Painting The Disappearing Night مع الفائز في معرض الفنّ والبيئة Djabril Boukhenaïssi
- 30.07.2024
- إعداد: ماري كلير العربية
الحوار: Galia Loupan
التصوير: Vincent Ferrané
يدعونا Djabril Boukhenaïssi، الشاب الفائز بجائزة معرض الفنّ والبيئة في نسخته الاولى التي أنشأتها دار Guerlain ومتحف Lee Ufan Arles، لاكتشاف المزيد عن إقامته الفنية في مدينة آرل جنوب فرنسا وعن عالمه الشاعري حيث يتلاشى الليل في تدرّجات اللون البنفسجيّ الغامضة.
يتمحور المشروع الذي تعمل عليه خلال هذه الإقامة الفنّية حول اختفاء الليل. هلّا تشرح لنا الفكرة أكثر؟
إنها في الواقع ظاهرة ناتجة عن التلوث الضوئي. مثل معظم الناس، قرأت مقالاً واكتشفت حقيقة اختفاء الليل كقضية بيئية وعلمية. لكنّني لطالما شعرت بالارتباط بالليل في الكتب والأدب منذ أن كنت طالباً في معهد الفنون الجميلة في باريس، ومن خلال أعمال Novalis و Rilke و Goethe و Aloysius Bertrand وغيرهم... ومن المثير للاهتمام أيضاً أن نرى كيف أصبح الليل نفسه موضوعاً للّوحات في تاريخ الفنّ. لم يكن الوضع كذلك دائماً، فالتصوير الصحيح الأول للّيل هو لوحة لـ Piero della Francesca. وكان ذلك في عصر النهضة، أي ليس منذ وقت طويل. في القرن الثامن عشر، عصر التنوير، أصبح الليل موضع كراهية لأنه مثّل الخرافة والجهل والتخلّف. ثمّ في القرن التاسع عشر، احتلّ مركز الصدارة بطريقة رومانسية قوطية، تجسّدها شخصية الخفّاش. وبالنسبة إليّ، فإنّ عصرنا هو انعكاس للقرن الثامن عشر: في ذلك الوقت، تسبّب الفلاسفة في اختفاء الليل رمزياً. إنّما جعل عصرنا الكهربائي منه حقيقة.
وما أهمية هذا الأمر؟ فقد عمل البشر دائماً على بعث النور في الظلام...
إذا لم نستطع تجربة الليل على أكمل وجه - النجوم والظلام - فسنفقد الاتصال بخيالنا الشعري. إن إدراك مدى صغر حجمنا في كون هائل أمر مخيف. لكن هذا الخوف مهمّ. بالنسبة إلى شخص مثلي مشكّك، فهو أمر قيّم ويدعو للتواضع. عنوان المعرض هو À Ténèbres، وهذا تعبير فرنسيّ قديم يعني ببساطة "الليل". في القرن التاسع عشر، إذا أراد شخص ما أن يقول "سأخرج الليلة" كان سيقول "Je vais à ténèbres"، والذي يُترجم حرفياً إلى "سأذهب عند الظلام". اختفى هذا التعبير، مثلما اختفى الليل نفسه. كما ستختفي تعابير أخرى لاحقاً، فربما قريباً لن نقول "عند حلول الظلام" لأنّ الظلام لن يحلّ بعد الآن. بالنسبة إليّ، الأمر شخصيّ جداً: فطوال حياتي أخبروني عن أشياء تختفي: الكائنات والثلج والليل والنحل والوظائف... فأنا أنتمي إلى جيل نشأ في الخوف. نحن نشهد أيضاً نقطة تحوّل فريدة في التاريخ. منذ بداية البشرية، عشنا دائماً مع النجوم. ولأوّل مرّة على الإطلاق، يعيش بعض الناس حياتهم بأكملها بدون رؤية أي نجوم. لكن كلّ هذه البنى التحتية الكهربائية المتطوّرة هشة جداً، فإذا أطفأنا الأضواء، نرى أنّ الظلام والنجوم ما زالت موجودة. فليس الليل الذي اختفى، بل قدرتنا على رؤيته. لهذا السبب أرسم نجوماً بالكاد يمكن رؤيتها في لوحاتي. هي وليدة الفراغ، مثل فجوات صغيرة. يجب الاقتراب لرؤيتها. بدأت أفكّر في الليل وأعمل على هذه الأفكار في العام 2019، وبدأتُ أفهم كيف يرتبط بي في العام 2024. استغرقني الأمر كلّ هذا الوقت لأتساءل أخيراً عن هذه الظاهرة، ولأفهم من أين يأتي ذوقي في الكتب... ثم كان اللقاء بالفراشة...
هلّا تخبرنا عن ذلك؟
إنّها قصة رائعة. كنت أعمل على مشروع يركّز على رواية The Waves لـ Virginia Woolf. ذات مساء، في المنزل الريفي، سمعتُ شيئاً كبيراً يطرق على النافذة. اعتقدت أنّه خفّاش. لكن عندما فتحت النافذة، دخلت الغرفة فراشة من أكبر أنواع الفراشات في أوروبا تُسمى بفراشة الطاووس العملاقة أو فراشة الليل. ومن المثير للاهتمام أن الشيء نفسه حدث عام 1927 مع Vanessa Bell، أختVirginia Woolf ، التي كانت رسّامة. أثناء عطلتها في جنوب فرنسا، سمعت طرقاً فقال زوجها: "لا بدّ من أنّه خفاش"، ففتح النافذة ورأى فراشة.
كتبت Vanessa Bell هذا لأختها في رسالة، وقرّرت Virginia Woolf تحويلها إلى قصّة قصيرة. هذا العمل، الذي كان يسمى في البداية "الفراشة"، أصبح في النهاية "الموجات" أو The Waves. عندما أروي هذه القصة، يقول الجميع إنّها إشارة! لكنّني لا أؤمن بالإشارت وأعتقد أنّها مصادفة جميلة والأمر يعود لي لأجعل لها معنى. لكنّني تبنّيت الفراشة كحيوان رمزيّ للّيل. وهي حاضرة بقوّة في عملي.
اقرئي ايضًا:مفهوم Kate Spade New York العالمي الأول للمقاهي
بالنسبة إلي، كانت البيئة تسير في المدينة ليلاً. في آرل، لا يزال بإمكانك رؤية النجوم، حتى من وسط المدينة. أمام Saint-Blaise، يمكنني التعرّف على مجموعات النجوم.
عندما نفكّر في الطبيعة، فإنها عادةً ما تعني لنا البيئة. ولكن بالنسبة إلى الفنّان، فهي أيضاً استوديو ومكان يستمدّ منه الإلهام. ما كان تأثير بيئة هذه الإقامة الفنّية عليك؟
قرّرت القدوم مع اللوحات الفارغة فقط والسماح لمدينة آرل ومساحة Lee Ufan بالتأثير عليّ. أوّل مكان زرتُه عند وصولي كان Alyscamps، الموقع الذي أقيم فيه معرض Lee Ufan الكبير قبل افتتاح متحفه. إنها مقبرة رومانية كبيرة ومكان استثنائيّ. وفكّرت في نفسي على الفور، "إذا أردت التطرّق إلى موضوع موت الليل، فلا يمكنني تجاهل هذا". لذلك، عملتُ على لوحتي الأولى في Alyscamps . ومن لوحة إلى أخرى، بقيت هناك، أرسم السماء البنفسجيّة اللون، والتي تكون دائماً مفاجئة. أردت العمل على هذا التصوير بأسلوب Caspar David Friedrich: أي المناظر الطبيعية ذات بنية أفقية واسعة، مع عنصر عمودي بين الحين والآخر يعزّز الانسجام العام.
إن عمل الفنّان والرسام والنقّاش هو أولاً وقبل كلّ شيء القدرة على الرؤية والانتباه إلى ما يحيط بنا.
هلّا تخبرنا عن النهج الذي تعتمده في عملك؟
أستخدم الألوان الزيتيّة على القماش، في سلسلة من الطبقات الشفافة، تاركاً بعض القماش غير مطليّ وبالكاد مغطّى بالطبقة الأساسية. ويمكن رؤية ذلك في المناطق البنّية الفاتحة. كلّ الألوان البنفسجية والأبيض والأصفر هي ألوان زيتيّة، مع لمسات من البنّي المائل إلى البرغندي. وفوق هذه الألوان أرسم بألوان الباستيل. لقد عملت كثيراً على الذاكرة والحنين، وكنت بحاجة إلى تقنية تكشف الطبقات المتعاقبة من الطلاء. والباستيل يتلاشى مع الوقت... وكما هناك طبقات من الألوان، هناك أيضاً طبقات من المعاني. كان التحدي الحقيقي بالنسبة إليّ، استخدام هذا اللون البنفسجيّ القويّ. إنه لون قوي جداً، ويصعب استخدامه. يجب إما تخفيفه أو جعل الألوان الأخرى شديدة الكثافة. لذا كان هناك مراحل كثيرة وبالتالي كان هذا العمل صعباً، وقلقتُ كثيراً في الشهر الأول من إقامتي الفنّية. وكذلك فعل الجميع بصراحة. لكن في النهاية، سار كل شيء على ما يرام، إنما كان علي أن أتمسّك برأيي.
كل الأجزاء الحيويّة هي من الباستيل. إنّها كلّ تلك الألوان الزرقاء النابضة بالحياة.
أنت تقوم بإقامتك الفنّية في مساحة مخصصة لـ Lee Ufan، أيقونة الفنّ البسيط الكوري المشهور عالمياً والذي يبلغ من العمر 88 عاماً. لكنّ أعماله مختلفة تماماً عن أعمالك؛ فهل كان له أي تأثير عليك؟
لقد تأثرت كثيراً بالطابع الماديّ المطلق للوحاته، بخاصّة تلك التي تعود إلى سبعينات القرن الماضي، مثل From Point و From Line. فقد كان يستخدم مزيجاً من الصباغ والصمغ الذي كان يسحبه ويسحبه... وجدت ذلك جميلاً وشاعرياً ومذهلاً جداً. وبما أنّني كنت أعمل في منزله وعلى وشك العرض في مساحته، أردت أن أجد طريقة لأكرّم أكثر ما أثّر فيّ في أعماله. قبل المجيء إلى هنا، كنت أفرك الباستيل بالفعل في لوحاتي، ولكن بطريقة دقيقة جداً. لكن هنا وللمرة الأولى، أثناء محاولتي تحقيق التأثير نفسه مثل Lee Ufan، بدأت أفرك الباستيل بقوّة وأسحقه على القماش، مما أنتج طبقة سميكة من الباستيل غير اللامع. لقد أحدثت هذه الإقامة تحديثاً كاملاً في تقنيّتي، وأعلم أنّني سأستمر في هذا الاكتشاف. ألهمني Lee Ufan أيضاً برغبته في عدم العمل بمفرده والتأثّر بالأكاديميّين والكتّاب والفلاسفة ومحاولة العمل مع ما هو موجود. وأظنّ أنّه لا بدّ من أن يلهم المزيد من الفنّانين الشباب. فبالنسبة إليّ، أعلم أنّ كل هذا يظهر لي طريقاً إلى الأمام، وهذه فعلاً بداية شيء ما. وسأستكشف ذلك خلال السنوات العشر قادمة.
اقرئي ايضًا:ديكور مرايا: لمسات جمالية وتحسينات عملية للمنزل
” ينقل لنا Djabril العالم بمنظور مختلف. إنه مذهل ولامع وقارئ بارع. سيكون فناناً عظيماً." Ann Caroline Prazan - المديرة الفنية الدولية للثقافة والتراث في دار Guerlain
À Ténèbres للفنّان Djabril Boukhenaïssi من 1 يوليو إلى 1 سبتمبر 2024
Lee Ufan Arles
5 شارع Vernon، 13200 آرل
www.leeufan-arles.org