بعد تسع سنوات على رأس الدفّة الإبداعية لدار Dior، أعلنت Maria Grazia Chiuri عن مغادرتها، لتطوي بذلك فصلًا استثنائيًا من تاريخ الدار الفرنسية العريقة. مصمّمة أثارت جدلًا، حرّكت المياه الراكدة، وأعادت تعريف الأنوثة داخل أكثر الدور أناقةً وتحفّظًا.
في زمن كانت فيه العبارة الأقوى على منصّات العرض هي "We Should All Be Feminists"، لم تكن Chiuri تصنع فساتين فحسب، بل كانت تكتب بيانًا ثقافيًا بكل غرزة، وتغزل رسائل قوة في كل تول وكورسيه.
من اللحظة الأولى، لم تكن Maria مجرد مديرة إبداعية، بل امرأة دخلت دار Dior وهي تحمل رسالة… وخرجت منها وقد تركت بصمة لا تُمحى على هوية الدار، وصوتًا نسائيًا يردّد أصداءه من باريس إلى العالم.
هنا، نأخذكم في رحلة زمنية عبر أبرز محطاتها في Dior, من عرضها الأول الذي أشعل النقاشات، إلى وداعها الصامت في قلب روما.
2016: امرأة على رأس Dior بداية جديدة
في يوليو 2016، تمّ تعيين Maria Grazia Chiuri كمديرة إبداعية لدار Christian Dior، لتصبح أوّل امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ الدار الذي امتدّ آنذاك على مدى 70 عامًا. لم يكن الأمر مجرّد تعيين؛ بل كان إعلانًا عن فصل جديد تتصدّره رؤية نسوية حداثية. منذ اللحظة الأولى، أوضحت Chiuri أن Dior سيصبح منبرًا لصوت المرأة، يجمع بين إرث الدار العريق ونظرة أنثوية قوية ومعاصرة.
سبتمبر 2016: أول عرض بيان نسوي بامتياز
في أول عرض لها لمجموعة Spring/Summer 2017، قدّمت Chiuri قطعة أصبحت أيقونية فورًا: قميص أبيض بسيط كُتب عليه "We Should All Be Feminists"، مستوحى من كتاب Chimamanda Ngozi Adichie. تم تنسيقه مع تنّورة تول رياضية وسنيكرز، ليشكّل لحظة إنستغرامية بامتياز. كان هذا العرض إعلانًا صريحًا: Dior الجديد يؤمن بأن النسوية والأزياء الراقية ليستا على طرفي نقيض.
2017: Dior الجديدة "Sisterhood" وجوائز التغيير
لم تكن "We Should All Be Feminists" لحظة عابرة. Chiuri تبعتها برسائل أخرى مثل "Sisterhood is Powerful"، وفعليًا، جعلت من Dior منصة للتغيير. أطلقت برنامج Women@Dior العالمي، الذي وفّر الإرشاد والدعم لآلاف الشابات في أكثر من 25 دولة. في نفس العام، نالت Swarovski Award for Positive Change تقديرًا لدورها في تحويل دار الأزياء إلى صوت فاعل في المجتمع.
2018: عندما بدأت Dior تسرد الحكايات
عرض Cruise 2019 كان تحية شجاعة إلى escaramuzas، فارسات المكسيك اللواتي كسرن القواعد الجندرية. دخلت فارسات حقيقيات العرض على ظهور الخيل، مما جعل المشهد سرياليًا ومؤثّرًا. أمّا عرض Spring/Summer 2019 فكان تجربة فنية حية، حيث رقصت راقصات بقيادة Sharon Eyal بين العارضات، في لحظة مزجت بين الحرية الجسدية والتعبير الإبداعي والأنوثة المتحرّرة.
2019–2020: الفن والنسوية في أبهى حللهما
في 2019، حصلت Chiuri على وسام Chevalier de la Légion d’Honneur الفرنسي، ليس فقط لتصاميمها، بل لمواقفها المؤثرة. ثم جاء عرض Spring/Summer 2020 Haute Couture، بالتعاون مع الفنانة النسوية Judy Chicago. أنشأتا معًا قُبّة ضخمة على شكل إلهة، تتدلى منها لافتات مطرّزة تسأل: "What if women ruled the world?"، ليتحوّل العرض إلى بيان نسوي بصري، يُثبت أن الجمال لا يكتمل دون رسالة.
2021–2024: Dior حول العالم ورسالة في كل خطوة
لم تكتفِ Chiuri بنقل عروض Dior حول العالم، بل حمّلت كل موقع رسالة ثقافية وإنسانية. من الفلامنكو في Seville إلى الملاعب الأثرية في Athens، ومن تراث Mumbai النسيجي إلى روح Seoul النابضة، احتفت العروض بالحرف النسائية والفنون التقليدية. تعاونت مع نساء رائدات مثل Mickalene Thomas وShirin Neshat، واستوحت من كلمات Virginia Woolf وMaya Angelou. Dior أصبحت دارًا للحوار والهوية بقدر ما هي دار أزياء. حصدت خلال هذه الفترة Couture Council Award في 2022، وNeiman Marcus Award في 2024، وهي الجائزة التي سبق وحملها Dior بنفسه.
2025
2025: عرض الوداع نهاية أنيقة لعهد استثنائي
في مايو 2025، أسدلت Maria Grazia Chiuri الستار على مسيرتها في Dior من قلب Rome، المدينة التي ألهمتها منذ البداية. عرض Cruise 2026 كان Ode رومانيًا بامتياز، كلّه تقريبًا باللون العاجي، مع فساتين طويلة تتهادى بين أعمدة العظمة التاريخية. كانت لحظة شاعرية، هادئة، حميمة.
نهاية حقبة، وبداية إرث
بعد تسع سنوات، تركت Chiuri وراءها ما هو أكبر من النجاح التجاري (فقد تضاعفت إيرادات Dior أربع مرات خلال قيادتها). تركت فلسفة. صبغت أناقة باريس بصوت نسائي جريء، وجعلت من Dior بيتًا يحتفي بالمعنى بقدر ما يحتفي بالجمال. كما وصفها الرئيس التنفيذي للدار في خطاب الوداع: “inspiring feminist perspective and exceptional creativity”. العرض الأخير قوبل بتصفيق مؤثّر، احتفاءً بمصمّمة أعادت تعريف الجمال، وربطته بالقوّة، وجعلت من Dior منصّة لقيم حديثة وضرورية.
اقرئي ايضاً: في روما، Dior تحوّل الموضة إلى ذاكرة حيّة
