Manal Ataya: الفهم العميق لتاريخ الشعوب من خلال المتاحف، يُسهم في تعزيز التعايش الإنساني

هي شغوفة منذ نعومة أظافرها بالفنون والثقافات والحضارات والمتاحف. وما لبثًت منال عطايا، بعد تخصّصها في جامعة هارفارد في الدراسات المتحفيّة، أن عادت إلى بلدها الإمارات العربية المتّحدّة استجابةً لنداء الواجب والانتماء الوطني لتسخّر دراستها وخبراتها في مسيرة التطوير ضمن مجتمعها وبلدها وتتألّق في عالم المتاحف. وبعد تسلمّها في العام 2005 منصب نائب المدير، تلاها تقلُّدها منصب المدير العام لهيئة الشارقة للمتاحف. وتخلّلت مسيرتها 15 عاماً من النجاحات المتتالية، ازداد فيها عدد المتاحف المنضوية تحت مظلّة الهيئة إلى 16 متحفاً. وتحتلّ هذه المتاحف مكانة متميزة على الصعيدين العربي والعالمي. ولعلّ أبرز المحطّات في حياة منال عطايا المهنيّة كان تقليدها بـ "وسام فارس للفنون والأدب"، من جمهورية فرنسا في العام 2018 تقديراً لمساهماتها في القطاع الثقافي. في ما يلي نتحدّث مع عطايا عن مسيرتها، وكيفيّة الحفاظ على هذه المتاحف وتطويرها لتأكيد أهميّة الدور الثقافي الذي تلعبه في التقريب بين الناس من مختلف أنحاء العالم، كما نستعرض معها الجهود التي تقوم بها هيئة الشارقة للمتاحف للبقاء على تواصل مع الجمهور خلال جائحة كورونا. 

هلاّ شاركتنا القصّة وراء شغفك بالفنون والثقافة والحضارات؟

ولد اهتمامي بالمتاحف عندما كنت صغيرة إذ أحببت الرسم وكنت أمارسه، ثمّ ازداد هذا الاهتمام في التاسعة من عمري عندما زرت برفقة عائلتي متحف التاريخ الطبيعي في لندن وقمت بزيارات لعدد من المتاحف والمعالم الثقافيّة من حول العالم. فزاد اهتمامي أكثر بمتاحف الفنون حيث رأيت فيها مساحات تضمّ الكثير من الجمال والإبداعات الفنية بأشكالها المتنوعة، والمقتنيات الأثرية من مختلف أنحاء العالم التي تروي قصصاً وتجارب فريدة من نوعها. فكانت دراسة الفنّ هي الخيار الطبيعي بالنسبة إليّ وخطّطت حينها أن أدرس الفنّ في أمريكا. وخلال دراستي، زرت عدداً من المتاحف وباتت لدي رغبة في أن أجمع ما بين التعليم والفنّ. لذلك كان عملي في المتاحف خياراً واضحاً لأنّها تمزج ما بين التعليم والعمل المتحفي وجاء العمل مع هيئة الشارقة للمتاحف كفرصة مثاليّة.

شهدت الساحة الثقافيّة والتراثيّة في منطقة الخليج تطوّراً هائلاً في السنوات الأخيرة. كيف تساهم متاحف الشارقة بمختلف اختصاصاتها في تقريب حبّ الثقافة والاطّلاع من المواطنين المتواجدين في الإمارة على اختلاف انتماءاتهم؟

تتبنّى الهيئة رؤية التعليم لكافّة زوار المتاحف، وتشجّع تنمية قدرات استصقاء المعلومات من المتاحف، ومن برامجها وفعالياتها ومقتنياتها المتنوعة، التي تلقي الضوء على تاريخ الأمم وثقافاتها، لنصبح أكثر وعياً وإدراكاً لثقافة الآخر ممّا يرسّخ ثقافة التسامح في المجتمع ككلّ.

هلاّ أطلعتنا على الجهود التي تقوم بها هيئة متاحف الشارقة في تعزيز الشراكات مع المتاحف الدولية وكيف يُغني ذلك ساحتنا الثقافيّة الخليجيّة؟

نسعى دائماً في هيئة الشارقة للمتاحف إلى تأسيس علاقات وطيدة مع نظرائنا من مختلف أنحاء العالم، لأنّها تسهم في إثراء تجارب الزوار من خلال إقامة معارض وبرامج مشتركة والارتقاء بمستوى العمل المتحفي في الوقت عينه. ونَتج عن بعض هذه الجهود إقامة معرض "لتتعارفوا"، الذي استمرّ لمدّة ثلاثة أشهر، وتمّ من خلاله عرض مقتنيات من الفاتيكان للمرّة الأولى في متحف الشارقة للحضارة الإسلاميّة نظراً لندرتها وقيمتها الفنّيّة، يُضاف إلى ذلك إنجازات البرنامج الأكاديمي في علم المتاحف "سوا"، الذي تنظّمه الهيئة بالتعاون مع متاحف برلين الوطنية ومعهد جوته في منطقة الخليج وجامعة العلوم التطبيقيّة في برلين، حيث حاز البرنامج في شهر نوفمبر الماضي على جائزة أكاديمية الشباب العربي الألماني للعلوم الإنسانية (AGYA)، والتي تُمنح للمبادرات والمشاريع التي تعزّز دور العلوم الإنسانية وقيمتها في البحث والتعليم والمجتمع وفي إيصال العلوم الإنسانيّة إلى جمهور أوسع. أمّا على المستوى الإقليمي، فأثمر تعاوننا الذي يهدف إلى إبراز المقتنيات النادرة والتاريخ والآثار في كافّة دول المنطقة العربيّة، عن استضافة معرض "روائع الآثار في دولة الكويت" في متحف الشارقة للآثار أكتوبر الماضي. واستضاف متحف الشارقة للآثار في أكتوبر 2018 “معرض صدى القوافل … مراكز حضاريّة من المملكة العربية السعودية خلال فترة ما قبل الإسلام“، الذي سلّط الضوء على الروابط الوثيقة التي جمعت ما بين أبناء الجزيرة العربية، وقدم لمحة عن العلاقات التجارية والثقافية التي جمعت بين المراكز التجارية في الماضي. وفي العام 2016، استضاف متحف الشارقة للآثار، معرض "البتراء: أعجوبة الصحراء" الذي تضمّن مجموعة مذهلة من المقتنيات الأثرية النادرة والمصنوعات والأعمال الحرفية التي تمّ اكتشافها في مدينة البتراء في المملكة الأردنية الهاشمية.

ما هي الجهود التي تقوم بها هيئة الشارقة للمتاحف للبقاء على تواصل مع الجمهور خلال جائحة كورونا؟

ندرك تماماً أهميّة الدور الذي تلعبه المتاحف في الاستجابة لاحتياجات المجتمعات والمساهمة في تنميتها في جميع الأوقات، وفي الوقت الحالي ومع تبعات تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، عملنا على توفير كافة السبل لتسهيل وصول كافة أفراد المجتمع لمتاحفنا ومقتنياتنا وبرامجنا من خلال منصّاتنا الرقميّة.

كما أطلقنا جولات افتراضيّة في متحف الشارقة للفنون من ضمنها جولة افتراضية للفصل الثاني من معرض "مسيرة قرن"، بالإضافة الى توفير عدد من مقتنياتنا الإسلاميّة على الموقع الالكتروني لـ ”متحف بلا حدود“ ونظّمنا كذلك معرضاً افتراضياً للفنانة الفوتوغرافية الأثيوبية، عايدة مولوني، في متحف الشارقة للفنون في شهر مايو من هذا العام. ومؤخراً أصبحت متاحف الهيئة متوفرة على منصة دليل المتاحف العالمي "ڤيميوز" وذلك سعياً منّا لتشجيع المبدعين وتوفير منصّات لعرض أعمالهم الفنية.

نظّمنا أيضاً معرضاً رقميّاً تحت عنوان "التنوّع في أوقات الأزمات" بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف، الذي جاء هذا العام تحت شعار "المتاحف من أجل المساواة: التنوع والشمول"، بهدف تشجيع الفنانين اليافعين الناشئين على مشاركة إبداعاتهم الفنية التي تنسجم مع شعار اليوم العالمي للمتاحف، وتسلط الضوء على الحاجة للإبداع في فترة الجائحة بينما نعمل حالياً على توفير جولات افتراضيّة من كافة متاحفنا. ومن جهة أخرى، أطلقت الهيئة سلسلة من المبادرات عبر الإنترنت تستهدف الأطفال والأسر، من ضمنها ورش العمل التفاعلية والأنشطة التعليمية المتوفرة على موقع الهيئة التي تمّ تصميمها خصيصاً لتلبية احتياجات المجتمع وتطوير منظومة العمل.

في ظلّ الأزمات يلجأ الإنسان إلى الطبيعة والتراث التقليدي حيث يجد راحته. أيّ دور يمكن أن تلعبه المتاحف اليوم خلال هذه الأزمة عبر ربط ماضي الإنسان بمستقبله؟

تواصل الهيئة الاستثمار في منصّاتها الرقمية، وتسعى لإطلاق تجارب رقمية جديدة وفريدة من نوعها، لتبقى على صلة بأفراد المجتمع، وتعمل على مساعدتهم وسط القيود العالمية التي تفرضها الإجراءات الوقائية من الفيروس، وبهدف تزويد الزوار بفرص التعلّم عبر المنصّات الرقميّة، لتعزيز الفكر الإبداعي لديهم، وتقديم الدعم خلال هذه الأوقات الصعبة، من خلال تسهيل الوصول للمتاحف وما تحتضنه من الفنون والثقافة. ونحن على يقين بقدرة المتاحف على تغيير الحياة بشكل إيجابي، لأنها تلهم الناس وتشجّعهم على التفكير أو الشعور بشكل مختلف. بالإضافة إلى أنّ المشاركة والتواصل مع أفراد المجتمع أمر بالغ الأهمية للجميع، وخاصّة بالنسبة للأطفال، فذلك يمنحهم القدرة على استثمار الوقت في أنشطة مفيدة يتعلّمون منها ويستمتعون بها.

ما أهميّة التعرّف على المتاحف والفنون والحضارات منذ سنّ صغيرة؟ وفي هذا السياق ماذا تنصحين الأهل لتنمية هذا الحسّ عند أطفالهم؟ وكيف يمكنهم أن يغتنموا الفرصة ويفعلوا ذلك اليوم؟

التجربة المتحفيّة هي أسلوب حياة، إذ تلعب الأسرة دوراً محورياً في بنائه وتعزيزه لدى أطفالها من خلال جعل زيارة المتاحف عادة تستمرّ طيلة سنوات حياتهم. وكذلك من خلال تغيير الفكرة النمطيّة لدى الصغار عن المتاحف من أنّها حاضنة للحضارات الماضية فحسب، إلى الإدراك بأنّها مراكز فنّيّة وثقافيّة وتعليميّة تقدم فرصاً للتعلم المستمرّ. وهذا ما تسعى الهيئة إلى تحقيقه من خلال برامجها وفعالياتها المصمّمة بطريقة ممتعة تمزج بين التعلّم والترفيه، بهدف جذب صغار السنّ من كافّة الفئات وتحفيزهم على الاستكشاف والتساؤل وتنمية الفكر الإبداعي لديهم من خلال مقتنيات المتاحف وبرامجه وفعالياته. فعلى سبيل المثال، أطلقت الهيئة مبادرة "متاحف صديقة لذوي التوحّد" اعتمدت على أساليب تعليميّة مطبّقة عالميّاً في تعليمهم بهدف جعل متاحف الهيئة متاحة لكافّة فئات وأفراد المجتمع. كذلك، قدّمنا حزمة من الفعاليات والأنشطة الاجتماعيّة والعلميّة المتنوّعة باللغتين العربيّة والإنجليزيّة، عبر المخيّمات الصيفيّة التي تستضيفها متاحفنا كلّ عام.

وأطلقت الهيئة مبادرة "متاحف على الطريق"، التي جاءت بدعم من شركة بيئة وبالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، واستهدفت طلاب وطالبات المدارس الحكوميّة، في المناطق البعيدة عن مركز المدينة، لتعزيز وصول طلبة المدارس إلى ما توفره متاحف الهيئة. كما تمّ تنظيم معرض "وأصبح الخيال حقيقة" بالتعاون مع المجلس الإماراتي، في مارس الماضي. وهو مخصّص لكتب اليافعين، الذي يقام للمرّة الأولى في الوطن العربي، بهدف ترسيخ ثقافة القراءة لدى الأطفال والشباب من خلال الاحتفاء بحياة الكاتب والشاعر الدنماركي هانز كريستيان أندرسن. ولم تتوقّف الهيئة عن سعيها لإبقاء قنوات التواصل مع الأجيال الناشئة مفتوحة خلال هذه الجائحة.فصمّمت وأطلقت عدّة ورش وأنشطة تعليمية تفاعلية إلكترونية أتاحت لكافة أفراد الأسرة استثمار الوقت سوياً في التعرّف على الآثار والفنون الإسلاميّة المتنوّعة، وأتاحت كذلك الفرصة للفنانّين الهواة اليافعين من سن 16 عاماً مشاركة أعمالهم الإبداعيّة في معرض "التنوّع في أوقات الأزمات"، الذي أقيم في شهر مايو بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف.

كونك عضو في لجان كليّة الفنون الجميلة والتصميم بجامعة الشارقة، هلاّ أخبرتنا عن كيفيّة تعاطي الشباب والشابات الإماراتيّات عموماً مع المتاحف وكيف يمكن تعزيز اهتمامهم بها؟

على الرغم من الفكرة السائدة بأن الشباب والشابّات عادةً ما يبحثون عن الفرص التي توفّرها التطوّرات التكنولوجيّة المتسارعة، أو يسعون لمجاراة الأسواق ومتطلّباتها. ولكن في السنوات الأخيرة، وعبر تطويرنا لأدوات الاتّصال والتواصل في هيئة الشارقة للمتاحف مع فئة الطلّاب، وتحديداً في الجامعات، استطعنا تحقيق تطوّر لافت في اجتذاب توجهاتهم نحو المتاحف وتعزيزها للتعلّم والتعرّف على أهميّتها ودورها والفرص التي توفّرها للطلاب.وقدمنا لهم مساحات يشاركون من خلالها آراءهم وأفكارهم وأعمالهم، وتمّ التعاون مع عدد من المؤسسات التعليميّة في الدولة لتشجيع الطلّاب على التعرّف على علم المتاحف.

 كيف تساعد المتاحف على إقامة حوار ثقافيّ بين مختلف الحضارات خصوصاً في ظلّ ما يحدث اليوم من أحداث مستجدّة في الولايات المتحدّة الأميركيّة؟

تعمل المتاحف على توفير فرص للحوار بين الثقافات المختلفة من خلال ما تحتضنه من مقتنيات متنوعة تعكس الحضارات والعلوم والفنون المتنوعة وأوجه الشبه التي نتشارك فيها جميعاً من كافة دول العالم وثقافاته. كذلك، تحفّز الزوار على اختلاف أديانهم وجنسياتهم وخلفياتهم الثقافية على الانخراط في الحوارات الحضارية المشتركة كمنهج حياتي. وبدورنا نحرص على تعزيزه كأمر أساسي في تطور المجتمعات ونواصل تنظيم المعارض والبرامج والمبادرات التي تشكل ملتقى للجميع وإطلاقها. وأنا على يقين بأنّ الفهم العميق لتاريخ الشعوب من خلال المتاحف، يُسهم بشكل كبير في تعزيز التعايش الإنساني في ضوء التعدّد والتنوع الثقافي للمجتمعات. وندرك أنّ الاختلاف عن الآخر هو ميزة وفرصة للإبداع الإنساني والانفتاح على الثقافات المتنوعة والغنية.

ما هو برأيك دور النساء اليوم على وجه الخصوص في التّصدي للأزمات في مجتمعاتهم؟

لطالما كانت المرأة جزءاً محورياً في الأحداث وشريكاً أساسياً في مسيرة التنمية بمختلف مجالاتها. وتلعب في الوقت الحالي دوراً رئيساً في مواقع صنع القرار، حيث ما زالت تؤدي دورها ورسالتها كعنصر فاعل في المجتمعات، ومشارك أساسي في الجهود التي تُبذل من أجل تحقيق التنمية المستدامة. بالإضافة إلى وعيها ودورها في التفاصيل الحياتيّة اليوميّة كإبنة أو أخت أو زوجة أو أمّ، ممّا يجعلها إحدى محرّكات الحلول للأزمات التي تشهدها المجتمعات في يومنا هذا.

اقرئي أيضاً: كارما إكمكجي: "تحتاج النساء إلى مواصلة النضال للوصول إلى مناصب رفيعة المستوى"

العلامات: Manal Ataya

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث