مساهمة الحرف في قدرة المرأة على اتّخاذ القرار عبر التاريخ

وشاح مزخرف منقد/منغد (حوالي العام 1997) الإمارات العربيّة المتحدّة، مع رداء وسترة مزخرفين بالأشرطة المعدنيّة، وثوب وكندورة مزخرفين بمزراي التلّي (حوالي العام 2000)، من مجموعة Zay وتصوير وليد شاه 

ترمز الحِرف عادةً إلى تراث البلد وتقاليده. وفيما تشكّل الموضة غالباً انعكاساً للمحادثات الثقافية السائدة في زمنها وأداةً للتعبير عن الذات، شهدَت بعض الحِرَف في دول الخليج تطوّراً وساهمت في تمكين النساء اللواتي يمارسنَها على مستويات مختلفة. مبادرة Zay initiative هي عبارة عن منصّة غير ربحيّة تهدف إلى جذب الأشخاص الذين يتمتّعون بفضول فكريّ في العالم العربيّ، لنشر المعرفة حول المنطقة وتعميق فهمهم لها أو توسيعه. تجمع المنصّة ما هو ملموس لسرد قصّة ما هو غير ملموس. في ما يلي نكتشف مع الدكتورة ريم طارق المتولي، مؤسِّسة هذه المبادرة ورئيستها التنفيذيّة، عن التلّي والمنغد. وهما حرفتان تثيران فضولنا من منظور اجتماعيّ وثقافيّ!  
من خلال شعار "نشيد من الماضي وإيماءة إلى المستقبل"، يمكن تلخيص مهمّة مبادرة Zay حيث تؤكّد الدكتورة ريم طارق المتولي تقسيم أهدافها على النقاط الخمسة الأساسيّة التالية: "جمع الأزياء العربية وأدوات الزينة والحليّ التراثيّة والتاريخيّة وتوثيقها وحفظها؛ تقديم وعرض سياقات الأزياء التراثية من خلال أرشيف رقميّ ومدوّنة إلكترونيّة؛ تشجيع الحوار بين الثقافات لتسليط الضوء على قيمنا الإنسانية المشتركة؛ إلهام وتثقيف المصمّمين من أجل خلق مستقبل مستدام؛ تمكين المرأة إقليمياً وعالمياً عبر رواية حكاياتها التي لم تُسرد بعد".

اقرئي أيضاً: أنيتا باتيا في حديث خاصّ مع ماري كلير العربيّة

وشاح مزخرف بالفضّة منقد/منغد (حوالي العام 1982) الإمارات العربيّة المتحدّة، من مجموعة مبادرة Zay

التلّي: قيمة اجتماعيّة وتعليميّة وزخرفيّة واقتصاديّةّ في المجتمع الإماراتيّ التقليديّ
تُعرّف الدكتورة ريم حرفة التلّي على النحو الآتي: "يُعتقد أنّ أصل كلمة تلّي من اللغة العربيّة، من فعل طلا أو طلاء، حُرفت إلى إتلاء عندما أفضت بالتركية، أو من التركيّة تِلّ السلك، وهي تشير عادةً إلى شرائط معدنية مطليّة بالفضة أو الذهب، لإنشاء إمّا شرائط مسطّحة (قصب) أو خيوط ملفوفة يتمّ تزيين الملابس بها بأساليب وأنماط مختلفة." فتخبرنا أنّ هناك مجموعة كبيرة من المصطلحات والصيغ التي تختلف بحسب المنطقة. فتذكر مثلاً "تور بالتلي" و"تول بالتلي" و"أسيوطي" و"منقد/منغد" و"صرمة/صرما" و"زردوزي/خوص" و"مكيش" و"بادلة" و"فردي".
أي جزء من التراث والثقافة الوطنيّة الإماراتية تعكس حرفة التلّي وما الذي تمثّله بالنسبة إلى السكّان المحليّين؟ تشرح الدكتورة ريم قائلة: "من ناحية التقاليد، كانت حرفة صناعة التلّي تتوارث من الأمّ إلى الابنة ولها تاريخها المتجذّر في القبائل البدويّة. أمّا من الناحية التاريخيّة، فكانت النساء تمارس هذه الحرفة من أجل صنع أزيائهنّ وتصميمها وتزيينها. فكانت صناعة التلّي جزءاً من النسيج الاجتماعي للمجتمع، حيث عملت النساء من مختلف الأجيال والعائلات معاً في إطار مجتمعيّ. واعتادت بعض النساء أن يشغلنَ أنفسهنّ بهذه الحرفة خلال موسم الغوص للبحث عن اللؤلؤ، عندما كان رجال العائلة يغادرون للغوص". وتضيف مسلّطةً الضوء على الآتي: "وبالتالي، كان لصناعة التلّي قيمة اجتماعيّة وتعليميّة وزخرفيّة واقتصاديةّ في المجتمع الإماراتيّ التقليديّ".
وتختتم حديثها عن هذه الحرفة بالقول: "تماماً مثل كلّ الحِرف التقليديّة والتراثيّة، كانت حرفة التلّي ولا تزال رمزاً للزمان والمكان ووضع المجتمع الذي تتمّ ممارستها واستخدامها فيه. فهي كانت وما زالت تتطوّر باستمرار".

من مجموعة مؤسسة Mansoojat من تصوير Richard Wilding

المنغد: يرتبط بلباس الطبقة الراقية في المجتمع الحضري في المملكة العربيّة السعوديّة
على مسافة قريبة من دولة الإمارات يبرز شكل آخر من أشكال الحِرف اليدوية المرتبطة بالتلّي في تقاليد المملكة العربية السعودية، ويُسمّى بالمنغد. وعند سؤالنا الدكتورة ريم عن مصدر هذه الحرفة في المملكة وعن تطوّرها على مرّ السنين، تجيبنا: "من الناحية التاريخيّة، تمّ استخدام الزخرفة بالخيوط المعدنيّة كثيراً في جميع أنحاء الشرق الأوسط وآسيا وبعض المناطق في أوروبا. في حين أنّ عيّنات من الشِباك المصنوعة من الكتّان يبلغ عمرها 3000 سنة ما زالت محفوظة في قصر Monbijou في برلين. وقد ظهرت أيضاً في مصر وتركيا العثمانية والهند وآسيا الوسطى، لكنّها اتّخذت شكلاً مختلفاً في كلّ مرّة وتغيّر اسمها من بلد إلى آخر". ثمّ تضيف: "كان المعدن يُضرب حتى يتحوّل إلى ألواح رفيعة تُقسَّم إلى شرائح صغيرة يتمّ تدويرها بمطرقة ثمّ يتمّ صهرها لتشكيل الأسلاك، أو كانت تُصهَر الألواح المعدنيّة وتُثقب من خلال صفائح فولاذية ثمّ تُدَقّ لتصبح مسطّحة كما يلزم. فكان يتمّ استخدام المعادن الثمينة مثل الفضة أو الذهب سابقاً، ثمّ مع الوقت، تمّ استبدالها بمركبّات معدنية مطليّة بالفضّة أو الذهب، واليوم لدينا إصدارات من الأشرطة الملوّنة المنتجة بكميات كبيرة في باقة من الألوان البرّاقة".
أي جزء من التراث السعودي تمثّله حرفة المنغد وكيف أثّرت في الثقافة السعودية؟ تشرح الدكتورة ريم قائلة: "تشتهر هذه الحرفة في منطقة القصيم ونجد، وهي ترتبط بلباس الطبقة الراقية في المجتمع الحضري بسبب ما تحتويه من طلاء الفضة أو الذهب. وأحد الأمثلة الشهيرة لثوب مزخرف جداً (المنغد) محفوظ في مجموعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن الفيصل آل سعود.

من مجموعة مؤسسة Mansoojat من تصوير Richard Wilding

نقاط الاختلاف بين التلّي والمنغد

بعد شرح أصول هاتين الحِرفتين وتطوّرهما، نسأل الدكتورة ريم عن أوجه الاختلاف بينهما. تسلّط الضوء على ما يلي: "ترتبط حرفة التلّي في الأغلب بدولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان واليمن وبعض المناطق في جنوب إيران التي تضمّ عدداً كبيراً من السكّان ذوي الأصول العربيّة. ويشكّل التلّي نوعاً من الضفائر المنسوجة يدوياً، باستخدام تقنيّة مثل دانتيل البكر. فتستخدم النساء دبابيس لتثبيت الخيوط على وسادة أسطوانية موضوعة على حامل معدني يعرف باسم كاجوجة". ثمّ تضيف : "في الماضي، كان يتمّ نسج خيوط قطنيّة ملوّنة بالأبيض أو الأسود مع الشريط الفضيّ أو الذهبيّ، المعروف باسم الخوصة. أمّا اليوم، فيتمّ نسج القطن الملوّن النابض بالحياة بالإضافة إلى الخيوط الاصطناعية مع الأشرطة الملوّنة بألوان متعدّدة. والهدف هو ابتكار تصاميم معقّدة حيث يمكن استخدام ما يصل إلى أربعين بكرة. وتستند أنماط التلّي إلى عناصر من البيئة الطبيعية كالنباتات والحيوانات أو الأدوات المنزلية الشائعة، لكلٍّ منها اسم مشتقّ من هذه المصادر. ثمّ يتمّ استخدام تلك الحبال بالأشكال الهندسية على الياقة والأكمام في الأثواب والفساتين والكنادير، أو على كاحلي السراويل". ومن ناحية أخرى، تذكر الدكتورة أنّ المنقد/المنغد هو عندما يتمّ تركيب الأشرطة المعدنية وضغطها وتسويتها ضمن تشكيلة متنوّعة من الأنماط والزخارف المنقّطة على القماش مباشرةً. وتشرح قائلة: "يتمّ استخدام هذه الزخرفة بأشكال هندسيّة ونباتيّة على ياقة الأردية الخارجية ويُنثر على الملابس مثل الأثواب أو الحجاب أو الشيل".

دور المرأة في ابتكار تلك الحِرف والمحافظة عليها
تُمارس النساء حرفة التلّي حصرياً وهي تُستخدَم في الأغلب لتزيين ملابس النساء. وتؤكّد الدكتورة ريم أنّ هذه الحرفة كان لها أيضاً فائدة إضافية فاعتُبِرت كـ"زينة وخزينة" بالنسبة إلى النساء اللواتي كنّ يفتقرنَ إلى التمكين الاقتصادي آنذاك. وفي الختام، كيف يساهم برأيها العمل في هذه الحِرف في تمكين المرأة؟ تقول: "الإبداع هو تمكين، ولكن من خلال ابتكار التلّي، أضافت النساء إلى قدرتهنّ على اتّخاذ القرار من خلال اختيار الملابس التي يرتدينها وطريقة تزيين ملابسهنّ والرسالة التي يخترنَ توجيهها من خلال ملابسهنّ. كما أنّ البيئة المجتمعيّة التي يتمّ فيها ابتكار التلّي قد مكّنت المجتمع من خلال بناء العلاقات ونقل المهارات والمعرفة من جيل إلى جيل، وعزّزت أيضاً التمكين الاقتصادي من خلال تقديم ابتكار قيّم يمكن بيعه".

اقرئي أيضاً: Amna “Moki” Raad Al-Ameri: أظهرت للناس أنّ هناك لاعبات بارعات بالفعل وتمكّنتُ من تغيير بعض العقليّات

العلامات: حرف الحرف

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث