Alia Al Shamsi: تواجدت الثقافة في صميم تجربتي الحياتيّة ومثّل الحوار الجزء الأهمّ منها

التصوير: Maximilian Gower
الإدارة الفنيّة: Farah Kreidieh
التنسيق: Sarah Rasheed

إنّها راوية قصص بالفطرة، تبرع في التصوير الصحفي والرسم التوضيحي من جهة، وفي تأليف كتب الأطفال والشِعر من جهة أخرى، فتنبض مسيرة Alia Al Shamsi بحكايات من الإمارات، وطنها الحبيب. بالإضافة إلى ذلك فهي تشغل اليوم منصب مديرة البرامج الثقافيّة بالإنابة في متحف اللوفر في أبو ظبي، فلطالما تواجدت الثقافة في صلب تجربتها الحياتيّة ومثّل الحوار الجزء الأهمّ منها. كذلك، بفضل جذورها الإيطاليّة والإماراتيّة بالإضافة إلى دراستها في أستراليا ولندن، أدركت Alia دور الفنّ والثقافة في إثراء الحياة ورأت المنظور المتنوّع الذي يقدّمانه لصياغة التفاهم الثقافي. انطلقت من تأليف كتب الأطفال مع Alayah، وهي فتاة نشأت على الشاطئ وولدت والرمال في شعرها، فوجدت منزلاً في داخلها مهما كانت بعيدة عن مكان ولادتها. إنّها قصّة عن الهويّة والمنزل والانتماء والنمو... وعلى الرغم من أنّها نظمت الشعر منذ المدرسة الثانويّة، إلّا أنّها استأنفت موهبتها تلك بعد 10 سنوات، من خلال كتابها The Ocean Sees Through My Soul حيث تشارك فيه رحلتها في البحث عن مصدر للقوّة في لحظات ضعفها. في ما يلي، نستعرض معها مراحل مختلفة من مسيرتها الفنيّة الجميلة ونناقش أيضاً علاقتها بتراث وطنها الأم، فضلاً عن قصة خاصة تشاركها حصريّاً مع ماري كلير العربيّة بمناسبة اليوم الوطني الإماراتي!

لقد درست في أستراليا ولندن بالإضافة إلى جذورك الإيطاليّة والإماراتيّة. كيف يصقل هذا المزيج العالمي من نشأتك شخصيّتك وخياراتك المهنيّة؟

عند التفكير في أنّني نشأت في دبي، أدرك أنّني لم أشعر يوماً بأنّني مختلفة بحكم جذوري المختلطة. لا بل وجدت التغيير بين اللغات أمراً طبيعيّاً، تماماً مثل التبديل بين تناول الطعام بيدي واستخدام أدوات المائدة أو الاحتفال بالأعياد المختلفة بحسب الثقافات. لم أتعلّم تحدّث اللغتين العربيّة والإيطاليّة من جهة الثقافة الأوروبيّة فحسب، وإنّما أيضاً لأفهم المنظورين المتفاوتين على حدّ سواء. كنت قريبة من طرفي أسرتي وقضيت الكثير من عطلات الصيف في إيطاليا بقدر عطلات نهاية الأسبوع التي أمضيتها مع أقربائي في دبي وأبو ظبي والعين. كذلك، من المهم أن نتذكّر في ذلك الوقت أن دبي كانت مليئة بأطفال الثقافة الثالثة الذين نشأوا في ثقافات غير ثقافاتهم الأصليّة، وكلّنا وطّدنا علاقنا ببعضنا البعض من خلال حبّنا المشترك للرسوم المتحرّكة اليابانيّة وألعاب Mattel وأفلام هوليوود وغيرها من الأغراض الاستهلاكيّة العالميّة، ولربما تعتبر هذه أحد الأشياء الجيّدة التي قدّمتها العولمة. وينطبق الأمر نفسه على دراستي في الخارج، غير أنّ الاختلاف الوحيد أنّ الناس كانوا مهتمين بالثقافة الإماراتيّة والعربيّة التي شكّلت منصّة رائعة للحوار الثقافي. كما أدّت الدراسة في الخارج إلى ظهور وجهات نظر وطرق جديدة لمشاهدة الحياة واختبارها. وبالنسبة إلى شهادة الماجستير، قرّرت الانتقال إلى لندن للتدرّب في متحف فيكتوريا وألبرت، وكانت بالفعل تلك الأشهر الثلاثة لا تُنسى.

أمّا عن سؤالك كيف صقل هذا المزيج العالمي شخصيّتي وخياراتي المهنيّة؟ فقد تواجدت الثقافة في صميم تجربتي الحياتيّة ومثّل الحوار الجزء الأهمّ منها. إذ رأيت دور الفنّ والثقافة في إثراء الحياة والمنظور المتنوع الذي يقدّمانه لصياغة التفاهم الثقافي. وأحببت أن أشهد تلك اللحظة التي نعيش فيها تجارب مشتركة وكذلك نقبل الاختلافات بين بعضنا البعض. والواقع أنّ التصوير الفوتوغرافي شكّل وسيلة التعبير الخاصة بي وتذكرتي لمواصلة السفر حول العالم. حيث سمعت الكثير من القصص والتقيت بالكثير من الأشخاص الرائعين. هذا وقمت بتدريس التصوير في الجامعة الأمريكيّة في الشارقة وكنت محظوظة لأنني علّمت وتعلّمت بدوري أيضاً من بعض الطلاب المتفوقين. في نهاية المطاف، نحن كلّنا بشر والأعمال الثقافيّة والفنيّة، صغيرةً كانت أو كبيرة، هي البصمة التي تتركها أرواحنا في هذا العالم.

أنت مصوّرة ورسامة في آنٍ معاً. وعادةً ما يلتقط المصوّرون الواقع ويخلق الرسّامون شخصيّات خياليّة من شأنها تصوير الواقع أو العكس. هل ترين نفسك كشخص واقعي أو حالمٍ؟

باعتباري مصوّرة صحفيّة، سرعان ما أدركت أنّ الواقع عبارة عن منظور فردي بقدر ما أنّه جماعيّ أيضاً. فسواء تحدّثنا عن رسم توضيحي أو صورة فوتوغرافية، إنّ ما نلتقطه هو لحظة تعتمد على تفسيرنا الشخصيّ للواقع. ومن المهمّ أن نفهم أنّ العدسة تحدّد إطار المشهد مثلما يقيّد حجم لوحة الرسم التوضيحي الفنّان. ولربّما تعدّ وسيلة التصوير الفوتوغرافي انعكاساً للحياة والرسم التوضيحي تفسيراً لها وإنّما يمكن لكليهما أن يتركا التأثير نفسه. لسنوات طويلة، كان التصوير هو صوتي ووجدت طرقاً جديدة للتكلّم. أمّا بالنسبة إلى كوني واقعيّة أو حالمة، فعليّ القول إنّني أحلّق في مكان ما في الوسط.

هلّا حدثتنا أكثر عن الشخصيّة الرئيسة في كتاب الأطفال الأوّل لك Alayah. هل هي تجسّد شخصيّة Alia الطفلة؟

كنت جالسة على البحر في الجميرا، وتحديداً على الشاطئ الذي اعتادت جدّتي أن تأخذني إليه يوميّاً في طفولتي وشعرت بكثيرٍ من الضياع. وذلك لأنّني لم أكن مستعدّة لما كان يحدث في حياتي، لم أملك كتاب إرشادات أو تعليمات. ورحت أفكّر من أنا الآن؟ وإذ غابت الشمس ونهضت ثمّ أدركت أنّ شعري يحتوي على رمال. وحاولت أن أزيلها منه وهكذا… وجدت قصّتي! وكتبتها فوراً في تلك اللحظة وذاك المكان، وولدت قصة Alayah، فتاة نشأت على الشاطئ وولدت والرمل في شعرها. وقد وجدت المنزل بداخلها بغض النظر عن بُعدها عن مكان ولادتها. إنّها قصة عن الهويّة والمنزل والانتماء والنمو. ففي عالم اليوم، يتشرّد الكثيرون أو يجدون أنفسهم بعيدين عن منازلهم ولكن ثمة دائماً شيء بداخلنا نحمل المنزل من خلاله أينما ذهبنا.

انتقلت من كُتب الأطفال إلى الشعر الذي يتناول الوعي عن طريق الإبداع والتجارب. هل يمكنك أن تشرحي لنا كيف ساعدك الشعر على إعادة استكشاف نفسك وإعادة تعريف ذاتك كامرأة وكيف ترتبط كلماتك بمسيرة غيرك من النساء؟

إنّني أنظُم الشعر منذ المدرسة الثانويّة. غير أنّني استأنف هذا الأمر منذ حوالي 10 سنوات وكانت أشعاري مدوّنة على شكل مذكّرات وأفكار مجرّدة لم أستطع شرحها بالكلمات المنطوقة. لذا كنت بحاجة للسماح لها بالتدفّق بدون حكم أو قلق من أن يسيء العالم فهمها. والواقع أنّني كلّما كتبت أكثر، شعرت بأنّني أفضل. وغالباً ما أعيد قراءة مدوّناتي وبدأت أرى إمكانات في ما كتبته. ثمّ شاركتها مع بعض الشعراء، وذات يوم في خلال معرض الكتاب الذي شاركت فيه في باريس، قرّرت البحث عن مجالس الشِعر. وبعد أن وجدت أحدها، قمت بتلاوة شِعري أمام مجموعة من الغرباء. وحينها علمت أنني كنت على استعداد لبدء العمل على كتاب، وهكذا وجدت القوة في ضعفي.

وفي ذلك الوقت، كنت أدرس علم النفس والعلاج بالقراءة أو العلاج باستخدام الكتب على وجه التحديد، وتعمّقت أكثر في تعلّم المزيد عن استخدام الشعر كعلاج. فرصدت تطوّري ونموي الخاصّ في عملي.

ثمّ بعد 10 سنوات، صدر كتابي The Ocean Sees Through My Soul عن دار رواشن للنشر باللغتين العربيّة والإنجليزيّة، حيث أشارك قصتي عن ضعفي الشخصّي. وآمل أن تجد النساء والرجال أيضاً أجزاءً من أنفسهم داخل قصّتي وأن يحتفوا بكلّ ما يجعلهم ضعفاء وإنّما أقوياء جداً أيضاً.

أنت راوية قصص بالفطرة، إذا تعيّن عليك أن تشاركينا اليوم قصة تطوّر وطنك على مدار الخمسين عاماً الماضية، فماذا ستكون أبرز أحداث حكايتك هذه؟

إنّ قدرتي على أن أشهد هذا النمو الهائل والمشاركة فيه أمر لا يُصدق. وطبعاً، لا يتعلّق الأمر بناطحات السحاب والمباني المذهلة، لا بل بحقيقة أنّ وطننا قد استثمر في طليعة كلّ ذلك في تعليم الأجيال الشابة وتمكينها. وقد أنعم الله عليّ بالكثير من الفرص وأنا أعمل على أمل أن أتمكّن من القيام بالمثل لمجتمعي ووطني.

هل يمكنك إخبارنا عن العلاقة التي تربطك بتراث وطنك؟ وهلّا شاركتنا بعض الميزات المفضّلة لديك وزوّدتنا بمزيد من التفاصيل عنها؟

أحبّ ثراء الثقافة وكرم الضيافة والتسامح أوّلاً، وثمة أيضاً الكثير من الكنوز الخفيّة لثقافتنا يجب اكتشافها. فضلاً عن الرموز الموجودة في نسيج Sedu ورمزيّتها للقبائل، والعلاجات المنزليّة السريّة للزيوت والتوابل للشفاء، والعطور والأقمشة التقليديّة الملوّنة دائماً مثل جلّابياتنا المنقطة والمطرّزة المصنوعة من نسيج بوتيلة وأيضاً تاريخنا الشفوي في سرد القصص من الشعر إلى الحكايات الفولكلوريّة.

تشاركين في الكثير من المشاريع الخيريّة نذكر بينها مبادرة "القلوب السعيدة" التي تلقي مزيداً من الضوء على الأطفال في المناطق النائية. فكيف تساهمين في دعم مجتمعك؟

لقد أتيحت لي فرص كثيرة وآمل أن أكون قادرة على أن أقوم بالمثل بقدر ما أستطيع. لقد عملت مع بينالي الشارقة للأطفال وطلبت على وجه التحديد عمّا إذا بإمكاني العمل مع الأطفال في المناطق النائية من الإمارات العربيّة المتحدة. والحقيقة أنّني ذهلت بما رأيته، وتغيّرت كثيراً نتيجةً لذلك. حيث أنّ هؤلاء الأطفال مبدعون وأقوياء وواثقون بما يفوق الوصف. كذلك، قمت بإعطاء صفوف في أجزاء مختلفة من الإمارات وفي الجامعة الأميركيّة في الشارقة. وإذا بإمكاني أن أنقل للناس أمراً واحداً فهو القيام بالأمور بشغف.

أمّا بالنسبة إلى مبادرة "القلوب السعيدة"، فقد شكّلت فرصة لمواصلة تحقيقي الصحفي المصوّر بعد مغادرتي الصحيفة وللمساهمة في إلقاء الضوء على الجهود والمراكز والمبادرات في جميع أنحاء العالم التي تقوم بأمور رائعة.

يظهر ارتباطك بالأطفال بشكل واضح، أكان في كتبك أو في المشاريع الخيريّة التي تشاركين فيها. ما نصيحتك لجميع الأهل من حيث أفضل الطرق للتواصل مع أطفالهم؟

أنصحهم بالانخراط وإجراء حوار مفتوح معهم. فالأطفال مذهلون، ومن المهمّ السماح لهم بالتعبير عن أنفسهم واكتشاف العالم إلى جانبهم. في السياق نفسه، يجب السماح لهم بطرح الأسئلة وبالعثور على إجاباتهم بأنفسهم أيضاً. كذلك أوصيهم بالاعتراف بالدروس التي يمكن للأطفال إعطاءها.

ما التحدّيات التي واجهتها في مسيرتك المهنيّة والشخصيّة، لا سيّما وأنّك أمّ عزباء؟

يبقى الجزء الأصعب أن تتجاوزي عقليّة أنّك أمّ عزباء. أي الخروج من الصورة النمطيّة لما يجب أن تكون عليه حياة الأم العزباء. إذ إنّني كتبت قصّتي ومسيرتي الخاصة ولديّ عائلة أنا ممتنّة تماماً لوجودها بجانبي.

ما الرسالة التي تودّين مشاركتها مع الإماراتيّين بمناسبة اليوم الوطني؟

تقضي رسالتي لهم بأنّ نتذكّر نعمنا ونشاركها مع الجميع بأيّ شكل يسمح لنا بتقديم الدعم والقيام بالمثل إزاء وطننا.

لقد تعاونت مع ماري كلير العربيّة على مشروع خاص باليوم الوطني الإماراتي. هل لكِ أن تخبرينا شعورك حيال الأمر؟

أنا متحمسّة جداً لمشاركتي هذا المشروع. حيث أنّه تألّف من بعض الشوارع المفضّلة لديّ في دبي، بعضها لم يعُد موجوداً والبعض الآخر لا يزال قائماً. وشمل قليلاً من تصويري الفوتوغرافي في الشارع وقصّة بلسان Alayah الفتاة التي في شعرها رمال. 

اقرئي أيضاً: Lulwah Al Homoud: الفنّ ثقافة والثقافة بحدّ ذاتها علاج للآفات الاجتماعيّة ومحفّز لنقاشات صحيّة

العلامات: Alia Al Shamsi

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث