الإمارات تعزّز دور المرأة في المجال العسكري ومعرفتها بأسس حفظ السلام

ألا تعتقدون أنّه إذا أصبح هناك المزيد من النساء في مجالي السياسة والأمن، فسنكون قد اقتربنا من عالم أكثر سلاماً وأماناً؟ ألم يَحِن الوقت بعد لدخول المرأة بشكل أكبر إلى مراكز القرار في كلّ القطاعات ولاسيّما ذلك العسكري؟ فتنتقل من كونها ضحيّة للنزاعات إلى شريكة في حلّها وفي بناء السلام؟ صحيح أنّ عدد المنتسبات للقطاع العسكري حول العالم قليل مقارنةً مع المهارات التي تمتلكها النساء، إلاّ أنّ المشاركة المتساوية والعادلة للمرأة في القطاع العسكري وقطاعي السلام والأمن وتعزيز دورها في المجتمعات المتأثرة بالنزاع وما بعده، بالرغم من كلّ التحديّات الثقافيّة والصور النمطيّة، هو شرط لتحقيق التنميّة المستدامة ومفتاح لمزيد من الإستفادة من قدرات المرأة في تطوير المجتمعات.

وبما أنّ بناء كوادر نسائيّة ضمن القطاع العسكري يساهم في إحراز تقدّم على صعيد أجندة المرأة والسلام والأمن، وإيماناً منها بالدور المحوري الذي تضّطلع به المرأة في كافة المجالات، تثبت دولة الإمارات العربيّة المتّحدة من جديد ريادتها في تمكين المرأة على كلّ الأصعدة، لا سيّما في المجال العسكري ومعرفة المرأة بأسس حفظ السلام. وقد ظهر ذلك مؤخّراً بعدما شدّد المؤتمر الدولي للمرأة والسلام والأمن الذي انعقد في أبو ظبي في خلال شهر سبتمبر الماضي على أهميّة المشاركة الكاملة للمرأة في شؤون السلام والأمن كأولويّة لبناء السلام العادل والشامل حول العالم.

التصوير: Maximilian Gower

وفيما شارك الاتّحاد النسائي العام في تنظيم المؤتمر، أعربت سموّ الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتّحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية على لسان الشيخة شما بنت سلطان حفيدة الأب المؤسس الشيخ زايد، عن ثقتها الكاملة في قدرة المرأة على تبوؤ مكانتها المستحقّة في قيادة منظومة العمل لبناء السلام حول العالم، مهما اشتدّ أو تيسّر واقعها. وقد هدف المؤتمرالدولي للمرأة والسلام والأمن إلى استعراض الإنجازات والتّحديات ذات الصلة بقرار مجلس الأمن رقم 1325 المتعلّق بأهميّة المشاركة المتساوية للمرأة في الجهود المبذولة للحفاظ على السلام والأمن في مناطق النزاع حول العالم، ونوقشت أيضاً إجراءات تنفيذ خطّة العمل الوطنيّة لدولة الإمارات للاستجابة للقرار وتفعيله. وأكّد المؤتمر حرصه على دور المرأة المحوري في مراحل التعافي من آثار النّزاعات وشراكتها في حفظ السلام بالإضافة إلى تطوير قدراتها العسكريّة. وذلك بحضور ومشاركة مسؤولين ودبلوماسيّين من المنطقة والعالم كما وشخصيّات عدّة معنيّة بقضايا المرأة والأمن والسلام.

H.E Dr. Mouza Al Shehhi : "  لا يمكن فصل وجود المرأة ونجاحها في القطاع العسكري عن تمهيد الطريق لها للتطوّر والارتقاء في أيّ عمل تنجزه داخل مجتمعها"

وكان لنا حوار خاصّ بمناسبة انطلاق الدورة التدريبيّة الثالثة ضمن مبادرة الشيخة فاطمة بنت مبارك للمرأة والسلام والأمن مع سعادة الدكتورة موزة الشحي، مديرة مكتب اتّصال هيئة الأمم المتّحدة للمرأة لدول مجلس التعاون الخليجي التي تتمتّع بأكثر من 20 عاماً من الخبرة في مجالات متنوّعة بما فيها المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة وجدول أعمال المرأة والسلام والأمن في الإمارات العربيّة المتّحدة. فنبحث معها في ما يلي أهمّ التّحديات التي لا تزال تحدّ من المشاركة المتساوية للمرأة في المناصب الإستراتيجيّة المتعلّقة بوضع سياسات السلام والأمن وخطط العمل في مناطق النزاع كما ونظرتها إلى مواضيع عدّة متعلّقة بهذه المسألة!

تؤكّد الدكتورة موزة الشحي، مديرة مكتب اتّصال هيئة الأمم المتحدة للمرأة لدول مجلس التعاون الخليجي: "يسرّ هيئة الأمم المتّحدة للمرأة التعاون مع حكومة دولة الإمارات العربية المتّحدة، في تدريب دفعة جديدة قوامها 140 متدرّبة من دول عربيّة وآسيويّة وأفريقيّة مختلفة، لتنفيذ الأهداف الاستراتيجيّة لقرار مجلس الأمن 1325. وذلك بناء على مذكّرة التفاهم التي تمّ توقيعها عام 2018 بين وزارة الدفاع الإماراتيّة والاتّحاد النسائي العام وهيئة الأمم المتّحدة للمرأة، والتي دعمتها وقدّمت لها الرعاية الكريمة سموّ الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتّحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية "أم الإمارات"، حتّى وصل إجمالي المتدرّبات ضمن مبادرة الشيخة فاطمة بنت مبارك للمرأة والسلام والأمن لـحوالي 500 متدرّبة حتّى الآن، لتتعزّز المساواة بين الجنسين في مجال حفظ السلام والمساعدات الإنسانيّة. وتضيف: "يسعدنا حماس المتدرّبات وانتظامهنّ في التدريب، الذي ظهر خلال الأسابيع الماضية من البرنامج، والذي شهدناه بأنفسنا خلال زيارتنا لهنّ في أكاديميّة خولة بنت الأزور العسكريّة. يساهم بناء كوادر نسائية للعمل ضمن القطاع العسكري وحفظ السلام في إحراز تقدّم على صعيد أجندة المرأة والسلام والأمن التي تحتاج للدعم القويّ من كلّ الشركاء الحكوميّين والمؤسّسات الدوليّة والإقليميّة، كما لتفاني المتدرّبات خلال التدريب العسكري المكثّف الذي يتلقّينه. وذلك بهدف تحقيق المشاركة المتساوية والهادفة للمرأة في صنع السلام وحفظه وبنائه فعليّاً في قطاع يهيمن عليه الرجال في العادة، خاصّة عند انتهاء التدريب وعودة المتدرّبات لبلادهنّ ومشاركتهنّ في نشر ثقافة السلام وتعزيزها وتحقيق الاستقرار والأمن والتنمية لمجتمعاتهنّ وللعالم كلّه."

أحقيّة المشاركة المتساوية في مختلف المجالات

ما هي برأي سعادة الدكتورة موزة الشحي التّحديات التي لا تزال تحدّ من المشاركة المتساوية للمرأة في المناصب الاستراتيجيّة المتعلّقة بوضع سياسات السلام والأمن وخطط العمل في مناطق النزاع؟ تؤكّد: "تتنوّع المشاكل التي تواجه المرأة وتحول دون مشاركتها بشكل متكافئ في القطاع العسكري. ومن هذه التّحديات ما يرتبط بالصور النمطيّة السلبية الشائعة التي تحتاج إلى وقت طويل وجهد ثقافي لتغييرها في المجتمعات واستبدالها بتصوّرات عادلة وملائمة عن المرأة وعن دورها وعن أحقيّتها في المشاركة المتساوية في مختلف المجالات ومنها المجال العسكري". وتضيف: "وأتصوّر أنّ أحد أبرز التّحديات التي تواجه وجود الكوادر النسائيّة المؤهّلة في المجال العسكري والتي اهتممنا بها في هيئة الأمم المتّحدة للمرأة هي انخفاض نسبة مشاركة المرأة في مواقع القيادة وصنع القرار بصفة عامة. فقد قدّرت نسبة المشاركة هذه في المؤسسات التشريعيّة حول العالم في عام 2021 بحوالي5.5% فقط، وكانت هذه النسبة أقلّ في الدول التي تشهد حروباً ونزاعات. أمّا في الدول في مرحلة ما بعد النزاع، فبلغت هذه النسبة 18.9% فقط. فإذا كانت المرأة معزولة عن مواقع صنع القرار كيف يمكن أن تشارك في قطاع ارتبط في الأغلب بالرجال كالقطاع العسكري. كذلك، تحتاج النساء إلى مواجهة تحدّي الإقصاء الاقتصادي ليتمكنّ من المساهمة على قدم المساواة في الجيش والشرطة". وتتحدّث سعادة الدكتورة عن تحديّات أخرى وتقول: "العنف الممارس ضدّ النساء أثناء النزاع قد يُستخدم كسلاح حرب، ويمتدّ حتّى يطال اللواتي يترشّحن للمناصب العامّة، فضلاً عن حالات العنف المنزلي الذي تفاقم بشكل ملحوظ خلال جائحة كوفيد-19. فالعنف ضدّ المرأة يؤخّر جهودنا لتمكينها ويرجعه إلى المربّع الأوّل لأنّه يحصرنا في مناقشة الحدود الدنيا من الحقوق، بدلاً من الانطلاق لتفعيل دورها في المجال العسكري وتدريبها على حفظ السلام. وهنا أؤكّد على ضرورة تأهيل الكوادر الطبّية والشرطيّة من النساء للتعامل مع حالات العنف هذه".

بناء كوادر نسائيّة تمتلك العلم والمعرفة

ونكمل حديثنا مع مديرة مكتب اتّصال هيئة الأمم المتّحدة للمرأة لدول مجلس التعاون الخليجي بسؤالها عن تصوّرها عن هذه المسألة: "إذا أصبح هناك المزيد من النساء في مجالي السياسة والأمن، فسنكون قد اقتربنا من عالم أكثر سلاماً وأمانًا؟". وتقول سعادة الدكتورة: "إنّ بناء كوادر نسائيّة تمتلك العلم والمعرفة، وتجيد العمل المخلص يساهم في تحقيق المشاركة الفعليّة للمرأة في مسيرة البناء والتنمية في أيّ مجتمع ويتحدّى أيّ صعوبات وتحديّات تواجه النساء. وبالنسبة إلى القطاع العسكري، فإنّ تعزيز وجود المرأة فيه وتنفيذ أجندة المرأة والسلام والأمن يعني أن نعمل جميعاً على ضمان حقوقها الأساسيّة، وأن ندمجها في صناعة القرارات المؤثّرة عليها في أوقات السلم والحرب. كذلك، أن تسعى مختلف الدول عبر الآليّات السياسيّة والمجتمعية الكثيرة إلى التحرّر من قيود التحيّز وعدم المساواة، خاصّة أنّ وجود كوادر نسائيّة قادرة على المساهمة في عمليّات حفظ الأمن وبناء السلام يكتسب المزيد من الأهميّة لأنّنا اليوم نعيش في عالم فيه ما يزيد على 305 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة الإنسانيّة العاجلة، وتشكّل النساء والأطفال الغالبيّة العظمى منهم. وقبل أشهر أفادت المفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين بوجود زيادة سنويّة في عدد الأشخاص الذين اضطُروا إلى الفرار وترك أوطانهم وبيوتهم، لتسجّل اليوم أعلى معدّلاتها وتتخطّى 100 مليون شخص وتفوق نسبة النساء والأطفال منهم النصف تقريباً، وتعاني النساء معاناة مزدوجة في أماكن النزاعات والحروب. فهنّ يعانين من النزاعات ومن العادات الاجتماعية في الوقت ذاته. لذا تمكين المرأة في المجال العسكري سيساهم في إنفاذ أجندة المرأة والسلام والأمن، ويحقّق المشاركة المتساوية للمرأة، ويعزّز المساواة بين الجنسين في مجال المساعدات الإنسانيّة، ومن ثمّ سيفعّل مشاركة المرأة في إجراءات منع النزاعات، وزيادة مشاركتها في أنشطة بناء السلام، لتصبح المجتمعات أكثر سلاماً وعدالة واستدامة. ومن أجل أن يتحوّل هذا الهدف إلى واقع فعلي على الجميع دعم منظمّات المرأة وكافّة العاملين في الخطوط الأولى الذين يواجهون أعمال النزاعات والعنف".

المثابرة هي مفتاح التصدّي للتّحديات

وبناءً على خبرتها الشخصيّة والعمليّة الواسعة في هذا المجال، نسأل سعادة الدكتورة موزة الشحي أن تشارك نصيحة مع المتدرّبات ومع النساء اللواتي يرغبنَ في خوض هذا المعترك. وتقول: "أودّ أن أؤكّد أنّ التدريب يغيّر الكثير في المتدرّبة لا على صعيد عملها فحسب، بل في شخصيّتها وحياتها أيضاً، فهو يمنحها الثقة والمهارات اللازمة للتميّز في مجال جديد على النساء نسبيّاً. فعدد المنتسبات للقطاع العسكري حول العالم قليل جدّاً بالمقارنة مع أعداد النساء وما يمتلكنَه من مهارات. وأودّ أن أقول للراغبات في خوض هذا المجال، إنّهن سيواجهن الكثير من العراقيل سواء الثقافيّة أو الاجتماعيّة، لكن مفتاح التّصدي لهذه التحديات هو المثابرة. فلا بدّ من أن تعي النساء وبهدف ترسيخ أقدامهنّ في القطاع العسكري، يحتجنَ إلى الدفع بأهداف التنمية المستدامة كلّها، لأنّ تنمية المرأة لشبكة مترابطة تتطلّب تكاملَ مختلف القطاعات في الدولة سواء الرسميّة أو غير الرسميّة. فجدول أعمال أجندة المرأة والسلام والأمن متعدّد الأوجه ويتطلّب مشاركة جهات عدّة وكافّة قطاعات المجتمع بما في ذلك القطاعين العام والخاصّ وقادة المجتمع المدني. ولا يمكن فصل وجود المرأة ونجاحها في القطاع العسكري عن تمهيد الطريق لها للتطوّر والارتقاء في أيّ عمل تنجزه داخل مجتمعها".

تجمع هذه الصورة أمينة محمد، نائب الأمين العام للأمم المتّحدة خلال زيارتها لأبوظبي عام 2019 مع سعادة الدكتورة موزة الشحي وسعادة نورة السويدي، الأمينة العامة للاتّحاد النسائي العام وطلبة برنامج تدريب المرأة للسلام والأمن الأوّل.

وقد كان لنا لقاءات حصريّة مع ثلاث نساء مشاركات في هذا التدريب.

تعرّفي في هذه السطور على شهاداتهنّ الشخصيّة!

إستر من كينيا

عمري 35 عاماً ويسعدني أن أشارك في هذا البرنامج في دولة الإمارات. والإنجاز الرئيس أو الهدف الذي أودّ تحقيقه من خلاله هو اكتساب الخبرة والمعرفة من التدرّب في المخيّم، ثمّ نقل هذه المعرفة إلى بلدي وإلى النساء بشكل عام أينما كنّ. أمّا هدفي الآخر، فيتمثّل في التعارف حيث نتفاعل في هذا التدريب مع نساء من بلدان أخرى، وتتسنّى لنا مشاركة الأفكار حول ما يفعلنَه وكذلك المساهمة في تقدّم النساء في عالمهنّ.

نعيمة من مملكة البحرين

أنا في الخدمة العسكريّة منذ 16 سنة وعمري 35 عاماً. انخرطت في هذه الدورة لأكتسب الخبرة وأتعلّم أشياء جديدة خصوصاً أنّ تدريب الجيش هذا يختلف عن تدريب الشرطة لدينا في البحرين. فنكتسب الخبرة ونتبادل الثقافات وكيفيّة التعايش مع شعوب الدول الأخرى لاسيّما أنّ الكثير من المشاركين في هذه الدورة هم من دول جنوب أفريقيا. هدفي في هذه الدورة أن أكون في إحدى المراتب الأولى سواء في الشقّ الميداني أو النظري وأشرّف بلادي وأجعل رؤسائي وأهلي فخورين بي.

سلامات من النيجر

أنا مفتّشة شرطة من النيجر وعمري 30 عاماً. إنّه لشرف لي أن أكون جزءاً من هذا التدريب. وأتوقّع أن أكتسب قدرات كثيرة في النهاية لأساعد بلدي ولأثبت أنّ المرأة شجاعة وقادرة على الانضمام إلى القوّات المسلّحة. وأتشرّف فعلاً في المشاركة في هذا التدريب أيضاً لأنّ ثمّة الكثير من البلدان وبالتالي فإنّ التفاعل يهدف إلى تبادل المعرفة وتعلّم الكثير من التقنيّات التي لا تشكّل جزءاً من مؤسّساتنا ولا سيّما في الشرطة.

إقرئي أيضاً: الإمارات رائدة في تطوير قدرات المرأة العسكريّة ومعرفتها بأسس حفظ السلام

العلامات: الإمارات

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث