Manal Ataya: "تؤدّي المتاحف دوراً محوريّاً في بناء مجتمع قائم على المعرفة"

إنّه عالم المتاحف الذي يعبق بالتاريخ والثقافات والفنون والآثار التي تختصر الحضارات البشريّة ومسيرة الإنسان على مرّ الزمن. فيوثّق التاريخ ويحمي آثاره ويحافظ عليها ويعرضها لتعريف العالم إليها بما يساهم في خلق مجتمع واعٍ ومتجانس. ففي كلّ مرّة ندخل متحفاً، نحجزُ لأنفسنا مكاناً في رحلة إلى الماضي، لاستكشاف الذاكرة التاريخيّة والثقافيّة لمجتمع معيّن. وما أجمل من التعرّف إلى الماضي لفهم الحاضر والتطلّع إلى المستقبل؟ فما من مستقبل من دون ماضي يؤثّر به ولكن من دون أن يحدّده، لأنّ للحاضر الكلمة الفصل في هذه المعادلة.

ندخل إلى المتحف، فنشهد على هذا التراكم الذي يتمثّل بأعمال فنّيّة أو هندسيّة أو خزفيّة أو أدوات أو حليّ أو ملابس... ويستوحي منها أشهر المصمّمين والفنّانين! وفيما تكتنف المتاحف كنوزاً تاريخيّة في داخلها، إلّا أنّ تصميمها الخارجي أيضاً يحمل تميّزاً كبيراً. وفيما اشتهرت المهندسة العبقريّة زها حديد باستكشاف الحركة في الهندسة المعماريّة وبريادتها في فنّ العمارة في القرن الحادي والعشرين وارتباط أعمالها بالمنحنى العائم، أنشأت الكثير من المباني الفريدة حول العالم من ضمنها تبرز متاحف عدّة تُعَدّ ثوريّة. حيث أرادتها حديد أن تكون حرماً فنيّاً متداخلاً لإنشاء مساحات تفاعليّة، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الـ MAXXI أو الـ Museo Nazionale delle arti del XXI Secolo وهو متحف للفنّ المعاصر في حيّ فلامينيو في روما. بالإضافة إلى متحف Messner Mountain Museum Corones على سفح الجبل في بولزانو إيطاليا المخصّص لتقاليد وتاريخ تسلّق الجبال. كما نشير إلى متحف Heydar Aliyev Cultural Center في باكو أذربيجان الذي ينساب بمرونة بين المناظر الطبيعية ويشكّل تتويجاً لأسلوبها الخاصّ. تحيّة منّا لروح هذه المهندسة التي كانت في طليعة الابتكار بمبانيها المستقبليّة!

نساءٌ كثيرات لمعت أسماؤهنّ في عالم المتاحف مؤخّراً حول العالم، وفي ما يلي نحاور منال عطايا المدير العام هيئة متاحف الشارقة ، فنتعرّف إلى مسيرتها ونقف عند آرائها المتعلّقة بالتغيّرات الرقميّة الحاليّة ودور المتاحف في إغناء الحوار الثقافي.

نشأت منال عطايا المدير العام هيئة متاحف الشارقة في أسرة تتمسّك بقيم عديدة تتضمّن الصدق والنزاهة وإعلاء شأن التعليم وأهميّته والعمل الجادّ بالإضافة إلى ضرورة ردّ الجميل لمجتمعاتنا بما يسهم في تسريع عجلة التغيير للأفضل. وعمِلَت على تطبيق هذه المبادئ في بيئة العمل، فكان تركيزها على العمل الجادّ والالتزام وتوجيه وتحفيز الزملاء والعاملين في الهيئة للتّحلي بالأخلاق المهنية العالية وزيادة الاهتمام والشغف بمهنهم بحيث يشكّلون مع بعض ومن خلال جهودهم الفرديّة سلسلة من الإنجازات الجمعيّة التي تكون جزء من الصورة الكبيرة للتطوّر والتي تؤدي إلى نجاحٍ طويل الأمد.

تصميم البرامج بطرق مبتكرة ورياديّة

ولدى سؤالنا عطايا عمّا تخبّئه لنا متاحف الشارقة من تجارب ومعارض جديدة، تقول: "تحرص هيئة الشارقة للمتاحف على أن يكون برنامجها السنويّ زاخراً بالعديد من الفعاليات والمعارض والبرامج المجتمعيّة لأفراد الأسرة والأطفال وغيرها من البرامج لكافة أفراد المجتمع". وتضيف: "ومن أبرز المعارض لهذا العام معرض "وجوه من المحطة" في متحف المحطة، ومعرض "إبداعات من التراث"، بالتعاون مع كليّة الفنون الجميلة بجامعة الشارقة، ويقام في متحف الشارقة للتراث، ومعرض "رموز ملكية: مجوهرات القصر من المغول وسلطنة الهند" في متحف الشارقة للحضارة الإسلامية، والمعرض الدوري المشترك السابع لآثار دول مجلس التعاون الخليجي في متحف الشارقة للآثار، ومعرض للفنان ناصر الميمون في متحف الشاقة للخط ، ومعرض للفنانة سامية حلبي ضمن سلسلة علامات فارقة في متحف الشارقة للفنون".

نتابع حوارنا مع المدير العام هيئة متاحف الشارقة بسؤالها عن كيفيّة انعكاس برامج المتحف على المشهد الفنّي والثقافي في الإمارات. فتؤكّد: "تعتبر المتاحف الذاكرة التاريخية والثقافية للمجتمعات، كما تعتبر مؤسسات تعليمية ذات تأثير بالغ، عبر ما تستعرضه من كنوز تاريخيّة، وما تقدّمه لكافة فئات المجتمع ولمختلف الأعمار من برامج وأنشطة ومعارض، كونها تسهم في إثراء المشهد الثقافي والفني لدى الجمهور." قبل أن تضيف: "ولكن ينبغي الحرص على تصميم البرامج بطرق مبتكرة وريادية لتحقيق أهدافها ولا سيما البرامج والأنشطة المخصصة للأطفال، لأنّ ما يكتسبونه من معارف ومعلومات سيرسخ في عقولهم إلى الأبد. " أمّا كيفية مساهمة البرامج في مستقبل المشهد الثقافي والفنّي، فتقول: "من المؤكّد أنّ البرامج تلعب دوراً محوريّاً في هذا الجانب، فمن خلالها نوثق للأعمال الإبداعية، كما يمكن عبرها اكتشاف المواهب الواعدة، وتطويرها لرفد قطاعي الفن والثقافة بقدرات واعدة وجديدة تسهم في الارتقاء به وتعزيز مكانته."

الانتقال بالمشهد الثقافي والفني إلى الفضاء الإلكتروني

وعن آرائها بالتحوّل الذي طرأ على المشهد الفنّي والثقافي نحو العالم الرقمي، تشير عطايا إلى التالي: "واجه العالم في العامين الماضيين أزمة انتشار جائحة فيروس كورونا كوفيد 19 التي أثّرت على جميع المجتمعات، فانتقلت المؤسسات والأعمال بشقيها الخاص والحكوميّ إلى البحث عن حلول لتسيير الأعمال، فبرز دور التقنيات الرقمية والتكنولوجية الحديثة، وظهرت العديد من الفرص التي أوجدتها الجائحة، ونحن في هيئة الشارقة للمتاحف نعمل منذ سنوات طويلة على تعزيز منظومتنا الرقمية وتطويرها في إطار التحول الرقمي الذكي، ممّا أتاح لنا سرعة الاستجابة والانتقال بالمشهد الثقافي والفني إلى الفضاء الإلكتروني، حيث أصبحت المقتنيات والمحتويات الثقافية والفنية متاحة للجميع في كل مكان، وقد أنشانا على سبيل المثال الجولات المتحفية الرقمية التي تمكّن الجمهور من زيارة المتحف افتراضياً". أمّا عن كيفية أخذ هذه التغيّرات في هيئة متاحف الشارقة بعين الاعتبار، تؤكّد: "نحن سباقون في مجال تطوير البيئة الرقمية في الهيئة، ونواصل العمل ضمن استراتيجيتنا على الارتقاء بهذا الواقع".

غرس الحبّ والاهتمام بالتاريخ لدى الأطفال

كما نسأل المدير العام هيئة متاحف الشارقة أيضاً عن دور متاحف الشارقة في ترسيخ حضارة وثقافة الإمارات والخليج عموماً، فتجيبنا: "تؤدي المتاحف دوراً محوريّاً في بناء مجتمع قائم على المعرفة باعتبارها جهات تسعى إلى إنتاج المعرفة من خلال إطلاع الأفراد على إرثهم الثقافي والتاريخي مما يسهم في خدمة المجتمع وتطويره، ومتاحف الشارقة التي حرصنا على أن تكون متاحة للجميع تعمل على حماية وصون المقتنيات وإبرازها للجمهور، إضافة إلى دورها في تعزيز الثقافة والتعليم من خلال معارضها وبرامجها التعليمية والمجتمعية التي تزخر بها جميع المتاحف المنضوية تحت مظلة الهيئة إلى جانب دورها الأساسي في تعزيز لغة الحوار بين الثقافات والأديان".

ونختتم حوارنا بسؤال عطايا عن زرع المرأة الشغف التعرّف إلى الثقافة والتاريخ والحضارة في أطفالها، فتقول: "يشكّل دور كلا الوالدين جزء لا يتجزأ من عمليّة زيادة الوعي لدى الأطفال، فمن المهمّ جدًا أن يدرك أولياء الأمور أنّهم إذا رغبوا في غرس الحبّ والاهتمام بتاريخهم وتراثهم وثقافتهم وثقافات وتاريخ وتراث الآخرين لدى أطفالهم، فيتعيّن عليهما سوياً أن يلعبا دوراً في تطوير زيارة المتاحف كسلوك والذي سيتبنّاه أطفالهم لاحقاً، وعليه يحتاج الآباء والأمهات للعمل معًا لضمان وجود التزام قوي بزيارة أطفالهم للمتاحف والمنظّمات الثقافية الأخرى، وحضور العروض، وزيارة المكتبات والمعارض، والمشاركة في ورش العمل، وهناك طرق مختلفة يجب أن يتفاعل بها الأطفال مع ما هو متاح لا سّيما أنّ لدى دولة الإمارات الكثير لتقدمه في هذا الشأن".

إقرئي أيضاً: Alia Al Shamsi: " اللوفر أبوظبي مليء بالاكتشافات الجديدة في كلّ زيارة"

 

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث