رسالة إنسانيّة وحاجة بشريّة... إنّه الإعلام من منظور علي جابر

حوار: ديالا مكّي

في أيّامنا هذه، بات للإعلام أهميّة كبرى نظراً إلى سرعة انتقاله وتخطّيه الحدود والعوائق بما يملكه من وسائل مقروءة ومسموعة ومرئيّة، ونظراً إلى قدرته على التأثير النفسي في الأفراد ومن ثمّ إمكانيّة التحكّم في سلوكيّاتهم وتوجيههم. وفي أوقات الأزمات، تكمن أهميّة الإعلام في تزويد الجماهير بالحقائق للحدّ من انتشار الشائعات وتنوير الناس بما يساعدهم ويسهم في توعيتهم.

ونحن اليوم، إذ نمر بأحلك مراحل تاريخنا العربي، بحاجة إلى مَن يرى الإعلام على أنّه رسالة سامية وضرورة بشريّة مهما تبدّلت معالمه، إنّنا بحاجة إلى شخص مثل عميد كليّة محمد بن راشد للإعلام في الجامعة الأميركيّة في دبي ومدير عام قنوات MBC، الإعلامي القدير علي جابر. لذا انضمّي إلينا في هذه المقابلة الحصريّة معه.

بصفتك إعلاميّاً مسؤولاً في مؤسسة إعلاميّة عربيّة تعود ملكيّتها إلى المملكة العربيّة السعوديّة، كيف ترى الإعلامي وصانع المحتوى اليوم في أوقات الأزمات، سواء كانت اقتصاديّة أم صحيّة أم حتى سياسيّة؟

هذا سؤال كبير وإجاباته متفرّعة طبعاً. حيث أنّ استهلاك الإعلام هو بمثابة الأكل والشرب والنوم، أي أنّه إحدى وظائف الإنسان البيولوجيّة، لأنّ التواصل من طبيعة الإنسان. من هنا، يقضي دور الإعلام بتوفير محتوىً طبيعيّاً يستفيد الإنسان منه في مختلف النواحي، سواء كان ذلك لجهة تزويد الناس بالمزيد من المعلومات أم للترفيه عنهم أم لإبراز وجهة نظر وسيلة الإعلام نفسها. وشخصيّاً، أرى وسائل الإعلام على أنّها حقّ من حقوق الإنسان وطبيعة بيولوجيّة وأيضاً وظيفة اقتصاديّة كبرى في آنٍ معاً. ويكمن دور المؤسسات الإعلاميّة بإعداد محتوى وتقديمه، بغض النظر عن توجّهه، في سبيل مخاطبة المتلّقي أو المستهلك العربي. ويعتمد نجاحه على التوصية الإيجابيّة من المشاهد ليؤثر بالتالي على جماهيريّة أيّ وسيلة إعلاميّة عربيّة.

هل تتأثّر نوعيّة المحتوى في أوقات الأزمات؟ وهل وجدت حاجة إلى تغييره في الآونة الأخيرة؟

 حتماً، فإذا أخذنا جائحة كورونا التي أثّرت على المحتوى العالمي، نرى كيف بدّل هذا الوباء معالم الإعلام، وألقى الضوء على الحاجة إليه على مستويين: أوّلهما الأذى الكبير الذي تسبّبته كميّة الأخبار الكاذبة غير الخاضعة للرقابة التي اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي. ففي حال طبّق الناس أيّ معلومات طبيّة بدون التأكّد من صحّتها، سيتسبّبون بالضرر لأنفسهم. بينما على الجمهور اللجوء إلى مصادر موثوقة تتمثّل بمؤسّسة أو أشخاص متخصّصين. وبرأيي أنّه في أزمات مثل هذه، تعدّ وسائل الإعلام التقليديّة وجهة معتمدة للحصول على جميع المعلومات الطبيّة عن كورونا أكثر من وسائل التواصل الاجتماعيّ.

إذاً أعتبر أنّ هذا الوباء ساهم في إحياء وسائل الإعلام التقليديّة في العالم أجمع. حتّى أنّ نسبة المشاهدة زادت في أميركا من 15 إلى 20٪ وفي العالم العربي، ارتفعت إلى حوالى 70٪ على التلفزيون.

ثانياً تغيّرت طبيعة الاستهلاك خلال الأزمة، بحيث انتقلنا من البرامج التفاعليّة إلى محتوى نصيّ أكثر، أيّ أنّ البرامج الترفيهيّة التي تشتمل على التفاعل مع الجمهور تقلّصت مقابل تزايد مسلسلات الدراما. ولهذا السبب نلاحظ ارتفاعاً كبيراً في عدد الاشتراكات في Netflix وAmazon وShahid في العالم العربيّ لأنّ الناس لازموا منازلهم وأرادوا الترفيه عن أنفسهم والهروب من الواقع. إستهلك المشاهدون أخبار كورونا لحوالى نصف ساعة أم ساعة من الوقت ثمّ انتقلوا إلى محتوى جعلهم ينسون ما يجري في العالم الحقيقي. ويعتبر الهروب من الواقع أمراً مهمّاً جداً في أوقات الأزمات ويمكن للناس فعل ذلك من خلال مسلسلات الدراما. فلا أحد يحب أن يساوره القلق الدائم، لا بل يريد الجميع البقاء على قيد الحياة وهذا أمر غاية في الأهميّة.

ثمة مصطلح شهير يطلقونه على كورونا إذ يقولون إنّه "المسرّع العظيم"، أي أنّ كلّ التطور الذي نرصده في عالم الإعلام ليس نتيجة للجائحة الحاليّة، غير أنّها سرّعت الأمور. هل تجد أنّه ثمة أمور ستتغيّر حتماً بسبب كورونا؟

لا شكّ في ذلك، حتّى أنّ بعض الأمور تغيّرت بالفعل، منها الطريقة التي نؤدي بها أعمالنا وطريقة سفرنا وحتى وجهة سفرنا. وفي الإعلام، عمل الوباء كمسرّع بالفعل، حيث أنّنا شهدنا ارتفاعاً في القوائم على منصّات المشاهدة عند الطلب مثل Netflix وShahid، التي واجهت مشكلة قبل ظهور الوباء، بحيث ترددّ الناس في استخدام بطاقات الائتمان لمشاهدة المحتوى واعتادوا الحصول على القنوات مجاناً. كذلك فإنّ المحتوى المنشور تغيّر مرتين، أوّلاً مع الجمهور العربيّ ومنصّة Shahid، إلى جانب هوليوود وNetflix، وكذلك الأمر مع المشاهد والتلفزيون المدفوع Pay Television. وسأخبرك تباعاً كيف تغيّرت علاقة المنتجين ومنصّات البثّ عبر الانترنت وكذلك بين الجمهور وتلك المنصّات.

من جهة تلفزيون MBC، نلاحظ أنّ الجمهور، لا سيّما العربيّ منه، فضّل تلفزيون البثّ الحرّ Free-to-air في الماضي لأنّه لم يشعر بالأمان للإفصاح عن معلومات بطاقات إئتمانه لأيّ جهة أخرى. أساساً، تعدّ ثقافة بطاقات الإئتمان محدودة جداً في البلدان العربيّة، ولا يسعنا أخذ دبي كمثال لأنّها مدينة رفاه، إنّما تبقى السعوديّة هي المعيار لأنّها تعدّ السوق الأساسيّة للعالم العربيّ ويملك 10% من السكان فقط بطاقات إئتمان، ناهيك عن أنّ هذه النسبة تأبى مشاركة معلومات بطاقاتها، إذاً ليس من الممكن إطلاق المنصّات القائمة على الإشتراك لغياب نموذج العمل المؤاتي. لكن مع ظهور كورونا، بات الناس مجبورين على استخدام بطاقات إئتمانهم للحصول على حاجاتهم الأساسية، ممّا قضى على ذلك الرُهاب ودفع بالأشخاص الذين لم يملكوا هذه البطاقات إلى السعي للحصول على واحدة بهدف استكمال حياتهم بدون الاضطرار إلى الخروج والإصابة بالوباء. لذا غيّرت ثقافة بطاقات الائتمان صناعة التلفزيون ودفعت المزيد من الناس إلى منصات البثّ عبر الانترنت والتلفزيون المدفوع.

وبالعودة إلى علاقة المنتجين ومنصّات البثّ عبر الانترنت، سأتحدّث من جهة هوليوود وNetflix على سبيل التغيير. من الآن وحتى سنتين على الأقل ريثما يتم إيجاد لقاح واختباره، لا يمكن للناس قصد دور السينما. لذلك، تحوّلت كلّ الأفلام المقرّر طرحها في السينما نحو Netflix حيث يتحتّم على المشاهد أن يدفع ثمناً معيناً. إذاً باتت منصّات البثّ عبر الانترنت تمثّل الطريقة الوحيدة للمنتجين ليعرضوا مسلسلاتهم. وبهدف استرداد استثماراتهم، يحتاج المنتجون إلى اللجوء إلى التلفزيون المدفوع بعد أن انهارت صناعة الإعلانات وانسحب المعلنون من مختلف القطاعات كالسيارات وقطاع الرفاهية والموضة وأصبح همّنا الحصول على السلع الاستهلاكيّة الأساسيّة التي لم تعد متاحة كثيراً أساساً. إذاً بعد هبوط صناعة الإعلانات، وجدوا الحلّ في منصّات البثّ عبر الانترنت التي لا تحصل على الأموال من الإعلانات لا بل من الناس الذي يدفعون للاشتراك بها.

بالحديث عن الناس، نلاحظ تحوّلاً جذريّاً لدى المشاهد العربيّ الذي اعتاد استهلاك المحتوى الذي تزوده به المحطات الإعلاميّة إلى شخص يختار بنفسه ما يريد مشاهدته أم إلغاءه، كم بات صوت المشاهد قويّاً اليوم بالمقارنة مع السابق؟

بصراحة لا أؤمن بهذا الأمر، بل أعتقد أنّ المحتوى يحدّد العادة وليس العكس. بعبارة أخرى، إذا ثمة مسلسل يتحدث الجميع عنه وأنا لم أره لضيق وقتي، سأكون حينها خارج المحادثة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى كلّ تلك المسلسلات الضخمة مثل The Sopranos وGame of Thrones، فإذا لم تكوني على اطّلاع بها، فأنت خارج المحادثة الاجتماعيّة. إذاً ثمة معضلة كبيرة حول هذا الموضوع، لأنّهم يغيرون عاداتك ويجعلونك تشاهدين المحتوى في الوقت الذي يحدّدونه لأنّه من المهم بالنسبة إليك أن تكوني ضمن المحادثة الاجتماعيّة المألوفة.

كيف يمكن التعامل مع التلفزيون Non-linear بنفس خصائص التلفزيون Linear، على غرار المسلسلات التي تُعرض منها حلقة واحدة في الأسبوع على منصّة Shahid، ولا يمكن مشاهدتها كاملة؟

لهذا السبب تطرّأت في حديثي عن تغيّر العلاقة بين المنتجين وأصحاب منصّات البثّ عبر الانترنت. إذ باتت هوليوود تعرض أفلامها على المنصات الرقميّة. ومن جهتنا في MBC سبق أن خصّصنا نافذة عرض مسبق Preview Window على Shahid في رمضان الفائت وسنكرّر الأمر في رمضان المقبل لأنّ هذه الخطوة لاقت نجاحاً كبيراً. أيّ أنّنا نبثّ المسلسل المهمّ للجميع على المنصّة قبل ليلة من عرضه على التلفزيون، ممّا يدفع الناس إلى قصد منصّة Shahid بدلاً من الانتظار حتى اليوم التالي.

كيف سيؤثر هذا على الإبداع، بعد أن مثّل شبّاك التذاكر المقياس لنجاح أيّ فيلم؟

إنّه الذكاء الاصطناعي والمعدّلات الحسابيّة أو Algorithms التي تسمح اليوم بمعرفة عدد المشاهدات وهويّة أصحابها وفئاتهم العمريّة والكثير من المعلومات الأخرى، وهنا تكمن أهميّة منصّات البثّ عبر الانترنت التي تتمتّع بعلاقة تكافليّة مع الجمهور.

ما مصير البرامج الفنيّة الكبرى أمثال برامج المواهب، في ظلّ وجود التكنولوجيا اليوم. خصوصاً أنّنا رأينا مؤخراً تطبيقات على مشغل الوسائط iTunes تسمح بالتواصل مع المعجبين أو المواهب من جميع أنحاء العالم بصورة مباشرة وبدون الحاجة إلى السفر وبكلفة أقل أيضاً؟

لا أعتقد أنّه جرى استبدالها، إنّما على التلفزيون Non-linear بأكمله أن يتغيّر ليكون أكثر ملاءمةً لمنصّات البثّ عبر الانترنت.

هل لا زلت مؤمناً بقوة التلفزيون التقليديّ؟ وهل من بديل عنه؟

ليس من بديل عن التلفزيون التقليديّ، فهذه صناعة قوية دائمة التغيّر. إذ إنّ Netflix تلفزيون أيضاً و60٪ إلى70٪ من محتوى الوسائط الاجتماعيّة يأتي من التلفزيون. إنّها طريقة توزيع أخرى، وجوهر التلفزيون هو المضمون الذي يقدّمه، إذ إنّه فنّ تقديم نصّ رائع بالصوت والصورة.

ما أهميّة استديوهات MBC في الوقت الحاضر وما استراتيجيّتكم للمستقبل من أجل ابتكار محتوى لمحطّات تلفزيونيّة ومنصّات أخرى؟

إنّ MBC اليوم تتغيّر كشبكة ومنظمة، من كونها موزّعاً إلى شركة محتوى تمتلك قنوات توزيع. لقد غيّرنا صيغتنا بالكامل، من حيث الأشخاص والطريقة التي نعمل ونستثمر ونوزّع العمل بها، بغية أن نصبح هيئة ابتكار محتوى مع خدمة بثّ عبر الانترنت اسمها Shahid و20 قناة بثّ تقليدي ومنصّات ضخمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من المحتمل أن تكون من بين أكبر 10 شركات في العالم. إذاً نحن نأخذ المحتوى الذي أنتجناه من هذه المنصّات الثلاثة، ونوّزعه وفقاً لسياسة ذكيّة معيّنة تسمح لنا بتحسين عائدات استثمار المحتوى. لذا فإنّ استوديوهات MBC تمثل وحدة إنشاء محتوى دراميّ بأغلبه، تستثمر على المدى الطويل في تغيير الطريقة التي ننتج بها المسلسلات، لاعتقادنا بأنّ مسلسلات الدراما ستسيطر على كلّ البرامج الأخرى، لا سيّما على التلفزيون التفاعليّ في العالم العربي، كما فعلت في بقيّة العالم خصوصاً في الغرب. إذاً ما نريد فعله هو الاستثمار بهدف تقليص هوّة السنوات السبعة التي تفصل بيننا وبين هوليوود من أجل السماح للمشاهد العربي باستهلاك محتوى باللغة العربيّة، يكون على قدم المساواة من حيث جودة ما يراه على Netflix.

ما العائق الأكبر من حيث ابتكار محتوى باللغة العربيّة يتحدّث عن منطقتنا العربيّة؟ وما دور أكاديميّة MBC في هذا الصدد؟

لا يزال مستوى النضوج في هذه الصناعة متواضعاً نسبيّاً، حيث أنّنا بحاجة إلى كتابة أكثر نضجاً بكثير، إذ ليس لدينا المنهجيّة المناسبة في الكتابة حتى الآن وكذلك نحتاج إلى صناعة تمثيل ناضجة أكثر، لأنّنا نفتقر إلى الممثلين الجيّدين. ثمّ نصل إلى الإخراج والإنتاج وما إلى ذلك، إنّما تبقى الكتابة والتمثيل الأكثر أهميّة. فاليوم ثمة كتّاب ينظرون إلى أنفسهم في المرآة، وسرعان ما يكتبون 30 حلقة من الكوميديا. إذاً في العالم العربيّ، ليس لدينا ثقافة غرف الكتابة والكتابة الجماعيّة، وهي الطريقة التي يمكن من خلالها إنتاج دراما وكوميديا جيّدين. بينما تتطلّب الفكرة الجيّدة أن يوافق عليها عدد من الكتّاب لتصبح قابلة للتطبيق. من هنا، تركّز أكاديميّة MBC على مجالين رئيسين، ألّا وهما الكتابة والتمثيل. لا سيّما وأنّ منطقتنا العربيّة عموماً والبلدان الخليجيّة خصوصاً تعاني نقصاً في أساليب التمثيل وكذلك في الممثّلين المحترفين للارتقاء بهذه الصناعة إلى مستوى آخر.

في خلال هذه الأزمة، لاحظنا مدى أهميّة التعليم أكثر من أيّ وقت مضى. بصفتك عميداً لكليّة محمد بن راشد للإعلام في الجامعة الأميركيّة في دبي، هل من مواد جديدة أضفتموها إلى المنهج، كمادّة "إدارة الأزمات" التي تدرسونها وتعدّ غاية في الأهميّة في الوقت الحالي؟

إنّ السؤال أكثر عمقاً برأيي ويتخطّى أمر إضافة بعض المواد. حيث أنّ حصة "إدارة الأزمات" من الدروس التي تدخل في اختصاص الإدارة. وهذا صف قائم منذ سنوات لا سيّما وأنّها ليست الأزمة الأولى التي يواجهها العالم وتتطلّب الإدارة. لكنّني أعتقد أنّه علينا تبديل طريقة وضع المناهج وإعداد الفصول الدراسيّة، بالإضافة إلى التعليم عن بُعد. بحيث يتحتّم علينا في هذه الأيام تطوير التعلّم عن بُعد بالتوازي مع التدريس في الصفوف، من خلال العمل على خطّين تكميليّين، أولّهما التكنولوجيا. إذ علينا امتلاك تكنولوجيا غامرة أكثر من تطبيقات Zoom أو Microsoft Teams، تشبه إلى حدّ كبير الفصول الدراسيّة العالميّة من Cisco، حيث يشعر الطالب حقاً بأنّه موجود في الصف من خلال شاشة، فضلاً عن الإمكانيّة التفاعليّة. وثانياً لا بدّ لنا من تغيير المناهج بحيث يصبح الطالب غير المتواجد في الصف قادراً على ترسيخ المعلومات بطريقة أفضل. بعبارة أخرى، نحتاج إلى إعادة التفكير في المحاضرات الكبيرة والواجبات المنزليّة والاختبارات والتعليم بحيث تصبح كلّها أكثر فعاليّة.

ما أولوّياتك كعميد للكليّة؟ هل من مشاريع تعاون مع كليّات أخرى أم استثمار في تقنيات معيّنة مثلما ذكرت سابقاً؟

نحن بحاجة إلى العمل مع الأساتذة والتكنولوجيا بشكل أفضل لتحقيق مزيج متناغم ما بين التعلّم في الفصول والتعلّم عن بُعد. علينا التوصل إلى توازن معيّن يسمح لنا بتطوير امتحانات أفضل لنتائج التعلّم ومنح الشهادات. ويمكنني وصف الأمر على أنّه منحى تعليميّاً دفعنا إلى تعميق دراستنا للأمور.

نلاحظ أنّك نشط جداً على تويتر ودائماً ما تعبّر عن آرائك في شتّى المواضيع الاجتماعيّة والسياسيّة والإعلاميّة. ما دور وسائل التواصل الاجتماعي وصانعي المحتوى والأجيال الشابّة في تغيير أيّ وضع يعيشون فيه؟

أعطت وسائل التواصل الاجتماعي صوتًا لمن لا صوت لهم وتخلّصت ممّا يسمّون بحرّاس البوابة الإعلاميّة Gatekeepers وأظنّ أنّ هذا أهمّ ما فعلته. ففي السابق، عندما أردت كتابة أيّ مقال، تعيّن عليّ الاتصال بصحافي صديق لي، ثمّ الانتظار ريثما يعجبه مقالي أم لا، قبل أن يحوّله إلى المحرّر ليوافق بدوره على المقال، إلخ. إذاً ثمّة طبقات متعدّدة من حرّاس البوابة الإلكترونيّة وأعتبر أنّهم بمثابة سيف ذو حدّين في ما يختصّ بالأخبار الكاذبة. بحيث كان وصول الجمهور إلى الرأي والمعلومات غير ديمقراطيّ، إنّما لعب الحراس دوراً جيداً في تدقيق الحقائق في آنٍ معاً. وشخصيّاً أرى أنّ الأشخاص الذين يعملون في Twitter وInstagram يضطلعون بدور مهم جداً، يقضي بالوصول إلى نظام أكثر ذكاءً من المعدّلات الحسابيّة البسيطة بهدف تنظيم أؤلئك المتصيّدين في الماء العكر والجيوش الإلكترونيّة وغيرهم وحماية حرية النقاش منهم. لكن في الوقت نفسه، عليهم الحفاظ على الوصول غير المقيّد إلى الأصوات والآراء، لذا فالأمر يتطلّب توازناً دقيقاً. إنّها مهمّة صعبة، لكن يمكنهم القيام بذلك بسهولة. وتبقى المشكلة في حقيقة أنّهم يعتمدون على المعدّلات الحسابيّة التكنولوجيّة فحسب، الأمر الذي لا يعدّ ذكيّاً جداً، بدلاً من مزيج من الجانبين.

كم من المهم اليوم أن تتحلّى وسائل الإعلام بالقدرة على التأقلم وسط كلّ التحوّلات الحاصلة وأن تكون مستعدّة للتغيير؟

ليس تغيراً بقدر ما هو تأقلماً أو استيعاباً لأشكال جديدة من التوزيع. فوسائل الإعلام التي لا تمتلك وجوداً قويّاً على وسائل التواصل الاجتماعي لا تقوم بعملها لأنّها تفوّت على نفسها عائدات توزيع محتواها الخاصّ لمشاهدين آخرين ليسوا موجودين خلف التلفزيون التقليديّ. فمن خلال حضورها الرقميّ، يمكنها إحضار جمهور وسائل التواصل الاجتماعي إلى التلفزيون. وعلى سبيل المثال، قمنا باختبار Shahid ووجدنا أنّه ثمة 4 أم 5 أفراد يشاهدون منصّتنا هذه في المنزل نفسه، إنّما كلٌّ على طريقته الخاصّة، منهم عبر الهاتف ومنهم عبر المحمول وما إلى ذلك. إذاً بفضل تكنولوجيا Shahid يمكننا أن نعرف من يشاهد ومتى وماذا يرى وعبر أيّ أداة، وبالتالي فإنّها وسيلة تكميليّة، إلّا أنّها ليست بديلاً عن الشاشة في المنزل.

كيف تبدّلت الصحافة منذ أن كنت مراسل حرب على الخطوط الأماميّة؟

لا تزال هي نفسها، فالصحافة تتمثّل في التدقيق في صحّة الحقائق والتدوين والإنتاج بشكل مذهل أم الكتابة بأسلوب رائع، بغض الطرف عن المنصّة. أمّا ما تغيّر فهي وسائل التواصل الاجتماعي التي بدلت الصحافة إيجابيّاً وسلبيّاً. وذلك لأنّها أصبحت بمثابة المُبلغ للصحفيين الجادّين. فحينما يسمع الصحفي أي خبر يأخذه ويتحقّق منه قبل النشر وليس العكس. وهنا تماماً يكمن الفرق بين الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي. إذاً ما تغيّر ليس الصحافة إنّما الوسائل هذه وقوتّها وتأثيرها وقدرتها على تدمير مفهوم الصحافة بالنشر قبل التدقيق. لذا فإنّ إفساح المجال للأخبار الكاذبة والتلاعب بالحقائق يقع على عاتق شركة التواصل الاجتماعي.

هل أنت متفائل بمستقبل الإعلام العربيّ في السنوات المقبلة؟

الإعلام حاجة إنسانيّة، وبالتالي لن ينتهي الإعلام العربي. لكن قد يتغيّر شكله وطريقة التمويل والكثير من الأمور الأخرى، إنّما يبقى التواصل ضرورة وطبيعة بشريّة.

اقرئي أيضاً: الإعلام في أوقات الأزمات... ماذا تقول الإعلاميّة اللامعة ديالا مكّي؟

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث