شعاع نور التفاؤل يــشــعّ مــــن الريـــــاض

في العاشر من ديسمبر 2022 وصلت إلى الصفحة الأخيرة من دفتر ملاحظات أعمالي اليوميّة. تزعجني هذه المواقف الصغيرة أحياناً أكثر من اللزوم، فكنت أفضّل أن أبدأ العام الجديد بدفتر ملاحظات جديد كوني من الطراز القديم، إذ أحتاج إلى قلمي ودفتري كلّ يوم للعمل. وأحبّ أن أراجعه وأقرأ ملاحظاتي والجداول والاجتماعات وأرى الخربشات والرسومات. هذه الأمور الصغيرة تعطيني لمحة جيّدة عن السنة التي مضت فأتحقّق ممّا فعلته وما لم أفعله، وما أحتاج إلى مراجعته: من أفكاري وأحلامي وإخفاقاتي وأخطائي، وملاحظاتي لمقالاتي في ماري كلير العربيّة. وفيما استرسلت في قراءة هذه الملاحظات، تنبّهت أنّني بدأت عام 2022 بالكتابة بشكل عام وتحديداً لهذه المجلّة. وهذا أمر لم أفكّر أنّني قد أفعله يوماً، وقد كان هذا العام رائعاً مع فريق المجلّة. وأودّ أن أقدّم لهم تقديري وامتناني لثقتهم بي ولإعطائي الفرصة للتعبير عن أفكاري. فقد أعطوني صوتاً لم أظن أنّه قد يمتع الكثير من الناس. وأودّ أيضاً أن أشكر القرّاء وآمل أنّكم استمتعم بمقالاتي وأنا ممتنّ للدعم الذي أتلقّاه من الجميع. لقد فتح لي ذلك الكثير من الأبواب التي لم أكن أعرف بوجودها حتّى. فشكراً جزيلاً.

الطاقة التي تعكسها المملكة العربيّة السعوديّة

لكن ما زال لديّ مشكلة صغيرة ملحّة لحلّها بسرعة: أيّ دفتر ملاحظات يجب أن أستخدمه خلال هذا العام الجديد؟ لديّ دفاتر أخرى أبدأ بها، لكنّني لا أدري أيّها أختار. لديّ دفتر ملاحظات مهرجان "نور الرياض" ودفتر "مستقبل الأزياء" و"مبادرة مستقبل الاستثمار"، وكلّها فعاليات أقيمت في الرياض عام 2022 وكانت رائعة وملهمة وناجحة وتظهر الطاقة التي تعكسها المملكة العربيّة السعوديّة. فإنّه شعاع نور التفاؤل الذي يشعّ في جميع أنحاء العالم. وللمفارقة، يحمل دفتر ملاحظاتي لعام 2022 عنوان Obsessions أو "هواجس"، وكان في الواقع هديّة اشتراها لي صديق جديد من متجر بيع الهدايا في بينالي الدرعية في فبراير 2022 والذي كان أيضاً أحد الفعاليات الرائعة التي أقيمت العام الماضي. وهذا ما أحبّه في دفاتري فهي تذكّرني بمدى روعة المملكة خلال العام الفائت.

وفي نهاية كلّ عام أو بداية عام جديد، من الصعب ألّا ننظر إلى الوراء ونفكّر في ما حدث في الفترة الماضية. أفعل ذلك عادةً من خلال سلسلة الأفكار الصغيرة هذه حول الدفاتر والفعاليات والأصدقاء ومن خلال صوري... وبالحديث عن الصور، لا أصدّق أنّ حسابي على إنستغرام عمره عام واحد فقط، وهذه خطوة قاومت لفترة طويلة للقيام بها. وأجد أنّه من الصعب أن نبدأ عاماً جديداً، فذلك يدلّ بطريقة ما إلى نهاية عام من حياتنا... حرفيّاً. ولكنّ ذلك يدفعنا أيضاً لبدء عام جديد على الفور! ففكرة أنّ يوماً واحداً يمكن أن يكون له كلّ هذا التأثير، غريبة جداً، فنشعر بأنّنا نكبر عاماً في يوم واحد، هذا هو الشعور الذي تمنحنا إيّاه أعياد ميلادنا أيضاً. وهذا ما يحصل مع البدايات الجديدة، ففي بعض الأحيان لا نكون مستعدّين لها. لكنّ الحياة لا تهتمّ فعلاً بالتوقيت أو بالمرحلة التي نتواجد فيها في حياتنا المهنيّة أو الشخصيّة أو بأهدافنا أو أحلامنا، فهي تستمرّ بكلّ بساطة. وبعد شهرين تقريباً يحلّ شهر رمضان، بداية جديدة أخرى لنا، ونفكّر في ما حدث منذ رمضان السابق... ثمّ يأتي العيد وهكذا دواليك. وهذا أمر رائع في الحياة إذ لدينا دائماً فرصة لبداية جديدة. وقد تكون في أيّ يوم وكلّ يوم، في أيّ عمر وفي أيّ مكان.

الأحلام الإبداعيّة في قلب المملكة

وعلى الصعيد الشخصي لم أفكّر يوماً أنّني سأتمكّن من تحقيق أحلامي الإبداعيّة في الرياض! حيث ظننت أنّ هذه الأمور ممكنة فقط في لندن ونيويورك وربما دبي. لكن ها أنا ذا، أخشى بأنّني فوتّت حضور مهرجان MDLBEAST أو مهرجان أفلام البحر الأحمر اللذين أقيما في بلدي. من كان يعلم أنّ الرياض ستكون المدينة الأكثر تشويقاً بحيث يزورها السيّاح من جميع أنحاء العالم. وأصبحت العلا وجهة معروفة ومحبوبة. فعندما أكون خارج البلاد يسألني الجميع بحماسة عمّا يحدث في السعودية فهي تنال اهتمام الكثيرين. لذا، اصنعوا بداياتكم الخاصّة حيثما كنتم!

وكيف يمكن أن ننسى عندما فاز فريق السعودية على الأرجنتين في كأس العالم لكرة القدم 2022. كان ذاك اليوم من أسعد أيّام حياتي، وشعرت فعلاً أنّها بداية جديدة للمنتخب السعودي وللسعوديّة نفسها. شعرنا بالحبّ والسعادة في كلّ مكان ومن جميع أنحاء العالم. فأعرب المنتخب اليابانيّ مثلاً عن أنّ المملكة العربيّة السعودية أعطته دافعاً كبلد آسيويّ للفوز ضدّ منتخب ألمانيا. وانظروا إلى أين وصل منتخب المغرب في كأس العالم فقد حقّق إنجازاً تاريخياًّ بتأهّله إلى الدور النصف النهائي واحتلّ المركز الرابع. لذا يبدو هذا وكأنّه بداية جديدة للعالم العربيّ والشرق الأوسط، ولك ولي أيضاً.

فرص أفضل

ولا شكّ في أنّنا عندما ننظر إلى الوراء ونرى كلّ ما حصل خلال العام الماضي، قد نتذكّر بعض اللحظات الحزينة والأشخاص الذين فقدناهم، والأصدقاء البعيدين عنّا، وربّما الوظائف التي غيّرناها والمدن التي غادرناها. لكن ومن تجربتي الشخصيّة، فإنّ الحياة لا تهتمّ بذلك أيضاً، وتكون أحياناً النهايات بمثابة بدايات جديدة، وستمنحنا أموراً جيّدة وسط تلك السيئة. علينا فقط أن ندرك ذلك عندما يحصل. فيمكننا أن نعيد التواصل مع الأشخاص الذين فقدنا الاتّصال بهم لبناء نوع جديد من العلاقات معهم، ويمكننا إنشاء صداقات جديدة أقوى، ويمكن أن تتيح لنا الوظائف التي تركناها فرصاً أفضل. ومن يدري فقد يكون وقت الفراغ المتاح لدينا هو ما نحتاجه لقضاء بعض الوقت مع أحبّائنا، لاستعادة نشاطنا والبدء من جديد. وكلّ الفشل الذي صادفناه والصعوبات التي مررنا بها هي فرص وإشارات للتعلّم والتفكير، وقد يبدو ذلك مبتذلاً لكن لا يهمّ فهذه هي الحقيقة. ما علينا إلّا الوثوق بالحياة وبالخطّة التي وضعها الله لنا. فلا نعرف أبداً ما هو دورنا الحقيقيّ في هذه الحياة.

والمغزى من كلّ ذلك هو أنّ كلّ يوم وكلّ دقيقة هي بداية جديدة. لا داعي لأن تصابوا بالذعر مثلي من التفاصيل الصغيرة. فيمكنكم دائماً البدء من جديد، وتحقيق النجاح والطموحات، وما عليكم سوى الإيمان بأنّ الأمور ستحدث في الوقت المناسب لكم، وربّما عندما لا تتوقّعون.

كلّ عام والجميع بخير!

إقرئي أيضاً: ماذا عن الرفاهية في ١٤٤٤ هـ؟

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث