من الأعماق إلى العُلا

الإعداد: Galia Loupan

التصوير: Vincent Ferrané

 

رافقينا في جولة إلى مشغل الفائزة بجائزة "الفن والبيئة" لهذا العام، التي أنشأتها دار Guerlain ومتحف Lee Ufan Arles. حيث تأخذنا الفنّانة Caroline Corbasson في رحلة فنّية تأملية إلى أعماق الفضاء، تتسم بخفّة الريح وشدّته في آن واحد.

الدخول إلى مشغل Atelier MA في مؤسسة Lee Ufan تجربة خاصّة بحدّ ذاتها؛ إنّها غرفة ذات أقواس تعود للعصور الوسطى تشبه الكهف، لكنها مضاءة على نحو غريب. تملأ ألحان Elliott Smith الناعمة الأجواء بينما تستقبلنا Caroline Corbasson. ترتدي قميصاً أبيض بسيطاً، وسروال جينز أزرق، ومئزراً تغطيه بقع الطلاء لدرجة أنّه يبدو كقطعة فنّية تجريدية. تسريحة شعرها بسيطة وابتسامتها هادئة ومنفتحة لكن متحفظة، وصوتها ناعم وعميق، يتماشى مع اللوحات الزرقاء الداكنة التي تحيط بنا.

تتحدث Caroline عن تجربتها الجديدة قائلة: "إنها المرة الأولى التي أعمل فيها على الكانفس، هذا ما أردت استكشافه في هذه الإقامة الفنّية. أردت الخروج عن المألوف، بعيداً عن رسومات الفحم التي كنت أعمل عليها خلال العقد الماضي." جاءت Caroline إلى آرل بحثاً عن شيء، وتشعر أنها ربما وجدته. وتضيف: "جئت إلى هنا ومعي الأكريليك، الزيت، الحبر، طلاء الفينيل، والباستيل، وبدأت أبحث. بعض هذه اللوحات عاشت حياة كثيرة؛ لقد خدشتها، أصلحتها، ورسمت فوقها... أبحث عن هذا التوتر بين التجريد والتصوير. يبدو العمل تجريدياً، ثم تبدأين في رؤية صور شاملة، وانطباعات عن الطبيعة، مثل انعكاس الضوء على الماء."

لطالما كانت الطبيعة جوهر إلهامها. وُلدت Caroline لأبوين فرنسيين، ونشأت في كندا والولايات المتحدة، حيث تنقّلت كثيراً، لكنّ طفولتها ارتكزت حول حبها للأماكن المفتوحة والامتداد الشاسع لسماء أميركا الشمالية. فتقول: "شعرت بارتباط عميق بالطبيعة وجمالياتها والظواهر التي يمكن رؤيتها." وخلقت خلفية عائلتها العلمية فيها شغفاً بفهم العالم الطبيعي، ولكن ربما بطريقة أكثر حساسية وجمالية وربما صوفية. تقول: "اعتدت أن أرسم السماء غير المرئية بالعين المجردة، الفضاء البعيد... لكنني أشعر بأنني أكثر ارتباطاً بالأرض الآن، وأقرب إليها."

وقد علّق المخرج السينمائي الأسطوري ورئيس لجنة التحكيم Wim Wenders في حفل تكريمها: "أتشارك وCaroline الاهتمام بعنصر ثمين ألا وهو الريح. بالنسبة إليها إنه رمز للحياة والدمار." وتتفق معه Ann-Caroline Prazan، مديرة الفنّ والثقافة والتراث في Guerlain ومؤسسة الجائزة: "من المهم بالنسبة إليّ أن تكون هذه الجائزة عن الفنّ والبيئة. ما جعلني أختار Caroline هو حديثها عن الريح باعتبارها أكبر مُلَقِّح. لم أفكّر في الأمر بهذه الطريقة من قبل. عندما نفكّر في المُلَقِّحات، نفكّر في الكائنات الحية، مثل النحل، وهي عزيزة جداً على قلوبنا في Guerlain. أحبّ عندما يقول شخص ما شيئاً يغيّرنا إلى الأبد. الآن سنرى الريح دائماً كمُلَقِّح."

لكن رغم ذلك، غالباً ما يُنظر إليه على أنه عامل تدمير كبير في بروفانس. لتجربة جوهره الداعم للحياة، ذهبت Caroline وAnn-Caroline إلى شواطئ كامارغ. وتخبر Corbasson بحماس: "نشعر حقاً أننا في نهاية العالم، في مساحة انتقالية. بيئة برّية جداً ونقية. فيها الكثير من الطيور. إنها صحراء لكنّها نابضة بالحياة. غاية في الجمال". أثناء تجوّلها حول الكثبان الرملية، صادفت دائرة مثالية مرسومة على الرمال. وقد أثار فضولها كيف ظهر هذا الشكل الهندسي بعيداً عن الحضارة، فألقت نظرة عن قرب. "كانت هذه الأغصان ترقص في مهب الريح، ترسم هذه الدوائر، تارةً كاملة وتارةً غير كاملة. كان الأمر جميلاً لأنه كان لا شيء فعلياً، ومع ذلك جعلنا نشعر أن الأغصان لديها روح." صوّرتها وحوّلتها إلى فيديو تركيبي للمعرض. وكما يقول Lee Ufan: "لا مفرّ من التفكير في الطبيعة وتعايشنا معها."

اقرئي ايضًا:24 ساعة مع Missoni في دبي: بين الأحلام ومناظر غروب الشمس وحياة الرفاهية

شكّل العمل تحت رعاية فنّان بمكانة Lee Ufan امتيازاً كبيراً، لكنّه كان أيضاً مصدراً للقلق. تقول Caroline: "كنتُ أخشى عرض أعمالي عليه، خوفًا ألا تنال إعجابه." ورغم أن أحد أعمالها عُرض سابقاً في نفس المعرض الذي ضمّ أحد أعماله، إلا أنها تصف شعورها قائلة: "كنتُ فخورة جدًا لأن أعمالنا ظهرت متجاورة في الكتالوج! لطالما أحببت عمله، لكن هنا في آرل، اكتشفت جوانب لم أرها من قبل، مثل سلسلته From Wind. أعماله تتحدث إليّ. هناك الكثير من الجوانب التي لم أكن أعرفها والتي أشعر تجاهها بارتباط عميق. لم أكن أعرف أبداً أنه يكتب قصائد."

Caroline Corbasson كاتبة هي نفسها، وسيصدر كتاب يضم نصوصاً مختارة كعمل مرافق لمعرضها في Atelier MA هذا الصيف. تروي: "لقد كنت أكتب سرّاً منذ أن كنت مراهقة. هذه الإقامة الفنية غيّرت الكثير من الأشياء بالنسبة إليّ. لطالما كتبت ملاحظات صغيرة في هاتفي أو دفتري. والآن ستُنشر... أنا متشوّقة لصدورها، لكنّني خائفة أيضاً، أن أظهر ما كنت أكتبه. كتاباتي أكثر شخصية بكثير من لوحاتي. كتبت بعض القصائد لابنتي البالغة من العمر أربع سنوات. حب بهذا الحجم يغير كل شيء في الإنسان. إنه مخيف لأن هذا الشخص يصبح كل حياتنا، لذا كتبت قصيدة بعنوان Mother Artist، أخبرها فيها أنني ولدت فنانة لكنني أصبحت أماً." من الواضح أنها تحب ابنتها أكثر من أي شيء في العالم، ومع ذلك فإنها تقول إن الأمومة "سرقت شيئاً منها. إنه نص قاسٍ، وليس رقيقاً."

لهذا السبب تحديداً، كانت هذه الإقامة الفنية بالغة الأهمية. فقبل مغادرتها، التقت Caroline مع الفائز بجائزة العام الماضي وعضو لجنة التحكيم لهذا العام، Djabril Boukhenaïssi، الذي قال لها: "أعتقد أن عليك استغلال هذا الوقت للتحرر من قيودك، للتوسّع، للاستكشاف. Caroline، هذه فرصتك. ستُفتح لكِ أبواباً جديدة."

وفعلًا، فتحت لها هذه الإقامة أبواباً كثيرة، بطرق أكثر مما توقعت. توضح Corbasson: "قبل المجيء إلى هنا، كنتُ أرسم رسومات متقنة للغاية وتفصيلية جداً بالأبيض والأسود. في السنوات القليلة الماضية، ومع استمراري في العمل بينما أعتني بطفلتي، شعرت وكأنني عالقة بالقرب من السطح، وكأنني لا أستطيع الوصول إلى عمق الأشياء. لا أعتقد أنني وصلت إلى القاع بعد، لكنني بالتأكيد كسرت السطح. لقد بدأت بالغوص عميقاً..."

وتضيف قائلة: "أشعر أنني فتحت باباً جديداً في ممارستي الفنية، وهذا بحد ذاته أمر هائل، لأن هناك عالماً كاملاً لأستكشفه خلف ذلك الباب. لقد منحتني هذه الإقامة الفنية مساحة للتنفس. كما تغيرت ممارستي، واستخدامي للمواد والألوان والأحجام. أعتقد أن هذا سيستمر معي لفترة طويلة. لا أعرف ما يخبئه لي المستقبل بعد، لكنني أشعر أنه سيكون إيجابياً. اسم المعرض هو Something Moves. إنه اسم لطالما كان بداخلي، لكنه اكتسب معناه الكامل هنا. فقد شعرت بهذا التأثير يحدث جسدياً."

هذا الصيف، ستسمح لوحات Caroline Corbasson الزرقاء العميقة للريح أن تهب عبر Atelier MA وتدعونا لنطلّ عبر هذه الأبواب الجديدة التي فتحتها، فقط إذا عرفنا كيف ننظر.

اقرئي ايضًاتاليس سبا في جميرا مرسى العرب تجربة علاجية لرحلة تجديد شاملة

 

العلامات: Guerlain فن

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث