مشاريع الرؤية السعودية والعقد الفريد

مشاريع الرؤية السعودية والعقد الفريد

قد يعتقد البعض أنّ عدم "انفتاح" المملكة سابقاً هو تأخّر في استغلال الموارد، ولكن لولا هذا "التحفّظ" أو بالأصحّ الاحتفاظ، لما نتج لنا هذا الكنز المحفوظ للأجيال الحالية والقادمة. والكنز هنا هو الطبيعة الفطرية الساحرة، شواطئ البحر العذراء، الآثار من العصور البعيدة، الموارد المعدنية، الأحافير، الثروة الحيوانية والنباتية، الفنون التقليدية، الإرث الحضري وغيرها من كنوز كانت كامنة في السابق، ولكن، الآن آن الأوان لاستغلالها بالطريقة المثلى وتنميتها بشكل يحفظها، واستثمارها بشكل يضمن استدامتها ككنوز للمستقبل. وذلك عبر طرق جديدة ومبتكرة ليس بالإمكان لأي دولة في العالم القيام بها وتجربتها على النطاق العظيم الذي يتمّ هنا في السعودية حيث استغلّت القيادة مبدأ الخيال لتخيّل عالم جديد، مختلف عن كلّ ما تخيّله الغير، تصديقاً لقول الأثر أنّ العلم كان في الأصل خيال.

إنّ ما يحدث في مشروع البحر الأحمر الدولي أقلّ ما يقال عنه أنّه مبهر، لقد استطاعت الرؤية الثاقبة للمشروع أن تربط جميع نواحي الحياة في مشروع واحد متكامل. في الواقع، إنّ وصف مشروع البحر الأحمر الدولي وامالا بكلمة مشروع، هو مجحف بحقّهما. إنّه فعلاً عالم جديد، والأرض والحياة والمستقبل والانسان والطبيعة، هو في قلب هذا العالم.

لقد فقدنا في عالمنا اليوم استخدام الخيال في التفكير، صحيح أنّنا في عصرنا الحالي مطّلعون على العالم والأشياء أكثر من أي وقت في تاريخ البشرية، ولكن مع انغماسنا في كلّ شيء والضوضاء التصويرة والخيال النابع من الذكاء الاصطناعي يصعب علينا احياناً وعلى عقلنا تخيّل شيء غير الذي نراه، ونتحرر من قيوده، غريب فعلا ان الخيال أصبح له اغلال، ولكننا مغمورون بكميه معلومات يصعب علينا استيعابها وتصنيفها، مما يجعل العقل مرهق ومتعب. قد تكون الفكرة صعبة الفهم، ولكن هذا ما أحسست به عند بداية البحث في هذا المقال، كانت الفكرة أن اكتب عن كيفيّة استخدام الفنّ في استراتيجية المشروع، فعندما طلبت معلومات عن المشروع سرعان ما اكتشفت أنّ الموضوع أكبر بكثير ممّا توقعت، تاهت أفكاري وتبعثرت لأنّني لم أكن أدرك قيمة المشروع على البشرية والتاريخ، بكلّ ما للكلمة من معنى.

ترددّت كثيراً هل أكتب عمّا قرأت ممّا وصلني منهم مشكورين، وهو كمّ هائل من الدراسات والأبحاث والمعلومات، أم أكتب عمّا فهمت أو استنبطت؟ والأخير هو الذي حدث، بحيث أنّ المعلومات التي قرأت موجودة وأنصح فوراً بقراءتها، أمّا ما فهمت قد يكون هو الرسالة التي أودّ نشرها.

عالمٌ عموده الفقري الاستدامة

إنّ عالم البحر الأحمر و امالا هو تصوّر جديد لما يمكن أن يكون عليه مستقبل البشرية ، الإنسان كائن متعايش مع الطبيعة لا مسيطر عليها، إنّه عالم تتناغم فيه الحياه الفطرية والإنسانيّة، السماء والبحر، الصحراء والجبل، الوادي والجزيرة ، المطار والنسر، السلحفاة والسيارة، السمك والسفينة، الشعب المرجانية والشعوب الإنسانية، عالم لم يسبق له أن كان في العصر القديم قبل الاستعمار الجائر من قبل الإنسان على الطبيعة، هو عالم لعب فيه الخيال والعلم والرؤية والإرادة والإدارة الدور الأكبر لحفظ هذا الكنز، الهبة الإلهيّة، غير ذلك أنّه عالم عموده الفقري الاستدامة و قلبها الأرض و نبضها البشر. إنّها حضارة سعوديّة جديدة، امتداداً للحضارات التي في أرضها ومساهمةً في تطور الإنسانية. قد ننسى أحياناً أنّه باستطاعتنا خلق عالم أو حياه جديدة، ولكنّ عالم البحر الأحمر سيحرّر خيالنا ويفتح آفاقنا لطريقة عيش المستقبل، أو إحدى طرق المستقبل. ولكن، أين الفنّ من هذا كلهّ؟ الفنّ هو الروح المحرّكة لكل شيء، لم تنشئ حضارة بدون فنّ ولن تبقى حضارة لو لم تخلق فناً خاص بها. حتى العلم لو لم يترجم على أحد اشكال الفن لن يستمرّ، أليست المخطوطات العلمية القديمة دليل على ذلك؟ لولا حفظها في أوراق مزخرفة بخطوط مبتكرة وأغلفة مجلّدة لم تكن لتصل لنا، أليست العمارة فنّ؟ أليست الإشارات والحدائق واللوحات والمجسّمات والملابس والأزياء فنون؟ إنّ استراتيجية فنّ البحر الأحمر التي ستنشأ بلا شك ستكون مدرسة فنيّة جديدة لا يستبعد أن تسمّى باسم العالم الجديد هذا، أو السعودية، أو امالا .... الأمر لهم، أرجوا أن يكون هذا في حسبانهم لخلق مدرسة فنيّة خاصة بنا، ولما لا؟ ألم نصنع لنفسنا تراث من قبل؟ بالتأكيد فعلنا.

في أحد مشاريع البحر فندق بنيت غرفة من الفولاذ الامع لعكس السماء والبحر، ونصبت الغرف استراتيجياً لتفادي أعشاش السلاحف وتنمية الشعب المرجانية، وربطت بجسر يربطها جميعاً مستلهماً من عقد اللؤلؤ، تبادر إلى ذهني فوراً كتاب العقد الفريد لابن عبد ربة الاندلسي. إنّ مشاريع الرؤية السعودية مثل هذا العقد الفريد مشاريع تكون الأرض فيها و البشر و الطبيعة متناغمة، جميله، قوية و ابدية كأحجار العقد الفريد، من مدينة الأرض (الدرعية) إلى نيوم، مروراً بالعلا و كامل الجزيرة العربيّة، كما سطر أمجاد العصر الذهبي الإسلامي و العربي كتاب العقد الفريد سيسطر القعد الفريد الجديد أمجاد هذه الأمّة للمستقبل، شكراً لمشروع البحر الأحمر أن فتح لي و( أتمنى لكم) خيال وحلم جديد .

إقرئي أيضاً: الحبّ في الشعر العربي

 

 

 

 

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث