في عيد ميلاده، نبذة عن حياة Karl Lagerfeld

إعداد: ‭‬Jess Wood‬‬

Jess Wood‭ ‬،‬مديرة‭ ‬التحقيقات‭ ‬الخاصّة‭ ‬بالموضة‭ ‬لدى‭ ‬مجلّة‭ ‬ماري‭ ‬كلير‭ ‬الإنكليزية‎،‭ ‬تحتفي‭ ‬بحياة‭ ‬قيصر‭ ‬الموضة‭ ‬Karl Lagerfeld‭ ‬التي‭ ‬انطبعت‭ ‬بصراحته‭ ‬وعروضه‭ ‬المبدعة‭ ‬الأزليّة‭.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
عرفناه ناشراً ومصوّراً وفنّاناً ولغويّاً وجامعَ فنون، وعرفناه أيضاً مؤرّخاً وعبقريّاً في الثقافة الشعبيّة، وعرفناه مدمناً على مشروب الكوكا كولا الخالي من السكر وحتماً عاشقاً للقطط ... كذلك، عرفناه سخيّاً وساحراً وسليط اللسان. برز Karl Otto Lagerfeldt الذي سرعان ما تخلّى عن الحرف الأخير من اسم عائلته، كشخص غاية في الغموض. وبينما يعرِّف الكثيرون عنه بهذه الصفات وبالكثير غيرها، تُجمِع الغالبيّة على أنّه كان لغزاً متعدّد الأوجه، تماماً كعروضه الأسطوريّة مع Chanel. إلّا أنّ بعض الحقائق تفرض نفسها. إذ أثنته Joan Juliet Buck، الكاتبة ورئيسة التحرير الفرنسيّة السابقة لدى مجلّة Vogue على إطلاقه حركة التجدّد. فعندما نال الوظيفة العليا في دار Chanel في العام 1983، أطلق ظاهرةً حديثة مفادها إعادة إحياء دار أزياء تاريخيّة إنّما نائمة. وعقب ذلك، حاولت الكثير من العلامات التجاريّة اتّباع خطاه، إلّا أنّ Lagerfeld تفرّد بنهجه، على الأقّل لفترة ملحوظة من الزمن. فتجلّت جماليّة مؤسِّسة الدار Coco Chanel في نواة من الرموز تجسّدت باعتماد التويد والجلد المبطّن وحرف الـ C المزدوج، وصياغة المجوهرات المخصّصة من اللؤلؤ، وراح يستخرج خلاصتها موسماً تلو الآخر، مبتكراً شيئاً جديداً في كلّ مرة.

وتميّزت شخصيّته بمزيجها المتناقض من المألوف من جهة والبحث الدائم عن كلّ جديد من جهة أخرى، فضلاً عن موهبته الاستثنائيّة في قراءة روح العصر. فنذكر مثلاً أنّه امتلك 70 جهازَ iPod قبل حيازة غالبيّة الناس له، وأنشأ لقطّته الأليفة Choupette حساباً خاصّاً على إنستجرام قبل قيام الكثيرين من البشر بذلك، هذا وأطلقت علاقته مع Inès de la Fressange في الثمانينات ظاهرة الملهمات اللواتي تعتمدهنّ دور الأزياء كوجه إعلانيّ لها. كذلك، جعل Pharrell Williams يرتدي حقائبَ Chanel النسائيّة قبل أن يكون "النظام الجندريّ غير الثنائي" له بالمرصاد. لكن ما غيّر مسار اللعبة حقاً هي فكرة Lagerfeld عن العرض نفسه. فأقلّ ما يقال أنّه فتح باب عالم الموضة، الذي كان منعزلاً ومحصوراً بالنخبة، على مصرعيه، فحولّه إلى "عرض أزياء ترفيهيّ"، ليستمتع بمشاهدته أيّ شخص على وسائل التواصل الاجتماعيّ. بحيث تخلّلت عروضه شلّالات وكتل جليديّة ذائبة وصواريخ وكازينوهات، ناهيك عن سوبر ماركت يشمل كلّ ما تقدّمه دار Chanel. كيف لا وخيال القيصر والموارد التي وضعتها الشركة تحت تصرّفه لم يعرفا حدوداً.

والجدير بالذكر أنّ Lagerfeld شرع بالعمل لدى Fendi في العام 1965 وبقيَ المدير الإبداعيّ لها حتّى وفاته. والملفت أنّه نجح في إقامة توازنٍ بين عمله لصالح هذه الدار ولدى Chanel أيضاً، متسلّحاً بأخلاقيّات عمل كادت تتخطّى المستوى البشريّ. فصمّم المجموعة التي تحمل اسمه وصوّر معظم حملاته بنفسه. ولا يفاجئنا هذا الأمر، إذ تفرّد منذ البداية بقدرته اللّامتناهية على العمل. ففي خلال السبعينات الممتعة في باريس، وبينما احتفل الجمهور الإبداعيّ في Le Sept، كان يبتكر مجموعات لعدّة علامات تجاريّة في آنٍ معاً. فعمل حينها لسنوات كمصمّم مأجور خلف الكواليس لدى دار Chloé لصاحبتها المصمّمة Gaby Aghion، مبتكراً قمصان الكشكش والفساتين الفضفاضة التي بيعت كلّها وبدّلت طريقة تنسيق الآنسات الأنيقات لأزيائهنّ. ومن هنا، لا بدّ لنا من استرجاع حياة Karl الشخصيّة والمهنيّة، منذ بداياته كشاب أنيق يفوز بالمسابقات وصولاً إلى بروزه كأيقونة بتسريحة Pompadour التي باتت مشهورة بقدر شعار Chanel.

نشأته

وُلد في هامبورغ من عائلة غنيّة، فكان والده Otto يستورد الحليب المكثّف إلى ألمانيا. أمّا والدته Elisabeth، فهي من عزّزت تقديره للفنّ ونمّت حبّه للرّسم منذ سنّ مبكرة. وبعد دراسته في ثانويّة Lycée Montaigne الخاصّة في باريس، انتقل إلى المدينة. وفي العام 1954، أي في عمر 21 سنةً، شارك في مسابقة تصميم أقامتها منظّمة الأمانة الدوليّة للصوف، وحصد الفوز عن فئة المعاطف بتصميم معطف صوفيّ أصفر. ولم يكن زميله الذي حاز جائزة أيضاً سوى شاب خجول يبلغ من العمر 18 عاماً يدعى Yves Mathieu-Saint-Laurent، الذي نال الجائزتين الأولى والثالثة عن فئة الفساتين. وعقب المنافسة، نال Lagerfeld وظيفة لدى Pierre Balmain، المصممّ الذي طلب منه تحويل رسم تصميمه الفائز إلى قطعة ملابس حقيقيّة. وبعد أربع سنوات كمتدرب، انتقل Lagerfeld إلى دار Jean Patou المتواضعة كمصمّم رئيس، مستخدماً اسم Roland Karl. لكنّه تعرّض لهجوم حادّ بسبب اعتماد القصّات "الأقصر في باريس"، ووُصفت مجموعاته بأنّها أقرب إلى الملابس الجاهزة منها إلى الأزياء الراقية. ففي ذلك الوقت، اعتُبرت الملابس الجاهزة تقليداً باهتاً للقطعة الحقيقيّة. لكن بفضل قدرة Lagerfeld على قراءة المستقبل، رصد مدى ازدهار سوقها منذ ذلك الزمن. وبعد أربع سنوات، ترك Patou وأطلق نفسه في عالم الموضة الجديدة ليثأر من كلّ منتقديه.  

سنوات‭ ‬عمله‭ ‬لدى‭ ‬Chloé‭ ‬وFendi‬‬

على الرغم من عمله لدى عدد من دور الأزياء مثل Charles Jourdan وTiziani من روما، ناهيك عن عمله لدى Fendi، استطاع Lagerfeld إثارة إعجاب Gaby Aghion حين عيّنته مصمّماً لعلامتها التجاريّة الناشئة Chloé.

إذ كانت قد رصدت فجوة في السوق تسمح ببيع الملابس الفضفاضة بأسعار مدروسة. ونقتبس عن لسان Aghion: "كان Karl يتوجّه إلى المنزل ويعود بعد يومين مع سلسلة كاملة من التصاميم."

وانتهى به الأمر بالتغلّب على كلّ منافسيه ليصبح يد Aghion اليمنى.

فالشهرة التي اكتسبتها دار Chloé عبر فساتينها الرومانسيّة والقطع الفضفاضة الناعمة التي ميّزتها تعود إلى Lagerfeld إلى حدّ كبير.

إذ أدخل نهجاً جذرياً آخر بتركيزه على الإكسسوارات.

أمّا فترة السبعينات، فشهدت توسّعاً عن أزياء باريس، فتحوّلت المدينة إلى مركز جذب للأميركيين المبدعين، مثل عارضة الأزياء Donna Jordan ورسّام الأزياء Antonio Lopez الذي نراه على اليسار أعلاه، الذين ارتادوا أبرز مواقع منطقة Saint-Germain-des-Prés مثل Café de Flore كجزء من دائرة المصمّمين الداخليّة.

سنوات‭ ‬عمله‭ ‬لدى‬‬ Chanel

في 15 سبتمبر 1982، استفاق عالم الموضة على خبر مهم مفاده انتقال Karl إلى Chanel.

وعلّق الأخير على الخبر بالقول: "أحبّ فقط أن أعمل لدى الشركات الكبيرة ذات القوّة الترويجيّة الكبيرة. لا أحبّ الشركات الصغيرة".

لكن ما جعله هدفاً سهلاً للنقّاد، هو واقع أنّه طوّر اسمه عن طريق تصميم الملابس الجاهزة وقيامه بذلك لعلامات تجاريّة مختلفة.

إذ تلقّى ضربة قويّة بمجموعته الأولى من الأزياء الراقيّة في يناير 1983، والسبب أنّه استوحاها من تصاميم Coco من العشرينات والثلاثينات. فحينها، لم يكن أحد ليرضي الصحافة سوى شبح Coco نفسها، وكان النقّاد بلا رحمة بالفعل.

لكنّ سرعان ما وقف Karl على قدميه مجدّداً، واستبدل حرّاس الدار القدامى بفريق جديد رائع ضمّ Victoire de Castellane لتصميم المجوهرات، وInès de la Fressange ملهمة Lagerfeld التي نالت حينها عقداً سخياً غير مسبوق لتكون عارضة دار Chanel، بحيث تتواجد في كلّ حملاتها الإعلانيّة للأزياء ومستحضرات التجميل وتضطلع بدور المتحدّثة باسمها.   

سنوات‭ ‬النجاح‭ ‬الكبير‬‬

بعد أن شقّ Lagerfeld طريقه إلى دار Chanel، قال بكلّ صراحة: "كانت Coco لتكره ما أفعله اليوم. لكن عليّ نقل Chanel ممّا كانت عليه إلى ما ينبغي أو يمكن أن تكون عليه".

وأتى نجاحه كثمرة لعمله 16 ساعة يوميّاً وتنظيمه لجولة للدار، وإقامته عروضاً ناجحة في كلّ أصقاع الأرض من تكساس وصولاً إلى طوكيو. هذا وبرزت Chanel على يده على أنّها "منقذة الأزياء الراقية".

إذا احتضرت ورشات العمل التاريخيّة الباريسيّة التي خدمت صناعة الأزياء الراقية حينها، من بينها دار الريش Lemarié، ودار التطريز Lesage، وورشة تصميم الزهور Guillet.

غير أنّها عادت إلى الحياة بعد أن شرعت Chanel في حماية مستقبلها عن طريق شراء تصاميمها، طبعاً بدون منعها عن العمل لصالح دور أخرى.

ففي زمن Lagerfeld، تباهت الدار بالحرفيّة المتميّزة لكلّ ورشات العمل هذه في معرض سنويّ للفنون الحرفيّة، أقيمت نسخات منه في مواقع رائعة من بينها شنغهاي وسالزبورغ.

أمّا بالنسبة إلى Fendi، فأخذ القيصر عروضه إلى سور الصين العظيم، وإلى نافورة تريفي المرمّمة حديثاً في روما، حيث تألّقت العارضات في عرض مذهل أظهرها وكأنّها تطفو على الماء. وبالطبع لم تعرف موهبته حدوداً، سواء أكان في لعب دور المحرّض أم تصدّر العناوين الرئيسة بعروضه، بدءًا من الكتل الجليديّة الذائبة في العام 2010 وحتى "مظاهرة الشارع" في العام 2014.

وصحيح أنّه وصف Andy Warhol بالـ "مقرف" جسديّاً، ونعت جدليّة الفراء بالـ"صبيانيّة" وهزء من موجة الصور الذاتيّة، لكن غالباً ما استهدف نفسه بكلماته اللاذعة، إذ وصف نظّاراته التي ارتداها دوماً بأنها "برقعه الخاصّ"، وبعد فقدانه للوزن سعياً منه لارتداء بدلات Hedi Slimane النحيفة، سخر من نفسه من خلال نشر كتاب حمية خاص به وقال: "أنا صورة كاريكاتوريّة عن نفسي، وأحبّ ذلك. فهذا عبارة عن قناع لي. وبالنسبة إليّ، يستمرّ كرنفال البندقية التنكّري طوال العام."

إلّا أنّ التصريح الأقرب إلى كشف النقاب عن Lagerfeld الحقيقيّ هو ما قاله عن وظيفته كمصمّم: "من فضلكم لا تقولوا إنني أعمل بكدّ. فلا أحد مجبر على القيام بهذا العمل. فالناس يشترون الفساتين ليشعروا بالسعادة، وليس ليسمعوا عن شخص عانى من أجل قطعة من قماش التفتة. أمّا أنا، فأعتبر نفسي شخصاً قريباً جداً من الواقع، ومهمّتي جعله أكثر جمالاً."

اقرئي أيضاً: في عيد ميلادها، إطلالات لامعة للملكة رانيا

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث