تعرفي معنا الى اماني الثويني

من بيننا لم تلفُت انتباهه يوماً لوحات Frida Kahlo الذاتيّة؟ فتساءلنا فيما نتأمّلها ماذا أرادت الفنّانة المكسيكيّة أن تخبرنا عن نفسها من خلالها، ولماذا دعتنا إلى عالمها الخاص؟ عندما نتعمّق بفهم هذه البورتريهات نراها تعكس مشاعرها المتخبّطة وألمها الجسديّ والنفسيّ، حيث تتحوّل إلى مرآة لروحها وهويّتها، في ظلّ احتوائها أيضاً على رموز تحاكي ثقافة بلدها. أصبح رسم البورتريه مألوفاً في عصر النهضة وسطع مع عصر الباروك. وابتداءً من القرن التاسع عشر، بات يعكس المشاعر الإنسانيّة. أمّا في القرن الماضي، فبدأ بالتطرّق لقضايا اجتماعيّة متعدّدة. وفي عصرنا هذا، أصبح هذا الرسم يتداخل مع وسائط فنيّة أخرى حديثة. رسم الصورة الذاتية تجربة فنيّة مبتكرة في التعبير عن الذات يستخدم فيها الفنّان نفسه كنموذج. يمكن أن تكون وسيلة للتأمّل الذاتي والعثور على الحقيقة أو توثيق مراحل الحياة أو حتّى تعبير عن قضيّة أكبر متعلّقة بمجتمع أو شعب. حيث تكون هذه الرسومات انعكاساً للتجربة الإنسانيّة بعينها وليس فقط للجسد. ويمكن لهذه اللوحات كذلك أن توثّق التغيّرات المجتمعيّة والثقافيّة والسياسيّة عبر العصورة. فنّانون وفنّانات كُثر عبر التاريخ لجأوا إلى هذا الرسم الشخصي، من الأشهر نذكر Vincent Van Gogh Pablo Picasso و. فإذا كان الأوّل رسم عشرات البورتريهات التي تبرز ملامحه الواضحة وتعكس مشاعره المضطربة فدعانا لفهم الصراع الذي يعيشه، تميّز الثاني أيضاً بالعديد من اللوحات الذاتية التي جسّدت صور عديدة ومتغيّرة عن حاله وبيّنت خبرته مع مدارس فنيّة عديدة. حيث بدأ بيكاسو ببورتريهات تأمليّة واقعيّة، ثمّ أصبحت تفكيكيّة وختم هذه السلسلة بلوحات أكثر تجريديّة بأسلوب يتّسم بالحريّة. في هذا التحقيق نتطرّق إلى رسم البورتريه في منطقتنا وعصرنا الحاليّ مع الفنّانة الموهوبة أماني الثويني. 

Amani AlThuwaini: " التصوير الذاتي يشكّل فرصة لتجسيد دور الممثّلة في الرواية التي أريد أن أحكيها"

ترتبط أعمال أماني الثويني الفنّية بمزيج من التراث الثقافي والتصميم المعاصر ورواية القصص. وتهدف من خلال أعمالها الفنّية إلى الدعوة للتفكير في الأمور القيّمة حقاً وكيف يمكننا الاحتفاء بالقصص الدائمة في عالم سريع التغيّر. حيث تُعدّ أعمالها استكشافاً للهوية ودعوة للتأمّل واحتفالاً بالجمال في كلّ من التفاصيل اليوميّة والأمور غير العاديّة. وهي متشوّقة حالياً لـ"سلسلة الأمومة" التي تخطّط لمشاركة المزيد عنها فيما تواصل تطوير المشروع. تستكشف هذه السلسلة التقاطع بين الأمومة والهوية وكيف تتشكّل هذه التجارب وتُعرض من خلال عدسة وسائل التواصل الاجتماعي والنزعة الاستهلاكية. انضمّي معنا إلى عالمها الفنيّ!

العمل الفنيّ المفضّل لدى أماني الثويني يحمل اسم Staged. حيث يحتلّ هذا العمل مكانة فريدة في رحلتها كفنّانة لأنّه يتعمّق في ديناميكيات الإدراك والأداء والهوية في عالم يتشكّل أكثر فأكثر من خلال الترتيب والتنظيم المتقن. وُلدت فكرة عمل Staged من تأمّلها في مدى ارتباط حياتنا بالجمهور، سواء كان ذلك بالمعنى الحرفيّ أو المجازي. وقد استوحت فكرتها من التناقض بين ذواتنا الخاصة والفطريّة وبين النسخ المصقولة التي نقدّمها غالباً للعالم، ولا سيّما في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. وعندما أنهت هذا العمل، بدا وكأنّه مرآة تعكس تجربتها الشخصية من جهة وحقيقة إنسانيّة عالمية من جهة أخرى.

بالنسبة لها، عندما يختار الفنّان رسم نفسه، "فإنّه يتّخذ قراراً شخصياً بمشاركة جزء من عالمه الداخلي مع العالم". وتؤكّد: "لا يقتصر التصوير الذاتي على تصوير الذات الجسدية فحسب، بل هو استكشاف للهوية والعاطفة والروح. إنّه انعكاس للذات، ولنظرة الفنّان لنفسه ونظرة الآخرين له أيضاً. فيكشف الطبقات التي قد تكون مخفيّة في شخصية الفنّان، بالإضافة إلى التفاصيل الدنيوية التي عادةً ما تُعتبر من المسلّمات. وقد يرى الجمهور أنفسهم من خلال صورة الفنّان، مثل المرآة أيضاً. فتظهر ذات الفنّان الحقيقية وغير المنقّحة والحسّاسة. على عكس الأعمال الفنّية الأخرى، حيث يمكن للمواضيع والمحاور أن توفّر مسافة بين الفنّان وذاته، فيزيل التصوير الذاتي هذه الحواجز. إنّها مواجهة بين الفنّان وانعكاسه الخاص - لحظة من الصدق حيث يكون الفنّان هو المبدع وموضوع العمل في آن واحد. وأعتقد أن هذا يتجلّى من خلال السياق المحيط بالصورة الذاتية، من الإحساس بالمكان والأمور الموجودة، والضوء والظل، وكذلك اختيار الألوان. ويمكن أن يعبّر كلّ ذلك عن إحساس بالعاطفة وخلفية وتجارب وتمثيل." وقد تفكّر في رسم صورة ذاتية في المستقبل، ولكن بغاية أعمق من ذي قبل. فتضيف قائلة: "بينما سبق لي أن رسمت بعض الصور الذاتية، إلّا أنّني أشعر أنّها لم تكن أبداً تعبيراً عن مواجهة حقيقية - فهي لم تجسّد سوى السطح وغالباً ما كانت محجّبة تماماً. هناك نوع من الراحة في الإخفاء والغموض، لكن التصوير الذاتي، بالنسبة إليّ، يمثّل العكس تماماً. فيشكّل فرصة لتجسيد دور الممثّلة في الرواية التي أريد أن أحكيها. إنّها طريقة لإزالة الأقنعة الشخصية والمجتمعية على حدّ سواء، ومواجهة الحقائق غير المعدّلة التي تشكّل تجاربنا المشتركة."

التصوير الذاتي ليس انعكاس للشكل الجسدي فحسب

وتتابع أماني الثويني: "التصوير الذاتي هو بالفعل أقلّ شيوعاً بين الفنّانين في منطقة الخليج، ويعود السبب في ذلك على الأرجح إلى عوامل ثقافية واجتماعية. في هذا السياق، غالباً ما تكون للهوية الجماعية الأسبقية على التعبير الفردي، لا سيما بالنسبة إلى النساء، حيث يتمّ إخفاء الذات الجسدية في بعض الأحيان. وقد لا يتماشى فعل إنشاء الصور الذاتية، الذي يتّسم بطبيعته التأمّلية والشخصيّة، مع القيم الثقافية التي تؤكّد على الحشمة أو تعطي الأولوية للروايات الجماعية على حساب الظهور الفردي. لكنّني أعتقد أنّ كلا الأمرين يمكن أن يقترنان معاً. بالنسبة إلي، ليس من الضروري الكشف عن الكائن الجسدي بالكامل من خلال التصوير الذاتي. وفي الواقع، غالباً ما تحجب أعمالي ملامح الوجه، إذ لا أرى التصوير الذاتي كانعكاس للشكل الجسدي فحسب، بل كقطعة صغيرة من أحجية السرد الأكبر. يمكن لهذا النهج أن يتحدّى التصوّرات القائمة داخل المشهد الثقافي المتنامي، فلا يقتصر الموضوع على كونه أسود أو أبيض، لأنني أؤمن بأنّنا إذا أردنا التوجّه إلى جمهور معيّن، فعلينا أن نفهم كيف نخاطبه بلغته الخاصّة من خلال تفرّدنا الفنّي".

 

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث