https://marieclairearabia.com/%D9%85%D9%86%D9%88%D8%B9%D8%A7%D8%AA/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9/%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B4%D9%87%D8%B1-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%86%D9%81%D8%AC%D8%A7%D8%B1-%D8%A8%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%AA-%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7

بعد شهر على انفجار بيروت: "هذه جريمة ضد الإنسانيّة"

الإعداد: Marie Claire UK - MARIA COOLE

نادين لبكي أسطورة لبنانيّة – إنّها المخرجة والممثلة والناشطة السياسيّة وراء فيلم "كفرناحوم" المرشّح لجائزة الأوسكار. في مقابلة حصريّة، تتحدّث إلينا عمّا ينتظر وطنها المضطرب.

شاهدنا جميعاً اللقطات المروّعة لانفجار 4 أغسطس في بيروت. انفجار هزّ مرفأ المدينة ودمّر أكثر من نصف العاصمة اللبنانيّة. إنّها مأساة أسفرت عمّا لا يقل عن 190 قتيلاً و6500 جريح وتركت بيروت في حطام. وبدافع من هذا الحدث الزلزاليّ، يتجمّع المتظاهرون المناهضون للحكومة يوميّاً في شوارعها المدمرة وفي ساحة الشهداء الشهيرة.

وشهد الانفجار، الذي يُعتقد أنّه نتج عن 2750 طناًّ من نترات الأمونيوم التي تم تخزينها بشكل غير آمن، اعتقال عشرين مسؤولاً فقط حتى الآن. وتستمر مزاعم سوء الإدارة في ما يتعلق بتخزين المادة، بعد أن تم الإعراب عنها مؤخراً في أكتوبر 2019 في ظلّ الاضطرابات المتواصلة حول الفساد الحكوميّ والصعوبات الاقتصاديّة.

نادين لبكي، إحدى أكبر النجوم والناشطين السياسيّين في لبنان، تتحدث مع صديقها الصحفي Andrew Threlfal عن تداعيات الأزمة. وتجدر الإشارة إلى أنّ أعمال لبكي تغطي مجموعة من القضايا السياسيّة مثل الحرب والفقر والنسويّة. كذلك، فاز فيلمها الأخير "كفرناحوم" بجائزة السعفة الذهبيّة في مدينة كان الفرنسيّة، كما حازت فخر كونها أوّل مخرجة عربيّة ترشح لجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم بلغة أجنبيّة.

نادين، أين كنت عندما وقع انفجار بيروت؟

يقع منزلنا في أحد أقدم مناطق بيروت المسمّاة الأشرفيّة. وتواجدت عائلتي هناك لمدة أربعة أشهر أثناء الإغلاق، إلّا أنّنا انتقلنا مؤخراً على بعد بضعة كيلومترات. برعب كبير،.شاهدت كلّ ما حصل بصورة مباشرة على شاشة التلفزيون وبصراحة، لا أستطيع أن أتخيّل ما كان سيحدث لو تواجدنا في المنزل. وبالفعل، تحطّمت جميع نوافذنا وأبوابنا في الأشرفيّة، وسيتطلب المكان بعض الوقت قبل أن يصبح صالحاً للسكن.

إنّني محظوظة جداً لأنّ طفليّ لم يشهدا الانفجار بشكل مباشر. حيث لا توجد عائلة واحدة في بيروت لم تعش قصة دمار شامل. ومن محيطي، توفّي والد معلّم ابني وأعرف الكثير من الأشخاص الذين أصيبوا بجروح بالغة أيضاً.

كيف كان رد فعلك على الأرض بعد مشاهدة مثل هذا الحدث المروع؟

اتصلت بالكثير من الأصدقاء وسمعت من كلّ واحد منهم عبارة،"لقد دُمّر كلّ شيء". عندها فقط أدركت حجم الانفجار. إذ تدمّر ما يقارب نصف المدينة. وجلست في صمت مذهول، لأنّني اعتقدت أنّها قنبلة نوويّة في البداية، والدمار في مدينتي الجميلة يوازي بالضبط آثار قنبلة نوويّة. حتى أنّ الأمر حصل بعد 75 عاماً على إلقاء القنبلة الذريّة على اليابان.

مع هذا القدر الكبير من الدمار في كلّ مكان، ما الصور التي لن تنسيها أبداً؟

كان ثمة أشخاص ملطخون بالدماء والغبار في جميع الأرجاء، وآخرون يخرجون من المباني بعيون فارغة وبدون النطق بأيّ كلمة. فضلاً عن الصيحات القليلة التي مزّقت الصمت التام. بالفعل، كان الأمر مزعجاً جداً ورأينا الناس يمشون وكأنّهم فاقدين الحس، وبدون أن يسيروا فعليّاً إلى أيّ مكان. شعرت وكأنني أشاهد الموتى يمشون.

يشتهر اللبنانيون بصمودهم، غير أنّ هذا الحدث يبدو وكأنّه الضربة القاضية. هل تشعرين كذلك؟

كلّنا مصدومون بطريقة أو بأخرى. فالكثيرون منّا عاشوا الحروب وهذه الكارثة الآن. وأكره أن أقول ذلك، إنّما يبدو أنّ هذا كان مصيرنا. غير أنّ اللبنانيون متعبون بحق، لأنّنا نريد أن نعيش حياة طبيعيّة. وبرأيي، يبدو الأمر وكأنّه جريمة ضد الإنسانيّة. لكن إذا بقي العالم صامتاً حيال ما حدث، فهو يتواطأ مع هذه الجريمة التي ارتكبها مَن سمح بتخزين المواد الخطرة. ويحتاج العالم إلى الاستمرار في تذكّر حقيقة واحدة، ألا وهي أنّ هذه كارثة من صنع الإنسان وليست كارثة طبيعيّة. وقد أدى ذلك إلى الإهمال المباشر والفساد والغباء وعدم الكفاءة. مرّ شهر على انفجار بيروت ولا يزال لدينا شعور بأنّنا سنستيقظ من هذا الكابوس، وبالنسبة إلينا في بيروت يبدو الأمر سرياليّاً.

كيف تعتقدين أن هذا سيؤثر على جيل الشباب، الذين يحتجّون على الطبقة السياسيّة الفاسدة؟

قلبي ينفطر على اجيال الشابة، لا سيّما عندما أراهم في الشارع ينظفون الأنقاض يوماً بعد يوم بدون مساعدة من الحكومة. يجب أن يستمتعوا بالحياة ويضعون الخطط ويسافروا، لكن بدلاً من ذلك إنّهم يتعرضون لهذا الدمار الشامل. إنّهم يجمعون بقايا منازل محطمة وحياة محطمة. إلّا أنّ هذا الظلم خلق أيضاً شعوراً رائعاً بوجود دافع لتغيير العالم وتحويل واقع لبنان. كذلك، بعد كلّ الإمدادات المفقودة في الانفجار، أعتقد حقاً أنّ الزراعة المنزليّة المستدامة تمثل واحداً من الحلول.

ما الدروس التي يمكن أن نتعلّمها جميعاً من هذه المأساة الرهيبة؟

يحتاج كلّ شخص إلى مهمة في الحياة، ومهمتي تدفعني إلى صنع أفلام للمساعدة على تغيير النظام إلى الأفضل. فالمجتمع لم يعد نافعاً، لا بل لم يعد أيّ جزء منه فعّال. فأنظمتنا تفشل، ليس في لبنان فحسب، إنّما أيضاً في جميع أنحاء العالم. وبات مفهوم التمثيل ووجود الحدود ، كلّها مفاهيم سخيفة جداً. والأشخاص الذين لا ينتمون إلى النظام مستبعدون ومهمشون.

يسلط فيلمك "كفرناحوم" الضوء على محنة 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان. ولا بدّ من أنّك مسرورة جداً بما حدث لزين الرافعي، الصبي اللاجئ الذي اخترته من الشوارع ليكون نجمه؟

أيقنت أنّ زين ذكي وجذاب منذ المرة الأولى التي قابلته فيها. وفكّرت أنّ مستقبل هذا الطفل لا يمكن أن يتجسّد في نموه في الشوارع. بحيث كان مميزاً بالفعل، وأنا سعيدة لأنّه يعيش في النرويج ويتحدث النرويجيّة والإنجليزيّة بطلاقة. إذ عندما عرفت زين للمرة الأولى، لم يكن بإمكانه الكتابة بالعربيّة، والآن ها هو يبعث لي رسائل نصيّة بالعربيّة. إذاً نعم، ينتظر زين مستقبل عظيم.

وكيف يمكننا المساعدة في إعادة بناء مستقبل بيروت؟

الضمانة الوحيدة تقضي بإعطاء المال للأشخاص العاملين في إعادة الإعمار على الأرض، إلى الأشخاص الذين يقومون بإطعام وإيواء 300 ألف مشرد جديد.

* كيفيّة مساعدة ضحايا انفجار بيروت

أرسلوا تبرعاتكم إلى أيّ من هذه الجمعيات الخيريّة، التي ليست بمنظمات تديرها الحكومة اللبنانيّة: الصليب الأحمر اللبناني، Offrejoie وImpact Lebanon.

اقرئي أيضاً: كارما إكمكجي: "تحتاج النساء إلى مواصلة النضال للوصول إلى مناصب رفيعة المستوى"

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث