Lulwah Al Homoud: الفنّ ثقافة والثقافة بحدّ ذاتها علاج للآفات الاجتماعيّة ومحفّز لنقاشات صحيّة

التصوير: Deemah Al-Muslat

بدأ شغف الفنّانة التشكيليّة لولوة الحمود بالاهتمام بالخط العربي والزخرفة الإسلاميّة ودراسة إمكانيّة الاستفادة من هذا الإرث في مجال التصميم والتواصل البصري حتّى باتت من روّاد هذا الفنّ. حصلت على الماجستير في تصميم وسائل الاتّصالات البصرية مع التركيز على الفنّ الإسلامي من كلية الفنون والتصميم في لندن. وهي المرأة السعودية الأولى التي تربط الفنون الإسلامية مع تصميم الوسائل هذه ليس لإعادة استخدامها كما ورثناها ولكن لتطويرها بأسلوب حديث يستفيد منه الآخرون حتّى لا يتوقّف عند حدّ معيّن! نسّقت الكثير من المعارض حول العالم واقتَنت أعمالها متاحف عالميّة. في ما يلي نتحدّث معها عن مسيرتها الملهمة وتميّز أعمالها بالجمع بين الفنّ واللّغة والعلم والروحانيّات وكيفيّة ارتباطها بتراث وطنها وثقافته كما عن أهميّة دور الفنّ في عالم اليوم ومواضيع أخرى ذات صلة.

تستخدمين الأشكال الهندسيّة المجرّدة كأسلوب للتعبير الإبداعي. لماذا وقع خيارك على هذه الطريقة وما ارتباط ذلك بسمات شخصيّتك؟

الأشكال الهندسية هي أبلغ الأشكال التجريديّة التعبيريّة في الفنّ وهي لغة الكون الخفيّة. فالمتأمّل في الكون يجد أنماط هندسيّة في النمو في خلق الله وقوانين الحركة في الكون يمكن تفسيرها من خلال الهندسة وعلم الفيزياء والرياضيّات. أمّا الفنان فيعبّر عنها تجريديّاً باستخدام الحدّ الأدنى من العناصر الرمزيّة فذلك كالبلاغة في اللغة باستخدام أقلّ للمفردات لمعنى أبلغ وأعمق. اللوحة تقدّم ما تعجز عنه الكلمات. شخصيّاً أفضّل التعبير غير المباشر الذي يحفّز التساؤل والتفكير.

هل يمكنك إخبارنا عن العلاقة التي تربطك بتراث وطنك وثقافته وكيف تتجلّى في لوحاتك؟

نحن نتاج ثقافتنا وخبراتنا وبالرغم من وجودي في الخارج لسنوات عدّة من حياتي إلاّ أنّ ارتباطي بثقافتي الإسلاميّة أوّلاً ازداد بسبب هذا البعد ممّا حفّز شغفي للبحث في مجال الفنون الإسلاميّة. فالفنان هو الواجهة الثقافيّة لبلاده والفنّ إن لم يكن صادقاً ومعبرّاً عن ذكرياتنا وحياتنا وما نؤمن به يصبح تقليداً ولن يصل للآخرين. الفنان اليوم هو من ينتج جزء كبير من التراث الثقافي الوطني بحيث يَظهر ارتباطه جلياً بفنّه. ليس من الضروري أن أرسم الصحراء بحذافيرها ولكننّي تأثّرت بجوّها وجاذبيّتها عن طريق التأمّل في السماء ولونها الأزرق الداكن بعد الغروب وهذا اللون أصبح من سمات أعمالي.

ما السرّ وراء نجاحك في الجمع في أعمالك بين الفنّ واللّغة والعلم والروحانيّات؟

نجاحي هو فضل ونعمة من الله ثمّ المثابرة في العمل والوصول إلى نتيجة تكون إضافة للفنّ. للكلمة تأثير ولكن كيفية صياغتها في اللوحة تجعل لها تأثير مختلف. يصعب قراءة اللغة في لوحاتي أو ترجمتها وما أفعله باللوحة هو اختزال اللغة وتقديمها بشكل هندسي جديد يجعل المتلقّي ينظر للوحة كشكل أكثر منها كمعنى بحيث يتجاوب مع طاقة التركيب الجديد للحروف. الهندسة هي أقرب العلوم للفنّ كما أنّني تأثّرت بالفيزياء وعلم النجوم. اللوحة تعبّر عمّا في داخلي وللروحانية جزء كبير في شخصيّتي فهي مصدر للسلام والأمل.

هل تعتقدين أنّه كلّما زاد الغموض في عملٍ فنيّ ما كلّما كان تأثيره أكبر أم العكس؟

لا أسعى إلى الغموض كهدف بل أنّه تحصيل حاصل. اللوحة تقدّم ما تعجز عنه الكلمة وهي وسيلة تعبيريّة ولكنّني أؤمن أنّ المتلقّي ذكي لا يحتاج إلى تلقين مباشر للفكرة. أعمالي دعوة للتأمّل يتمكّن المتلقّي من فهمها بدرجات مختلفة واللوحة نتاج طبقات مختلفة من المعرفة بأبعاد متعدّدة ويمكن رؤيتها وتفسيرها بعدّة أشكال.

هل ترين نفسك كشخص واقعي أم حالم؟ وما هي التّحديات التي واجهتها في مسيرتك المهنيّة؟

أنا واقعيّة جدّاً وأعلم أنّ الحياة مليئة بالفرح والحزن والنجاح والفشل لكننّي لا أعبّر عن فرحي أو معاناتي اليوميّة ولكن عن إيماني ووجودي في هذا الكون وعن أمور أزلية لا وقتية. التأمّل بالكون يشعرنا بصغر همومنا وحتّى أفراحنا، نعم نحن جزء من هذا الكون ولكن وجودنا الجسدي مؤقت. لم تكن رحلتي سهلة فقد أخترت الفنّ الإسلامي لأنطلق منه أثناء حياتي في لندن كموضوع للبحث وكان لدي شحّ في المراجع. وفي وقت تشويه صورة الإسلام من قبل بعض المسلمين وفي الإعلام الغربي الذي أدّى إلى "إسلاموفوبي"، سعيت لتصحيح الفكرة والتواصل عبر الفن للتعريف بسلام الثقافة الإسلاميّة حتّى أنّني عملت مع المتحف البريطاني في مشروعهم التعليمي الذي يضمّ المدارس المتوسطة في لندن للتعريف بفنّ الخط العربي والأشكال الهندسية. على الصعيد الشخصي كنت أم لطفلين بمفردي وكان طموحي كبيراً لهم ولي ولم يكن الأمر سهلاً لكنّني بفضل الله نجحت في الوصول إلى ما تمنيته لي ولهم.

نسّقت الكثير من المعارض حول العالم واقتَنت أعمالك متاحف عالميّة. ما التغييرات التي لاحظتها في ذوق المشاهد بالاعتماد على جذوره مع العلم أنّ الفنّ لغة عالميّة؟

كان تنسيق المعارض ولايزال متعة بالنسبة إليّ كونه وسيلة للتواصل مع الآخرعن طريق الإبداع وإيجاد لغة مشتركة بين الفنّانين لموضوع واحد من جهة وتقارب في الفكر الإبداعي لثقافات مختلفة. وجدت تغييراً كبيراً في الاهتمام بالفنّ العربي الإسلامي من قبل الغرب وفي المملكة على حدّ سواء. ليس الاهتمام المعنوي فحسب بل الرغبة بالاقتناء، وهذا أدّى إلى اهتمام دور المزادات مثل كريستيز وسوذبيز في تواجدهم في دول الخليج.

هلّا حدثتنا أكثر عن لوحتك الموجودة في مكتب وليّ العهد السعودي؟ ما القصّة والإلهام الكامن وراءها؟

لوحتي في مكتب سموّ ولي العهد بعنوان "الحمدلله" وهي إحدى أربع لوحات من سلسلة "الباقيات"، وإحداها بعنوان "سبحان الله" من مقتنيات متحف لوس أنجلوس أيضاً. العمل عبارة عن مواد مختلطة على ورق أرشيفي وورق الذهب وعدة طبقات من طباعة الشاشة الحريرية. تمّت كتابة الكلمات بشكل حديث غير مألوف بزخرفة حديثة. علمي بوجود اللوحة في هذا المكان المهمّ من أسعد اللحظات في حياتي وتلك رمزية للاحتفاء والاعتزاز بالفنّ السعودي.

ما هي برأيك الإستراتيجيّة الأفضل لمواجهة تأثيرات COVID-19 وتحدّياته على عمل الفنّانين اليوم؟

الاستمرار بالإنتاج هو أفضل ما يمكن للفنّان عمله. نحن محظوظون اليوم بقدرتنا على التواصل ولو من بعد. ولتكن هذه الفترة فرصة للمراجعة والبحث والتطوير. قد يؤثر تأجيل العرض على الفنان، إنّما عليه الاستمرار بالإنتاج والتواصل والحضور في ورش افتراضيّة. الإعلام لم يتوقّف والقدرة على التكيّف هي أفضل استراتيجيّة على الإطلاق.

كيف يمكن للفنّ برأيك أن يكون علاجاً لواقع الإنسان ومحفّزاً لتواصل البشر في ظلّ الصِدامات الحاليّة؟

الفنّ علاج في جميع الحالات ونحن بحاجة إليه الآن أكثر من أيّ وقت سابق لتوحيد همومنا كبشر. ولاحظت أنّ نسبة اقتناء الفنّ ازدادت في وقت الحجر إنطلاقاً من حاجة الناس إلى تزيين بيوتهم وإضفاء لمسة جمال عليها. كفنّانة، أحمد الله على نعمة الإبداع التي وهبني إيّاها لأنّني لم أتأثّر بالحجر أو التغيّرات المصاحبة للوباء الحالي. الفنّ يمكّن الإنسان من التمتّع بإنتاجه كفنّان والاستمتاع به لدى المتلقي. للفنّ خاصيّة الجمال وللجمال تأثير على البشر. الفنّ ثقافة والثقافة بحدّ ذاتها علاج لكثير من الآفات الاجتماعيّة ومحفّز لنقاشات صحيّة تخلق تقارباً بين الناس مهما اختلفت ثقافاتهم.

إذا تعيّن عليك أن ترسمي لوحة تتصوّري فيها مستقبل العالم بعد الأزمة الحاليّة التي خلّفتها جائحة كورونا، ماذا ستكون خطوطها العريضة؟

الأمل ثمّ الأمل. كفنّانة، اخترت السلام في لوحاتي وكان الفنّ بالنسبة إليّ نقطة أمان وانطلاقة أمل في جميع أزمات حياتي. ولهذا أحبّ أن أنشر هذه الرسالة للآخرين. لابدّ أن نتمسّك بالإيمان والأمل، فبهما تتحوّل الأزمات إلى فرص للنجاح والسعادة.

كيف تقيّمين تطوّر الفنون في منطقة الخليج؟ وما الدور الذي تلعبه الفنّانات في هذا التطوّر؟

ثمّة تقدّم في جميع مجالات الفنّ في الخليج وأهمّها فنّ التصوير الفوتوغرافي والفنّ الرقمي. للفنّانات دور كبير في النهضة الفنيّة بالخليج، كرسّامات وناحتات فضلاً عن كلّ مجالات الفنّ الأخرى وهناك أسماء كثيرة تشهد على ذلك. وكلّي فخر بكلّ ما وصل إليه فنّانو وفنّانات الخليج. واليوم أرى الكثير من الفنّانات في بداياتهنّ متمكنّات من جذب الانتباه، ما يبعث السعادة في نفسي.

تقدّم السلطات السعوديّة اليوم دعماً كبيراً للنساء. لكن في المقابل، كيف يمكن للنساء برأيك أن يعزّزن دورهنّ الفعّال والناشط في المجتمع؟

لا حجّة للمرأة السعوديّة اليوم، فالأبواب مفتوحة أمامها للإبداع والإنتاج، وقد أثبتت المرأة قدراتها في السابق إنّما الآن تُسلّط الأضواء على إنجازاتها السابقة والحالية. لا يكفي أن تعطى الفرص للمرأة، فالباقي عليها لتثبت نفسها في جميع المجالات. وأنا فخورة جدّاً بما قدّمته المرأة في السابق وما تقدّمه الآن، فهي تملك صفة العطاء وهذا ما تحتاجه لخدمة مجتمعها ونجاحها الشخصي.

اقرئي أيضاً: Mohammed Ahmed Ibrahim: الفنّ هو لعب في قمّة الجدّ وهنا يكمن الاستمتاع بالعمل

العلامات: Lulwah Al Homoud

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث