عندما‭ ‬تصبح‭ ‬الحرف‭ ‬مدخلاً‭ ‬إلى‭ ‬تمكين‭ ‬المرأة‬‬‬‬‬‬

التصوير: Maximilian Gower

الإدارة الفنّيّة: Farah Kreidieh

كانت الحرف التقليديّة في السابق مصدر رزق للكثير من العائلات. أمّا اليوم ومع تسارع نمط الحياة فباتت الأعمال الحرفيّة نادرة، إلّا أنّها تساعد على تكوين هويّة المجتمع والمحافظة عليها. وانطلاقاً من حرص مجلس "إرثي للحرف المعاصرة" على الهويّة المجتمعيّة للشعب الإماراتيّ، يعمل من خلال برنامج "بدوة للتنمية الاجتماعيّة" على الحفاظ على التراث الثقافيّ للحرف التقليديّة الإماراتيّة مثل "التلي" أو الخيوط المجدولة يدويّاً و"السفيفة" أو جدل سعف النخيل وعلى تطوير تصاميم جديدة منها واستحداثها على صعيد دمجها بالتصاميم والأزياء المعاصرة لتُقدّم إلى جمهور أكبر على المستويين المحلّيّ والعالميّ. فلنتعرف سويّةً في هذا التقرير على كيفيّة بناء هذا المجلس جسوراً بين الأصالة والحداثة للمحافظة على الهويّة الإماراتيّة وإبرازها بأبهى حلّة وكيفيّة قيامه في الوقت عينه بالتمكين الاجتماعيّ والمهنيّ المستدام للحرفيّات الإماراتيّات.

قد تكون الحرفيّات المنضويات في إطار برنامج "بدوة للتنمية الاجتماعيّة" مختلفات، إلّا أنّ ما يجمعهنّ واحد وهو الشغف بالحرف التقليديّة. فتؤكد لنا شيخة محمد سعيد شبيب، إحدى الحرفيّات، أنّ الحرف هي التراث القديم الذي يجب المحافظة عليه عبر دمج الماضي بالحاضر. أمّا بينة سيف خليفة الصريدي فقد شغفت بحرفة "التلي" جرّاء حبّها التراث، فتعلّمتها من والدتها حتّى أصبحت متمكّنة منها. في المقابل، دفع هذا الشغف فاطمة أحمد محمود الحرفيّة الرئيسة في برنامج بدوة إلى تحويل بيتها إلى متحف مصغّر جمعت فيه مقتنياتها القديمة التي امتازت بالجمال والتفرّد، وإلى توظيف مهاراتها في صناعة منتجاتها الخاصّة من الحرف اليدويّة. وجاء هذا البرنامج ليساعد تلك السيّدات على التعبير عن هذا الشغف وعلى تطويره وعلى الاستفادة منه.

اقرئي أيضاً: Adwa Aldakheel التميّز‭ ‬بلا‭ ‬حدود‬‬

تمكين النساء وتطوير مهاراتهنّ الحرفيّة والشخصيّة

يوظّف مركز "بدوة" المعتمد للتدريب والإنتاج في دبا الحصن أكثر من 40 حرفيّة، يتعلّمن أنواعاً جديدة من الحرف ويعملن مع فريق المجلس على تطوير مهاراتهنّ الحرفيّة والشخصيّة واستحداث أنماط وتقنيّات جديدة في الحرف. ويحرص هذا البرنامج بحسب السيّدة شريفة الظهوري، مديرة المركز، على توفير مصدر دخل مستدام للحرفيّات لتحقيق التمكين المهنيّ والاجتماعيّ لهنّ. ويقدّم المركز إلى الحرفيّات المنتسبات دورات في التدريب المهنيّ والمهارات الشخصيّة والاجتماعيّة، إلى جانب طرح برامج التبادل الحرفيّ مع الحرفيّات من مختلف دول العالم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى. ويبرز دور المركز في تمكين المرأة أيضاً، بحسب مديرة المركز، من خلال العمل على فتح أسواق جديدة للمرأة الحرفيّة عن طريق تعزيز الشراكات الدوليّة مع المؤسّسات الحرفيّة ودور الأزياء وعلامات التصميم العالميّة.

وتؤكد لنا الظهوري أنّ مجلس "بدوة" يرحّب بجميع النساء من مختلف الأعمار والمستويات الحرفيّة ويركّز على استقطاب الأجيال الجديدة من الشابّات الحرفيّات اللواتي يدعوهنّ إلى التفكير بجدّيّة في ممارسة الحرف التقليديّة وانتهاجها بمثابة شغف وأسلوب حياة. فبعد تقييم مستوياتهنّ، يباشر في تقديم البرامج التدريبيّة بما يتناسب مع مستوى كلّ منهن. فتمرّ المتدرّبات بمراحل تدريب وتأهيل وتتواصل مع الحرفيّات بشكل يوميّ عبر موظّفات المركز، لمعرفة التحدّيات التي تواجههنّ ولمعرفة كيف يمكن المركز أن يدعمهنّ ليحقّقن منجزات لأنفسهنّ من خلال ما يتعلّمنه. فيبرز هويّتهنّ ويروي قصصهنّ من خلال تقديمها إلى العالم، فيعترف العالم بإبداعاتهنّ التي تعكس واقع الثقافة الإماراتيّة الأصيلة ويمنحهن شعوراً بالإنجاز والرضا والفخر بعملهنّ ويرسّخ حضورهنّ ودورهنّ الأساسيّ في المجلس، سواء في الإنتاج أو التصميم.

وتأتي تصريحات الحرفيّات اللواتي قابلناهنّ لتثني على هذا الواقع. فتؤكّد لنا شيخة محمد سعيد شبيب التي تعلّمت الحرف التراثيّة منذ نعومة أظافرها أنّ المجلس ساعدها في تطوير مهارات عملها في حرفتي التلي والسفيفة وصقلها. وتقول: "بالرغم من ممارستي الحرفة الإماراتيّة منذ أعوام طويلة، انضمامي إلى مركز "بدوة" أضاف إليّ وإلى حرفتي الكثير، إذ تطوّرت مهاراتي إلى درجة لاحظها الجميع، وتعلّمت أنواعاً جديدة لم أكن أمارسها سابقاً". آمنة علي أحمد الظنحاني، البالغة من العمر 52 عاماً، قد كرّست حياتها أيضاً للحفاظ على الحرف الإماراتيّة، وتعتبر من الحرفيّات اللواتي تميّزن في تعليم الحرف، لا سيّما للأطفال. وتخبرنا: "تعلّمت من والدتي حرفتي التلي والسفيفة منذ أن كنت في الـ13 من عمري، وكنّا نمارسها لتلبية حاجاتنا اليوميّة. ومع إطلاق مركز "بدوة"، أصبحت أمارس الحرفة يوميّاً وأصبح لديّ شغف بتعلّم تصاميم جديدة، وفعل ما يجب لتطويرها وتعليمها للأجيال الجديدة لضمان استمراريّتها".

أمّا بينة سيف خليفة الصريدي فتقول: "شجّعني مركز "بدوة" على أن يكون لي دور في المجتمع أمثّل من خلاله حضور المرأة الحرفيّة في المحافل الدوليّة، وفتح لي مجالاً لتعليم الآخرين والتعلّم منهم." وقد أسّست بينة شركتها الخاصّة التي تخبرنا عنها: "بدأت من خلال مشروع ديكوباج، وكانت البداية عبارة عن تجربة في الألوان والأنواع، وعندما بدأت أتقن الصنع، قرّرت أن أحوّل هذا المشروع الفنّيّ إلى مشروع تجاريّ. واجهت تحدّيات تتعلق بإرضاء الجمهور وتوزيع مهام العمل والحصول على أدوات خاصّة لهذا الفنّ. لكنّني اليوم وصلت في هذا المشروع إلى خارج دولة الإمارات".

اقرئي أيضاً: Mthayel Al Ali: كوني‭ ‬كما‭ ‬تتمنّين،‭ ‬وصيري‭ ‬مثالاً‭ ‬أعلى‬‬‬‬‬‬

تطوّر في الأساليب وإحياء للحرف التقليديّة

وبما أنّ تسارع نمط الحياة قد أثّر في ميدان التصميم والحرف اليدويّة أيضاً، يعمل المجلس بالتعاون مع حرفيّات وفريق من المصمّمين على تطوير تصاميم جديدة من الحرف التقليديّة على صعيد "التلي" و"السفيفة" واستحداثها لتخدم استعمالات متعدّدة في الفنّ والتصميم والأزياء، مغايرة عن استخداماتها الأصليّة، من دون الإخلال بجوهرها وجمالها الأصيل. وتخبرنا الظهوري أنّه ضمن مشاركة المجلس في معرض Premiere Vision الفرنسيّ حديثاً، قدّم أكثر من 50 نوعاً من تصاميم "التلي" التي أشرف المجلس على ابتكارها مع المصمّمين والحرفيّات، وعرض أكثر من 20 نوعاً تجريبيّاً من جدائل التلي المحدّثة، سواء على مستوى تطوير تقنيّات جديدة واستخدامها أو إدخال المواد غير التقليديّة، مثل استخدام الخيوط المعاد تدويرها وخيوط الذهب والفضّة الخالصة والجلد.

وقد استطاع المجلس تحقيق الكثير من الإنجازات للحرف الإماراتيّة التقليديّة على الصعيد العالميّ في الأعوام الماضية عبر الشراكات الرائدة مع دور العرض وعلامات الأزياء العالميّة والمؤسسات الداعمة الحرف حول العالم. وقد أُطلق في نوفمبر 2018، بالتعاون مع مؤسّسة "كريتيف ديالوج" (Creative Dialogue) الإسبانيّة، مشروع "حوار الحرف" الذي يرتكز على المزج بين الحرف التقليديّة الإماراتيّة والأجنبيّة مع إدخال فنون التصميم الحديث، وانطلقت المرحلة الأولى من المشروع بمشاركة مجموعة من حرفيّات برنامج "بدوة" ومصمّمين من الإمارات وإسبانيا وإيطاليا، عملوا على تصميم أربع مجموعات فنّيّة حصريّة تتداخل في صناعتها وتصميمها فنون "التلي" و"السفيفة" والفخّار من الإمارات وزجاج مورانو من إيطاليا والجلد من إسبانيا.

اقرئي أيضاً: المرأة التّتريّة بيْن الأصالة والحداثة

المحافظة على التراث الإماراتيّ

بما أنّ الموروثات الخاصّة بالحرف التقليديّة هي واحدة من الركائز الأساسيّة والضروريّة للمجتمعات، يعمل المجلس على غرس قيم الفخر والاعتزاز بنفوس النساء المنتسبات بما يتعلّق بالحرف. وتقول لنا فاطمة أحمد محمود التي كان لها الكثير من المشاركات في مشاريع "بدوة" المحلّيّة والعالميّة إنّها كامرأة اليوم من خلال تعاونها مع مجلس "إرثي" تستطيع المحافظة على التراث الإماراتيّ عبر تعليم الحرفيّات الملتحقات بالمركز المهارات والفنون التي يعرفونها، ومن خلال إقامة ورش تعليميّة خاصّة للأطفال. وتقول هذه المرأة التي تمارس هذه الحرفة مذ كانت في العاشرة من العمر إنّها انضمّت إلى برنامج "بدوة" بعد ملاحظتها أنّ الحرفة بدأت تتلاشى، وأنّ افتتاح هذا المركز قدّم إليها الفرصة للمساهمة في الحفاظ على الحرف الإماراتيّة التقليديّة وضمان استمراريّتها واستدامتها". أمّا آمنة فأكّدت أنّها تساهم في المحافظة على الهويّة الإماراتيّة في التصميم عبر إدخال حرفتي التلي والسفيفة في منتجات مختلفة حتّى تستمرّ. في المقابل، تشجّع شيخة أحفادها على التقرّب من الحرف التقليديّة والمحافظة عليها عبر تعليمهم إيّاها وتعريفهم على ما كانت تستخدمه سابقاً.

وتؤكّد لنا مديرة المركز أنّ مجلس "إرثي للحرف المعاصرة" لا يغفل عن أهمّيّة تناقل الحرفة والموروثات الشعبيّة إلى الأجيال الجديدة، فيركّز على استدامة الحرف واستمراريّتها عبر تعريف الأجيال الجديدة من الشباب واليافعين عليها وتقديم برامج وورش عمل مخصّصة لهذه الفئة. فتخبرنا بأنّه أطلق برنامج "حرفتي" تزامناً مع اليوم الدوليّ للشباب للعام 2018، تحت شعار "حرفتي... مستقبلي"، ليستهدف الأطفال والشباب من عمر 6 إلى 18 عاماً، بهدف الحفاظ على الحرف التقليديّة وتعريف الأجيال الجديدة عليها، من خلال تعليمهم أصولها وأدواتها وتشجيعهم على التفاعل معها وإثراء هذا الموروث الثقافيّ بأفكارهم العصريّة المبتكرة وتصاميمهم المميّزة. كذلك تبتكر الحرفيّات طرقاً جديدة لتعليم الحرف للأطفال مثل آمنة التي تقرّبهم من "التلي" من خلال ترقيم البكرات ليسهل على الطفل فهمها.

ومن مجلس "إرثي للحرف المعاصرة" نداء إلى كلّ امرأة إماراتيّة: "حرفتك هي مصدر قوّة وفخر لك."

اقرئي أيضاً: عندما‭ ‬تدرك‭ ‬المرأة‭ ‬قيمتها‭ ‬لن‭ ‬يشكّل‭ ‬الجندر‭ ‬عائقاً أمامها

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث