لا يشمل الحبّ حبّ البشر فحسب، إنّما يتعدّاه أيضاً ليطال حبّ المخلوقات الأخرى التي نتشارك معها هذه الأرض في تناغم كالحيوانات سواء كانت أليفة أو غير أليفة، بحريّة أو بريّة أو جويّة. لكلّ منّا تفضيلاتها وشغفها بنوع محدّد من الحيوانات. ويُمكن أن يكون هذا الودّ فطريّاً أو ينمو جرّاء محيطنا الإجتماعيّ. وإن كان هذا الإنجذاب يرتبط بخلفيّتنا واهتمامنا بالطبيعة بشكل عامّ أو بثقافتنا الاجتماعيّة، فإنّه بالفعل شعور رائع وعلاقة سامية مع أبهى مخلوقات الله التي تشعر بالحبّ وتعيشه أيضاً فيما بينها أو تجاه العائلات التّي تتبنّاها. وبينما تُربّي بعض الأسر أطفالها على أهميّة الرأفة بالحيوان، تتبنّى عائلات أخرى حيوانات أليفة تصبح أفراداً منها فيتأثّر بها أطفالها. وبما أنّنا نؤمن بأهميّة بناء علاقة سليمة ووديّة مع الحيوانات، قابلنا في هذا التحقيق الفارسة السعوديّة التي بنت علاقة خاصّة مع الخيول منذ نعومة أظافرها Dalma Malhas.
هي الفارسة الأولى التي تمثل المملكة العربيّة السعوديّة في حدث أوليمبيّ. وبالعودة إلى العام 2010، فازت Dalma Malhas بميداليّة برونزيّة في سنغافورة ممّا جعلها ثالث شخص سعوديّ يفوز بميداليّة أولمبيّة في ذلك الوقت. هذا وحصدت أيضاً جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للإبداع الرياضيّ وبرزت على أنّها المرأة الأولى التي تمثّل المملكة العربيّة السعوديّة في دورة الألعاب العالميّة للفروسيّة التي أقيمت عام 2018 في ترايون. وبعد خوضها المنافسات في جميع أنحاء العالم، تبارت الشابّة الطموحة في العام الماضي على أرض وطنها ضمن فعاليّات مهرجان الدرعيّة للفروسيّة. وبعد أن سُنحت لنا فرصة لقائها، شهدنا بالفعل حبّها للخيول بأمّ العين. وفي ما يلي سألناها عن حبّها للحيوانات وعلاقتها الخاصّة بالخيول وكذلك عن مسيرتها الناجحة وطموحاتها المستقبليّة.
هل تعتبرين نفسك من محبّي الحيوانات؟ ما الحيوان المفضّل لديك فضلاً عن الخيول؟
بالتأكيد أعتبر نفسي من محبّي الحيوانات، وإلى جانب الخيول أعشق القطط كذلك، لا سيّما الفصيلة الفارسيّة منها. حتى أنّني امتلكت قطّاً فارسيّاً يدعى Pepe أم Pepper باللغة الإيطاليّة وفلفل بالعربيّة وسيبقى دائماً عزيزاً جداً على قلبي. وأعتقد أنّه من المهم معاملة الحيوانات برفق وحنان.
بدأت ركوب الخيل في سنّ الرابعة، ما الذي تعلّمته من الخيول في نشأتك؟
تعلّمت الانضباط من الخيول، وكذلك قوّة الحدس والتركيز. وعلّمتني أيضاً أنّه ما من طرق مختصرة في الحياة، لا بل يحصد المرء ما يزرعه.
من المعروف أنّ الخيول مخلوقات قويّة ورشيقة. ما السمات التي تتشاركينها مع هذا الحيوان الجميل؟
تبدو الخيول مخيفة في البداية، لكن بمجرّد التّعرف عليها، تمنح الشخص أكثر ممّا قد يتخيّل إذا ما عرف كيفيّة التعامل معها. فمن المستحيل كسب ثقتها واحترامها وحبّها بالكلمات، فالتواصل معها يتجاوز الكلمات. ولربما أنا من أكثر الأشخاص الذين يفهمون هذا الأمر، فالخيول أقرب أصدقائي وأشعر أنّني أستطيع فهم ما تحاول إخباري به من نظرة واحدة. إذ قبل أن أتعلّم المشي حتى، وجدت نفسي أتعامل مع الخيول وأمارس الفروسيّة.
في أيّ مرحلة قررت احتراف قفز الحواجز التي تعتبر رياضة غير شائعة بين النساء في المملكة العربيّة السعوديّة؟
لطالما حلمت بأن أحترف قفز الحواجز، غير أنّني قررت الالتحاق بهذه الرياضة فعلاً بعد الجامعة. فحينها حسمت قراري وسرت بخطى ثابتة نحو تحقيق هذا الهدف.
من المعروف أنّ والدتك استقدمت رياضة الفروسيّة إلى المملكة من خلال افتتاح أحد أولى أندية ركوب الخيل في السعوديّة. كيف تلهمك مسيرتها؟ وما الدور الذي لعبته في تعزيز علاقتك القويّة بالخيول؟
والدتي معلّمتي ومشّجعتي ومصدر إلهامي، ولولاها لما كنت حيث أنا اليوم. فهي من عرّفني على الخيول وجعلني أقضي طفولتي بينها في الاسطبل. ونظراً إلى أنّ والدتي واحدة من الأشخاص الأوائل الذين احترفوا قفز الحواجز في البلاد، فلم تسهم فقط في ترسيخ علاقتي مع الخيول، إنّما فتحت أبواباً كثيرة أمام النساء في رياضة الفروسيّة في المملكة العربيّة السعوديّة.
هلّا شاركتنا في إحدى ذكرياتك ذات الصلة بالخيول التي تحبّين؟
بصراحة، تكثر ذكرياتي الجميلة مع الخيول، بدءًا من الانتصارات معها وحتى تحقيق الأهداف معاً في المنافسات. لذا من الصعب جداً أن أختار ذكرى واحدة فحسب، إنّما سأقول إنّ ذكرياتي معها عبارة عن قصة حبّ أزليّة بدأت مذ كنت طفلة صغيرة.
كيف وجدت شعور المنافسة في وطنك في مهرجان الدرعيّة للفروسيّة؟
المنافسة على أرض بلادي تجربة مذهلة ولحظة حلمت بها منذ سنوات طوال. وبالطبع شعرت بالفخر والشرف لأنّني كنت جزءًا من ذلك الحدث، ويسعدني أنّني عدت إلى وطني حاملةً معي ما عملت عليه لسنوات.
بعدما حققت من نجاحات مبهرة، هلّا شاركتنا طموحاتك اليوم في ما يتعلّق بالألعاب الأولمبيّة؟
حلمي الأسمى أن أفوز بالميداليّة الذهبيّة في الألعاب الأولمبيّة. وإنّني على يقين أنّه يمكن لهذا الحلم أن يتحوّل إلى هدف، من خلال التحلّي برؤية محدّدة ووضع خطة استراتيجيّة وامتلاك الدعم الصحيح والعمل الدؤوب.
كيف يساعد ركوب الخيل النساء وماذا تقولين لهنّ لتشجيعهنّ على ممارسة الفروسيّة؟
أعتقد أنّ الرياضة بمجملها مفيدة وصحيّة جداً. فالحركة مهمة جداً للعافية الجسديّة والعقليّة. ومن الواضح أنّ علاقتي بالخيول وثيقة جداً، وأعتبرها الملاذ الأكثر صحة الذي لا يفقد صلته بالواقع في آنٍ معاً. وإنّ الفروسيّة لرياضة ممتازة للعقل والجسد والروح أيضاً. لذا أنصح النساء بممارستها. وكذلك بأن يعلّموا أولادهنّ السباحة والرماية وركوب الخيل.
أنت رائدة في المملكة العربيّة السعوديّة في مجال عملك، وبالتالي فقد أصبحت مثالاً تحتذي به المرأة السعوديّة. بمَ تنصحين السيدات اللواتي يرغبن في تحقيق قصة نجاحهنّ الخاصة؟
أولاً أشكر الله على نجاحي، وأعتبر أنّه من المهم أن نتمتّع برؤية واضحة وأن نكون مستعدّات للتضحية والعمل بكدّ من أجل هدفنا. وبمجرد الاتّسام بهذا الفكر، تتلاشى جميع العقبات ويصبح من السهل التغلّب عليها.
كيف تسهمين كامرأة سعوديّة في تحقيق رؤية 2030 وجعل المملكة مثالاً رائداً على المستويات كافّة؟ وإذا سنحت لكِ فرصة السفر عبر الزمن إلى العام 2030، فما الجانب الذي تودّين رؤيته بشكل مختلف في حياة المرأة السعوديّة؟
وجودي في المنتخب السعودي خير دليل على أنّ المملكة بلد ذو تقاليد نبيلة وجذور قويّة إنّما مواكبة للعصر أيضاً. وكذلك تسهم مشاركتي في قفزالحواجزعالميّاً بكسرالصورالنمطيّة. لذا أتمنّى أن أرى المزيد من السعوديّات يدمجن الرياضة في أسلوب حياتهنّ في العام 2030، وآمل أن تشارك المزيد من النساء في الأحداث الرياضيّة العالميّة وتفزن بها. وأختم بالقول إنّ الدافع الرئيس للتأثيرعلى حياة النساء بشكل ملحوظ يقضي بإلهامهنّ وحثّهنّ على القيام بخطوات صغيرة نحو الرؤية الكبرى.
اقرئي أيضاً: Nadine Ghosn: أحبّ ابتكار قطع فنيّة جميلة ترتقي بأمور معيّنة تحرّك عواطفنا