل المثال لا الحصر, تدلّ على تألّق النساء في هذا المجال.
من تصوير Amin Musa
صانعة الساعات الأولى في بريطانيا، الحاصلة على درجة الدكتوراه في مجال صناعة الساعات
وفي هذا الإطار, سعدنا بمحاورة الدكتورة Rebecca Struthers, التي أدركت منذ اللحظة التي وطأت فيها قدماها مشغل لصناعة الساعات أنّه لا يوجد شيء آخر تريد فعله في حياتها! فبعد أن اكتشفت صناعة الساعات بالصدفة, أصبحت صانعة الساعات الأولى في بريطانيا الحاصلة على درجة الدكتوراه في مجال صناعة الساعات. وبدأت مهنتها بترميم الساعات ثم شرعت بعد ذلك في صناعتها أيضاً. يا لها من قصة رائعة لإمرأة عصاميّة! فما الذي دفعها لاختيار هذا المسار والعثور على شغفها في هذا المجال؟
من تصوير Amin Musa
تقول لنا الدكتورة Struthers: "لطالما تمتّعتُ بشغف بالعلوم والفنون، وبحثتُ طويلاً عن مجال يدمج بينهما. كان اكتشافي لصناعة الساعات بمثابة لحظة فارقة تتلاقى فيها جميع العناصر بشكل مثاليّ. فبات بإمكاني أن أكون مصمّمة وفنّانة ومهندسة ومؤرّخة في الوقت نفسه." وتضيف قائلة: "إنّها تضعني أمام تحدٍّ جديد كلّ يوم، فمنذ اللحظة التي وطأت فيها قدماي مشغل لصناعة الساعات للمرّة الأولى، أدركتُ أنّه لا يوجد شيء آخر أريد فعله في حياتي!"
ولو تخيّلت ساعة تمثّل شخصيّتها، فكيف ستبدو؟ تؤكّد لنا: "أحبّ تصاميم ساعات مطلع القرن السابع عشر مثل الأسد الصغير في الصورة.
إنها انتقائيّة وغير مثاليّة، لكنّني أجدها رائعة تماماً. تُسمّى هذه الساعات بـForm Watches لأنّها مصنوعة على شكل أشياء أخرى مثل نجمة أو كتاب أو رمز معيّن أو حيوان. وأنا أحبّ الحيوانات، لذا ربما ستكون الساعة التي أختارها لتمثّلني على شكل أرنب أو كلب".
Image courtesy : Ashmolean Museum, University of Oxford
أصبحت الساعات اليوم من الرفاهيات مجدداً
كيف ترى الدكتورة Struthers تطوّر تصاميم الساعات عبر العصور، وما هو مفهوم القطعة الخالدة في عصر الذكاء الاصطناعي بالنسبة إليها؟ تخبرنا قائلة: "في البداية، عندما تمّ ابتكار الساعات، كانت قطع استثنائية نادرة وقيّمة جداً، وليست متاحة إلّا لأغنى أفراد المجتمع. وعلى مدار مئات السنين، مع التطوّر سواء في التكنولوجيا أو المواد، أصبحت الساعات أرخص سعراً ومتاحة للجميع. أمّا اليوم، فيمكن لمعظمنا معرفة الوقت من أجهزتنا الرقمية، وبالتالي أصبحت الساعات من الرفاهيات مجدداً. وأجد ذلك مثيراً للاهتمام حقاً. وأعتقد أنّ هذا يدفع إلى المزيد من الابتكار في صناعة الساعات. فإنّ تحرّر صانعي الساعات من الجانب العمليّ يسمح لهم بتجاوز المزيد من الحدود ورفع مستوى حرفتهم".
وقد ألّفت الدكتورة Struthers كتاباً فريداً من نوعه بعنوان " Hands of Time" الذي سيصدر بنسخة عربية عن مؤسسة هنداوي في سبتمبر 2024. فنسألها في الختام عمّا تعلّمنا عن الوقت في هذا الكتاب؟ وتقول: "كتاب "Hands of Time " هو تاريخ الوقت الذي يُروى من خلال بعض الأدوات المبتكرة التي اخترعناها لقياسه. آمل أن يعلّمنا الكتاب مدى ابتكار البشر الفطري وفضولهم، وكيف كنّا نسعى جاهدين لزيادة معرفتنا بالعالم والكون من حولنا طوال وجودنا. كما أحاول أيضاً أن أتطرّق إلى علاقتنا بالوقت وتطوّرها على مرّ القرون لإيجاد طريقة أفضل لإدارته".
إقرئي أيضاً: 5 خطوات لادارة طاقتنا واولوياتنا