اكبر معرض للكتاب في العالم ... في الشارقة

فيما ينطلق اليوم معرض الشارقة للكتاب، نحاور خولة المجيني، مديرة التسويق والفعاليات في هيئة الشارقة للكتاب ومنسق عام معرض الشارقة الدولي للكتاب. فكما تؤكّد المجيني هذا المعرض هو أكبر معرض للكتاب في العالم، وهو ليس فعالية ثقافية للأدباء والناشرين والفنانين وحسب، إنما هو أوسع من ذلك بكثير. ففيه يتلقي الأدب والشعر والفكر مع التكنولوجيا، ومنصات التواصل الاجتماعي، ويشهد ورشاً في الفن، والرياضة، وتقام على أرضه معارض فنية، وعروضاً أدائية، ويستقطب نجوم سينما، وموسيقيين، وممثلين، ولاعبي كرة قدم، ومؤثرين من مختلف المجالات والقطاعات. لنتعرّف معاً إلى كلّ جديد يحمله هذا المعرض كما على آرائها المتعلّقة بالدور الذي تلعبه إمارة الشارقة في الحوار بين منطقتنا والعالم وبتعزيز حسّ المطالعة والتعلّق بالكتب لدى الجيل الصاعد.

 هلا أخبرتنا ما يحمل معرض الشارقة للكتاب من جديد هذه السنة؟

بالنظر إلى التطور الذي شهده معرض الشارقة الدولي للكتاب على مدى 42 عاماً، نجد أن ما وصل إليه الآن هو حصيلة جديد يطرأ كل عام، وهذا هو السر في التوسع والنجاح المتصاعد للمعرض، فالكتاب مرتبط بشكل وثيق بالمعرفة والثقافة والأدب والعلوم والحياة في مشهدها الواسع، وهذه جميعاً هي مجموعات من القطاعات التي تشهد تجدداً وتطوراً في كل يوم، وهو ما يجعل من الجديد في معرض الشارقة الدولي للكتاب تعبيراً أو انعكاساً لحالة طبيعية ينبغي أن يكون عليها قطاع النشر الذي لا ينفك عن كافة مفاصل الحياة.

من هنا فإنه بإمكاننا أن نتحدث عن جديد المعرض من زاويتين أو اتجاهين: عام وخاص، فالأول هو الجديد الذي يمثل تطويراً سيستمر مع المعرض، بينما يعبر الثاني عن التجديد الخاص الذي تشهده دورة هذا العام. فمثلاً، طورنا منطقة الورش هذا العام لتكون شاملة ومستوعبة لكافة الفئات، حيث رأينا أن تكون فعاليات ورش العمل مقسمة على 6 مساحات، تستهدف الأولى جميع الفئات العمرية، وهي مخصصة لورشة التأمل التي يقدمها ويشرف عليها مجموعة من المدربين والخبراء.

أما المساحات الثانية والثالثة والرابعة، فهي لفئات الأطفال واليافعين، وهي تعنى بموضوعات مثل القصص المصورة، أدب الطفل، الطهي، العلوم، الفنون، الأصوات والموسيقى، الاختراعات والابتكار. ولأهمية الفئة العمرية من 15 عاماً وما فوق، خصصنا المساحة الخامسة التي تعنى بفن الرسوم المتحركة، وفن التعامل مع الآخرين، والصناعات اليدوية. أما المساحة السادسة، فهي لجميع الفئات العمرية، وتهتم بالتحفيز والتعاون وحل المشكلات، ومنها ورش الكتابة الإبداعية.

أما الجديد على مستوى هذا العام، فستحتضن الدورة الـ42 معرضاً تاريخياً مهماً لجامعة كويمبرا البرتغالية، تستعرض من خلاله أكثر من 60 تحفة نادرة من المقتنيات التاريخية، من مخطوطات وأدوات وأجهزة ملاحية تؤرخ لفترة مهمة في منطقة الخليج العربي. كذلك ستكون كوريا الجنوبية ضيف شرف على الدورة الحالية، والتي سيكون حضورها في المعرض فرصة للجمهور الذي يقصد الشارقة في هذا الموسم المعرفي الثقافي الكبير للتعرف على التراث والتقاليد والثقافة الكورية الغنية من خلال برنامج حافل يتضمن 15 برنامجاً ثقافياً، و7 جلسات حوارية، و5 عروض موسيقية، و3 فعاليات ضمن ركن الطهي، إضافة إلى مشاركة 16 أكاديمياً وكاتباً ومبدعاً من الضيوف الكوريين.

اقرئي أيضاً: الشارقة رسميًا في سيول مع الشيخة بدور

 كيف تلعب إمارة الشارقة صلة وصل وحوار بين منطقتنا والعالم بأسره من خلال هذا المعرض؟

تؤمن إمارة الشارقة وبرؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بأن الثقافة هي أفضل سبل تعزيز التواصل بين شعوب وبلدان وحضارات العالم، لأن المشتركات الإنسانية من شأنها أن توحد العالم حول ما يتفق عليه الجميع، فالعقل الذي حبانا الله إياه، والمعرفة التي لا نختلف على أنها ركيزة النمو والتطور الإنساني، والإرث الذي تتركه الأمم للأجيال المتعاقبة هي عوامل اجتماع واتحاد يشكل تعزيزها ورعايتها محوراً لحوار إنساني تتجاوز من خلاله البشرية الكثير من التحديات والصعوبات.

من هنا كان المشروع الثقافي الذي يقوده صاحب السمو حاكم الشارقة، منهجاً حضارياً عالمياً لا لتعزيز جسور التواصل والتعاون الإنساني فحسب، بل لخلق حالة من الانسجام الحضاري القائم على الاحترام والمحبة والسلام، يكفل استفادة كافة الأطراف من بعضها. وقد جاء معرض الشارقة الدولي للكتاب نموذجاً عملياً على أرض الواقع لهذه الرؤية الحضارية التي تقودها الشارقة، ومن هنا استطاع المعرض أن يكون واحداً من المحافل التي تشكل مكانة عميقة في نفوس زواره من كافة أنحاء العالم.

من تجليات هذا التأثير الواضح في التواصل والانسجام العالمي الناتج عن معرض الشارقة الدولي جمعه بين الناشرين والكتاب والقراء من مختلف أنحاء العالم، وما يحققه جمهوره سنوياً من تواصل على أساس المعرفة والثقافة، من خلال فعاليات متنوعة وغنية تشمل برامج ثقافية وورش عمل وعروضاً عالمية تستضيف نخبة من كبار الكتاب والأدباء والعلماء والفنانين، الذين يتبادلون خبراتهم وتجاربهم، وتكريمه المبعدين من خلال جوائز عالمية تتسم بالتنوع والشمولية، وتستقطب المبدعين من كافة أنحاء العالم.

بهذه المبادرات والإنجازات، يؤكد معرض الشارقة الدولي للكتاب رؤية إمارة الشارقة في جعل الثقافة جسراً للتواصل بين الأمم، وإثراء التنوع الثقافي، وتحقيق التفاهم والانسجام العالمي المشترك.

اقرئي أيضاً: هل يحتاج أطفالنا للكتب؟

 هل يتوجّه المعرض إلى جمهور أو عمر معيّن أم أنّ الجميع معنيّ بزيارته؟ وما هي رسالتك لتشجيع الأشخاص على الحضور والمشاركة؟

الكتاب هو المظلة التي يلتقي تحتها كل العالم، والكتاب هو العنصر الأساسي الذي سيحول الشارقة في الفترة من 1-12 نوفمبر إلى بيت للجميع، فزيارة المعرض لا تقتصر على من يريد أن يشتري الكتب، أو يحضر الفعاليات، أو ورش العمل، بل هي فرصة للتعرف على تراث بلدان بعيدة، والاطلاع على أعمال فنية، ومشاهدة عروض مسرحية، ولقاء نجوم الموسيقى، والرياضة، والدراما، والسينما، إلى جانب مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يجتمعون كلهم تحت مظلة الكتاب. يتضمن كل ما يخدم الكتاب ويرتبط بأطرافه، من مؤلفين وناشرين ومحررين وقراء وصناع ومصممين ورسامين... وغيرهم من المتخصصين في صناعة الكتاب، وهذا كان مصدر إلهام لنا لاختيار شعار دورة هذا العام من المعرض "نتحدث كتباً". أما حول سؤالك عن رسالتي لتشجيع الناس على حضور المعرض، فاسمح لي أولاً أن أتقدم برسالة شكر إلى جمهورنا الكبير الذي يمثل حجر الأساس في كافة خططنا لتطوير هذا الحدث العالمي الكبير، والذين نرى الكثير منهم يعتبرون معرض الشارقة الدولي للكتاب مناسبة يحجزون لها رحلاتهم من دول أخرى، ويتوجهون إلى الشارقة من كافة إمارات الدولة لحضورها، وهذا يثبت عاماً بعد عام أن اسم "الشارقة" أصبح معادلاً للثقافة والإبداع والمعرفة والكتاب.

 هل تعتقدين أنّ هناك كتباً رائجة أو مرغوبة أكثر من غيرها اليوم؟ ما هي ولماذا؟

اليوم، وفي كل يوم، وفي كل عصر من العصور، هناك كتب رائجة، فالكتاب ترجمان العقل البشري، وهو يخاطب الجميع، ويعد مظهراً من مظاهر التواصل الإنساني، شأنه في ذلك شأن أي قطاع يتواصل من خلاله الناس، هناك عوامل لا حصر لها تؤثر في تفضيلات الناس من الكتاب والمؤلفين، هذه التفضيلات منها ما هو معني بالمضمون ومنها ما هو معني بالشكل. وهناك عوامل متعددة وواسعة تؤثر في إقبال القراء على نوع من الكتب، منها الاختلاف في الثقافات والجنسيات والاهتمامات والهوايات، وغيرها الكثير. ومن خلال ما نلاحظه في معرض الشارقة الدولي للكتاب، بوصفه محفلاً يضم مختلف المشارب من القراء، فإن الكتب التي تتناول قضايا معاصرة وحيوية تهم القراء، مثل السياسة والاقتصاد والبيئة والصحة والتنمية البشرية والعلوم والتكنولوجيا، تمثل أكثر الكتب تفضيلاً. كما أن هناك دراسات تفيد بأن الكتب الخيالية تحظى بإقبال يزيد عن الكتب الواقعية، إذ تفيد إحدى الدراسات بأن الكتب الخيالية حققت أكثر من 10 مليارات دولار من عائدات التجارة في عام 2021 في العالم. لكن أعتقد أنه لا يزال هناك ذوق شخصي لكل قارئ، يحدد اختياراته من بين الملايين من الكتب الموجودة في السوق، والأمر يحتاج إلى إحصاءات دقيقة ومنهجية حول هذه التفضيلات على مستوى واسع.

 برأيك كيف يمكن زيادة تعلّق الأطفال بالكتب اليوم في ظلّ عصرنا الرقمي؟

الطفل صفحة بيضاء تكتب فيها ما تشاء، لكن أعتقد أن الثورة الرقمية صعبت مهمة تعزيز علاقة الأطفال بالقراءة، وهنا لا أفرق بين القراءة الورقية والرقمية. وإذا توسعنا أكثر في مفهوم القراءة ليشمل كل محتوى مرئي أو مسموع أو مقروء، أو حتى ليشمل الألعاب الإلكترونية، فإن جميع أبنائنا قراء بهذا المفهوم. ولكن يبقى أن نعلم في هذه الحالة أن المحتوى المرئي يفرض نفسه على الأطفال بأسلوبه الذي يخاطب رغبات الطفل ويجذب حواسه، أما القراءة التقليدية فتبقى في حاجة إلى ممارسة وإشراف من الأهل وتعزيزها بالأساليب التي تحبب الأطفال بها. قبل سنوات قليلة ماضية الماضي، كنا نطالب بأن تكون كتب الأطفال ذات رسومات جاذبة تحبب الأطفال بها وترغبهم في قراءتها، أما الآن فأصبح التحدي أكبر، إذ لم تعد الرسومات الجامدة تلبي فضول الأطفال أمام الكم الهائل من جاذبية العالم الرقمي. لذا أرى المهمة أصبحت أكثر أهمية وتستدعي الابتكار وإعداد الدراسات التربوية التي يشرف عليها متخصصون في هذا المجال، وتعميمها على صناع القرار في قطاع التربية والتعليم، وحتى أولياء الأمور. وفي هذا الصدد، أشجع الاستفادة من ما يقدمه العالم الرقمي نفسه لتشجيع الأطفال على القراءة، ومن أفضل ما أجده مفيداً استخدام التطبيقات الذكية التي تحتوي على مجموعة من الكتب والقصص المناسبة للأطفال، وتوفر لهم خيارات تفاعلية مع القصص، يطبقون من خلالها مهارات الفهم التي حصلوا عليها من خلال مسابقات أو أسئلة حول القصة، وهي تضمن أن تضع الطفل في قلب القصة أو الكتاب المقروء، وتشجعه على التحليل والنقد والاستيعاب مع ضمان أن يمضي وقتاً ممتعاً ومفيداً مع القصة.

 هل تعتبرين أنّ القراءة اليوم لا زالت من الأولويّات؟ وهل من كتاب مفضّل لديك إلى اليوم؟

القراءة لن تتوقف عن أن تكون أولوية يوماً، لأن المعرفة سر بقاء وتطور البشر، والقراءة مفتاح المعرفة، وأقول المعرفة وليس التعلم، لأن التعلم يمكن اكتسابه بالمراقبة، والتجربة، والخبرة، والترحال، وغيرها من الوسائل، لكن المعرفة القائمة على الوصول للمعلومة وتوثيقها والاستفادة منها في الابتكار والإنتاج قائمة على القراءة كفعل إنساني، فالقراءة تعني وجود نص مكتوب، ومن دون النص المكتوب تتحوّل المعرفة إلى فضاء غير قابل للقياس ولا يسهل الاستشهاد به، والرجوع إليه، وإعادة البحث فيه. أما الكتاب المفضل لدي، فهو "موت صغير" للروائي محمد حسن علوان، فأنا أجد في إعادة سرد شخصيات ورموز فلسفية وفكرية من تراثنا العربي أمر في غاية الأهمية، ويتطلب جهداً كبيراً وبحثاً واسعاً، لذلك أقدر هذا الكتاب، وأجد فيه الكثير من القيم التي نحتاجها اليوم أكثر من وقت مضى، قيم تدعو للتأمل، والمحبة، والإخلاص.

ما هو الإرث الذي تريدين أن تتركيه على هذه الأرض وكيف تريدين أن يتذكّرك النّاس؟

لدي إيمان عميق في قدرة المعرفة والتعلم على تغيير العالم، وجعله مكاناً أجمل، لهذا كل ما أطمح أن أفعله وما أريد أن يتذكرني به الناس، هو أن أحدث فرقاً ملموساً في قطاع الصناعات المعرفية وصناعة الكتاب على وجه الخصوص، وأن أكون مساهمة في استحداث المزيد من الفرص أمام العاملين في الصناعات الإبداعية لتطوير منظومة أعمالهم، وتقديم منتج مهم ومؤثر يبقى أثره في أجيال اليوم والأجيال القادمة.

إقرئي أيضاً: اليك افضل الكتب للقراءة

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث