نساء شاركن ياسمين غيث معركتها ضدّ سرطان الثدي

التصوير: Bilo Hussein

الإدارة الفنّيّة: Farah Kreidieh

التنسيق: Yasmine Eissa

تكون حياتها طبيعيّة يملؤها التجدّد حيناً والروتين أحياناً، فتنغمس في هذه العجلة، ثمّ تتلهّى بالأمور اليوميّة وتنسى أن تخضع لفحوصات صحّيّة دوريّة. وفي يوم من الأيّام تستفيق وتكتشف أنّها مصابة بسرطان الثدي. إنّها أنا أو أنتِ أو أيّ امرأة تعرفينها. قد تتغيّر الوجوه والمكان والزمان، إلاّ أنّ السيناريو يبقى عينه. بالطبع لن تكون هذه نهاية العالم، إنّما بداية معركة كلّما كان فيها الكشف عن المرض مبكراً كلّما كان الانتصار عليه مضموناً. ياسمين غيث هي واحدة من أولئك النساء اللواتي باغتهنّ سرطان الثدي على حين غرّة، لكنّها خاضت معركة تسلّحت فيها بالأمل والإرادة. إلاّ أنّها لم تكن وحيدة في هذه المعركة ولم تكتفِ بهذين السلاحين، بل كان لديها جيش ساعدها فشكّل بذلك نظام دعم خاصّاً أدّى دوراً أساسيّاً في انتصارها. وتروي لنا ياسمين في هذا التحقيق قصّتها مع سرطان الثدي وكيف استطاعت بدعم من عائلتها وأصدقائها التغلّب عليه. فتخبرنا كيف ساعدتها كلّ من والدتها دينا الجندي ووالدة زوجها ألفت الدسوقي وصديقتيها نور الشمّاع ومريم علاء، كلّ على طريقتها الخاصّة، على الانتصار في هذه المعركة.

اقرئي أيضاً: الأنامل المبدعة المقاومة عندما يجتمع فنّ الصمود بالتراث الوطنيّ

عُرِفَت من خلال أولى أدوارها التمثيليّة في مسلسل "حلاوة الدنيا" خلال شهر رمضان 2017 حيْث جسّدت دوْرامرأة مُصابة بالسّرطان في الوقت الذي كانت تُعاني بنفسها من هذا المرض. "كنت أقوم بجلسات العلاج الكيميائيّ، وأذهب إلى موْقع التّصوير في اليوم التالي. وخلال التّصويركنت أنفصل عن العالم الخارجي وأنسى كلّ شيء يحصل لي. وكان الهدف من مشاركتي هو إيصال رسالتي إلى ملايين النّاس من خلال عرض تفاصيل حالتي بصورة كاملة وواقعيّة." كانت ياسمين تُحقّق بمثابة حُلم لها، هي التّي أحبّت الفنّ بينما كانت تعمل في التّعليم. وقد بدأت قصّتها مع سرطان الثدي في شهر سبتمبر 2016 عندما اكتشفت إصابتها وكانت في التّاسع والعشرين من العمر. "لا زلتُ أتذكّرتلك اللّحظة التّي شعرتُ بها أنّ العالم ينهارمن حولي". سنتان انقضتا قبل شفاء ياسمين التي باتت معروفة اليوم بال wonder woman فما هي وصفتها السريّة حتّى تغدو المرأة خارقة؟ تُجيبنا: " لا يجب أن ننتظر حصول مكروه لنا حتّى نكتشف نقاط قوّتنا. نحن أقوياء وقد أنعمَ الله عليْنا بالإرادة. ويُمكن أن نتخطّى كلّ الأزمات بفضل القوّة والإرادة. وعليْنا أن نصدّق أنّنا أقوياء حتّى نكون أقوياء". وفي هذه المعركة لم تكتف ياسمين بالقوّة وبسلاحيْ الأمل والإرادة فقط، إنّما كان دعم أهلها وأصدقائها لها هو عاملٌ مُساعدٌ في تماثلها إلى الشّفاء أيضاً.

نظام دعم خاصّ

أن تكمل المرأة حياتها بشكل طبيعيّ بعد تشخيصها بسرطان الثدي أمر صعب للغاية، إلاّ أنّ توافر جنود مجهولين إلى جانبها يؤدّي دوراً أساسيّاً في تخطّيها هذه المرحلة بشكل أفضل. كثيرات منّا يتساءلن كيف يمكنهنّ الوقوف إلى جانب امرأة تخوض معركتها ضدّ سرطان الثدي. فيعتقدن أنّ ذلك صعب ومعقّد، إلاّ أنّ ذلك بسيط جدّاً ويكمن في خطوات بسيطة يوميّة يكون دافعها الحبّ ومحرّكها الأمل والعامل الأساسيّ فيها مشاركة الوقت.

"تلقيّت دعماً كبيراً من عائلتي وأصدقائي، فشكّلوا نظام دعم خاصّاً بي. وهذا النظام هو أهمّ ما يمكن أن يؤمّن لمرضى السرطان. وما ساعدني على تخطّي هذه المحنة هو عدم إظهار مدى خوفهم عليّ. فبالرغم من أنّهم مُدمّرون، كانوا يبيّنون لي قوّتهم". في تلك الفترة، انتقلت ياسمين للعيش في منزل والديها، لكنّ والدي زوجها كانوا بقربها أيضاً. وأخبرت ابنها بأنّها تعاني بعض الألم وبأنّ الوصفة السحريّة لتتعافى هي أن يعطيها الكثير من الحبّ والقبلات والغمرات. كثيرون شكّلوا جنوداً مجهولين وراء رحلة ياسمين للشفاء، إلاّ أنّها تخصّ بالذكر 4 سيّدات شكّلن أسلحة حاربت بها سرطان الثدي إلى جانب إرادتها وأملها.

دينا الجندي

"في خلال فترة علاجي، كانت أمّي تشجّعني وتساعدني في كلّ شيء، فتهتمّ بي وبابني. وأدّت كلّ الواجبات التي كان عليّ القيام بها باعتباري امرأة متزوّجة منذ 7 سنوات وأمّاً لطفل عمره 4 سنوات. إضافة إلى ذلك، كانت تفتّش عن وصفات صحّيّة للأكل". قبل إصابة ياسمين بالسرطان، كانت تعيش نمط حياة غير صحّيّ، إذ تستهلك الكثير من الوجبات السريعة. وبعد إصابتها، راحت والدتها وزوجها يفتّشان عن بدائل صحّيّة لتحضيرها لها. ومن تلك البدائل البنجر والرمان اللذان يشكّلان مضادات للأكسدة تقتل الخلايا الخبيثة. وبمساعدة والدتها، بدأت تتناول الخضار والفاكهة وتوقّفت عن استهلاك كلّ ما يرفع معدّل الحموضة في الجسم، وعلى وجه الخصوص اللحمة الحمراء والقهوة. وتؤكّد:"أجريتُ بعد ذلك تحاليل أشارت إلى أنّ نسبة القلويّة في جسمي باتت مرتفعة جدّاً، وهذا ما يساعد على التخلّص من الخلايا السرطانيّة".

اقرئي أيضاً: عندما يجتمع الشغف والشجاعة يكون النجاح ثالثهما

ألفت الدسوقي

"من خلال حبّها ودعمها وثقتها واهتمامها، شكّلت والدة زوجي ألفت الدسوقي أمّاً ثانية لي. فكانت مثل والدتي تهتمّ بابني، خصوصاً في الفترات التي لم أكن أريده أن يراني فيها متعبة. فكان يبيت عندها وتوصله في اليوم التالي إلى المدرسة، حتّى لا يشعر بوجود أيّ مشكلة". وكانت الواجبات تنقسم بينها وبين والدة ياسمين. "كانت والدة زوجي تقف إلى جانبي في المستشفى أثناء العلاج، وأتذكّر جيّداً بعد أوّل جلسة علاج كيميائيّ أنّها لم تستطع رؤيتي بالحالة التي كنت أمرّ بها، إذ اعتادت على رؤيتي قويّة لكنّها لم تظهر ضعفها وحزنها لي. فبعدما خرجت من الغرفة واستطاعت تمالك نفسها، وعادت لتدعمني وتقف إلى جانبي".

 

نور الشمّاع

نور صديقة من أصدقاء المدرسة الذين وقفوا إلى جانب ياسمين. وعندما كُشف عن مرض ياسمين، كانت نور مسافرة إلى الساحل المصريّ بعد خوضها تجربة مريرة جدّاً إثر موت طفلها عند الولادة. "عند معرفتها بما حصل لي، لم تصدّق في بادئ الأمر، لكّنها سارعت إلى العودة للوقوف إلى جانبي مع عائلتها". واليوم، تنتظر نور مولوداً جديداً لكنّ ما أخبرت ياسمين به بعد فترة من مرضها أثّر فيها كثيراً، فكانت نور تشعر بأنّ ما حصل لها كان مُقدّراً لتستطيع الوقوف إلى جانب ياسمين، لأنّه لو كان لديها طفل لما استطاعت المجيء لمساندتها.

 

مريم علاء

"علاقتي مع مريم عمادها المرح، فهي محرّك الضحك بالنسبة إليّ. فعندما نجتمع نسرد النكات والأخبار الطريفة والذكريات الجميلة". مريم من أصدقاء ياسمين في الجامعة الذين ساندوها، كانت تذكّرها بمغامراتهما الجامعيّة وتشجّعها على فعلها من جديد. كانت مريم تزور ياسمين بشكل دائم وتخرجان معاً، فتفاجئها على الغداء وتجلب لها ما تحبّه لتأكلا معاً. "أتذكّر قولها لي :أنت بحالة جيّدة ولا تعانين إلاّ القليل من السرطان".

كذلك كان زوج ياسمين من أشدّ الداعمين لها في هذه المرحلة، وتشدّد على أهّميّة وقوف الزوج إلى جانب زوجته المدمّرة على الصعيدين النفسيّ والجسديّ. "نصيحتي لأيّ رجل هي دعم زوجته والوقوف إلى جانبها، فيمكن أن يتعرّض هو أيضاً لحالة مشابهة وهي  بالتأكيد لن تتخلّى عنه".

اقرئي أيضاً: السعوديّات يتولّين قيادة المستقبل

المحافظة على الإيجابيّة

في خلال فترة العلاج، تتغيّر نظرة المرأة إلى الحياة. "شعرتُ بأنّ الله استبدل عينيّ بعينين أخريين وبأنّني متّ وعدت إنسانة أخرى إلى الحياة. فعندما يصل المرء إلى هذه المرحلة ما بين الحياة والموت، يرى أموراً لا يمكن شخص آخر رؤيتها. فبعد إصابتي، أردتُ العيش لأكون سعيدة، فقرّرت أن أترك عملي في التعليم لأنّه لا يُعبّر عن شغفي، وشعرتُ بضرورة قيامي بما أحبّه وبقضاء مزيداً من الوقت مع عائلتي وابني. وبدأت برؤية الأشخاص على حقيقتهم وبالانفتاح على خبرات جديدة لم أكن أقوم بها بسبب خجلي وواحدة منها هي التمثيل". توجّهت ياسمين إلى مدرّب حياة لمساعدتها على محاربة الأفكار السلبيّة والتخلّص منها وتحويلها إلى طاقة إيجابيّة. "فمثلاً، بدل التفكير بمدى تعبي وإرهاقي من العلاج، كنت أفكّر في أنّني أتلقاه لأصبح بحالة أفضل. فأيّ شيء مهما كان سيّئاً يمكن أن يتمتّع بجانب إيجابيّ، ويمكن هذا المرض حتّى أن يغيّر حياتنا إلى الأفضل ويخرج منّا أشياء إيجابيّة لم نتخيّل أنّها موجودة".

بعد انتهائها من العلاجين الشعاعيّ والكيميائيّ، لا تزال اليوم تخضع للعلاج الهرمونيّ الذي من المفترض أن يدوم 7 سنوات، لكنّ أجمل ما في حياتها اليوم هو ابنها الذي تريد أن تستثمر فيه كلّ ما لديها. واليوم بعد تغلّبها على المرض، أصبحت ياسمين مدافعة شرسة تنشر الوعي عن سرطان الثدي، وما جعلها تتوجّه نحو مشاركة قصّتها والقيام بحملات توعية هو عدم المعرفة التي عانتها شخصيّاً عندما أُصيبت بالمرض. "حملات التوعية اليوم ليست كافية ولا فعّالة، فيجب أن تطال مختلف طبقات المجتمع، ليتحلّى الناس بالمعلومات الصحيحة والتعرّف إلى خيارات العلاج المتوافرة، فيستطيعون بذلك التحدّث عن هذا المرض بطريقة عاديّة وسليمة".

 

الكشف المبكر والسرعة في العلاج

تحلم ياسمين باليوم الذي يصبح فيه علاج سرطان الثدي سهلاً ومتاحاً وسريعاً، إلاّ أنّ المطلوب حتّى ذلك الأجل هو المزيد من التوعية. لياسمين أحلام كثيرة تسعى إلى تحقيقها، بينها التمثيل الذي سبق وخاضت غماره والفنّ عموماً، فهي تحبّ الرسم وتصميم الملابس والمجوهرات وتريد أن تترك بصمتها عبر علامة خاصّة بها، لكنّ الجزء الأكبر من أحلامها هو إيصال قصّتها للعالم أجمع لإلهام الناس ونشر التوعية عن سرطان الثدي.

تؤكّد ياسمين أنّ الكشف المبكر والسرعة في العلاج يشكّلان أهمّ عاملين مساعدين في القضاء على سرطان الثدي، إذ ساعداها على احتواء المرض والحدّ من انتشاره. وتوجّه هذه الرسالة إلى كلّ النساء اللواتي بدأن معركتهنّ مع سرطان الثدي: "لا تفقدن الأمل وتحلّين بالقوّة والإرادة، فأنا مررت بهذه المحنة قبلكنّ. ثمّة نساء يسافرن أو يرفضن الخروج من منازلهنّ ليتجنّبن نظرات الناس إليهنّ. لكنّني لم أفكّر في ذلك بتاتاً، وبعض الناس لم يصدّقوا أنّني كنت أعاني المرض لأنّني كنت أهتمّ بنفسي، فأتزيّن وأخرج من المنزل في الأوقات التي أستعيد فيها نشاطي. وعلى النساء عموماً أن يتحلّين بالاستقلاليّة خصوصاً على الصعيد العاطفيّ، حتّى يستطعن إسعاد أنفسهنّ أوّلاً قبل الإعتماد على أيّ شخص آخر".

اقرئي أيضاً: أعطوها حقوقها وخذوا ما يدهش العالم

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث