كارما إكمكجي: "تحتاج النساء إلى مواصلة النضال للوصول إلى مناصب رفيعة المستوى"

بعد حصولها على درجة الماجستير في الإدارة العامّة من جامعة كولومبيا في نيويورك فيما كان شغفها يتمثّل في السياسة البيئيّة، تلقّت كارما إكمكجي في أحد الأيّام بريداً إلكترونيّاً يعلن عن وظيفة شاغرة في إدارة الأمم المتّحدة للشؤون السياسيّة في مكتب الشرق الأوسط. فما لبثت أن تقدّمت إليها وحصلت على المنصب، وحينها تماماً بدأت مسيرتها في المجال الدبلوماسيّ والسياسيّ. فبدا الأمر وكأنّ المسار اختراها وليس هي من اختارته. بدءاً من كونها خبيرة في السياسة الخارجيّة، إلى دورها كمستشارة حول شؤون المرأة والسلام والأمن وتأسيسها مبادرة Diplowomen، إلى عملها مؤخّراً مستشارة مع هيئة الأمم المتّحدة للمرأة، لم تكن مسيرة إكمكجي سهلة إنّما ملفتة فعلاً. فكلّ يوم بالنسبة إليها كان بمثابة صراعاً وليس أمراً يتحقّق بسهولة أو صفقة منتهية، فهي تحارب يوميّاً ليسمع العالم صوتها وأصوات النساء الأخريات اللواتي تنصحهنّ بالتحلّي بالانفتاح وفرض أنفسهنّ لإيصال صوتهنّ. في ما يلي نتحدّث مع هذه المرأة اللبنانيّة الرائدة حول مسيرتها الناجحة ونظرتها لمشاركة النساء في الحياة السياسيّة ودورهنّ في المجتمع خلال الأزمات ومواضيع أخرى متّصلة بالوضع الراهن.

التصوير: Janis Sarraf

  1. بعد أن شغلت منصب مستشارة الشؤون الخارجيّة والعلاقات الدوليّة لرئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، اتّخذت مؤخراً طريقاً جديداً. هلاّ أخبرتنا أكثر عنه؟

إنّني حاليّاً مستشارة مع هيئة الأمم المتّحدة للمرأة. وسنعمل على تطوير عدد من المشاريع التي تندرج ضمن جدول أعمال السلام والأمن للمرأة في لبنان والعالم العربيّ بأكمله. ففي العام 2020، يحتفل العالم بالذكرى السنويّة العشرين لإطلاق هذه الأجندة، غير أنّ المرأة لا تزال غير موجودة في مناصب رفيعة المستوى لصنع القرار وغير مشاركة في حلّ النزاعات وعمليّات السلام، لا سيّما في العالم العربيّ، على الرغم من أنّ الأبحاث تظهر أنّ وجود المرأة على طاولة عمليّة السلام، يحقّق السلم بصورة أسرع وأكثر استدامة. ولا جدال في أنّنا نعيش في أقلّ منطقة سلميّة في العالم! لذا حان الوقت لتغيير طريقة تفكيرنا وسلوكنا وآن الأوان لتشارك المرأة وتأخذ بنفسها زمام المبادرة.

  1. هلّا أخبرتنا المزيد عن قصّة تأسيس Diplowomen. وكيف يمكن تمكين المرأة من خلال هذه المبادرة؟

تهدف Diplowomen إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على جدول أعمال السلام والأمن للمرأة. ومن المحتمل أنّ من يعملون خارج هذا المجال لا يعرفون مضمون هذه الأجندة، ولربّما لم تسمع قارئاتنا اليوم عن هذا الموضوع. غير أّنّني لا ألومهنّ لأنّ المناقشة حول هذه القضايا على مرّ السنين اقتصرت على المؤتمرات رفيعة المستوى والأكاديميين وواضعي السياسات والمؤسّسات متعدّدة الأطراف والمسؤولين الحكوميّين. وبالتالي، لم يتم تثقيف الجمهور حول هذه القضيّة. من هنا، يتمثّل هدفي من خلال المبادرة في تبسيط هذه الأجندة، حتّى يتمكّن الجميع من فهم ما يتحدّث عنه هؤلاء الأشخاص رفيعي المستوى! بكلمات أخرى، ترمي المبادرة إلى إخبار كلّ فتاة وامرأة بأنّه يمكنها أن تكون عاملاً للسلام وتسعى إلى تشجيع كلّ رجل على دعم النساء اللواتي يرغبن في دخول المعترك السياسيّ والدبلوماسيّ وصنع السلام وحلّ النزاعات والاهتمام بالشؤون الدوليّة. إذاً إنّنا بحاجة إلى تربية الجيل الجديد من الفتيات على أن يصبحن قدوة في هذا المجال.

  1. عندما تفكّرين بخبرتك خلال السنوات الماضية، ما التّحديات التي واجهتها وما العوامل الشخصيّة والخارجيّة التي تعتقدين أنّها ساعدتك على أن تصبحي ما أنت عليه اليوم؟

يكمن التحدّي الأبرز الذي عشته في عدم أخذي على محمل الجدّ في المجال السياسيّ والدبلوماسيّ لأنّني امرأة. إذ تطلّب كسر هذا الجدار الكثير من العمل الشاق والجديّة. لكن ما زلت أشعر بأنّ الأمور لم تصبح على ما يرام تماماً من حيث هذه المسألة. كذلك، عشت تحدياً مزدوجاً في بداياتي بما أنّني لم أكن امرأة فحسب، لا بل كنت امرأة شابّة ويافعة.

بالمقابل، لا شكّ في أنّ إظهار احترام الذات يعتبر عاملاً شخصيّاً وثمرة عمل شاق. أمّا بالنسبة إلى العوامل الخارجيّة، فأنا ممتنّة لشريك حياتي المذهل الذي يدفعني دائماً إلى الأمام، ويشاركني جميع المسؤوليّات في ما يتعلّق برعاية أطفالنا عندما يتعيّن عليّ العمل. حيث لم أكن لأنجح في ما أفعله لولا دعمه.

  1. كثيرة هي العوامل الخارجيّة التي تؤخّر التمثيل العادل للمرأة في البرلمان اللبنانيّ وفي المجال العام. إنّما هل تعتقدين أنّ المرأة مسؤولة أيضاً عن استبعادها؟ وما الخطوات الملموسة التي يجب اتّخاذها لتشجيع المرأة على أن تكون أكثر نشاطاً في هذا المجال؟

هذا سؤال واسع غالباً ما يتمّ طرحه، حتى أنّ خبراء بارزين أجروا عدداً لا بأس به من الأبحاث للإجابة عليه. إنّ المفاهيم والتقاليد الذكوريّة الراسخة بعمق في مجتمعنا لا تساعد على حلّ هذه القضيّة، حتى أنّها في صميم المشكلة. ولتغيير هذا الواقع، نحن بحاجة إلى جيل كامل. إلاّ أنّني أشعر بأنّ المرأة قد تنازلت للأنظمة الذكوريّة في بلادنا العربيّة واستسلمت لحقيقة أنّه لا يمكن تغييرها. على هذا النحو، يمكن اعتبار المرأة مسؤولة عن استبعادها إلى حدّ ما لكن لا يجب إلقاء اللوم عليها. وفي النهاية، تبقى زيادة الوعي والمعلومات المتبادلة جوهريّة لزيادة نشاط المرأة في هذا المجال.

  1. لاحظنا أنّ البلدان والمناطق التي تقودها النساء تمكّنت من إدارة أزمة COVID-19 بشكل أفضل من بقيّة البلدان، ممّا يثبت فعاليّة حضور المرأة في مراكز عالية المستوى لصنع القرار. فما أفضل طريقة للتخلّص من الصور النمطيّة القديمة ومنح النساء الثقة لتحمل المسؤوليّة في المناصب هذه؟

هذه الأمثلة تتحدّث عن نفسها بالفعل! حيث حقّقت نيوزيلندا وفنلندا وألمانيا وغيرها من البلدان التي تقودها النساء أداءً أفضل من غيرها في مواجهة الوباء. إذ أثبتنَ أنهنّ يتبعن نهجاً أكثر تعاوناً عند اتّخاذ قراراتهنّ، مع مراعاة مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة لضمان راحة المجتمع بالقرارات المتّخذة. ويمكن تطبيق ذلك أيضاً بغية صنع السلام وحلّ النزاعات.

  1. كيف يمكن للمرأة أن تكون نشطة في مجتمعاتها بأفضل طريقة ممكنة في أوقات الأزمات؟

في خلال أيّ أزمة، دائماً ما تكون المرأة بحكم طبيعتها في الخطوط الأماميّة. وفي ظلّ وباء كورونا، وجدنا أنّ 70٪ من العاملين في مجال الرعاية الصحيّة في العالم كانوا من النساء. حيث مثّلت النساء خط الدفاع الأوّل ضدّ الوباء. وفي خلال الحروب والنزاعات، أظهرت الأدلّة أنّ النساء هنّ المجموعة الأكثر تأثراً بهذه الأحداث في المجتمع إنّما الأقل استشارة عند محاولة إيجاد الحلول. لذلك، تحتاج النساء إلى مواصلة النضال من أجل حجز مكان على الطاولة وهنا تلعب وسائل الإعلام دوراً كبيراً. لذا أنا سعيدة لرؤية ماري كلير العربيّة تهتم بهذه المسألة. لأنّه بدونكم أنتم وسائل الإعلام، لن تنجح المرأة قطّ في الوصول إلى مناصب عالية المستوى لصنع القرار. إذاً تقع على عاتقكم مسؤوليّة إلقاء الضوء عليها ومنحها منصة للتحدّث وإيصال صوتها ودعم رحلاتها في نجاحاتها وإخفاقاتها.

  1. كونك أمّاً، لا بدّ من أنّك قلقة إزاء مستقبل أطفالك. كيف تحافظين على الأمل وماذا تقولين لكلّ اللبنانيّات الأخريات اللواتي تساورهنّ المخاوف نفسها؟

لقد نشأت في خلال الحرب الأهليّة في لبنان حيث اختار والداي البقاء في البلاد بدلاً من المغادرة. لذا قضيت ليالٍ طويلة تحت القنابل وقُصف منزلنا مرات عدّة. وهذه التجربة التي عشتها في طفولتي ساهمت في تغذية شغفي بهذه القضيّة. إذ لا أريد أن أرى الأحداث نفسها في بلدي، فضلاً عن أنّ المنطقة في حالة اضطراب بالفعل. لكن لم يفت الأوان أبداً لتغيير الوضع، ويمكننا القيام بذلك إذا فكّرنا معاً. وبالطبع أقلق بشأن مستقبل أطفالي، وسأفعل كلّ ما يسعني لحمايتهم وضمان سلامتهم. إنّما لا أريد بالمقابل تربية أطفال غافلين عن الواقع وعن وضع العالم، لذا أحاول تحقيق هذا التوازن كلّ يوم. وهذا عمل متواصل لا ينتهي. لكن لدّي أمل، لا بل سيكون لديّ دائماً أمل في مستقبل أفضل للبنان وبلدان المنطقة.

إقرئي أيضاً: كارما إكمكجي: " من خلال السياسات والعقليّة الصحيحة، يمكننا جعل هذا الوضع المتأزّم مفيداً للمرأة "

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث