ظريفة غفاري أصغر رئيسة بلدية أفغانية لاجئة في أوروبا

الإعداد: Pauline Weiss - Marie Claire France

في العام 2018 أصبحت ظريفة غفاري أصغر رئيسة بلدية لأفغانستان. في الـ29 من عمرها هربت السياسية المدافعة عن حقوق المرأة من بلادها التي سقطت في أيدي حركة طالبان في 15 أغسطس 2021 وهي اليوم لاجئة في ألمانيا. كان لمجلّة ماري كلير الفرنسيّة لقاء بها خلال زيارة سريعة لها إلى باريس.

اقرئي أيضاً: Maisa Al Hooti: أرى في الرياضات المائية، لا سيّما الغوص، فرصة لتحدّي نفسك بطرق لم تحلمي بها بعد

في العام 2018 كان اسمها على كلّ لسان في أفغانستان. ففي الـ26 من عمرها فقط عُيّنت ظريفة غفاري رئيسة بلدية ميدان شار وهي بلدة صغيرة يبلغ عدد سكّانها 35 ألف نسمة في ولاية وردك الواقعة على بعد خمسين كيلومتراً من كابول.

ومنذ تلك اللحظة أصبحت غفاري واحدة من المستهدفين من قبل حركة طالبان. بعد وصول طالبان إلى كابول في 15 أغسطس 2021 وبعد هجوم سريع هربت ظريفة غفاري من منزل إلى منزل وحرصت على تغيير موقعها بانتظام حتى لا يتم العثور عليها.

تمكّنت بعد أسبوع أخيراً من الوصول إلى مطار كابول مختبئة في سيارة. وبمساعدة السفيرة التركية في أفغانستان، تمكّنت ظريفة غفاري وزوجها من اللحاق برحلة متّجهة إلى اسطنبول ثمّ سافرا من هناك إلى ألمانيا حيث أصبحت لاجئة.

منذ وصولها إلى أوروبا أجرت ظريفة غفاري الكثير من المقابلات وظهرت على وسائل الإعلام الدولية في مناسبات كثيرة وجعلت نفسها بمثابة الناطقة باسم الشعب الأفغاني ولا سيما النساء الأفغانيات، أوّل ضحايا عودة طالبان إلى السلطة.

وكونها شخصية مناضلة من أجل حقوق المرأة في بلدها وعلى الصعيد الدولي، تستخدم غفاري وسائل التواصل الاجتماعي لتذكّر كيف اكتسبت النساء الأفغانيات حقوقاً جديدة لهنّ في السنوات الأخيرة.

قتل الأب على يد طالبان عام 2020

منذ تولّيها منصب رئيسة بلدية ميدان شار عام 2019 تعرّضت ظريفة غفاري للتهديد المستمرّ بالقتل من قبل طالبان. لكن بعد أن نجت من محاولات اغتيال كثيرة، كان والدها عبد الواسع غفاري العقيد السابق في الجيش الأفغاني هو الضحيّة إذ قُتل بالرصاص خارج منزله في كابول في نوفمبر 2020.

وعندما سُئلت آنذاك عن الموضوع في مقابلة مع صحيفة New York Times أوضحت الناشطة أن هذا الهجوم كان حتماً من فعل حركة طالبان بما أنّها لم تنجح في قتلها. كما صرّحت لصحيفة Ouest-France في مطلع هذا العام: "لقد قتلوه لكي أستقيل. لكن تكريماً لذكراه لا يمكنني الاستسلام".

"لقد قتلوه لكي أستقيل."

بعد أن أصبحت ظريفة غفاري رمزاً للنضال في بلد لا يزال فيه التمثيل السياسي للمرأة ضئيلاً، سافرت إلى الولايات المتحدة في مارس 2020 لتستلم الجائزة الدولية للمرأة الشجاعة من Melania Trump.

 

رحلة سريعة إلى باريس

كانت ظريفة غفاري في باريس يومي 2 و 3 سبتمبر بعد قدومها من ألمانيا فالتقت أصغر رئيسة بلدية لولاية أفغانيّة بالوزيرة المسؤولة عن المساواة Élisabeth Moreno بالإضافة إلى رئيسة بلدية باريس Anne Hidalgo بمناسبة مؤتمر تضامن حول أفغانستان.

وقد التقينا بها بعد ماراثون من المقابلات يوم الجمعة 3 سبتمبر. بعد أن قضت يوماً طويلاً ومتعباً في باريس، وافقت ظريفة غفاري على الرد علينا. اقتصرت مقابلتنا على عدد قليل من الأسئلة وتم تحذيرنا بأنّ رئيسة بلدية ميدان شار السابقة التي تعبت جداً في الأيام الأخيرة يجب أن تذهب إلى المستشفى لإجراء تقييم كامل بعد عودتها من أفغانستان.

كانت هذه الشابة أمامنا مصمّمة على عدم التخلّي عن شعبها حتى لو كان ذلك يعني إجراء حوار مع أؤلئك الذين أجبروها على الفرار.

هلّا تخبرينا عن سبب زيارتك اليوم، وكيف وصلت إلى هنا؟

لن أتحدّث عمّا فعلته سابقاً لأنّ الأمر انتهى. اليوم أنا شخص مشّرد اضطر إلى مغادرة بلده. أنا هنا أولاً وقبل كل شيء لأنقذ حياة عائلتي والأهم من ذلك، لأعطي صوتاً للشعب الأفغانيّ الذي لا صوت له.

أنا هنا لأعطي صوتاً للشعب الأفغانيّ الذي لا صوت له.

ماذا حدث معك منذ بداية شهر أغسطس؟

سيستغرق ذلك وقتاً طويلاً لكن يمكنني القول إن الأوقات التي نعيشها فظيعة... وعندما أقول "فظيعة" يكون الواقع أكثر فظاعة بعد ممّا يمكن لأي شخص أن يتخيّله. فقد رأينا مستقبلنا والعالم الذي بنيناه لأنفسنا يتدمّر. والأمور التي حقّقناها ولا سيما على مدى السنوات العشرين الماضية حقّقناه بمفردنا. وها قد أتت حركة طالبان لتدمير كل شيء.

كيف كانت حياتك اليومية في أفغانستان قبل بدء هجوم طالبان، أثناء طفولتك ثمّ في شبابك؟

كنت طفلة عندما استولت طالبان على السلطة للمرّة الأولى في أفغانستان (في العام 1996). عندما أفكّر في تلك الفترة أذكر فقط صوراً قديمة بالأبيض والأسود عن الحياة في كابول.

وعندما خرجت حركة طالبان من البلد أذكر التطور الذي حدث. كان علينا أن نبذل قصارى جهدنا من أجل إعادة بناء البلد. أذكر جيلًا تعب كثيراً. واليوم، للأسف أرى جيلاً يدفع ثمناً غالياً من أجل الصداقة مع المجتمع الدولي. في بعض الأحيان تكون الصداقات جيّدة، لكن هذه المرّة الثمن الذي ندفعه للمجتمع الدولي وشراكاته الاستراتيجية باهظ جداً.

الثمن الذي ندفعه للمجتمع الدولي باهظ جداً.

أنت الآن لاجئة في ألمانيا. ماذا ستفعلين في الأسابيع القادمة؟

أنا هنا لأتحدث عن شعبي ولأمثّله. والأهم من ذلك أنّني هنا لأضغط على باكستان لوقف تدخّلها في أفغانستان. يجب أيضاً الضغط على قادة طالبان. فلم يعد بإمكاننا تجاهلهم.

لسوء الحظ، قادنا المجتمع الدولي إلى الوضع الذي نحن فيه اليوم. لن يتمكّن من طردهم من أفغانستان مرّة أخرى. لذلك أعتقد أنه من المهمّ الجلوس وإجراء حوار معهم. يجب أن نبدأ بالمفاوضات.

أمّا على المدى الطويل فلديّ بعض الأفكار حول كيفية مساعدة النساء اللواتي بقينَ في أفغنستان وتحديداً النساء الأكثر ضعفاً اللواتي يعشنَ في الريف، وأولئك اللواتي لم يحصلنَ على حقّ التعلّم.

عندما أصبحت رئيسة بلديّة عام 2018، كنت تتعرّضين للتهديد المستمرّ من قبل طالبان. كيف كنت تعيشين في تلك الفترة؟

فعلت كل شيء بشكل مختلف عمّا كان يفعله الآخرون. كان من المثير للاهتمام أن أخوض تحديات جديدة. كنت أعيش المعركة تلو الأخرى، كلّ صباح من اللحظة التي أستيقظ فيها وحتى خلودي إلى النوم.

أتوا إلى منزلي، أخذوا سيّارتي، ضربوا حرّاسي وأخذوا أسلحتهم وذهبوا ليخيفوا أصدقائي (...)

بعد وصول طالبان إلى كابول في 15 أغسطس 2021 ، قلتِ: "سيأتون ويبحثون عن أشخاص مثلي وسيقتلونني". هل كنت مقتنعة أنك ستموتين إن بقيت في أفغانستان؟

إذا غادرت أفغانستان فليس لأنّني كنت أخشى أن أموت. أضفت شيئًا آخر إلى تلك الجملة وأودّ أن أكرر ذلك: "لا أريد أن أغادر".

أتوا إلى منزلي، أخذوا سيّارتي، ضربوا حرّاسي وأخذوا أسلحتهم وذهبوا ليخيفوا أصدقائي في أماكن مختلفة فقط ليجدوني. وبالرغم من كل ذلك لم أكن عازمة على المغادرة. مكثت هناك طوال خمسة أيام.

ماذا تركت ورائك في أفغانستان؟

تركتُ عالمي وأحلامي ونفسي. تركتُ كلّ شيء. وعندما أقول "كل شيء" أعني ذلك حقاً.

هل لديك رسالة للقادة الدوليين؟

الرسالة واضحة: الضغط على باكستان لمنع البلد من التدخل في أفغانستان. يجب أن يتوقّف ذلك قبل الحرب والرعب وقبل أن تحرق هذه النار جيلاً جديداً ودولة وهوية. يجب فعلاً أن نتصرّف إذ لا يوجد أي ضمان بألّا يتكرّر هجوم 11 سبتمبر في أي مكان في العالم.

بالإضافة إلى ذلك، لا بد من إجراء حوار مع حركة طالبان والضغط على قادتها لقبول حقوق الإنسان الأساسية. يجب أن يكون ذلك من الأولويات إذا كانوا يريدون حقاً أن يحكموا، بخاصة في ما يتعلّق بالنساء. لن يكونوا قادرين على الحكم بدون 50٪ على الأقل من سكان أفغانستان.

لا بد من إجراء حوار مع حركة طالبان والضغط على قادتها لقبول حقوق الإنسان الأساسية

الرجاء مساعدة النساء الأفغانيات! لقد كافحت النساء الأفغانيات ولم يشاركن في الفساد أو الصراع أو الحرب. علينا مساعدتهنّ بغض النظر عن المكان الذي يعشنَ فيه وبغض النظر عمّن يدير البلاد. يجب الاهتمام بتعليمهنّ بشكل خاص وبحصولهنّ على التعليم الابتدائي. بعد ذلك، سيكون لديّ اقتراحاتي وسأكون مستعدّة للحوار مع طالبان.

في ما يتعلّق بنا، كيف نستطيع مساعدة الأفغانيات المتروكات؟ فهل تنصحيننا بالتبرّع للمنظّمات غير الحكومية للمساعدة في بناء المدارس؟

من الآن فصاعداً، لا أظنّ أننا سنتمكّن من بناء مدارس لكن يمكننا تعليم نساء القرى في بيوتهنّ. هذا هو الأهمّ. عندما كانت حركة طالبان في السلطة في أواخر التسعينيات، كنت لا أزال طفلة. وكنت أذهب إلى مدرسة في قبو أحد المنازل حيث كانت امرأة تعلّمنا.

أظنّ أنّنا نستطيع تنظيم الشيء نفسه اليوم باستخدام المزيد من المعدّات فلدينا إنترنت في أفغانستان لذا يمكننا إعطاء أجهزة كمبيوتر للأطفال. وهناك فرق كبير الآن ففي معظم العائلات هناك فتاة أو امرأة واحدة على الأقلّ قد حصلت على التعليم الأوليّ.

اقرئي أيضاً: Nouf Alosaimi: يتكلّم كلّ الغواصين لغة البحر فتشعرين أنّك متساوية معهم وتنتمين إلى هذا المجتمع

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث