Nawal AlKhalawi: أكنّ الحبّ في قلبي لجميع الكائنات الحيّة

لا يشمل الحبّ حبَّ البشر فحسب، إنّما يتخطّاه أيضاً ليطال حبّ المخلوقات الأخرى التي نتشارك معها هذه الأرض في تناغم، كالحيوانات سواء كانت أليفة أو غير أليفة، بحريّة أو بريّة أو جويّة. ولكلّ منّا تفضيلاتها وشغفها بنوع محدّد من الحيوانات. ويُمكن أن يكون هذا الودّ فطريّاً أو مكتسباً من جرّاء محيطنا الاجتماعيّ. وإن كان هذا الانجذاب يرتبط بخلفيّتنا واهتمامنا بالطبيعة بشكل عامّ أو بثقافتنا الاجتماعيّة، فإنّه بالفعل شعور رائع وعلاقة سامية مع أبهى مخلوقات الله التي تشعر بالحبّ وتعيشه أيضاً في ما بينها أو تجاه العائلات التي تتبنّاها. وبينما تُربّي بعض الأُسر أطفالها على أهميّة الرأفة بالحيوان، تتبنّى عائلات أخرى حيوانات أليفة تصبح أفراداً منها، فبالتالي يتعلّم أطفالها منها الكثير. ولأنّنا نؤمن بأهميّة بناء علاقة سليمة تقوم على الودّ مع الحيوانات، أجرينا في هذا التحقيق مقابلة مع السعوديّة الرائدة Nawal AlKhalawi، مدربّة الصحّة الشاملة والمستشارة في فنّ الطهو التي خطّت في مجالها قصّة نجاحها بلون الذهب إنّما حبّها للحيوانات لم يبرح مكانه.

هي مستشارة في فنّ الطهو ومدربّة صحّة شاملة مقيمة في جدّة تقدّم خدمات التدريب الصحّي للأشخاص الذين يسعون لتحسين نمط حياتهم وإضفاء المزيد من التوازن عليه. إنّ الخطّ الفاصل بين عمل Nawal AlKhalawi وأسلوب حياتها يكاد لا يُلاحظ. فالاثنان يتّحدان ليعبّرا عن حبّها الراسخ للطعام والصحّة والطبيعة. تحبّ الخيول والكائنات البحريّة والزواحف، ولا يسعنا القول سوى أنّ الطبيعة والحيوانات تستهويها بالفعل. ففي المقابلة التالية، نسألها عن هذه العلاقة الخاصّة التي تجمعها بها وعن تأثير أنشطتنا اليوميّة في البيئة ومدى أهميّة اعتماد الخيارات الصحيّة.

هل تعتبرين أنّ الحيوانات تستهويك فعلاً؟ وما رأيكِ في تربية حيوان في المنزل؟

أكنُّ الحبّ في قلبي لجميع الكائنات الحيّة، سواء أكانت النباتات أو الحشرات أو الحيوانات. وأظنّ أنّه ثمّة صلة تجمعنا تحت عنوان مخلوقات اللّه على هذا الكوكب الجميل بحيث كلّ منّا يكمّل الآخر كجزء من نظام إيكولوجيّ واحد. أمّا الخيول فهي حتماً الحيوانات المفضّلة لديّ، لتأتي بعدها الكائنات البحريّة بما أنّني كنت أمارس تمارين الغطس في البحر الأحمر منذ أن كان عمري 18 عاماً، وإذا أردت وصف حبّي للبحر فسيستلزم الأمر مقابلة ثانية. كذلك، في نفسي حبّ لا يعرف الكلل للزواحف وخصوصاً الإغوانا، فهي تسحرني. أردتُ أن أشتري واحدة منذ أعوام إلّا أنّني ارتأيت أنّه لا يمكنني أن أحبس كائناً أحبّه في قفص بهدف شعوري الخاصّ بالسعادة. فتنتمي الحيوانات إلى البريّة و منازلنا الحديثة ليست مكانها، لذا أفضّل أن أحبّها من بعيد وأتركها حرّة طليقة. غير أنّه ثمّة الكثير من الحيوانات في الملاجئ تستحقّ طعاماً نظيفاً وبيتاً محبّاً، فيأتي تبنّيها بنتيجة مربحة للطرفين، بما أنّها قد تساعد على التخلّص من القلق وتجلب السعادة إلى المنزل، فضلاً عن أنّها تُعتبَر الطريقة الفضلى لتعلّم الأطفال تحمّل المسؤوليّة.

هلّا أخبرتنا أكثر عن علاقتكِ بالحيوانات؟ ومتى بدأت تشعرين بأنّها تستهويك؟

يعود الفضل بذلك إلى والديّ اللّذين كانا يحرصان على أن أتعرّض وإخوتي إلى الطبيعة لنتنشّق الهواء الطلق ونتعرّف على الحيوانات والأشجار. فالذكريات الأجمل في طفولتي كانت في بيت خشبيّ صغير مُعلَّق فوق شجرة في حديقة منزلنا، فيما كنت أراقب حركة النمل وأشعر بأنّني قد ألمس السماء.

كنّا نخيّم في الصحراء مع العائلة والأصدقاء ونفترش التلال الرمليّة ونراقب الجِمال. كذلك، كنّا نقصد الجبال لقضاء عطلة الصيف بعيداً عن تلوّث المدن الصناعيّة، حيث كنّا نتدحرج على العشب ونحلب البقر والماعز بأيدينا ونصنع تيجان من الورود لنضعها حول رؤوسنا. أمّا حبّي للأحصنة، فورثته عن أبي العزيز الذي كان يملك اسطبلاً في صغري. وما زالت محفورةً في ذاكرتي ممارسةُ تمارين ركوب الخيل بعد المدرسة وارتداء ثياب امتطاء الخيل تحت الزيّ المدرسيّ والتهام طبق الطعام الساخن الذي كانت تحضّره لنا والدتي لنتناوله في طريقنا إلى الاسطبل. غير أنّ الاهتمام بالأحصنة وإطعامها قد ولّد في نفسي حبّاً كبيراً لها فجمعتني بها علاقة وطيدة. وعندما كنت أسقط من على ظهر الحصان، لم يمنعني والديّ من ركوب الخيل مجدّداً بل شجّعوني على الركوب أكثر، فتعلّمت ألّا أدع الخوف يسيطر عليّ فيمنعني من تحقيق أهدافي وممارسة هواياتي. لذلك، يستحيل عليك ألّا تحبّي الحيوانات إذا ترعرت في هذه الأجواء.

ما رأيك في إجراء اختبارات مستحضرات التجميل على الحيوانات؟ وهل تؤيّدين ارتداء معاطف الفرو؟

بالطبع لا. إذ إنّه لعمل قاسٍ وجشع وجاهل أن نقتل الثعلب لتصميم معطف أو نقطع الأشجار لبناء ناطحات سحاب أو تفرقة العجل عن أمّه لإنتاج كميّات أكبر من الحليب لتلبية الطلب البشريّ. فعندما يفرط المرء في النزعة الماديّة والاستهلاكيّة، لا يعي أنّ الخلل الكبير الذي يلحقه بالنظام الإيكولوجيّ سيتردّى سلباً على أولادنا بل أنّه سيفسد الهواء الذي يتنشّقونه.

ما رأيكِ بحقوق الحيوانات في منطقة الخليج العربيّ؟ وكيف يمكننا أن ندافع عنها على الصعيد الشخصيّ؟

 ثمّة مبادرات عدّة يتّخذها كلّ من وزارة البيئة والمياه والزراعة في السعوديّة، والأمير بن خالد الوليد ومنظّمة "رفق" غير الحكوميّة التي تُعنَى بحقوق الحيوانات. وتشمل هذه المبادرات حماية الحيوان والحفاظ على حقوقه بالتنسيق مع مؤسّسات حكوميّة معنيّة أخرى كالهيئة العامّة للجمارك مثلاً.

فقد تمّ إصدار لائحة قبل بضع سنوات من قبل وزارة البيئة والتي شملت عقوبات وغرامات لمَن يقوم ببعض الأعمال الممنوعة مثل إجراء عمليّات تجميل للحيوانات كتقصير الإذن والذيل للتجميل، وصبغ الكتاكيت بمواد كيميائيّة وبيعها، وغير ذلك.

كذلك، ثمّة مجموعات إنقاذ متطوّعة كالـOPJ. فتُبذل جهود غفيرة اليوم في هذا الصدد، وسآتي هنا على ذكر الأستاذة نورة العنبر بصفتها المحقِّقة السعوديّة الأولى في قضيّة الوحشيّة ضدّ الحيوانات التي تعمل بالتوازي مع المؤسّسات المعنيّة. أمّا على الصعيد الشخصيّ، فأعتبر أنّ رفضي لسياسة بيع الحيوانات وشرائها في سبيل التسلية يحافظ على حقوقها. وتأتي الخطوة الأولى في تبنّي الحيوان بدلاً من شرائه، أمّا الخطوة التالية فتكمن في أن نوقّع العرائض ونكافح فعليّاً من أجل حقوق الحيوانات فيما ندعم المبادرات المحليّة بكلّ ما أُتينا من فرص.

أمّا بالحديث عن قطاع اللحوم ومنتجات الألبان في منطقة الخليج، فإنّ الطريقة الإسلاميّة لذبح الحيوان لأجل استهلاكه هي الأكثر رحمةً، بحيث لا يشعر بالألم ولا يتعرّض للصدمات العاطفيّة الناتجة عن رؤية حيوانات أخرى تُذبَح أمامه. وأؤمن بأنّ هذه التدابير تُنفَّذ في منطقة الخليج، وعلى حدّ علمي لا يتمّ حقن الدواجن غير المُستورَدة بالهرمونات كما هو الحال في بلدان أخرى كثيرة. ومع ذلك، فإنّ اللحوم الحمراء في المتاجر الكبرى ليست عضويّة ولا تتغذّى من العشب، ومنتجي اللحوم ليسوا على قدر كبير من الشفافيّة مع المستهلكين ممّا يجعلني أقترح كمدرّبة صحّة أن نقلّل من استهلاكنا اللحوم ومنتجات الألبان وأن ننوّع نظامنا الغذائيّ عبر المزيد من الوجبات النباتيّة وذلك حفاظاً على حقوق الحيوانات بالإضافة إلى أسباب صحيّة طبعاً. وفي عملي، أحاول قدر المستطاع أن أدعم الزراعة العضويّة لدى بيع منتجات الألبان والبيض واللحوم على وجه الخصوص. وعندما ألتقي مُنتِج يتمتّع بأخلاق مهنيّة عالية وشفافيّة أو مزارِع محليّ، أروّج له على صفحاتي على مواقع التواصل الاجتماعيّ وأنصح به زبائني أيضاً.

في ظلّ التداعيات الناجمة عن الأنشطة البشريّة التي تحصل اليوم، برأيك كيف يمكن لكلّ واحد منّا أن يساهم على الصعيد الشخصيّ بأعمال صغيرة للحفاظ على حلقة الحياة ليبقى كلّ ما فيها متوازناً مع بعضه البعض؟

 علينا ألّا نستهين أبداً بأيّ عمل صديق للبيئة، سواء أكان إعادة استخدام كوب القهوة الصباحيّة أو ركوب الدراجّة الهوائيّة بدلاً من السيّارة عندما تُتاح لنا الفرصة، فهذا يُحدث أثراً إيجابيّاً جميلاً. وسمعنا جميعنا عمّا يُسمّى بقواعد "إعادة الاستخدام وتخفيض كميّة النفايات وإعادة التدوير". وقد صُوِّر الكثير من الأفلام الوثائقيّة وأُقيمت حملات التوعية للترويج لها ولإظهار حجم الضرر الذي تُلحقه الأنشطة البشريّة بكوكبنا. غير أنّه في نظري، يجب ألّا تُترَك هذه الخطّة اختياريّة بالنسبة إلى البشر بل على الحكومات والمؤسّسات أن تتّخد التدابير اللّازمة لتنفيذها بما أنّ ليس الجميع مهتمّ لهذا التغيير. وما زالت منطقة الخليج بحاجة ماسّة لتبنّي تغييرات جذريّة في هذا المجال.

ما هي تداعيات نقص التوعية حول المسائل البيئيّة والصحيّة في منطقة الخليج العربيّ؟ وكيف لنا أن نجعل الشباب يُعير اهتماماً للتنميّة المستدامة وحقوق الحيوانات؟

إنّ العواقب وخيمة بالفعل، خصوصاً مع ارتفاع معدّلات السرطان والسكرّي والبدانة. وفي حال اتّبعنا الإرشادات الإسلاميّة التي تقضي بإشباع ثلث شهيّتنا للأكل، والثلث الآخر لشرب الماء والثلث المتبّقي لتنفّس الهواء، نتخلّص بذلك من معضلة البدانة. فإذا التزم كلّ منّا نظاماً عذائيّاً متوازناً يرتكز على منتجات محليّة بمعظمها نباتيّة، لا يتزايد الطلب وبالتالي لا يحقن المزارعون الأبقار بالهرمونات وتتوقّف هذه الدوامة. وبذلك، لن نشجّع عمليّة الاستيراد من كافّة أنحاء العالم التي تُنتج عنها انبعاثات الكربون مسبّبةً التلوّث والاحتباس الحراريّ. ومن المُحتَّم أيضاً أن يتعلّم التلامذة في المدارس أنّ كلّ واحد منهم قادر على صنع التغيير، فهم المستقبل وأعمالهم وأنشطتهم هي التي ترسم ملامح العالم الذي سيعيشون فيه. إذ عليهم أوّلاً التقليل من الهدر والاستهلاك، وإعادة استخدام ما يملكون وإعادة تدوير كلّ ما هم ليسوا بحاجة إليه بعد الآن من خلال إرسال الأوراق مثلاً إلى مراكز إعادة التدوير المتخصّصة.

هل تظنّين أنّ عقليّة الناس تؤثّر في خياراتهم الصحيّة، خصوصاً أنّ الوجبات السريعة ما زالت تغزو عالمنا اليوم؟

ثمّة تغيّر تدريجيّ واضح في عقليّة الناس سواء أمحليّاً أو عالميّاً. واتّضح ذلك بالنسبة إليّ في خلال الدراسات التي أجريتها في مدرسة الطهو Le Cordon Bleu عندما تمكّنت من النظر إلى الإحصاءات التي أثبتت لي أنّ الصحّة والعافية والرفاه ليست مصطلحات رائجة الآن فحسب إنّما وُجدَت لتبقى دائماً. وبعد تخرّجي، عملت على تطوير بعض المشاريع ومطاعم الأطعمة الصحيّة في لندن في حين كنت أتساءل دوماً ما إذا كنت سأحظى يوماً بفرصة لنشر هذه المعرفة القيّمة عندما أعود إلى الديار، وما إذا كان تغيير أسلوب عيش الناس في بلدي وكيفيّة أكلهم وإطعامهم أطفالهم هو مجرّد حلم مستحيل. إلّا أنّني عندما عدت إلى السعوديّة، وبدأت بتقديم خدمات لقائمات طعام ومفاهيم جديدة للمطاعم وكوني أصبحت جزءاً في زيادة الطلب على هذه الخدمات باتَ‎ الحلم حقيقة ملموسة، الأمر الذي أفرح قلبي ومدّني بالأمل وبعث في داخلي شعور الفخر. ولا ريب في أنّ الوجبات السريعة مازالت مرغوبة وستبقى كذلك لأسباب عدّة، إذ قد يربطها البعض بذكريات الطفولة، أمّا البعض الآخر فيعوّض الفراغ العاطفيّ في مستويات السكّر والدهون المرتفعة أو قد يتناولها باقي الناس بسبب نقص التوعية حول هذه المسألة أو لعوامل اجتماعيّة واقتصاديّة. غير أنّ التوعيّة المحليّة والعالميّة قد زادت عمّا كانت عليه سابقاً وأشعر بالتفاؤل حقاً في حين سيشهد المستقبل المزيد من المطاعم ذات الأطعمة النباتيّة في منطقة الخليج العربيّ.

ما هي النصيحة الصحيّة التي تسدينها للمرأة السعوديّة اليوم؟

احلمي واعملي جاهدةً لتحقيق أحلامك. فعلاً، لا شيء سيتحيل بإذن الله إذا آمنت بقدراتك.

اضحكي كثيراً وامشي حافيةً على الرمال واسبحي في البحر وتعرّضي لأشعّة الشمس وابقي نشيطة وتناولي الكثير من الأطباق النباتيّة.اصغي إلى الصوت الذي ينبع من داخلك. فالسعادة ما هي سوى عمل شخصيّ تحقّقينه بنفسك ولا شيء أو شخص آخر سيملأ الفراغ إذا لم تملئيه أنت.

كونكِ امرأة سعوديّة، كيف تساهمين في تحقيق الرؤية 2030 وجعل بلادك مثالاً يُحتَذى به على كافّة الأصعدة؟

كلّ منّا تصبّ طاقتها و تركيزها على ما تعتقد أنّه مهمّ نظراً للحقائق التي تؤمن بها. فلطالما أحببتُ الطعام ومنّ منّا لا يحبّه؟ إلّا أنّ شغفي قادني لأجعله مهنة أمارسها بما أنّ هذه المسألة تؤثّر في الحياة اليوميّة لكلّ من يقرأ هذه السطور اليوم. وتأكل أغلبيّة الناس لتبقى على قيد الحياة إنّما يمكننا أن نأكل لننمو ونزدهر. لكن كيف؟ هذه تماماً الرسالة التي أسعى جاهدةً لإيصالها إلى كلّ مَن حولي عبر ممارسات الإرشاد الصحيّ واستشارات فنّ الطهو التي أقدّمها للمطاعم والمقاهي التي تريد أن تكون جزءاً من هذا التغيير باتّجاه الصحّة والرفاه، فتُحدث تأثيرات متعاقبة تجعل المجتمع الذي أحبّه يخطو خطوةً تلو الأخرى لعيش حياة أكثر شموليّةً وصحّةً توازناً.

اقرئي أيضاً: Dalma Malhas: علاقتي بالخيول قصّة حبّ أزليّة بدأت منذ طفولتي

العلامات: Nawal AlKhalawi

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث