تخيّلي معنا 40 امرأة يطبخن سويّاً بشغف وحب وفرح، يمكّنّ بعضهنّ البعض ويدعمن أسرهنّ بالرغم من معاناتهنّ جرّاء ظروفهنّ اليوميّة. نعم، هنّ يفعلن ذلك لأنّ العيش بكرامة هو كلّ ما يطلبنه! فمبادرة Soufra، التي انطلقت مع 10 نساء في مخيّم اللاجئين الفلسطينيّين في منطقة برج البراجنة في لبنان، سرعان ما أصبحت اليوم خدمة للطبخ وتوفير أطباق الطعام تتعاون من خلالها أكثر من 40 سيّدة على الطبخ، ويدرنَ سويّاً مشروع عربة معدّة لطهي الطعام وبيعه. ونُشرت قصص هؤلاء النساء الملهمات من خلال فيلم وثائقي يحمل العنوان عينه، عُرض في الشهر الماضي في لبنان بحضور منتجته التنفيذيّة النجمة Susan Sarandon ومخرجه Thomas Morgan، فضلاً عن الكثير من المشاهير والداعمين. وتجدر الإشارة إلى أنّه ما كان ليتحقّق أي من هذا لولا دعم Alfanar المنظّمة العربية الأولى للأعمال الخيريّة المعروفة كمنصّة للتغيير الاجتماعي، سواء من خلال التمويل الذي تقدّمه أم عبر أشكال الدعم الأخرى. فاكتشفي معنا في هذا التقرير القصّة وراء Soufra، المشروع والوثائقي.
يحثّ العمل في شاحنة الطعام النساء على ترك المخيّم، ويزرع في نفوسهنّ الحماس لا سيّما خلال المناسبات الخاصّة، ويستفدن من الدخل الذي يحصّلنه من الشاحنة. وبحسب مؤسّسة المشروع Mariam Al Shaar فإنّها المرّة الأولى التي تدير فيها نساء المخيّم مشروعاً كهذا، الأمر الذي يشعرهنّ بالفخر. وقد ساهمت منظّمة Alfanar في مساعدة تلك النساء منذ البداية ولا تزال تعمل معهنّ حتى اليوم. ومن خلال هذا الدعم، باتت Soufra منظمة مستدامة. وتُضيف الشعار:" يُعدّ دعم المحترفين بمثابة إضافة إلينا كوننا نعيش في مجتمع صغير، لذا حين يأتي أحد ما لمساعدتنا كمجتمع، نرحّب به دائماً ونشعر بالامتنان". وتتابع قائلة: "حقّقت منظمة Alfanar حلمنا وغيّرت حياة الكثير من النساء في المخيّم".
وعلى مدار الخمسة عشر عاماً الماضية، شاركتAlfanar في نموّ نظام المؤسّسات الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة، حيث استثمرت في 31 مؤسسة اجتماعيّة. وقالت Myrna Atalla، المديرة التنفيذيّة للمنظمّة: "نستثمر في المؤسّسات الاجتماعيّة لأنّنا نعتقد بشكل أساسي أنّ تقرير مصيرهنّ الخاصّ هو الطريقة الوحيدة لضمان التغيير الدائم. فنحن لا نتبرّع بالمال بل نستثمره. وتعلم النساء اللواتي يستفدن من دعمنا حجم المسؤوليّة التي نحمّلهنّ إياها ولكنّهن يعلمن أيضاً أنّنا ندعمهنّ في كلّ خطوة من مسيرتهنّ". وأضافت عطالله: "تساعد هذه المنظّمة في تحسين حياة الناس، ونظراً أنّ المردود الاجتماعي للاستثمار مرتفع للغاية عندما نستثمر في تعليم النساء وتوظيفهنّ وتمكينهنّ، فقرّرنا التركيز على تمكين المرأة". وأضافت: "نحن لا نتطلّع إلى الاستثمار في المشاريع الاجتماعيّة التي تعود بالنفع على المرأة فحسب، بل نبحث عن مؤسّسات تديرها النساء أو تلك التي تتولّى فيها النساء مناصب رئيسة لصنع القرار. وتهدف استثماراتنا إلى مساعدتهنّ، لاسيّما المحرومات والضعيفات، على التحكّم في حياتهن، سواء كنّ أرامل من الريف أم ربّات بيوت من المدن أم فتيات صغيرات يحلمن بأحياء تتجاوز الأحياء الفقيرة التي ولدن فيها".
اقرئي أيضاً: Fatima Al Shirawi: آمني بنفسك ودافعي عن مبادئك واعملي بجهد واثبتي أنّك قادرة على التفوّق والبروز
Soufra: خدمة ناجحة لتوفير أطباق الطعام وعربة معدّة لطهي الطعام وبيعه
في العام 2012، بدأت جمعية Alfanar بدعم مريم الشعار في مهمّتها لخلق فرص عمل لـ40 لاجئةً من مخيّم برج البراجنة في بيروت. وتقول عطالله: "عندما أطلقنا نشاطنا الخيري في لبنان في العام 2012، كنّا نبحث عن استثمارات محتملة، فقابلنا الكثير من المؤسّسات الاجتماعيّة الطموحة. وحين التقينا بمريم الشّعار مديرة جمعيّة The Women’s Program Association (WPA) في مخيّم برج البراجنة، بدت لنا مختلقة عن الجميع. وفي الواقع كانت الشّعار قد تحدّثت في برج البراجنة مع بعض النساء اللواتي أعربن عن رغبتهنّ في امتهان هواية الطبخ بهدف الحصول على مدخول خاص." وتُضيف: "بالرغم من أنّ مريم لا تعرف الطبخ، إلّا أنّها كانت تملك نظرة معيّنة وصرّحت أنّها أرادت القيام بهذا المشروع الاجتماعي لتمكين النساء في المخيّم". أمّا بصفتها منظّمة للعمل الخيريّ Venture Philanthropy Organization، فلا توفّر Alfanar التمويل الذي تحتاجه المؤسّسة لإطلاق أعمالها وتطويرها فحسب، بل تمضي أيضاً الكثير من الوقت في تقديم الدعم الإداري والتدريب الذي يشمل وضع خطّة أعمال للمؤسّسة مدّتها ثلاث سنوات. وأضافت Michelle Mouracade وهي مديرة Alfanar في لبنان، قائلة: "نضمّ إلى شبكتنا أيضاً بعض روّاد الأعمال، ونجد الأمر مهمّاً بالنسبة لوضع "Soufra" نظراً أنّ اللاجئات لا يتواصلن مع الأشخاص الذين قد يساعدونهنّ في هذا المجال لذا نحن نعرّفهنّ على منظّمي حفلات ومؤسّسات تصنع فرقاً كبيراً في مجال مشروعهنّ".
وفي خلال السنة الأولى، تمكّنت Soufra من استرداد التكاليف، لكن بحكم طبيعة العمل في مجال خدمة الطعام الموسميّ، والطلبات التي تتكاثر في فترة رمضان مثلاً وتعود وتتضاءل في أوقات أخرى، كانت الإيرادات النقديّة غير منتظمة. وحين عملت Alfanar مع WPA وSoufra لتطوير مشروع العمل، حرصت على وضع هيكليّة المشروع بطريقة تضمن حصول النساء في المخيّم على مصدر دخل منتظم وإيرادات على مدار العام. وفي هذا السياق، قالت عطالله: "وجدنا أمامنا خيارات مختلفة، لكن في الحقيقة، أتت لحظة الإلهام حين شاهدت فيلم "The Chef" لأوّل مرة، فأبصرت فكرة شاحنة الطعام النور. وبالرغم من العقبات الكثيرة، أطلقنا شاحنة الطعام Soufra في العام 2017 كما عرفت خدمة الطعام نجاحاً على الفور". وأضافت الشّعار من جهتها: "لدينا اليوم الكثير من الطلبات أسبوعيّاً، وفي بعض الأحيان نؤمّن الطعام لحفلات كبيرة لـ100 شخص. أمّا بالنسبة لشاحنة الطعام، فالأمر أكثر صعوبة لأنّه لا يُسمح لنا بركن الشاحنة في الشوارع، لذا يجب إيجاد شركات تملك مساحة كافية في مواقفها الخاصّة، بالإضافة إلى الحصول على عدد كاف من الموظفّين الذين قد يهتمّون في شراء وجبة الغداء. يمكننا أيضاً التواجد في المهرجانات لكنّ كلفة إيجار المساحات أثمن بكثير ممّا توقّعنا.
اقرئي أيضاً: Muna Harib AlMuhairi : "لا تخافي من القيام بالمبادرات الأولى لتحقيق أحلامك وإن فشلتِ، فلا بأس، تحلّي بالقوة وثابري!"
Soufra: وثائقي يلهم الكثيرات
كانت عطالله على تواصل معThomas Morgan وأخبرته عن الشّعار ومشروع شاحنة الطعام فأخبر Sarandon عن المشروع الذي ألهمها كثيراً لأنّها شعرت أنّ سرد قصّة سيّدة أعمال صامدة في وجه كلّ الصعاب من شأنها أن تلهم باقي النساء في جميع أنحاء العالم، فتمكّنهن وتحثهنّ على تغيير حياتهنّ ومجتمعاتهنّ من خلال ريادة الأعمال الاجتماعيّة. كذلك، توجهّ رسالة أمل للاجئات وفرصة لرفع مستوى الوعي حول كفاحهنّ، وهي أيضاً طريقة مستدامة لدعمهنّ ومساعدتهنّ على تحسين حياتهنّ. وتصرّح Sarandon لماري كلير العربيّة أنّه من أبرز الأسباب التي حثّتها على بذل الجهود في تصوير هذا الوثائقي هي الشّعار التي أثبتت بأنّها مثال للقوّة والمثابرة، لا سيّما أنّها تملك حسّ الفكاهة. وقالت في هذا السياق: "إنّها متواضعة لكنّها قويّة جدّاً. ولم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق، فاستغرق العمل وقتًا طويلاً، لكنّنا نجحنا في تحقيقه في النهاية".
أمّا قبل عرض الفيلم الوثائقي، فكانت قد نظّمت Alfanar زيارة ميدانيّة إلى مخيّم اللاّجئين. وحضرت Sarandon برفقة Morgan إلى مخيّم برج البراجنة وأمضيا حوالى الساعتين مع الشّعار وفريقها. كما زارت Sarandon حضانة الـNawras وهي مشروع أطلقته منظمة Alfanar مؤخّراً يوفّر التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة لـ75 طفلاً معرضين للخطر في المخيّم كلّ عام. وغنّت Sarandon مع الأطفال الذين قدّموا أزهار وفراشات صنعوها بأنفسهم من الورق وكتبوا أسماءهم عليها، وغنّوا لها أغنية خاصّة ألّفوها خصّيصاً لشكر الجمعيّة وقالوا فيها إنّ مرحلة الحضانة كانت حلماً تحقّق فعلاً. ثمّ قابلت Susan والدة مريم وهي في طريقها إلى مطبخ Soufra وسارت عبر الطرق الضيّقة للمخيّم، وقضت بعض الوقت في المطبخ مع طاهيات Soufra اللواتي كنّ يحضّرن العشاء وتذوّقت لفائف المسخّن وفطائر الفلاحي. وتقول Sarandon لماري كلير العربيّة: "سررتُ جداً لزيارتي بيروت للمرّة الأولى والاحتفال بهذا الفيلم، كما تأثّرت كثيراً عندما زرتُ المدرسة ورأيت نتائج الأمل والمثابرة والطعام اللذيذ. وبفضل التعليم المبكر الذي تقدمّه المدرسة، تتوّفر للأطفال في المخيّم الآن فرصة لغد أفضل."
وقد ضمّ حدث عرض الوثائقيّ أكثر من 160 ضيفاً من المجتمع المدني والقطاع الخاصّ والسلك الدبلوماسي والفنون. وتأثّر الجمهور كثيراً بمعاناة اللاجئات ولاقى الفيلم ترحيباً حارّاً. وأوضحت مديرة Alfanar في لبنان لنا قائلة:" كانت ردود فعل الأشخاص الذين حضروا الوثائقي مؤثرة ولا تُصدّق، إذ فوجئوا بمدى صعوبة وضع اللاجئين الفلسطينيّين القانوني الذين أتوا إلى لبنان منذ 70 عاماً راغبين بكلّ بساطة في العيش بكرامة."
وفي اليوم التالي بعد عرض الفيلم الوثائقي زارت عطالله مخيّم شاتيلا وهو آخر مخيّم للّاجئين في لبنان بهدف استثمار محتمل فيه في مجال إنتاج المنسوجات. وكانت بعض اللّاجئات اللواتي يشعرن باليأس بسبب التّحديّات التي يواجهنها في مشروعهنّ قد حضرن فيلم Soufra في الليلة السابقة، فأخبرن عطاللّه أنّهن بعد مشاهدة Soufra وبعد تغلّب الشّعار على كلّ الصعاب لن يستسلمن أبداً. وبالتالي ساعد هذا الفيلم بشكل أفضل من غيره من الوسائط، في فهم عميق وبليغ لنضال الشّعار، والتّحديّات التي تواجهها اللاجئات يوميّاً، والطاقة الهائلة التي تتطلّبها المشاريع الاجتماعية لتحقيق النجاح.
"وبمجرّد التفكير في أنّ هذه المبادرة بدأت مع نساء أحبَبن الطّهي سويّاً، يسعدني الأمر للغاية". كلمات عبّرت من خلالها Sarandon عن سعادتها لتحقّق هذا المشروع وتلخّص النتائج المذهلة للتعاون بين أولئك النساء المخلصات وجمعيّة Alfanar.
اقرئي أيضاً: Sumayah Alnasser: تحويل الألم إلى قوّة ونجاح