قوّة الفتيات على الصمود فيما يتكبّدن وطأة الأزمات

وفقاً للمفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تشير التقديرات إلى أنّ واحدًا من كلّ خمسة منازل في سوريا تتولّى مسؤولية إدارته امرأة أو فتاة، وغالباً ما تمتدّ مسؤوليّاتها لتشمل دفع الفواتير ورعاية الأطفال وتعليمهم والمساهمة في المجتمع. واليوم عقب 10 سنوات من نشوء الأزمة السوريّة، تستمرّ وتتفاقم أوجه العنف القائم على الجندر والعنف الأسري وأشكال أخرى من التمييز ضدّ المرأة. في ما يلي نناقش مع Dima Khayyata، رئيسة مكتب حمص الفرعي في صندوق الأمم المتّحدة للسكان UNFPA مختلف أوجه هذا التمييز ، والعوامل التي تدفع النساء والفتيات إلى مواصلة تحمّل وطأة هذه الأزمة، والسبل الأفضل للحدّ منها بالإضافة إلى الإجراءات التي يتّخذها صندوق الأمم المتحدة للسكان من أجل مد يد العون لهؤلاء النساء.

1. كيف تفسّرين استمرار أوجه العنف القائم على الجندر والتحرّش والعنف الأسري وزواج الأطفال والزواج القسري بعد كلّ هذه السنوات على الإندلاع الأزمة؟

دائماً ما تتكبّد النساء والفتيات وطأة الأزمات الإنسانيّة وتداعياتها كافّة، ممّا يجعلهنّ أكثر عرضةً للعنف القائم على الجندر. وبيد أنّ هذه المخاطر دائمة الوجود في جميع المجتمعات، غير أنّ الأزمات الإنسانيّة تفاقمها كثيراً لأنّها تتسبّب في كثير من الأحيان باضطرابات من حيث الشبكات المجتمعيّة وسيادة القانون وآليات الحماية القائمة.

وعلى أرض الواقع، صرّحت النساء والفتيات مراراً وتكراراً منذ بداية الأزمة، أنهنّ يشعرن بانعدام الأمان إثر ازدياد مخاطر التحرّش والعنف الأسري والمنزلي والاختطاف والاعتداءات العنيفة والزواج القسري وزواج الأطفال، فضلاً عن أشكال أخرى من العنف القائم على الجندر. وعلاوةً على ذلك، تجسّد الكثير من أشكال العنف القائم على الجندر نتيجة محاولات الأفراد والمجتمعات للتغلّب على الأزمة الاقتصاديّة غير المسبوقة والمتفاقمة يوماً بعد يوم. ومن الأمثلة على ذلك حينما تقرّر العائلات عقد قران بناتها كوسيلة خاطئة لضمان استقرارها. وكذلك فإنّ حجم الأزمة أشار أيضاً إلى أنّ الاحتياجات تجاوزت قدرات الاستجابة لها بأشواط، بالرغم من التقدّم الملحوظ الذي أحرزته المنظمات الإنسانيّة على الأرض.

والمؤسف أيضاً أنّ عوامل كثيرة تجتمع الآن لإلغاء جزء كبير من التقدّم المحرز. ويشمل ذلك التمويل غير الكافي، والانهيار الاقتصادي المستمر، ووباء COVID-19 الذي أدّى إلى فرض قيود إضافيّة على الحركة وإلى زيادة ملحوظة في حالات عنف الشريك، لا سيّما وأنّ المزيد من النساء والفتيات يجدن أنفسهنّ محاصرات مع المعتدين عليهنّ.

وإثر كلّ ذلك، يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان باستمرار في سوريا لضمان حق كلّ امرأة وفتاة سوريّة في الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابيّة بأسعار معقولة وحمايتها من العنف القائم على الجندر.

  1. ما العوامل التي تدفع النساء والفتيات إلى مواصلة تحمّل وطأة هذه الأزمة أكثر من الرجال برأيك؟

تعود الأسباب الرئيسة لذلك إلى عدم المساواة المنهجيّة بين الجندرين، مع أنّها مشكلة موجودة أساساً قبل الأزمة ولكنّها تفاقمت منذ اندلاعها. وتتجلّى هذه اللامساواة حتماً على شكل ممارسات ضارّة أو قوانين تمييزيّة أو معتقدات تضع النساء والفتيات في مرتبة أدنى من الرجال، ممّا يجعل انتهاك حقوقهنّ الفرديّة واستقلالهنّ الجسدي مقبولاً أكثر. ولهذا السبب بالتحديد ينتهي بهنّ الأمر بتحمّل النتائج الأسوأ لأيّ أزمة.

لكن ثمة عوامل أخرى تسهم أيضاً في تعزيز هذا التحيّز. بحيث اضطر الرجال إلى مغادرة منازلهم للقتال أو بحثاً عن عمل أو لاعتبارات تتعلّق بالسلامة أو لأسباب أخرى، تاركين أفراد الأسرة من الإناث مسؤولين بالكامل عن إدارة كلّ جوانب المنزل. ووفقاً للمفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تشير التقديرات إلى أنّ واحدًا من كلّ خمسة منازل في سوريا تتولّى مسؤولية إدارته امرأة (أو فتاة)، وغالباً ما تمتد مسؤوليّاتها لتشمل دفع الفواتير ورعاية الأطفال وتعليمهم والمساهمة في المجتمع. وبحكم أنّ هذه البنية المنزليّة لا تزال تعدّ جديدة على عالمنا، فإنّها تعرض النساء والفتيات بشكل خاص لخطر الاستغلال والإساءة، خصوصاً في ظلّ الأعراف الاجتماعيّة التي تعيق منهجيّاً وصولهنّ إلى فرص كسب العيش السليمة. الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى آليات التكيّف السلبيّة، مثل زواج الأطفال والزواج المتسلسل والممارسات الخاطئة من أجل البقاء وأشكال الاستغلال الأخرى.

والجدير بالذكر أيضاً أنّه وسط غياب الآليات القانونيّة لحماية النساء والفتيات من العنف ومحاسبة المعتدين، ينتهي الأمر بتطبيع العنف، ممّا يعرض المزيد من النساء والفتيات للخطر.

وأخيراً، لا بدّ من القول إنّ سوريا تواجه اليوم أزمة اقتصاديّة لم يسبق لها مثيل، مع انخفاض سريع في قيمة عملتها وارتفاع أسعار المواد الغذائيّة بشكل هائل. وقد أدّى ذلك إلى غرق 90% من السكان في الفقر، حيث يقدّر برنامج الغذاء العالمي أنّ 60% من السكان يعانون انعدام الأمن الغذائي وأنّ أكثر من 20% من النساء الحوامل يعانين سوء التغذية في بعض المناطق. وهذا لا يمنع المجتمعات من تلبية احتياجاتها الأساسيّة فحسب، لا بل يخلق أيضاً بيئة يتم فيها ممارسة آليات التأقلم السلبيّة والعنف القائم على الجندر.

  1. يقدّر عدد النساء والفتيات ضمن سنّ الإنجاب اللواتي ما زلن بحاجة إلى مساعدة إنسانيّة داخل سوريا بحوالى 3.6 مليون. فما الإجراءات التي يتّخذها صندوق الأمم المتحدة للسكان من أجل مد يد العون لهؤلاء النساء؟

يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على تلبية الاحتياجات الفوريّة والطويلة الأجل من خلال برامجه. حيث أنّنا نقدّم الخدمات للسكان بالتعاون مع شركائنا المحليين من خلال عيادات الصحة الإنجابيّة ومراكز الرفاه المجتمعي والمساحات الآمنة للنساء والفتيات، فضلاً عن الفرق المتنقّلة. وبهذه الطريقة، يضمن عملنا بشكل أساسي أن تلد النساء والفتيات الحوامل أطفالهنّ بأمان وأن يتلقّين الدعم الذي يحتجنه في حال تعرّضهنّ للعنف. كما أنّنا نقدّم الكثير من هذه الخدمات في المناطق الريفيّة حيث لا توجد بدائل متاحة. كذلك، يزوّد صندوق الأمم المتحدة للسكان الناسء بعدّة تشمل الأدوات المصمّمة خصيصاً لتلبية احتياجات النساء والفتيات في سنّ الإنجاب كما والمراهقين والرجال أيضاً. فضلاً عن أنّنا نعمل مع شركائنا على تحديث وإعادة تأهيل المرافق الطبية وأجنحة الأمهات في المستشفيات التي دمر أكثر من نصفها في خضمّ الأزمة.

كذلك فإنّنا نقدّم مساعدة نقديّة للأفراد بغية المساهمة في تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً على أرض الواقع منذ العام 2020، خصوصاً لجهة الأسر التي تعيلها سيدات. وقد زوّد صندوق الأمم المتحدة للسكان في سوريا أكثر من 75000 امرأة حامل ومرضّعة بالمساعدات النقديّة والقسائم في شهر كانون الثاني (يناير) 2021 وحده. وفي شمال غرب سوريا، قدّمنا مساعدات حماية فرديةّ لى أساس مرّة واحدة لـ14000 شخص حتى الآن.

أمّا من حيث البرامج المختصّة بالعنف القائم على الجندر، فيعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على ضمان حماية النساء والفتيات باستمرار من العنف، لا سيّما وتمكين الناجيات من الوصول إلى خدمات جيدة وآمنة. هذا وتعمد برامجنا أيضاً إلى مساعدة النساء والفتيات على الشعور بالتمكين، وتزويدهنّ بالأدوات والدعم اللازمين لبناء شبكاتهنّ الاجتماعية، وتنمية المهارات الحياتيّة الضروريّة، وشق مساراتهن الخاصّة نحو التعافي. ويشمل ذلك الدعم النفسي والاجتماعي وزيادة الوعي والتدريب المهني للنساء والأجيال الشابّة وخدمات الصحة الإنجابية بما في ذلك صحة الأم لجعل الأمومة أكثر أماناً. كما نقدّم نقلاً مجانيّاً للكثير من النساء اللواتي يمكنهنّ الوصول إلى هذه الخدمات، فالكثير منهن لا يستطعن تكبّد تكلفة النقل العام.

وأخيراً، أوّد الإشارة إلى أنّنا نواصل الدفاع عن حقوق النساء والفتيات ورفاههنّ، سواء أكان ذلك من خلال قنوات الدعوة والتوعية المستمرة أو بالتنسيق المباشر مع الشركاء المحليين.

  1. كيف أسهمت جائحة COVID-19 في زيادة صعوبة عملكم الميداني؟

تفشّى الوباء في وقت صعب أكثر من المعتاد بالنسبة إلى سوريا وزاد أزماتنا أزمة. فبالنظر إلى النظام الصحي المتضرّر بالفعل في البلاد والمصاعب الاقتصاديّة التي نواججها، فاقم الوباء المخاطر الحالية تعقيداً وتسبّب مزيداً من المعاناة والموت. وإلى جانب الصدمات الصحيّة والاقتصاديّة المتكرّرة تباعاً، قد تصبح الآثار طويلة المدى على رأس المال البشري والإنتاجيّة والسلوك معضلات لا رجعة فيها.

ثم بالنسبة إلى النساء والفتيات، فأتت عواقب COVID-19 وخيمة، إذ ضاعفت الجائحة عنف الشريك ، وزاد الطلب على خدمات صندوق الأمم المتحدة للسكان بشكل كبير في العام الماضي. ولسوء الحظ، تأثرت خدماتنا أيضاً، حيث لم تعد المرافق قادرة على استقبال المستفيدين بحريّة جرّاء تدابير الوقاية من فيروس كورونا. وفي الوقت نفسه، تُظهر بيانات برنامجنا أنّ نسبة كبيرة من النساء والفتيات اللواتي يحتجن إلى الوصول إلى الخدمات لم يعد بإمكانهنّ القيام بذلك، إمّا بسبب مخاوفهنّ من الإصابة بالفيروس أو بسبب القيود الإضافيّة المفروضة على التنقل التي توجبها الأسر والمجتمعات.

ولا بدّ أيضاً من ذكر أنّ الوباء لا يزال يؤثّر على العاملين الميدانيين وموظفي صندوق الأمم المتحدة للسكان، الذ أصيب الكثير منهم بالفعل بوباء COVID-19، الأمر الذي صعّب بدوره تقديم الخدمات من جهتنا.

  1. هل تتمكّنون من رؤية ثمار جهودكم؟ وهل لك أن تشاركنا بعض الشهادات أو قصص النجاح التي تنمّ عن الأمل والصمود؟

تأتي ثمار عملنا بأشكال مختلفة، ونحن بالتأكيد نشهد تأثيرنا على الأرض. ففي العام 2020 وحده، استفاد أكثر من 3 ملايين شخص من خدماتنا، بما فيهم حوالى مليون شخص استفادوا من برامجنا الخاصة بالعنف القائم على الجندر. كما أجرى صندوق الأمم المتحدة للسكان تقييمات لاستجابته الإقليميّة للأزمة في سوريا والتي تُظهر التأثير الإيجابي لعملنا على النساء والفتيات اللواتي نخدمهنّ، حيث أبلغت الغالبية العظمى من هنّ عن تحسّن نوعية حياتهنّ وشعورهنّ العام بالرفاه بعد الوصول إلى ما نتيحه من خدمات.

أمّا إحدى القصص المؤثرة بشكل خاص فهي حكاية Aya، هذه الفتاة التي فقدت والدتها في سنّ الخامسة، أُجبرت على الزواج في سنّ الثالثة عشرة، واغتصبها صهرها ووالدها. وعندما وصلت Aya أخيراً إلى المساحة الآمنة للنساء والفتيات التي يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان، كانت الصدمة الشديدة تسيطر عليها. إلّا أنّها تلقت الدعم الذي احتاجته، بما في ذلك العلاج النفسي والدعم النفسي والاجتماعي، وشاركت في برنامج تدريب مهني ساعدها على تنمية مهارات جديدة. واليوم، أصبحت مستقلة ماليّاً حتى أنّها تدخر النقود للانتقال إلى منزلها مع أطفالها. وأقتبس كلماتها هنا: "يمكنني القول بأمان تام أنّني أعدت ضبط حياتي. ولن أسمح أبداً لبناتي بالزواج قبل إكمال تعليمهنّ والتخرج، إذ أريدهنّ جميعاً أن يصبحن طبيبات".

والحقيقة أنّ برامجنا تعجّ بروايات فتيات مثل Aya، لا سيّما قصص المراهقات اللواتي يواجهن مخاطر وعواقب فريدة غالباً ما تستمر مدى الحياة، ولكنهن يظهرن أيضاً عن قوّة ملحوظة وقدرة على الصمود بينما يتعثر الكثير من البالغين لو عاشوا ما عشنه. وقد تم توثيق بعض تجاربهم في منشورات أمثال Unbroken وWhen Caged Birds Sing، التي تقدّم لمحة عن الحقائق المعقدة التي تواجهها النساء والفتيات في مثل هذا الوضع الصعب.

6. في كلّ مرّة نتحدّث فيها عن مثل هذه الحالات، نلقي مزيداً من الضوء عليها ونضفي عليها الطابع القانوني. ولكن ما الوسائل الأخرى التي من شأنها أن تساعد على تحسين الوضع من منظورك؟

من المهم وضع النساء والفتيات دائماً في طليعة أيّ محادثة - أو استجابة – تتعلّق بأزمة إنسانيّة، والأزمة السوريّة ليست باستثناء. إذ من الضروري أن يستمع المانحون وصناع السياسات ووسائل الإعلام والجمهور إلى أصوات النساء والفتيات. ولا بدّ لهم أن يشهموا في تطوير البرامج وتنفيذها، لأنّ هذا سيوفر باستجابات أفضل وأكثر تأثيراً بصورة مستمرّة. وممّا لا جدال فيه أنّ خدمات الصحة الإنجابيّة والوقاية والاستجابة للعنف القائم على الجندر والدعم النفسي الاجتماعي تعتبر تدخلات حاسمة ومنقذة للحياة، وهي تستحق المزيد من الدعم والتمويل حتماً. والأهم من ذلك كلّه هو إيجاد حلّ لهذه الأزمة من أجل تمكين الشعب السوري من العيش بسلام وكرامة.

ومن المحوري أيضاً الحرص على ألّا يقرأ الجمهور ويسمع هذه القصص فحسب، بل أن يتفهم أيضاً الأسباب الجذريّة التي تساهم في العنف القائم على الجندر. لذلك، يجب نقل هذه الروايات بدقة واعتماد نهج يركّز على الناجين ليسلّط الضوء على هذه الحكايات بدون التسبب في ضرر، ويضمن معالجة العواقب الكبيرة لهذا النوع من العنف من خلال الرص على السرد الواضح لمجريات الأحداث.

كذلك، من الأساسي الاستثمار في البحوث عالية الجودة والتأكد من تطوير البرامج بناءً على الأدلة. حيث تسمح لنا الأبحاث عالية الجودة، وخصوصاً البيانات النوعيّة التي يتم الحصول عليها مباشرة من النساء والفتيات، بتحديد أشكال العنف التي تحدث في أيّ مكان و تعيين مَن يتم استهدافه، ممّا يسمح لنا بتكييف الاستجابات لتحقيق التأثير الأكبر.

وفي النهاية، نحن مدركون لحقيقة أنّ التقدم الاجتماعي عمليّة طويلة وصعبة، وأن الأمر سيستغرق وقتاً مديداً لمعالجة جميع الأعراف والممارسات الضارة التي تؤذي النساء والفتيات. ومع ذلك، فإنّنا نؤمن إيماناً راسخاً بتأثير الي يمكن ن يتركه التعاون، وقد وشهدنا تقدماً وإنجازات ملحوظة بسبب التعاون المستمر بين الجهات الفاعلة الإنسانيّة في هذا المجال.

إقرئي أيضاً: Nahla Biyari: لا تتكلّمي سلباً مع نفسك وتتفاجئي حينما يقوم أطفالك بالمثل

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث