لنبني مستقبل أكثر شمولا وإنصافا للنساء في الرياضة

هل تعلمين أنّ النساء شاركن للمرّة الأولى في الألعاب الأولمبيّة عام 1900؟ وبالرغم من هذه المشاركة وتميّزهنّ في عدد لا يُحصى من الرياضات، لا زلنَ وللأسف يتعرّضنَ لتعليقات مجحفة وصور نمطيّة مؤذية ذات طابع جندريّ. وفيما يجتمع العالم بأسره هذا الصيف في باريس في إطار فعاليّات الألعاب الأولمبيّة، انتهزنا الفرصة للخوض في موضوع الصور النمطيّة السلبيّة التي تتعرّض لها النساء الرياضيات حول العالم. وذلك في إطار سعينا المستمرّ من خلال المحتوى الذي نقدّمه لتحدّي الصور النمطيّة السلبيّة. والتزامنا كمجلّة ماري كلير العربيّة عبر كون شركة Mediaquest الناشرة لمجلّتنا أولى المؤسّسات الإعلاميّة في العالم العربي التي تنضمّ إلى مبادرة Unstereotype Alliance الإمارات التي تقودها هيئة الأمم المتّحدة للمرأة ليس إلاّ تأكيد على استراتيجيّتنا الرامية لاستعمال منبرنا كوسيلة لإرساء تمثيل عادل لكلّ من الجنسين ومواجهة التحيّز والصور النمطيّة الجندريّة. ونذكّر أنّ هذه المبادرة تجمع قادة من مجالات متعدّدة، سواء من الإعلانات أو من صانعي القرار أو المبدعين، بهدف وضع حدّ للصور النمطيّة المؤذية في مجال الإعلانات والمساعدة في بناء عالم خالٍ من الصور النمطيّة وتمكين الأفراد بكل تنوّعهم.  فنحن نؤمن بالدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام والتسويق في التوعية والتثقيف ضدّ الصور النمطيّة السلبيّةً. وفي هذا الإطار نشاركك بعض الحقائق والأرقام العالميّة حول النساء والفتيات في الرياضة، قبل أن نستعرض معك حديثنا الشيّق مع سعادة الدكتورة موزة الشحي التي تقوم بإدارة مكتب اتّصال هيئة الأمم المتّحدة للمرأة لدول مجلس التعاون الخليجي وبقيادة عمل الهيئة والإشراف عليها.

  1. حقائق وأرقام حول مشاركة النساء والفتيات في الرياضة:
  • بحلول سنّ الرابعة عشرة، تتوقّف الفتيات عن ممارسة الرياضة بمعدّل يزيد مرّتين عن الفتيان، وذلك بسبب عدد من العوامل، مثل التوقّعات الاجتماعية وقلّة الاستثمار في البرامج عالية الجودة، وغير ذلك. لكنّنا نعلم أنّ المشاركة في الرياضة تُعدّ عامل تمكين كبير لتعليم الفتيات المهارات التي يحتجنها للتقدّم في الحياة. فالفتيات اللواتي يمارسنَ الرياضة يكتسبنَ الثقة بالنفس والمرونة ويتعلّمنَ العمل ضمن فريق. كما يمِلنَ إلى البقاء في المدرسة لفترة أطول، وتأخير الحمل والحصول على وظائف أفضل. وقد رأينا بشكل مباشر فتيات يصبحنَ صانعات تغيير متمكّنات في عائلاتهنّ ومجتمعاتهنّ - وفي بعض الأحيان أيضاً على الساحة العالمية.

إقرئي أيضاً: يداً بيد مع الأمم المتّحدة في مسيرتنا الدائمة لتمكين المرأة

  1. حقائق وأرقام حول عدم المساواة في الرواتب والجوائز:
  • أظهر استبيان لرواتب الرياضيّين على مستوى العالم أجرته شركة Sporting Intelligence عام 2017 أنّ النساء من بين نخبة الرياضيّين، يكسبن معدّل 1٪ فقط ممّا يكسبه الرياضيّون الرجال.
  • في العام 2023، منحت بطولة كأس العالم للسيدات 150 مليون دولار كجوائز، بزيادة قدرها 300٪ عن عام 2019 – لكن لا يزال هذا المبلغ يمثّل حوالي ثلث المبلغ الذي حصل عليه الرجال والبالغ 440 مليون دولار في بطولة كأس العالم قطر عام 2022.
  1. حقائق وأرقام حول العنف ضد المرأة في الرياضة:
  • تواجه النساء والفتيات في القطاع الرياضي العنف في أدوار مختلفة، سواء كنّ رياضيات، أو مدرّبات، أو صحفيات، أو معالجات، أو مشجّعات أو من الحكّام. لقد تعرّضت 21٪ من الرياضيات المحترفات لاعتداءات مرّة واحدة على الأقل في مرحلة الطفولة أثناء ممارسة الرياضة، مقارنة بـ11٪ من الرياضيين الذكور.
  • علاوة على ذلك، على الصعيد العالمي، تستهدف المنشورات المسيئة عبر الإنترنت الرياضيات بشكل غير متناسب.
  • وجدت دراسة أجراها الاتّحاد الدولي لألعاب القوى العالميّة أن 85٪ من الإساءات عبر الإنترنت التي حدثت قبل دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو وخلالها استهدفت النساء - حيث تعرّضت رياضيتان لأكبر قدر من الإساءة - إلى جانب العنصرية المروّعة.

إقرئي أيضاً: عالم يخلو من الصور النمطية نصنعه سوياً

وبعد استعراض هذه الحقائق العالميّة، نتحدّث إلى سعادة الدكتورة موزة الشحي التي تتمتّع بأكثر من 20 عاماً من الخبرة في مجالات متنوّعة بما فيها المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة وجدول أعمال المرأة والسلام والأمن والطبّ الرياضي في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة. كما أنّ سعادتها تدير مكتب اتّصال هيئة الأمم المتّحدة للمرأة لدول مجلس التعاون الخليجي وتقود عمل الهيئة وتشرف عليها.

من خلال خبرتها في الطب الرياضي، هل تجد سعادة الدكتورة موزة الشحي أنّ النساء الرياضيات معرّضات لإصابات أو وعكات صحيّة مختلفة عن الرجال؟ تخبرنا: "بشكل عام، هناك بعض الاختلافات في أنماط الإصابة والمخاوف الصحيّة بين الرياضيين الذكور والإناث، ويرجع ذلك إلى حدّ كبير إلى الاختلافات الفسيولوجية والهرمونية. ومع ذلك، من المهمّ ملاحظة أنّ هذه الاختلافات لا تجعل بالضرورة أحد الجنسين أكثر عرضة للإصابات من الآخر، ولكنّها تسلّط الضوء على أهميّة الاعتبارات الخاصة بين الذكور والإناث في الطب الرياضي والتدريبات الرياضية". وتتابع: "من الضروري التعامل مع كلّ رياضي كفرد والنظر في نهج شامل للوقاية من الإصابات، بما في ذلك التدريب المناسب والتكييف والتغذية واستراتيجيات التعافي المصممة خصيصاً لتلبية الاحتياجات والخصائص المحددة لكل رياضي سواء كان ذكر أم أنثى".

فهل يحتاج جسد المرأة الرياضيّة إلى روتين خاص قبل المشاركة في تدريبات مكثّفة أو مسابقات؟ تجيبنا سعادة الدكتورة: "نعم، تستفيد المرأة الرياضية من روتين لتدريبات محدّدة قبل المشاركة في التدريبات أو المسابقات المكثفة." وتذكر سعادتها بعض الجوانب التي يجب مراعاتها مثل: "الإحماء والقيام بعمل تمارين معينة وغيرها مثل التروية والتغذية السليمة لتحقيق الأداء الرياضي الأمثل حيث إنّ المرأة الرياضية لها احتياجات غذائية مختلفة عن الرياضيين الذكور". وتؤكّد مديرة مكتب اتّصال هيئة الأمم المتّحدة للمرأة لدول مجلس التعاون الخليجي أنّ اللياقة البدنية تؤثّر على الصحة النفسية والعقلية للنساء بشكل إيجابي حيث إنّ الدراسات أثبتت أنّ ممارسة التمارين الرياضية بانتظام تقلّل من خطر الإصابة بالاكتئاب واضطرابات القلق لدى النساء. وتضيف سعادتها: "يحفّز النشاط البدني إفراز الإندورفين، وهي الناقلات العصبية التي تعزّز مشاعر السعادة والاسترخاء، مع تقليل مستويات هرمونات التوتر مثل الكورتيزول وتحسين النوم والشعور بالثقة".

"غالبا ما تواجه النساء في الرياضة صوراً نمطيّة سلبيّة وتحيّزات يمكن أن تعيق مشاركتهنّ والاعتراف بهنّ وفرصهنّ داخل المجتمع الرياضي"، تشدّد سعادة الدكتورة موزة الشحي. وتتضمّن بعض الصور النمطيّة السلبية الشائعة التي تواجهها النساء في عالم الرياضة برأي سعادتها: "الاعتقاد الراسخ بأنّ النساء أضعف جسدياً أو أقلّ قدرة على تحمّل متطلبات بعض الألعاب الرياضية". وذلك يؤدّي إلى قوالب نمطيّة مفادها أنّ الرياضات النسائية أقلّ تحديا ًبدنياً. أمّا عن الصور النمطيّة للمرأة في عالم الرياضة التي ترغب بمحوها أو تغييرها؟ فتجيبنا سعادتها: "قد تواجه بعض النساء ضغوطاً للتوافق في اختيارهنّ للرياضة، حيث ينظر إلى بعض أنواع الرياضة على أنّها أكثر "ملاءمة" أو "أنثوية" من غيرها. قد تواجه النساء اللواتي يشاركن في بعض أنواع الرياضة التي يهيمن عليها الذكور تقليدياً نقداً أو مقاومة من الآخرين".

ولكنّها تشير إلى أنّ الإعلام بدولة الإمارات العربية له دور بارز برفع الوعي بأهميّة رياضة المرأة ويعزّز مكانتها في المجتمع الرياضي. وتتابع عن الدور الذي يمكن أن يلعبه الإعلام في التخلّص من الصور النمطيّة السلبيّة ونقل تمثيلات واقعيّة للنساء الرياضيات، وتقول: " يجب على الإعلام أن يعمل على التغطية الإعلامية المستمرة للمباريات وللمسابقات والتدريبات للرياضة النسائية وأن يعزّز أهمية الرياضة النسائية بنقل المباريات نقل مباشر على الهواء والإعلان عن المباريات في كافة وسائل التواصل الاجتماعي واستضافة الرموز الرياضية من النساء ليكنّ قدوة لغيرهنّ". وتختم برسالة لتشجيع الفتيات على الانخراط في عالم الرياضة وتحدّي الصور النمطيّة، وتقول: "بشكل عامّ، يجب علينا أن نشجع الفتيات لممارسة النشاطات الرياضية المختلفة ويجب أن نخلق وسط يتاح فيه لكل فتاة الفرصة لاكتشاف إمكاناتها الرياضية، ومتابعة شغفها، والتقدمّ في الرياضة، خالية من الصور النمطية والحواجز والقيود. من خلال التعاون والدعوة والعمل الجماعي، أعتقد أنّه يمكننا بناء مستقبل أكثر شمولا وإنصافا للفتيات في الرياضة."

التقدّم ممكن ويحدث بالفعل!

لكلّ شخص منّا دور في إزالة هذه الصور النمطيّة، عبر تحديدها واتّخاذ قرار فعليّ بتحدّيها. وكذلك من خلال العمل على خلق عالم من المناصرين الفاعلين عبر الوقوف في وجه التمييز الذي نصادفه في المجتمع. وهكذا نساعد بشكل شخصي ببناء عام يخلو من الصور النمطيّة! وكما بدأنا تحقيقنا بالحقائق والأرقام، نختتم أيضاً مع الحقائق والأرقام التي تبيّن أنّ التقدّم في هذا الإطار يصبح حقيقة!

  • ستكون دورة الألعاب الأولمبية 2024 في باريس الأكثر مساواة بين الجنسين على الإطلاق. فللمرّة الأولى، ستكون هناك مشاركة متساوية بنسبة 50/50 بين الرجال والنساء، وسيُخصّص وقت متساوٍ للبث التلفزيوني خلال وقت الذروة لمنافسات الرجال والنساء، كما يوجد المزيد من الفعاليات النسائية والمختلطة، ممّا يوفّر المزيد من الفرص للنساء للفوز بالميداليات.
  • في اللجنة الأولمبية الدولية، تشغل النساء 50٪ من المناصب البالغ عددها 583 في اللجنة الأولمبية الدولية. وهذا يمثّل زيادة كبيرة في تمثيل المرأة منذ العام 2013، عندما كانت النساء يشغلنَ 20٪ فقط من المناصب في اللجان.

إقرئي أيضاً: واقع تمثيلات المرأة والرجل في الإعلانات التلفزيونيّة في الخليج العربي

 

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث